الليلة ثلاثمائة و واحد و ستون من الذاكريات -2
إعداد: ليلى رستمي
ترجمة: الدكتور نورالدين يحيى شربو
2025-01-25
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (361) في الخامس من شهر مهر عام 1403 شمسي تحت عنوان "الحدود المُستقرّة " و ذلك في قاعة "سورة" في مركز فنون الثورة الإسلامية. تضمن هذا البرنامج روايات لقيادات من حرس الحدود الإيراني حيث قام كلٌ من حجة الإسلام و المسلمين السيد جبار حسيني و العقيد أحمد غودرزي بمشاركتنا ذكرياتهم. كما كان داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات تلك.
الراوي الثاني في البرنامج كان هو العقيد أحمد علي غودرزي الذي قال في بداية كلماته: كُنّا في أحد أيام شهر مهر من عام 1361 الشمسي عندما جاء أحد الأخوة و قال: "أعطنا هذا السلاح[1] و سنعطيك كلاشينكوف بدلاً عنه. عليك أن تُعاملنا بحب، فنحن نريد أن نتقدّم أمام وحدتك." بالفعل أعطيته السلاح، و لم يستغرق الأمر خمس دقائق حتى سمعنا صوت إنفجار. لقد رأيت دراجة نارية عائدة و كان سائقها يرتدي سُترة واقية من الرياح يُرافقه شخصٌ يجلس خلفه. كان اللغم الأرضي قد انفجر، وكان الشخص الذي يغادر على الدراجات النارية قد قُطعت يداه و كانت محتويات عينه قد خرجت من مكانها أيضاً، كما أنه فقد أنفه أيضاً. لقد أخذته و أجلسته في سيّارة لاند روفر لكي نأخذه بعدها إلى مدينة دهلران. كان يُردد في الطريق: "حسبنا الله و نعم الوكيل نعم المولى و نعم النصير." لن تستطيع الإحساس بالألم الذي أصاب هذا الشخص!! فقد كنت مدرباً للألغام و المُفخخات المتفجرة و قد رأيت الكثير من المقاتلين يتعرضون لإنفجارات الألغام و يتم قطع أقدامهم و تُصاب عروق أرجلهم، و قد كان هذا الشخص من الأشخاص الذين تضررت عروق أيديهم بشدّة، لكنه رغم كل ذلك كان رصيناً و صلباً.
كنّا في شهر ربيع الأول من عام 1361 شمسي عندما شاركنا في الحفل الصباحي الذي أجرينها بمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية. بعد الحفل طلبنا مكتب القائد للذهاب إليه أنا و أحد الأخوة و كان اسمه قدرت غودرزي. فقلنا: "يا الله، ماذا يريدون منّا؟!" كنت وقتها قد اقتربتُ من إنهاء خدمتي العسكرية، و كنت من ضمن الأوائل على جامعتي، كما أنني قررت مرّةً الإلتحاق بدورة صيفية و قد ذهبت في ذلك الوقت إلى مدينة شيراز من أجل ذلك. لقد أجروا تحقيقاً لمعرفة ما إذا كنّا ضباطاً جيدين أم لا، و عندما ذهبنا قالوا لي: "إن قيادة الكتيبة 4 من الوحدة 207 أصبحت تحت مسؤوليتك". و قالوا للأخ قدرت غودرزي أيضاً: "أنت ستُصبح قائد الدعم"، فقلت في نفسي: "يا الله إنها حرب و هم يثقون بنا جيداً حتى يمنحوا شخصاً مثلي برتبة ملازم أول مسؤولية 400 إلى 500 شخص."
ذهبنا لتجهيز أنفسنا و نقلنا الوحدة إلى مقر شرطة الطريق السريع في الأهواز. عندها قالوا أن سيداً إسمه يغانه سيأخذنا إلى منطقة موسيان و نهر عنبر. صليّنا صلاة الظهر و بعدها قدّموا لكل أربعة أو خمسة أشخاص علبة من سمك التونة. لقد كنت أكره التونة كثيراً و بينما كنت أغمس الخبز في زيت التونة، رأيت شخصاً قادماً يقول "من هو القائد هنا؟!" فرفعت يدي فقال: "لماذا لم تُبلغنا؟" فأجبت: "أبلغكم؟!" فقال: "هناك قصف مدفعي و صاروخي على الأهواز" ثم استطرد مُضيفاً بعصبية و بأسلوب غير مُريح: "تحرك أنت و عناصرك خلفي."
كاد الظلام يعُم الأجواء. وصلنا إلى دهلران و موسيان أثناء أذان المغرب. كان هناك العديد من الرصاصات التي مرّت بجانبنا. كانت عمليات القدس و الفتح المبين قد تم تنفيذها للتو و على إثرها خسر العراقيون و ترجعوا مسافة خمسة عشر كيلومتراً من مدينة أنديمشك أي من جسر نادري إلى منطقتي فكه و موسيان. كان هناك العديد من الجُثث. صليّنا صلاتي المغرب و العشاء ثم قالوا لي: " إن قائد المعسكر لديه كلام معك." كان الشهيد حاجب زاده من أبناء مدينة خوزستان و كان يشغل منصب "رئيس الأركان 2"[2]. كان جالساً و يرتدي قميصاً مريحاً و قد وضعوا البطيخ أمامه فقال لي: "تفضل، مُدّ يدك!" فقلت: "إذا كان لديك حصة إضافية فاسمح لي أن آخذ القليل من البطيخ لباقي الرجال فهُم لم يتناولوا طعام الغداء." لم يأذن لي بأخذ البطيخ ثم تابع قائلاً: "إذهب الآن و عُد غداً في الساعة الرابعة و النصف صباحاً قبل أن يطلع الفجر، سأشير لك على مكان و عليك أن تقوم بعملية عسكرية فيه."
