قاسمي بور:

التاريخ الشفهي لا يتعلّق بعالم الأدب

مريم اسدي جعفري

2024-12-23


موقع التاريخ الشفهي- لقد مضى أكثر من 20 عاماً على بداية التاريخ الشفوي و انتشاره في إيران وعلى مدار هذه السنوات لا تزال "الطريقة الصحيحة لكتابة و تدوين مقابلات التاريخ الشفوي" تُعتبر أحد أهم المسائل التي تشغل الناشطين في هذا المجال. لهذا السبب، بحثنا في المقابلة التالية عن الطريقة الأكثر علمية لتدوين التاريخ الشفوي. وقد أجاب السيد "محمد قاسمي بور" عن أسئلتنا التي تتعلّق بهذا الموضوع:

*معظم مشاريع التاريخ الشفوي في إيران ترتكز على الفرد. ما رأيك في هذا النهج الذي يتبعه النشطاء في مجال التاريخ الشفوي؟

منذ بداية التاريخ الشفوي وهو يتمتّع بأسلوب موضوعي وبناءً على هذا الأسلوب و معاييره، فهو يتناول القضايا و الأحداث الكبرى المؤثرة في التاريخ المعاصر، ولأجل ذلك فهو يتحدث عن الشهود و الرواة و الحاضرين المؤثرين في تلك الأحداث. لكن في بلدنا، غالباً ما يتم استخدام هذه الطريقة بصورة ترتكز على الفرد، أي أنه من أجل تسجيل و تدوين الذكريات و التجارب الحياتية للأشخاص يتم كلّ ذلك بشكل مستقل و فردي. وهذا يعني أنه في بعض الأحيان تكون الوظيفة الفسيفسائية للتاريخ الشفوي -والتي ينبغي من خلالها مناقشة الوقائع بحدها الأكثر مع جميع شهود الحدث و تشكيل مشروع يرتكز على الموضوع في التاريخ الشفوي- إنما تحدث في كثير من الأحيان بشكل أقل. بالطبع، كان هناك بعض الحالات الموضوعية، لكن الحركة الواسعة و الكثيفة و المتعددة التي تحدث في مُختلف أنحاء البلاد بإسم التاريخ الشفوي إنما تقع بشكل أساسي ضمن قالب مشاريع شخصية و فردية.

تنشأ مشكلة هنا وهي: هل ستحظى هذه المذكرات عند طرحها بعد أن تصبح كتاباً بنسبة مبيعات كبيرة؟ وهل هناك ضمانة بأن القُرآء سيرحبون بهذه الكتب و يُعجبون بها؟ في الواقع، تبدأ الأضرار الجسيمة التي تلحق بالتاريخ الشفوي بعد مرحلة إجراء المقابلة تحديداً عندما نريد طرح نتيجة العمل أي ضمن أي قالب سيتم عرض هذا العمل و بأي نوع من الكتابة سيتم عرضه؟ عادةً ما يحدد المصير الإقتصادي و الوظيفي والنفع المالي آلية اختيار القالب وذلك لأسباب مختلفة، فبعض الأعمال ولأسباب متعددة تخرج من نطاق التاريخ الشفوي و يتم عرضها و تقديمها كمنتجات أخرى أي كقصة أو رواية أو سرد قصصي جذاب و قابل للقراءة و يُصبح بعضها من أكثر الكتب مبيعاً، لكن يجب ألّا ننسى أن التاريخ الشفوي ليس شكلاً أو نوعاً مُحدداً من الكتابة أي أنه لا يتعلق بعالم الأدب. بل إنه بالدرجة الأولى ليس سوى أداة و طريقة بحثية تقع ضمن مجال البحث التاريخي.

