جزء من ذكريات المعاق؛ علي صفاتي خضر

اختاره: موقع التاريخ الشفوي
المترجم: السيد محسن الموسوي

2025-06-01


في الأيام الأخيرة من شهر آذار، وصلتنا أخبار من مقر كربلاء مفادها أنه يجب علينا جمع كل الموارد بأسرع وقت ممكن والتحرك نحو منطقة الغرب. لقد كانت أخبارًا غير متوقعة. كان الطريق الأول هو الأهواز، وكان علينا أن نحصل على العنوان من هناك. وفي تنفيذ هذه المهمة، كان علي الأخ "جوكار" أن يتحمل مسؤولية القافلة الأولى، وعليّ ما يتبقي. وأخيراً، بعد إكمال الاستعدادات، انتقلنا من منطقة الجنوب إلى منطقة الغرب، وبعد أن قطعنا المسافة الواقعة بين الأهواز حتى إسلام آباد، حصلنا على عنوان المنطقة المطلوبة من مقر النجف. برفقة شقيقين آخرين يدعيان "راستي وكشكولي"، انطلقنا إلى تلك المنطقة بسيارة لاند كروزر قبل الآخرين. بعد أن مررنا جيلان غرب، واصلنا السير على الطرق الوعرة والترابية والجبلية نحو الشيخ صالح حتى وصلنا إلى الشيخ صالح بعد بضع ساعات، متعبين وجائعين. كانت تشير الأدلة إلى أن هناك عملية وشيكة. لهذا السبب كنا متحمسين للغاية، وكلما تقدمنا، كلما أصبحنا أكثر سعادة. وصلنا أخيرا إلى العنوان المحدد، والذي كان ثكنة عسكرية. كنا نقود على طرق جبلية صعبة لبعض الوقت عندما وقعت عيني فجأة على علامة تحدد المسافة حتي "دو آب"، وبعد فترة وصلنا إلى نهر دو آب. وفي هذه المنطقة كان المقاتلون منشغلين بالتحضير للعملية. لقد كنت متأكدًا تقريبًا من أن هناك عملية جارية.

لما وصلنا إلى الإخوة الذين سبقونا، غمرتنا السعادة عندما رأينا بعضنا البعض. وبعد أن استرحنا لبعض الوقت وتناولنا وجبة خفيفة، علمنا أن المقاتلين في الليلة السابقة اجتازوا عوائق العدو على محور واحد وتقدموا إلى الأمام. وبعد فترة قصيرة، أُعطيت لنا مهمة بناء اثنين من"خضر[1]" على  فوق نهر السد في بنديجان. لقد كانت مهمة صعبة للغاية. التيار المائي القوي كان يمنع إنجاز العمل، وكانت طائرات العدو تهاجم مواقعنا عدة مرات في اليوم من جانب آخر. لكن الصعوبات لم تكن قادرة على مواجهة الإرادة الحديدية والحافز الذي يتمتع به المناضلين. تم الانتهاء من التحضيرات للعمل، ولكن كان علينا الانتظار يومين حتى يصل الطريق الذي كان يقوم الإخوان في جهاد ببنائه إلى موقع الجسر. ولكي لا نبقى عاطلين عن العمل عملنا مع إخواننا في الحرس الثوري الإيراني على نقل منشآتهم خلال يومين. وكان لا بد من إعداد هذه الجسور لكي يتمكن جيش النجف من المرور من خلالها. كان الطريق يقترب ببطء.  أنا ذهبتُ مع قائد فرقة النجف الأشرف إلى المكان بالقارب لاستطلاع المنطقة وتركيب الجسر. تم تحديد الموقع، لكن هناك خطرين رئيسيين يهددان العمل: تدفق المياه وطائرات العدو. لم يكن هناك خيار، كان علينا أن ننشغل. أثناء نقل أجزاء القوارب، حلقت فوقنا طائرات العدو عدة مرات وهاجمتنا بالصواريخ والقنابل العنقودية،  لكن  المقاتلين كانوا عازمين على إنجاز المهمة. في ليلة نيروز عام 1988، عبرنا بعض الجسور فوق الماء، وأخيراً، مع السائق وشاحنة القطر، انطلقنا لمسافة ما على الماء. كان جميع الجنود مشغولين ولم يكن لديهم لحظة من الطمأنينية. بعضهم كانوا ينقلون المعدات الحربية، وبعضهم ينقلون الأسرى، وآخرون يقودون قبائل المنطقة المحررة إلى المنطقة الواقعة خلف الجبهة.

