الليلة ثلاثمائة و خمس و خمسون من الذكريات-٣
إعداد: ليلى رستمي
2024-10-12
أُقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (355) في الثالث من شهر إسفند عام 1402 هجري شمسي بعنوان "أغاني و أناشيد زمن الأسر" وذلك بحضور الأسرى المُحررين ومقاتلي الدفاع المقدس، كما تم إلى جانب ذلك إزاحة الستار عن ألبوم "أغاني الأمل" وذلك في قاعة (صالة) "سورة" في مركز فنون الثورة الإسلامية. شارك في هذا البرنامج كل من ناصر قره باغي وأمير حسين تروند وعباس إبراهيمي حيث قاموا بقراءة ذكرياتهم. وكان داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات هذه.
كان الراوي الثاني في البرنامج هو الدكتور أمير حسين تروند الذي اعتقلته القوات العراقية في 18 من شهر بهمن عام 1361 وهو بعمر ال 19 عاماً وتم إطلاق سراحه في 6 من شهر شهريور عام 1369 ثم عاد بعدها إلى إيران. قال الدكتور أمير في بداية حديثه: إن للأسر بُعدان معنويان اثنان: أحدهما الدعاء والرثاء، والآخر هو الأناشيد. لقد بقيت (ظلّت) في ذاكرتنا بعضٌ من الأناشيد مثل "22 بهمن و يوم التضحية بالنفس" التي كنا نكتبها من أجل الإحتفاظ بها، لكن هناك عدة أناشيد بقيت ألحانها عالقةً في أذهاننا لكننا نسينا الكلمات. لهذا السبب حاولنا كتابة قصائد تتطابق مع هذه الألحان. كان شعراؤنا في المعسكر هم المرحوم يحيى أسدي وجواد خرمدل وقد كنّا نطلب منهم أن يُغنّوا لنا رثاءاً أو أنشُودة. لقد تم تصنيف الأناشيد ضمن مجموعات (طبقات)، وعلى سبيل المثال كانت مجوعة من الأناشيد تدور حول الأشخاص مثل الإمام الخُميني (رحمه الله) أو الشيخ أبو ترابي. وعلى سبيل المثال، كانت هناك أبيات عن الشيخ أبو ترابي تقول: "في بلاد الغُربة، ينهمر مطر الرحمة من الخالق، يتنزل عرش العدل الإلهي على عرش الأسر."
كنا (474) أسيراً في الجناح الثاني من مُعسكر الأنبار. ربما كان هناك 10 إلى 15 شخصاً منّا يحملون شهادة الدبلوم، أما الباقون فقد كانوا يحملون (حاصلون) على شهادة الثانوية و الإعدادية، أما البعض الآخر فقد كانوا من كبار السن. كان لدينا أيضاً أناشيد حول التعلم (طلب العلم)، وعلى سبيل المثال كنّا نُنشد: "اطلبوا، اطلبوا، اطلبوا، اطلبوا المعرفة، اطلبوا، اطلبوا، اطلبوا، اطلبوا المعرفة مع العطاشى، اطلب مفتاح كنز الحكمة الإلهية، امسح تراب الظُلمة عن قلبك، تعال تحت مظلّة المعرفة أحياناً، اُخرج من بئر الجهل والضلال، تعال تعال إلى منجم (مصدر) النجوم، تعال إلى المجرّة المضيئة."
و بمُلاحظة خصائص كل فرد في الملجأ، كتبت بنفسي بيتاً أو بيتين من الأناشيد عن كل شخص موجود، على سبيل المثال "العباءة التي على رأسه جميلةٌ جداً، جمالٌ إسمٌ من منطقة سيوند في شيراز". أو عن مسؤول مُعسكر تكريت رقم(5) السيد حسن ساعتلو الذي كان طيار مروحية حيث كتبت عنه هذا النشيد: "حسن علي ساعتلو، مسؤول قوقولي قوقو!" و كذلك أيضاً فقد كانت لدينا عروضٌ كوميدية مُقتضبة، فعلى سبيل المثال لعب السيد "علي طريقي" دور المراسل الذي يأتي بميكروفونه و يسأل: "عرّف عن نفسك". فيجيبه الطرف المُقابل: "الثورة" فيسأل علي مرة أخرى: "أنا آسف، لم أفهم! هل تُعرّف عن نفسك بصوت أعلى؟" فيُجيب الطرف الآخر: "الثورة" و للمرة الثالثة يقول علي: "هل يمكنك أن تُعرّف عن نفسك بالكامل مرة أخرى؟" فيأتي جواب الطرف الآخر: "الثورة الإسلامية..." ثم يسأل: "متى ولدت؟" فيُجيب: "22 بهمن... 22 بهمن" ثم يقول: "22 بهمن؟ أي يوم هذا؟" فيجيب: "يوم التضحية بالنفس، يوم تحررنا، يوم إنقاذ الوطن" ثم يسأل: "كيف حالك؟" ويأتي الجواب: "أنا في حال سيئ، أنا في معركة يا سيدي" فيسأل علي : "من هو عدوك؟" فيُجيب: "أمريكا، أمريكا، عارٌ عليكم القيام بهذه الحيل (الألاعيب)، دماء شبابنا تقطر من بين أنيابكُم". باختصار، لقد تكلمنا في تلك الليلة عن الشهداء، وتكلمنا عن الإمام، كما تكلمنا عن المُجاهدين (المُقاتلين). لقد كانت لقاءاً كاملاً.
