رواية الدكتور محمد باقر كتابي حول حادثة مدرسة فيضية

اختارته: فائزة ساساني خواه
المترجم: السيد محسن الموسوي

2025-05-10


في أيام عيد سنة 1963، قدم عشرات الآلاف من الناس إلى قم ليقضوا أيام العيد في أرض القداسة ويستفيدوا من بركتها، وفي نفس الوقت ليروا ويسمعوا خطط وتحركات قائدهم الديني، حتي يأخذوا هذه الرسائل إلى بلادهم ومدنهم المختلفة.

لقد ارتعب الشاه وعماله من هذه الحقيقة العظيمة، وأرادوا أن يقطعوا الماء من منبعه. وقد تم الهجوم على مدرسة فيضية وفقًا لهذه الحسابات والإعدادات المسبقة، وكان هدفهم عدة أمور: الأول قمع الناس الثوار والمجاهدين المسلمين، الثاني قمع رجال الدين، وخاصة الشخصية الأولى، أي الإمام الخميني، الذي كان عصارة الكفاح والمقاومة وقلعة الإسلام والمسلمين.

والثالث أن يظهروا أن المعارضين (للحضارة الكبرى)، حتى وإن كانوا شخصيات دينية كبيرة، ليسوا بمنأى عن الخطر.

في صباح اليوم الثاني والعشرين من مارس سنة 1963، الموافق لــــ 25 شوال 1382 هجري قمري وسنوية وفاة الإمام الصادق عليه السلام، كان من الواضح أن الحافلات التابعة لـ"شركة واحد" كانت تدخل قم باستمرار، وتركب ركابها الذين كانوا يرتدون ملابس مختلفة مثل عمال وفلاحين وغيرهم. وكان يبدو أن كثرة الركاب وعدم وجود حافلات كافية قد تسببت في هذا الوضع، وكان هؤلاء الزوار يأتون للزيارة، دون أن يعرفوا أن المسافرين كانوا جلادين قادمين لارتكاب الفساد، وسفك دماء الأبرياء، وضرب الأحرار والمجاهدين في سبيل الحق. كانوا ذئابًا في شكل بشر، قادمين للتمزيق والتمثيل بالجثث، وإحراق وقتل الناس، ومغادرة المكان.

بعد وصول الحافلات، دخلت عشرات الشاحنات العسكرية المزودة بالمدافع الثقيلة، محملة بالجنود، إلى قم، وأجروا مناورة في المدينة. ربما لم يكن أحد يعلم في ذلك اليوم عن العلاقة المشؤومة بين أولئك الركاب وجنودهم المسلحين، وأن فيضية كانت على وشك أن تشهد حادثة مروعة. كان الجميع في حالة تأهب، وكانت الأجواء في قم متوترة للغاية.وأنا شخصياً كنت أقرأ العديد من البيانات المتشددة، وكنت أرى مجموعات من الناس يتجمعون في أماكن مختلفة، يتحدثون عن الأحداث المتوقعة.

 كان الحزن يملأ الأجواء، والناس كانوا في حالة من التوتر والترقب، وكأن العيد قد تحول إلى عزاء. في منزل العديد من العلماء، كانت مجالس العزاء قائمة، وخاصة في منزل الإمام الخميني رحمه الله، حيث كانت الحشود الغفيرة من الناس تتجمع لبدء العزاء. وتحدث المتحدث من على المنبر عن كفاح الإمام الصادق عليه السلام ضد حكومتي الأمويين والعباسيين، وكيف أن تلك الحركات كانت تهدف إلى انتهاك الإسلام وشعب إيران. وفجأة، انطلقت صيحات التكبير بشكل غير مناسب، مما أدى إلى قطع خطاب الواعظ وتحويل الجلسة إلى فوضى. وذهب الخبر إلى الإمام الذي كان في المنزل، فخرج شخصيًا إلى الجمهور وأرسل من خلال أحد طلابه رسالة بأننا سننتقل فورًا إلى صحن السيدة المعصومة عليها السلام إذا استمر هذا السلوك غير اللائق، وقال لهم: "إذا حدث أي تصرف غير لائق، سننتقل إلى الضريح الطاهر ونخاطب الناس هناك." وبفضل هذه الرسالة، هدأت الأوضاع.

