تحركات العراق قبل بدء الحرب

رواه علي تحيري

الاختيار: فريبا الماسي

2024-09-24


الرواية الأولى: بداية تحركات العراق في مواجهة صارمة مع النظام الإسلامي

كما أمرنا الإمام الخميني(ره)كنّا نسعي من خلال توفير التدريب العسكري لمختلف الأشخاص  إنشاء جيشه المطلوب الذي يبلغ قوامه 20 مليوناً. وهو كان يقول أنه يجب علينا التحرك في اتجاه خلق التعبئة العامة وجعلها قوية لدرجة أنه لا يمكن لأي قوة عظمى في العالم أن تطمع في وطننا الإسلامي، وديننا، وأمتنا. بل إنه(ره) كان يؤكد على أن قوات الباسيج يجب أن تكون قوية بحيث تستطيع الدفاع عن المسلمين والمضطهدين في البلدان الأخرى.

واعتماداً على هذه التوجيهات، كنتُ أنا وأصدقائي قد وضعنا موضوع التعليم على جدول الأعمال بشكل صارم وكنّا نوسّعه ليشمل مراكز وثكنات جديدة حتى اضطررتُ للسفر إلى العراق مع الشهيد شهرام فرد.

اطلعنا علي أن معلومات وصلت إلى مقر الجيش مفادها أنّ الجيش العراقي بدأ سلسلة من التحركات المشبوهة ويحاول إحداث تغييرات في المنطقة. ومن بين هذه المبادرات أنهم كانوا يجلبون الأسلحة علي  مدار 24 ساعة إلى المناطق الغربية من البلاد ويوزعونها بين سكان الحدود. وكما قلتُ، أنا كنتُ في ذلك الوقت عضواً في الجيش. وكان العميد شادمهر مسؤول وقائد مقر الجيش ذهبتُ أنا والشهيد شهرام فر إليه وقلنا: "حسب الأخبار والتقارير الموجودة، اسمح لنا نسافر إلى هذه المنطقة ونقوم بدورية لنرى كيف هي الأوضاع وما هي التغييرات التي تحدث في المنطقة المطلوبة". كان ذلك في أوائل ربيع عام 1980، وكان الطقس لا يزال بارداً جداً ومثلجاً في كثير من مناطق البلد حتى أننا واجهنا عاصفة شديدة في طريقنا إلى غرب البلاد بعد مرورنا بمدينة همدان حتي أُجبِرنا للعودة إلى همدان وقضاء الليل هناك.

في صباح اليوم التالي غادرنا إلى مدينة إيلام مرة أخرى ووصلنا المدينة عند الظهر وكنّا ضيوف محافظة إيلام عند اليلة. وفي اليوم التالي، عبرنا الحدود وتوجهنا إلى العراق بمساعدة وتعاون المحليين الذين يتعاونون سراً مع إيران ويتمكنون من التنقل بين العراق وإيران. ولأكثر من ثلاثة أشهر في ظروف صعبة ومرهقة للغاية، قمنا بالتحقيق في العراق. كنا نقضي ظروف سيئة للغاية أثناء النهار والليل ولمسنا الكثير من المخاطر خلال هذه الأيام عن قرب أيضاً واقتربنا إلى الكشف والاعتقال وحتى الموت أحياناً، لكن في الأخير بعون الله ولطفه مُنِحنا فرصة دراسة وتسجيل كافة تنقلات، وتحركات، ومبادرات الجيش العراقي عن كثب لفترة طويلة.