لقد تم منع التجمّع (التجمعات) وكذلك تم منع حمل الأوراق والأقلام. كان وقتها المرحوم يحيى أسد زاده هو شاعرنا وقد أُصيب بكسر في جمجمة رأسه مما أدى إلى إصابته بضعف في النظر (البصر). لم يستطع أن يرى لكي يكتب، لذلك كان يُلقي الشعر ويقوم السيد "كاتبي" بالكتابة على الجدران الجصّية فوقه مُستخدماً ملاعق الزنك التي كنّا نأكل بها. لقد كان أثر الملعقة يبقى على الحائط (الجدار) تماماً مثل قلم الرصاص. وبعد أن جاء الصليب الأحمر وأعطانا الأقلام، أصبحنا نكتب القصائد و الأشعار على الورق المُخصص للرسائل.
وأضاف الراوي: كان شكل المصحّات يختلف من مُعسكر لآخر، فقد كانت مصحتنا مستطيلة الشكل. أعتقد أن عرضها كان 5 أمتار وطولها 9 أمتار وكان بها 10 نوافذ، لقد كنّا 61 شخصاً فيها. لقد كان الشباب يقومون بربط قطعة من المرآة أو الزجاج على قطعة طويلة من الخشب و يُمررونها عبر الشبك حتى يتمكنوا من رؤية ماذا يحدث في الخارج ولكي لايدخل العراقيون إلى المصحّة فجأةً، ففي بعض الأحيان كان العراقيون يأتون و يأخذوننا لمعاقبتنا.
في شهر بهمن عام 1361 هُناك قول شهيرٌ للحشد الشعبي الإيراني هو "لم تكن لديك فرامل لذلك تم أسرك" كان هناك أسير جريح في معسكر الأنبار. كما كان أيضاً كابتن (قائد) اسمه "ساروان صالح" وقد كان يُظهر غاية اللطف من جانبه، وكان يلتّف على الشباب ويحتال عليهم لجذب الإهتمام إليه، مرّة قام بجمعنا وكان معنا أيضاً مترجم اسمه "عيدي محمد رسولي" كان يقف إلى الجانب الأيمن من الكابتن. قال الكابتن صالح: يا شباب! لقد ذهبت في إجازة ثم رجعت، لكن يا لها من إجازة! فمنذ أن غادرت هذا المكان كنت أفكر فيكم طوال الوقت (دائماً). أنا موقنٌ (متأكدٌ) أن لديكم عائلات و أنتم تحبون زيارة عائلاتكم، لذلك عندما كنت في الإجازة طرقت باب بيتي وكنت أقول يا الله! هل سيأتي اليوم الذي سيذهب عبيدك هؤلاء ويقرعون (يطرقون) باب بيوتهم أيضاً! عندها فتحت ابنتي الباب. فعلاً أتمنى أن يتكرر هذا المشهد معكم و مهما فعلت خلال الإجازة كنت أتذكركم. كما أنني أتيت (جئت) إلى هنا و أنا أفكر فيكم. يا لها من إجازة ذهبتها! لم تغيبوا خلالها عن ذهني لحظةً واحدةً. نحن نُريد أن تعودوا إلى وطنكم، لكن فلان -ذكر هنا إسم الإمام الخميني- لايسمح بذلك" وبمجرد أن ذكر إسم الإمام (رحمه الله) قام (474) شخصاً بتأدية (بقراءة) الصلاة على محمد و آل محمد، ثم أعادوها للمرّة الثانية، ثم المرّة الثالثة، لذلك اقترب الكابتن صالح من السيد عيدي وقال: "هل ذكرت اسم النبي؟ هل ذكرت اسم رسول الله؟" قال: "لا!" قال: "فلماذا صلوا عليه؟!" فقال: "سيدي! إنهم عندما يسمعون اسم زعيمهم، يقرؤون الصلاة على محمد و آل محمد". فلما سمع الكابتن صالح ذلك ألقى كل ما كان يُخفيه و يُبيّته في داخل نفسه دُفعةً واحدة، وقام بتدمير جميع ألاعيبه التي كان يُمثّلها علينا، وبعد ذلك بدأ يسب و يشتم و جرى على لسانه جميع ما خطر في باله. بعدها رحل ولم نره مرةً أخرى، لأجل ذلك أطلقنا عليه إسم "الكابتن صلوات" لأن الصلوات على محمد و آله أظهرت (كشفت) حقيقته.
أضاف الراوي أيضاً بعد عرضه لذكرى الدفاع المقدس تلك: كنّا في اللواء الخامس عشر الإمام الحسن (ع) خلال عمليات "والفجر". كانت جميع معدات (تجهيزات) هذا اللواء عبارة عن غنيمة حرب، أي أن أسلحة الكلاشينكوف أو الآر بي جي التي كانت بحوزتنا، إما كان الجنود العراقيون قد فتحوها ونقعوها في وقود الديزل أو أنها كانت مليئة بالطين. في إحدى ليالي العمليات، لم يكن لدى قناصنا الذي كان قد تدرّب سبقاً على الرماية، وأراد تدريبنا (تعليمنا)، رصاصٌ ليدرّبنا، فقال لقائدنا: "ليس لدي رصاص!" فأجاب القائد: "رصاصك على الساتر العراقي، تأخذه من هناك كلما وصلت إليه". إن ما قلتُه ليس اقتباساً أو قصة فقد رأيت ذلك بأم عيني (بنفسي).
عدد الزوار: 168
http://oral-history.ir/?page=post&id=12137