في عصر اليوم نفسه، أي  اليوم الثاني والعشرين من مارس 1963، أعلن آية الله العظمى كلبايكاني عن إقامة عزاء في مدرسة فيضية. قبل بدء الجلسة، كانت الشاحنات العسكرية متوقفة في ميدان آستانة أمام المدرسة، وكانت القوات الأمنية منتشرة حول المدرسة.

كان هناك حركة غير عادية في المدينة، حيث كان الناس يأتون من كل حدب وصوب، مما كان يشير إلى حالة غير اعتيادية.عندما دخلت إلى فيضية قبل بدء العزاء، لم يكن هناك عدد كبير من الناس بعد.

جلستُ في أحد الأروقة بانتظار الواعظ، وبينما كان مختلف الفئات من الناس يدخلون، امتلأت الساحة بالأشخاص حتى تغطيهم الحشود. بدأ الواعظ، الذي أظن أنه كان السيد أنصاري، بالحديث عن الإمام الصادق عليه السلام ونضاله وتعاليمه. وبينما كان الواعظ يتحدث عن دور الحوزة العلمية في قم كجامعة للإمام الصادق(ع) وأن استقلال البلد وحفظ الأحكام الإسلامية يرتبط معه بشكل مباشر، وفي  هذا الوقت شاهدتُ أن أحدا من بين الناس صلّ علي محمد(ص) بغير سبب والناس بطبيعة الحال تابعوه وصلوا علي محمد(ص) بعده. بدأ الواعظ بالحديث مرتين، ثم صلّ شخص من الزاوية الأخرى علي محمد(ص)بصوت عالٍ، وبدأت عملية الصلاة علي محمد(ص) الجماعية. ومن المؤكد أن بعض الناس لم يكونوا يعلمون أن هذا العمل كان أمراً غير عادي وكان المقصود منه تعطيل مجلس العزاء.

وفي المرة الثالثة والرابعة وربما الخامسة، صلّ الصلاة من زاوية من قبل أشخاص مجهولين بملابس ريفية وما شابه، فتعطل الاجتماع، واضطر الواعظ إلى الجلوس صامتاً على المنبر، فأُعيق كلامه. حتى أنني أتذكر الخطيب على المنبر وهو أخذ بلحيته وقال: "أوقفوا الصلاة حتى يعود الكلام إلى مجراه الطبيعي"، ولكن الصلاة كانت تبدأ من زاوية أخرى.

وفي الوقت نفسه، قام أحد رجال الدين في الاجتماع، عندما رأى الناس من حوله يرسلون أدعية غير لائقة، باعتراضهم، وتعرض فجأة لهجوم من قبل نفس الضباط المتفرقين والمستعدين الذين كانوا يجلسون بالقرب من منير. ورغم أن الواعظ حاول جاهداً تهدئة الجماعة ومواصلة خطبته، إلا أن الأمر كان مختلفاً، وكانت الدعوات غير اللائقة ترتفع من كل أرجاء الجماعة، وربما كان الناس الذين لم يفهموا ما يحدث يرسلون الدعوات من أجل صمت الجماعة. والواعظ الذي وجد نفسه أمام مثل هذا الموقف صرخ: "أيها المسلمون الذين قدموا من كل حدب وصوب إلى هذه المدينة المقدسة، عند عودتكم إلى مدينتكم، أخبروا الناس أنه لم يعد مسموحًا لنا ذكر مأساة رئيس الطائفة الجعفرية، لم يعد الكلام ممكنًا". نزل الخطيب من المنبر، وأخذ أحد الأشخاص المعروفين الميكروفون وصاح: "بروح المرحوم جلالة رضا شاه المنتصر، انقطع الصوت، وطلب منه بعض الناس أن يسكت، وسادت الفوضى في الاجتماع. 

هاجمت مجموعة من القوات الحكوميين، ربما كان عددهم يتراوح بين سبعمائة إلى ألف شخص، وكانوا يرتدون ملابس الفلاحين، المعزين الأبرياء بالعصي وغيرها من الأدوات، وضربوهم وصرخوا باستمرار. وأصبح الجمع مثل لفافة، كلهم ​​واقفون، بعضهم يركضون، بعضهم يسقطون فوق بعضهم البعض، بعضهم يصرخون، وبعضهم مذهولون، لا يعرفون ماذا يحدث؟.