*إذا كانت الكتب التي تُنسب إلى التاريخ الشفوي -ولو خطأً- لا تزال تحظى بمعجبين خاصين بها، فهل تعتقد بأنه ينبغي تقديم جميع مشاريع التاريخ الشفوي على المستوى الوطني بشكل كتب ؟

إن أنواع الكتابة المُختلفة مثل القصة أو الرواية أو المذكرات تعتمد على مستوى الجودة و طريقة التجميع وبالتالي يمكن أن تصبح كتاباً بل وقد تصبح من أكثر الكتب مبيعاً، لكن التاريخ الشفوي يتم بشكل أساسي لتسجيل و حفظ الأرشيف. يتم تنفيذ مشروع التاريخ الشفوي لتعزيز الكنز التاريخي أي تخصيص الوقت لتسجيل ملاحظات الشهود على الوقائع و الأحداث الكبرى بشكل كامل و دقيق، لذلك فنحن ندخل معهم في أحاديث عميقة و جادّة من أجل حفظها و ترسيخها. يُعبّر عن التاريخ الشفوي أحياناً كأحد أنواع التعبير أو إحدى صيغ الكتابة لكن هذا خطأ، لأن جمهور التاريخ الشفوي ليس عامّة الناس.

*لكن في الدول الغربية، تتصدر أعمال مثل "أصوات من التايتانيك" و "العيش في نيويورك" قائمة كتب التاريخ الشفوي الأكثر مبيعاً على موقع أمازون. ألا يتعارض هذا الإجراء المُتبع في الدول الغربية مع وجهة نظركم؟

أنا لا أتحدث هنا عن ذوقي أو رغبتي الشخصية. أساساً ليس للتاريخ الشفوي جمهور عام، وهذا المبدأ مُتّبعٌ في كل مكان في العالم يوجد فيه التاريخ الشفوي. من الواضح أن نتاج التاريخ الشفوي لا يمكن أن يحظى بشعبية لدى المُتلقين، لأن نص التاريخ الشفوي الذي يتم إعداده و تدوينه خاصٌ بمجموعة معينة من النخب و باحثي التاريخ و الخبراء في مختلف المجالات الذين يختصون بوضع البرامج في مجالات الهيكلة أو الشؤون الثقافية و الإجتماعية. إذا شاهدت الكتب المُشار إليها أعلاه، سترى أنهم استخدموا أسلوب التاريخ الشفوي من أجل البحث فيها و إنتاجها، وعادةً ما اختاروا تنسيقاً أو نوعاً معروفاً من الكتابة - هو السرد القصصي بشكل أساسي - من أجل التدوين و التأليف. أي أنهم حولوا مُخرجات مشروع التاريخ الشفوي إلى رواية مقروءة وذلك باستخدام عناصر القصة و أدواتها.

* ذات الطريقة المُتبعة في إيران؟

نعم، لكن لدى الآخرين الإنفتاح من أجل الإشارة إلى هذا الموضوع، لكن مُخرجات التاريخ الشفوي في شكلها الخام و الأصلي لايمكن عرضها على الجمهور. إن معظم الكتب التي تُنشر تحت اسم التاريخ الشفوي و تحاول أن تبقى وفيّة لمعايير التاريخ الشفوي يتم بيعها بمعدلات منخفضة لأن لها جمهورها الخاص.

*بطبيعة الحال، إن كتب التاريخ الشفوي مثل "مهتاب خيّن"[1] الذي تم إعداده على شكل أسئلة و أجوبة لاقى مبيعات جيدة عند طرحه.

جميع الكتب الأكثر مبيعاً و الأكثر شعبية تم وضعها بشكل كتاب ضمن قالب و تنسيق معروف، وهي مكتوبة بتقنيّة القصة و باستخدام كتابة روائية قوية قد تتضمّن أحياناً ذوق المؤلف و خياله.

