مقطع من يوميّات طبيب فلسطيني من تل الزعتر
2023-11-28
الجمعة 25 حزيران
كان بقربي دائما جهاز راديو ترانزستور، أتابع من خلاله الأخبار والتطوّرات، وفجأة فكرت أية أخبار أودّ ملاحقة سماعها، ونحن هنا نصنع الأخبار قبل أن نسمعها؟!؟! ولكن..
بدأ الهجوم والقصف مبّكرًا، وكان المقاتلون والمدافعون عن المخيّم قد صدّوا الهجوم الثاني والثلاثين..
الجو في الطابق الأسفل خانق، الجرحى والمصابون، يفترشون الأرض في ممرّات المستشفى. لا توجد كهرباء، نستعمل الشموع فقط وأحيانا نسأل أين الشموع؟! جاءنا "الشبل حمادة" ومعه مجموعة من أقرانه الأشبال يحملون معهم كميّة من الشموع. سألناهم: من أين لكم؟ كيف حصلتم عليها؟ أخبرونا، أنهم عثروا في مستودع قريب على كمية كبيرة من مادة "البارافين"، فقاموا بتسخينها وصبّوها في زجاجات بعد أن وضعوا داخلها خيوطًا، وبعد أن جفّت كسروا الزجاجات حولها فإذا هي الشموع التي يقدّمونها لنا. فتية وجدوا لأنفسهم دورًا في المعركة.
الحاجة أم الاختراع.
السبت 26 حزيران
الهجوم الثاني والثلاثين يتحطم والتلال المحيطة صامدة، تلة المير، وتلة أبو إيراهيم، وتلة أبو نضال، كانت المعنويات عند الممرّضين عالية جدّا. أراهم يتوجّهون إلى القسم الداخلي ويصعدون إلى الطوارئ بنشاط، ولا يعرفون التعب. كانت الساعة الثالثة بعد الظهر، عندما أخبرتني الممرضة "فريال" أنهم أحضروا النقيب "بدر" قائد جيش التحرير في المخيم في محور دير الراعي الصالح مصابًا برصاصة في عنقه، وقد اخترقت العمود الفقري، كانت حالته ميؤوس منها. أوصلوه إلى المستشفى محمولًا على لوح خشبي، أجريت له الإسعافات اللازمة، أخذت حالته في التحسّن. كان طوال الليل يسأل عن أمه التي لم يرها منذ 9 سنوات. بعد يومين توفي النقيب بدر. أيقظتني الممرضة "فريال"في الصباح الباكر لتقول لي: إن النقيب بدر يتنفس بصعوبة، وبنفس متقطع. أسرعت إلى حيث يرقد، كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. أجريت له جميع الإسعافات اللازمة، ولكن محاولتي باءت بالفشل. لقد مات بدر ولن تراه أمه بعد الآن. بكيناه. أخبرتني "فريال" قصّة عن النقيب بدر كيف أنه جاء في إحدى الليالي المظلمة وتحت القصف ودوي القذائف، وهو في حالة القلق ويريد ممرضة لمرافقته، وفي ذلك الوقت المتأخر من الليل، لأن هناك امرأة في حالة ولادة. قرب دير الراعي الصالح خارج المخيّم في منطقة خالية من السكان وهي أسرة لبنانية مسيحية. وكيف ذهبت هي والممرّضة "بهاء" وساعدتا المرأة في عملية الولادة حيث وقف زوج المرأة مذهولًا وخائفًا من رؤيتهم مع ضابط فلسطيني، وكيف هدأوا من روعه. وعادوا إلى المستشفى.
في كل يوم، نفقد إنسانًا عزيزًا أو أكثر.. وضعنا جثمان بدر في تابوت خشبي، وكان قد تكدّس بحفرة كبيرة جانب المستشفى حوالي ثلاثين تابوتًا. وذلك لعدم توفّر الوقت لدفنها، كما كنّا نأمل أن نقوم بنقل الجثامين في التوابيت الخشبية، إلى بيروت الغربية لدفنها في مراسيم تستحقّها في مقبرة الشهداء.[1]
[1] د. يوسف عراقي، يوميّات طبيب في تل الزعتر، حيفا، 2016، الطبعة الثالثة، ص30 ـ 31.
عدد الزوار: 1150
http://oral-history.ir/?page=post&id=11584