لقد رأيت طلابًا شبابًا من الطابق الثاني للمدرسة يحرضون ويشجعون الناس على المقاومة والقتال ضد عملاء السافاك. تم إلقاء عدد من الطلاب من الطابق الثاني. كان الممر الضيق المؤدي إلى مخرج مدرسة الفايزية ضيقاً وسبب صعوبات كبيرة للحشد الكبير الذي يحاول الخروج من المدرسة. سقط بعضهم وواجهوا صعوبة في النهوض. لقد أصيب البعض ولم يهتم أحد. عندما غادرت المدرسة، كان جسدي منتفخًا من خصري إلى قدمي، أحمر اللون ومؤلمًا. لقد أعطوني عصا. استطعت سماع طلقات نارية خارج المدرسة، وأدى ذلك إلى زيادة قلق الناس. وكان حشد كبير قد تجمّع في ساحة أستانا، شاهداً على الهجوم المسلح واقتحام الضباط لمدرسة الفياضية، وكان هناك احتمال أن يهاجموا ضباط النظام، الذين تم تفريقهم بقنابل الغاز المسيل للدموع والحراب.

وبعد خروج العديد من الطلاب من المدرسة، أفاد العديد من الأشخاص بأن الضباط غيروا ملابسهم وهاجموا الطلاب وهم يهتفون "جاويد شاه". وفي دفاعهم، دمروا درابزين الطابق الثاني، وهاجموا ضباط النظام بالطوب والحجارة. دخلت الشرطة والجيش المسلح والقوات المتواجدة أمام المدرسة، وتحولت مدرسة الفايزية إلى ساحة معركة. وبدأ وابل من الرصاص، وألقي عدد من الطلاب من الطابق الثاني إلى ساحة المدرسة، وارتكب النظام الحاكم جريمة كبرى في هذه المدرسة. وأحرقوا ملابس الطلاب وكتبهم وأدواتهم في وسط المدرسة، ما أدى إلى سقوط العديد من الجرحى والمصابين، وغادروا المدرسة في ظلمة الليل بعد أن أكملوا هذه الجرائم. إن هذا العمل المشين الذي قاموا به جعل الشعب، وخاصة رجال الدين، أكثر إصراراً على النضال، وعزز مكانة الإمام الخميني بين جميع شرائح المجتمع.

وبمجرد أن سمع الإمام بالوضع في الفايزية، قام بدور القائد العظيم البناء، وأمر بنقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى، ووفر لهم وسائل الراحة.

وفي اليوم التالي أصبح بيت الإمام مركزاً لتجمعات الناس والطلبة والعلماء، وشرح الإمام للناس أكثر فأكثر أفعال الشاه وجرائم العملاء، واعتبر الكشف تقدماً كبيراً على طريق الحركة الإسلامية. ونتيجة لهذه التعليمات تدفقت أعداد كبيرة من الناس إلى مدرسة الفيضية والمستشفيات، وثارت مشاعر الناس ضد الشاه وعملاء النظام والسافاك وجرائمهم، وكانت جهود العملاء في تنظيف جدران المدرسة وأبوابها بلا جدوى. وفي هذا الصدد أصدر الإمام بياناً شديد اللهجة حول هذه الجريمة الكبرى: "إنا لله وإنا إليه راجعون...". وقد أدى الهجوم الذي شنته قوات الكوماندوز ورجال الأمن الحكوميين المتنكرين، بدعم من رجال الشرطة، على المركز الديني إلى تجدد ذكريات المغول. وبشعارات جاويد شاه، هاجموا فجأة مراكز الإمام الصادق (ع) وذرية ذلك الرجل العظيم الجسدية والروحية... ألقوا أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً من السطح... مزقوا الكتب والمصاحف إرباً إرباً... كان إعلاناً مفصلاً ومذهلاً أيقظ الناس تماماً على جرائم النظام. لا شك أن الحركة الفيضية كانت بمثابة الشعلة المشتعلة التي أشعلت الثورة الإسلامية في إيران وأدت إلى انتصار 11 فبراير 1978.[1] 

أصفهان - أكتوبر 1980

محمد باقر كتابي

 

النص الفارسي

 

[1] - مؤسسة تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية. فرع اصفهان، تقرير عن ملحمة 15 خرداد 1942 في اصفهان و...، التاريخ الشفوي لانتفاضة 15 خرداد 1942 في اصفهان وبعض الأماكن الأخرى، الطبعة الأولى، صيف 1371، قم، ص. 68.



 
عدد الزوار: 6



http://oral-history.ir/?page=post&id=12572