 للمرة الأخيرة، وقعت عيناي على الخيمة التي كنا نستخدمها كمأوى ومخبأ. وفي تلك اللحظة، لاحظت الدخان يحيط بي. لم أعد أستطيع الوقوف أو الحركة. كان جسدي كله يحترق والدم ينزف منه. لقد شعرت وكأنني أُسحق على الأرض. لم يكن هناك أحد لمساعدتي سوى الله. نظرت فلم أجد أحداً حولي. لقد أعددت نفسي للشهادة وقلت الشهادتين. كان اهتمامي الرئيسي هو التأكد من أنه في هذه اللحظات الأخيرة من حياتي، لن يتجه انتباهي إلى أي مكان آخر وأن أهمل ذكر الله. لا يشغلني الألم والجرح عن ذكر الله.

لقد سيطر الألم المبرح على كياني بأكمله. لم يكن لساني قادرا على التكلم. لقد كان الظلام دامساً أمام عيني. وفي زاوية العوامة، رأيت أخًا آخر أصيب بشظايا. لقد أدركت للتو أن العوامة كانت خارج الخدمة وأن التيار  المائي كان يحملنا نحو العدو. لقد كان وقتا صعبا. لقد بدأت أستعيد وعيي ببطء. دخلت عدة شظايا إلى جانبي واخترقت جلد بطني، وأصابت عدة شظايا أخرى ساقي اليمنى. لفترة وجيزة، وقع نظري على المقر الرئيسي والمقاتلين. كان عدد من المناضلين مصابين ويتخبطون في الزوايا. شعرت وكأنني لم أعد أستطيع فعل أي شيء ولم تعد لدي القوة للقيام بأي عمل أو نشاط. إذا تحركت، فإن القارب سوف ينقلب وسيكون هناك احتمال كبير للغرق. وكان القارب يقترب ببطء من العدو. كان الموت يلوح في ذهني في كل لحظة، رغم أن فكرة الاستشهاد كانت حلوة بالنسبة لي. فجأة سمعتُ صوتا. استدرت ورأيت قاربًا قادمًا نحونا. وعندما اقتربوا، أدركت أنهم اثنان من مراهقي الباسيج. جاء أحدهم إلى قاربنا، و بكل صعوبة أخذني وشخصًا آخر مصابًا إلى قاربه، واتجه إلى الشاطئ. وبعد أن وصلنا إلى البر، أخذوني إلى غرفة الطوارئ بالفريق. بعد عبور الطرق المتعرجة والمسارات المتعرجة عبر الجبال العالية، أخذوني إلى مستشفى صحراوي. وبعد أن فحصني الطبيب، أمر بنقلي إلى باختران بواسطة المروحية، ولكن على ما يبدو لم يكن هناك مكان في المروحية واضطروا إلى نقلي إلى باختران في نفس سيارة الإسعاف. وعلى طرق جبلية وعرة، عطشانا، ومتألما، ونازفا بغزارة، سافرنا قرابة الساعتين عبر الجبال والوديان حتى وصلنا إلى مستشفى الإمام الحسين (ع) في باختران.

بعد أن استعدت وعيي، وجدت نفسي على سرير في المستشفى مع عدة أنابيب متصلة بجسدي وضمادات تغطي معدتي بالكامل وإحدى ساقي. في ذلك الوقت، لم أكن أعرف بعد أين أصابتني الشظايا، على الرغم من أنني علمت لاحقًا من الطبيب أن الشظايا أصابت جزءًا من الكبد والرئة والحجاب الحاجز، وأنني فقدت المرارة، وأن اثنتين من فقرات أسفل الظهر تضررتا أيضًا. ولم يكن أحد من معارفي يعلم بحالتي، وبما أنني أصبت على متن القارب، فقد افترض أصدقائي أنني استشهدت، فبحثوا في مياه المنطقة عن جثتي. في أول أيام عيد الفطر عام 1988، عندما تم بث احتفال رأس السنة على الراديو، لم يكن أحد من عائلتي يعلم ما هي حالتي. بعد ثلاثة أيام تم نقلي إلى أصفهان بالطائرة العسكرية وتلقيت العلاج في مستشفى الشهيد شمران. بعد أيام قليلة من العلاج، تم نقلي إلى شيراز - مستشفى الشهيد فقيهي - بناءً على طلبي. وبعد ذلك بوقت طويل، وبعد التعافي الجزئي، خرجت من المستشفى وذهبتُ إلى الجبهة.[2]

النص الفارسي

 

[1] - نوع من الجسور شبه العائمة التي تتحرك على الماء باستخدام حبل سحب وجرار وهي قادرة على نقل المعدات الثقيلة.

[2] - همداني،ع.ك، ذكريات المعاقين، نشر المعاونية الثقافية والاجتماعية والفنية في مؤسسة المستضعفين والمعاقين في الثورة الإسلامية، سنة 1370 الشمسية، ص 121.



 
عدد الزوار: 17



http://oral-history.ir/?page=post&id=12608