ثم عدنا إلى البلد وقدّمنا ​​تقريراً شاملاً عن ملاحظاتنا ثم تحليلاتنا وتقييماتنا. وفي هذا التقرير الشامل مع استعراضنا لكافة التصرفات والتحركات ذكرنا أن منطقة ستكون حاضنة لصراع وحرب حاسمين. في الحقيقة، خلال تلك الأشهر الثلاثة، تطرقنا عن كثب إلى ظروف الحرب هذه واتضح لنا تقريباً أن العراق ينوي القتال والهجوم على بلدنا. بل إننا أشرنا وشددنا في تقريرنا على أن صدام يريد القتال مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا واضح تماما نظراً للأسلحة التي يتم جلبها إلى المنطقة خاصة في الليل وكان يتم توزيع هذه الأسلحة بين الناس في مناطق مثل خوزستان، وسهل مهران، ودهلران. كان تقييمنا هو أنه من خلال تسليح سكان تلك المنطقة وخلق حالة من عدم الرضا بالنسبة لنظام الجمهورية الإسلامية، فإنهم يعتزمون جلب سكان أجزاء من بلدنا معهم. وكان من الواضح أن العراق ينوي استخدام هؤلاء المسلحين في المستقبل لدعم  وإسناد جيشه. بالطبع، لا ينبغي أن نتجاهل هذه القضية الهامة أن جزءًا من القوى المناهضة للثورة كان يحضر في هذه المنطقة أيضًا وحصلوا على حصة جيدة من هذه الأسلحة بما فيهم أعداء الثورة الذين تسللوا إلى الشعب العربي في خوزستان، والميليشيات الموالون، والمنافقون. كل هذه الأمور ذكرناها في تقريرنا، ولكن للأسف تم إهمال التقرير بشكل مثير وحتى بعد تقديم هذا التقرير، عُقد اجتماع في مقر الجيش حضره بني صدر، والسيد شادمهر، واللواء ظهير نجاد، والشهيد فلاحي وعدد كبير من ضباط الجيش. كان هناك الكثير من النقاش حول تقريرنا، وبالإضافة إلى التقرير المكتوب نحن قدّمنا تقريراً شفهيًا شاملاً أيضًا . لكن لسوء الحظ، لا أعرف لماذا هاجمنا بعض الأصدقاء بالقول أن: "العراق لَيخطئ لِيهاجمنا. وبصقتنا الواحدة تجر إليهم السيول " وزعموا أن العراق لا يجرؤ على مهاجمة بلدنا. صدّقوني بنفس العبارة التي وصفتُها لكم، أظهروا عدم الاكتراث بمثل هذه القضية الحساسة. وبعد هذا الموقف إن السيد شهرام فر(الله يرحمه) وأنا تحدثنا كثيراً وأوضحنا أننا تابعنا كل هذه القضايا عن كثب وشاهدنا بأم أعيننا مدى استعداد العراق للحرب ولكن للمرة الأخرى، كل هذه الجهود لم تنجح ولم نكن ناجحين في إثارة الاهتمام البالغ للحضور.

ومن الجدير بالذكر أنه في ذلك الوقت، لم يكن للحرس تنظيم فعال مثل اليوم. ولهذا السبب تم تنفيذ هذه المهمة برمتها بالتنسيق مع قيادة الجيش ورفع تقريرها إلى نفس القيادة أيضاً.

إن عدم الاهتمام البالغ بالتقرير الذي أعددناه بعد تحمل الكثير من المصاعب قد سبب الإحباط في نفسي أنا والشهيد شهرام فر، لقد تحدثنا بحزم شديد عن نية العراق للحرب، لكنهم لم يصدقوا ذلك على الإطلاق وظلوا يزعمون أن العراق لا يملك الشجاعة والقوة لتنفيذ مثل هذا الهجوم ونحن كنّا نعلم أن العراق لديه 13 جيشاً مكتفياً ذاتياً، فهو يمتلك قوة برية قوية جداً، وقواته المدرعة قوية جداً ومجهزة. والواقع أن القوات البرية والمدرعة العراقية كانت فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط برمتها. لكن كانت لدينا سبعة أو ثمانية جيوش في بلادنا فقط وهي ليست جيوش كاملة ومجهزة. والحقيقة أنه لو لم يحضر الشعب في الساحة، لما تمكّنا من الوقوف بوجه الجيش العراقي المكتفي ذاتياً والكامل والمدجّج بالسلاح ، نظراً لظروف بلدنا وإمكاناته العسكرية. لو لم يكن هناك شعب، لو لم يكن هناك الحرس، لو لم يكن هناك الباسيج، ولو لم تدخل هذه القوى الشعبية إلي الساحة بشكل كبير وصارم، صدّقوني، لكان صدام قد حقّق رغبته وكان سينشر جيشه في طهران خلال أيام لأننا لم يكن لدينا جيش موحد.

 

الرواية الثانية: بداية الحرب المفروضة

على كل ونتيجة لتجاهل التقرير الشامل الذي قدمّته أنا والشهيد شهرام فر، استعد العراق نفسه للحرب وبعد أقل من شهرين ودون أي رد فعل من بلدنا هاجم إلي إيران. وبالمناسبة، في اليوم الأول للحرب كنّا موجودين في المنطقة مع نفس الذي سخر من نية العراق على خوض الحرب باستخدام كلمة «البصق». أننا كنا نحضر في الحدود العراقية في ذلك اليوم عندما بدأت الحرب مع السيد الشهيد فكوري، وقائد القوات الجوية في ذاك الوقت الشهيد فلاحي، والسيد ظهير نجاد في منطقة قصر شيرين.

كان يحضر في منطقة قصرشيرين لواء من الجيش بقيادة المقدّم اتحادي في اليوم نفسه وقبل لحظات من بدء الحرب، ذهبنا أنا وهو لزيارة المناطق الحدودية مع سيارة "آهو". عندما عدنا أوقفنا سيارتنا بجانب أربع سيارات أخرى كانت مليئة بالذخيرة، وبعد دقائق بدأ الهجوم الجوي العراقي، وأصيبت السيارات الخمس جميعها بالصواريخ واحترقت جميع مركبات الذخيرة الأربع وسيارتنا.