كانت العمليات ستتم في مدخل منطقة بيات و نهر عنبر و التلة رقم 290 من ارتفاعات حمرين. قال لي أحد الشباب من منطقة كرمنشاه و كنت قد أعطيته في ما مضى عدة دروس تدريبية و إسمه السيد يوسفي "حاج أحمد!" قلت: "نعم" قال: "هل تريد الذهاب و استرجاع هذه المرتفعات؟" فقلت: "نعم." قال: "70 عنصراً من الحرس الثوري الإيراني تم قطع رؤوسهم هنا، كيف تريد أن تذهب بمفردك مع هؤلاء المئتي عنصر و تسترد تلك المنطقة هناك؟" قلت: "نعم، نحن ذاهبون." و بينما كنّا نتحدث جاءت الطائرات العراقية و قصفت مدينة دهلران. عدنا إلى الخلف من ذلك بقليل و وقفنا عندها وصلت برقية عبر جهاز التلكس من خوزستان مضمونها: "لاتقوموا بإنجاز هذه العملية." في اليوم التالي لهذه الحادثة و في اليوم الذي تلاه أيضاً وصلت أعدادٌ كبيرة من قوات الجيش و الألوية إلى المنطقة حيث امتلئت منطقتي سهل عباس و عين خوش بوحدات من الجيش و الحرس الثوري و بعض الوحدات الأخرى.
و تابع الراوي حديثه عن الإمداد الغيبي من الله عز و جل في فترة الدفاع المقدس قائلاً: "كان الوقت بين الساعة الرابعة و الخامسة بعد الظهر عندما تحركنا من منطقة عين خوش حيث انتقل الجميع من نقطة التحرك إلى المكان الذي تم تعيينه. لكن فجأةً ارتفع غبار و بدأت عاصفة رملية أتت من صوب العراق بحيث لم نكن نرى مُقاتلينا على بعد متر واحد. و في الليل، كان هناك هطول أمطار غزير استمر لساعتين. كان يفصلُنا 4 أمتار عن الخنادق و المتاريس العراقية، فشكّلنا متراساً احتمينا خلفه و انتظرنا كلمة السر لبدء الهجوم. لقد شاهدنا بأم العين عناية الله و الإمام صاحب العصر، لأنه عندما وصلنا رأينا أن جميع المقاتلين العراقيين كانوا يتواجدون في الخندق بسبب هطول الأمطار و لهذا السبب أيضاً لم يشعروا بنا و لم يتوقّعوا مجيئنا أساساً.
تابع الراوي: أراد العراق أن يُسيطر على الأهواز خلال مدة أسبوع واحد فقط. و كما يقول العرب فإنه من خلال السيطرة على الأهواز و المحمرة و شاهرغ سيُسيطرون على الساحة الخلفية لإيران. لكن ما الذي حدث حتى تمكّن الإيرانيون خلال 16 شهراً من استرجاع أراضيهم؟ ليس هذا فحسب، بل تمكّنوا أيضاً من التقدّم بعمق 70 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية و سيطروا على كافة حقول النفط في منطقة أبو غريب. الآن ستُلاحظون الفرق بيننا و بينهم، فقد أمر الإمام الخميني (قدس سره) بأن: "يتم تغطية كافة حقول النفط العراقية. فهي تعود للشعب و الدولة العراقية و ليست مُلكاً لصدام حسين." نعم، إنه ذات الإمام الذي قالت عنه الصحفية و الكاتبة الإيطالية أوريانا فالاتشي مايلي: "عندما يجمع الإمام الخميني حاجبيه و يعبس، فإن المعادلات السياسية في العالم تضطرب."
أضاف الراوي في نهاية بيان ذكرياته: لقد ذهبت إلى مشهد للقيام بزيارة شخص ما عندها قال لي الشباب: "اليوم في الساعة الثالثة عصراً ستُقام مراسم دفن لأحد الشهداء." و إذا كان الإمام قد قال أنه علينا أن نواصل المُضي في طريق المقاتلين، فإن زملائي يعرفون ماذا تعني "نكور[3]" و "جاكيجور[4]"! إن الشهيد المجنّد أمير حسين الشيخ هادي كان قد استشهد هذا العام أثناء الدفاع عن الوطن في جاكيجور و هو ضمن نقطة الحراسة المكلّف بها و ذلك من جراء العطش الشديد. انظروا إلى الغيرة التي كانت لدى هذا الشهيد فقد استشهد و قد وضع سلاحه تحت بطنه لكي لا يتمكّن أحدٌ ما من أخذه. كان الفقيد وحيداً لأبويه و قد وقف والده مثل الجبل الصامد و هو يقول: "لو كان لدي ابنٌ آخر، لقدّمته قرباناً للجمهورية الإسلامية الإيرانية."
[1] كان السلاح هو عبارة عن طبنجة أو ما يُشبهها من الأسلحة.
[2] مديرية مخابرات الجيش في الجمهورية الإسلامية الإيرانية و التي تنشط في مجال مكافحة العمل الإستخباري و مواجهة التهديدات الخارجية و الداخلية.
[3] نكور هي مدينة في المنطقة الوسطى لمدينة دستياري التابعة لمحافظة سيستان و بلوشستان الإيرانية.
[4] جاكيجور هي قرية و عاصمة منطقة جاكيجور الريفية في المنطقة الوسطى من مقاطعة راسك التابعة لمحافظة سيستان و بلوشستان الإيرانية.
عدد الزوار: 214
http://oral-history.ir/?page=post&id=12371