*إذا أنت تعتقد أن الكتب التي يتم إعدادها على شكل أسئلة و أجوبة لها جمهور أقل؟

أنا متأكد من ذلك، لأن الجمهور ليس لديه الصبر لإستعراض الأسئلة ضمن النص. إن الجمهور المتخصص في هذا النوع من الكتب هم أهل التاريخ أو أهل العلوم الإجتماعية و علم الإجتماع الذين يهتمون بهذه الأبحاث. وحقيقة أنني قلت إن التاريخ الشفوي ليس له جمهور عام هو بسبب إقتصاره على فئات محددة، فبصورة أساسية يهتمّ التاريخ الشفوي بأرشفة و تسجيل و حفظ الوثائق الشفوية. ينبغي أن يُقال الأمر التالي للباحثين المبتدئين في مجال التاريخ الشفوي: أنه يجب أن ننتقل نحو الأعمال التي ترتكز على الموضوعية كما يجب أن ينصبّ تركيز هذه المشاريع نحو الإهتمام بالقضايا المهمة في الزمن المعاصر. لكن هناك أيضاً بعض الكُتّاب الأعزاء الذين يكتبون بشكل جيد و يريدون استخدام أسلوب التاريخ الشفوي في مرحلة ضبط و تسجيل المذكرات وحتى هذه المرحلة لا توجد مشكلة، لكن من تلك المرحلة فصاعداً أي في مرحلة التدوين و التحرير و الكتابة يجب على هؤلاء اختيار نوع الكتابة و اختيار كيفية عرض منتجهم. كما أنه الآن بعد أن أصبح التاريخ الشفوي يستخدم كأداة و طريقة للبحث، يجب إذاً مناقشته في الجامعات. أي يجب أن تُطرح النظريات و أن تُعقد الأبحاث النظرية المُتعلقة بالتاريخ الشفوي ضمن الجامعات.

*في الآونة الأخيرة، استخدمت بعض الجامعات التاريخ الشفوي من أجل تدوين التاريخ الخاص بها.

نعم طبعاً بشرط أن يبحثوا عن الأشخاص الذين لا يُمنحون فرصة الكلام، على سبيل المثال: الطلاب القدامى و حتى الطلاب الذين حصلوا على علامات دراسية أقل من المُعدل المسموح به كما يجب السؤال عن سبب عدم حصولهم على علامات جيدة أو سؤالهم عن سبب ترك الجامعة وما إلى ذلك. إن التاريخ الشفوي يعطي فرصة التكلّم و الحديث للطبقات غير المرئية أو تلك التي تقبع في قاع المجتمع. إن الروايات الموجودة في الطبقات غير المرئية من المجتمع و الأسئلة التي لم تُطرح عليهم أو الأسئلة التي تم التغاضي عن طرحها وكذلك الأجوبة التي لم تُطرح، كل ذلك ينبغي تواجده في التاريخ الشفوي.

*إن معظم الأنشطة النظرية و الأكاديمية الخاصّة بمجال التاريخ الشفوي تجري في جامعة أصفهان و نادراً ما نرى حضوراً قوياً للجامعات الكبرى الأخرى في هذا المجال. ما هو برأيك سبب هذه الخلل؟

يرجع جزء من هذه القضية إلى رسوبات التاريخ المكتوب، أي أن تفضيل العلوم الكلاسيكية و عدم المعرفة التخصصية بالتاريخ الشفوي يزيدان من عمق هذه المشكلة. أعرف أساتذة تاريخ ضعفاء في مجال التواصل لكننا في المُقابل نعلم أن التاريخ الشفوي يقوم بالأساس على التواصل، لهذا السبب فإن هؤلاء الأساتذة لا يسمحون للتاريخ الشفوي بدخول البيئة الجامعية. بينما يعتقد البعض الآخر أن التاريخ هو الوثيقة أو المُستند، أي الكتابات و الهياكل ذات الأهمية مثل المباني التاريخية، أما الأمور التي تدور في أذهان الطبقات الدنيا من المجتمع فهو شيئ لا يهمهم. إن هذه المجموعة لا تؤمن أبداً بأن أصحاب الأدوار الجزئية لهم رأي ما في حدث اجتماعي معاصر. لكنني أؤمن أن هذه المقاومة لتواجد التاريخ الشفوي ضمن البيئة الأكاديمية سوف تنكسر قريباً. لأنه في الوقت الحالي، أدركت بعض الكليات متعددة التخصصات أهمية التاريخ الشفوي و أبدت إقبالاً عليه.

النص الفارسي


[1]  يحتوي كتاب "مهتاب خيّن" أي "ضوء قمر نهر خيّن" على مذكرات القائد الشهيد حسين همداني حول قضايا النضال ضد نظام الشاه و انتصار الثورة الإسلامية و ماتلاها من الحرب العراقية المفروضة على إيران. سبب تسمية هذا الكتاب يعود إلى الشهيد الحاج محمود شهبازي الذي استُشهد في ليلة مُقمرة بالقرب من نهر خيّن قبل يوم واحد فقط من تحرير مدينة خرمشهر.



 
عدد الزوار: 27



http://oral-history.ir/?page=post&id=12285