جدير بالذكر أن اللواء الحاضر في قصر شيرين قدم في الهجوم الأول 47 أو 48 شهيداً للنظام الإسلامي. كنّا نجمع جثث الشهداء ليلاً وأنا رأيت شجاعة وبسالة كبيرة من الشهيد فكوري في إحدى الحوادث. ورغم أنه كان من أفراد القوات الجوية شارك معنا في المواجهة على الأرض. وبهدف منع تقدّم الجيش العراقي، صمم فكوري خطة تم فيها نقل دبابتين إلى وسط الطريق لبناء حاجز يصد غزو الجيش العراقي ونفّذ هذه الخطة بشجاعة وإيثار، ولكن للأسف أصيبت إحدى الدبابات بصاروخ في نفس لحظة تحركها وتوقفت عن الحركة. ثم سارع هو بالاتصال بقاعدة همدان التي كانت أقرب قاعدة للمنطقة، ليأتي بعض طيارينا إلى المنطقة لدراسة ظروف هذه  المنطقة. حتى أنه أمر بحضور بعض القاذفات المقاتلة بالتحرك نحو المنطقة وحدث نفس الشيء وعندما ذهبنا من منطقة جغاحمام إلى قصر شيرين ورجعنا إلى منطقة المعركة، وصلت بعض القاذفات ومروحية واحدة إلى هناك للاستطلاع ومرت فوق رؤوسنا مباشرة. ولكن ربما بعد دقيقتين أو ثلاث من عند وصولنا، أصيبت مروحية استطلاع القوة الجوية بصاروخ وسقطت على بعد مئات متر منّا. ولسوء الحظ في اليوم الأول من الحرب استشهد ستة أو سبعة من أفضل وأبرز طيارينا.

كان الوضع مؤسفاً للغاية ولولا براعة الشهيد فكوري ولم تصل القوة الجوية لكان الجيش العراقي قد استولي علي قصر شيرين في نفس اليوم و كان سيد الموقف في هذه المنطقة وكان  يقع قصر شيرين في أيدي العراق. لكن بعد اتصال الشهيد فكوري وصلت القاذفات والفانتومات وبشجاعة الطيارين منقطعة النظير تجاوزت الصواريخ التي لا تعد ولا تحصى التي كانت تطلق عليهم واستطاعت وقف تقدم العدو بقصف كثيف لسلاح الجيش العراقي. لقد شهدتُ المناورات الجميلة والمثيرة لهؤلاء الطيارين المتحمسين في ذلك اليوم. صدّقوني، كان الأمر كما لو أن مطراً من الصواريخ كانت تتجه نحوهم من الأرض. لكن لحسن الحظ، باستثناء تلك المروحية المذكورة، لم تصب أي من طائراتنا الحربية وتمكّن طيارونا الشجعان من إيقاف الجيش العراقي.

وكانت نية العراق هي الاستيلاء علي قصر شيرين من سربل ذهاب في نفس اليوم. لكنه فشل في تحقيق هدفه. وكما ذكرتُ، فقدنا ستة أو سبعة من طيارينا النخبة في حادث تحطم المروحية.

في ذلك اليوم، قلت بغضب وحزن شديد للشخص الذي سخر من الغزو العراقي في اجتماع مقر الجيش: "هل تتذكر، حذرنا أنا وشهرام فر من الغزو العراقي قبل أيام قليلة فقط؟ هل تتذكر كيف أكدنا وأصررنا على أننا راقبنا عن كثب العلامات الواضحة لنية العراق للهجوم؟ والآن بعد أن رأيت ذلك بنفسك اليوم، هل صدّقتَه أخيراً؟ ألم تقل أنك ستبصق عليهم وتهلكهم؟ لماذا لم تفعل ذلك اليوم؟" وكان خلافنا يزداد صرامة مع رد فعل ذلك الشخص حتي تدخّل الشهيد بروجردي وأصلح بيننا.

وبالفعل كنت غاضباً جدًا في ذلك اليوم؛ لأننا قمنا بفحص كامل الشريط الحدودي تقريباً الذي يمكن اختراقه خلال ثلاثة أشهر مع تحمل الكثير من الصعوبات والمشاق، فقد قمنا بتسجيل كافة التحركات والتنقلات وحتى تقدير عدد القوات والأسلحة التابعة للجيش العراقي في المنطقة في تقريرنا وكان من الواضح لنا أن  العراق سيهاجم إلي بلدنا لكنني لا أعلم لماذا لم يعتن الأصدقاء بهذه القضية الحاسمة.[1]

 

النص الفارسي

 

 

[1] - ميردار، مرتضي، مبارزه به روايت علي تحيري ( الكفاح كما رواه علي تحيري )، التصحيح: شيما آشتياني، النشر: إيران،1402، ص224.



 
عدد الزوار: 112



http://oral-history.ir/?page=post&id=12107