الحفل الثلاثمئة والرابع والأربعون من أمسية الذكريات ـ 5
المترجم: مقدام باقر
2023-11-22
عُقِد الحفل الثلاثمئة والرابع والأربعون من أمسية الذكريات، في يوم الخميس من 23 شباط 2023م بحضور أبطال القوة البحرية من الجيش في قاعة سورة في الحوزة الفنية. حكى فيها ذكرياته كلٌّ من الأمير علي رضا رودباري، العميد الثاني الطيار فريدون صمدي، الأمير محمد حسن لقماني نژاد والأسير المحرّر الطيار الأمير العميد الثاني محمد صديق قادري. وكذلك أزيح الستار عن كتاب «خلبان صديق» (الطيار الصديق) بحضور حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسن أبو ترابي فرد. وكان داوود صالحي عريفَ هذا الحفل من سلسلة أمسيات الذكريات.
كان الراوي الرابع في أمسية الذكريات الثلاثمئة والرابع والأربعين، هو الأسير المحرّر الطيار الأمير العميد الثاني محمد صديق قادري، وقد استطرد في قصّ ذكرياته بحكاية أيام أسره: كنت على سرير المستشفى، إذ زارنا وفد من الصليب الأحمر. وقبلهم كان قد جاء الأطباء العراقيّون وكان المقرّر أن يسجّلوا أسماء المرضى على أسرتهم. بعدما نصبوا الأسماء وجدت على سرير أحد الجرحى قد كُتِب محمدحسين لقماني نژاد. كانت تلكة اللحظة أسعد لحظة في حياتي وأشدّها سرورًا. شكرت الله على سلامة حسن ووجوده هنا. ارتفعت معنوياتي. أما فرحتي الثانية التي ارتفعت معنوياتي فيها أيضا هي حين أخذوني إلى مركز الاستخبارات للتحقيق. كنت في الزنزانة 47 إذ أخبروني عبر شفرة المورس بأن السيد لقماني نژاد في الزنزانة الأولى أو الثالثة. وأخبرني صاحبي عبر الشفرة نفسها بأن والدي وأخي قد جاءا وأنا أخبرتهم بسلامتك وهم على اطلاع من أخبارك.
ثم استمرّ الراوي بحديثه وقال: يومَ سقطتُ من الطائرة، كانت الصدمة الأولى في رأسي وقد أدت إلى تكوّن خثرة دموية في الدماغ، تسبّبت في أن أصاب بالشلل أو الشلل النصفي سبعَ سنين. ولأني سقطت على جانبي الأيمن وكانت رجلي منحنية، كانت الصدمة الأخرى ركلة ضربها جندي عراقي على رجلي فانكسر ساقها. هشّموا 23 عظما من عظامي وكسروا منها كثيرًا.
كان جسمي مبنيًّا بالجص طوال أشهر. فلا كانت لديّ يد ولا رجل. كنت مطروحًا لوحدي في زنزانة الاستخبارات. كانت رجلي متدلّية ومبنية على حالها. صببت الماء على الجصّ المطلي حولي رجلي ففككته. وضعت رجلي على الأرض وبإمكاني أن أقول بأني استطعت خلال الأيام الثلاثة الأولى أن ألمس الأرض برؤوس أصابعي وأمشي في زنزانتي شهرًا. حينما فككت الجصّ من رجلي ما كنت أدري كيف أتخلص منه! كنت في الزنزانة وحيدًا. ولكنّ الله قد جاء بأمير البحر، الطيار شفيعي. جاءوا به إلى زنزانتي. فبادر بتقديم الخدمة لي وتنظيفي وقد أعانني كثيرًا.
كنا نتنقّل بين معسكرات مختلفة وأماكن مختلفة وسجون مختلفة وكنا نخضع لتحقيقات مختلفة، ولكن أسوأ تجربة عشتها كانت في سجن أبو غريب. كنت قد بدأتُ توّا بالمشي في سجن أبو غريب، ثم عرفت أن حسن لقماني نژاد أيضا أصيب برجله مثلي. حين كنا في المعسكر، أخبرنا العراقيّون أنا وعشرات الطيّارين بأنّا سنعيدكم إلى إيران، وفعلا ركّبونا في الطائرة بحضور الصليب الأحمر وحضور الجهات العراقية.
إن من له يد في الطيران أو له معرفة به شيئا ما يعرف جيدا أنه لا بدّ للطائرة أن تقطع مسافة على المدرج لكي تقلع من الأرض وتطير. الأمر الأول الذي أثار عجبي هو أن الطائرة قد قطعت مسافة أطول من المسافة المتعارفة، وفي اللحظة التي كان يفترض للطائرة أن تدخل في المدرج ويأذن لها البرج بعد ثواني من المكث كما هو المعتاد، فُتِحت أبواب الطائرة ودفعوني إلى خارج الطائرة. كان هناك عراقيّان بانتظاري ليركبوني في السيارة فورًا بعيدا عن أنظار جماعة الصليب الأحمر. فعرفت فورًا أن لا رجعة لي بعد.
في زمنٍ قبّلني أخو صدّام من جبهتي وتمنى أن يصبح ضابط عراقي مقاومًا مثلي. كانت تلك القبلة في تلك الظروف مثلَ طعنة الخنجر لي، ولكنّي كنت أتمالك نفسي. وهنا أيضا كان الخنجر نفسه يطعن قلبي، ولكني كنت مسيطرا على نفسي أيضا.
في أيام الأسر تلك، قال لي السيد أبو ترابي الذي تشرّفت بمصاحبته سنوات إلى حين فقدناه: «لا تنسَ أبدًا أن الأسر ليس بحقارة، ولكن بشرط أن تعرف كيف تتصرّف وكيف تقاوم وكيف تسيطر على نفسك.» كانت تلك ضربة قاضية، إذ حتى كنت قد أحسست نفسي في إيران وإذا برج آمال الحرّية هذا ينهار. حينما أرجعوني إلى المعسكر، كان الإخوة يراعون حالي لمدّة أيام. ثمّ بدأت أدرّس في اليوم ثمانيَ عشرة ساعة. لم نكن نحظى بأية إمكانات، ولكنّي كنت أدرس الإنجليزية والألمانية والفرنسية. فكلما تلقّيت بضعة دروس ما، كنت أستقطب تلاميذ وأدرّسهم تلك الدروس. كنت أسعى لأُلهي نفسي بتدريس اللغة الإنجليزية التي كنت أتقنها جيّدا بالإضافة إلى التمارين الرياضية والركض لأتمكن من أن أقضي هذه الأيام.
وقال الراوي في آخر حديثه: بعد الأسر شكرت زوجتي أولا. فكان المرحوم السيد أبو ترابي يقول دائما: «إن لم تقدروا على أن تفعلوها مرّة في الأسبوع أو الأسبوعين، فاجلسوا في الشهر مرّة على الأقل بين يدي زوجتكم وأقسموا عليها أن تهبكم وتبرئ ذمّتكم.» وقد فعلت ذلك واستوهبت زوجتي مرارًا ولكننا نحن الرجال فينا شيء من الغرور، ولذلك نأبى أن نصرّح بالكثير من الحقا ئق. ليس كل الناس مثلي، أنا لا أخجل، فإذا أحببت أحدا من الرجال والنساء والأطفال والكبار، أعبّر عن حبّي له، إذ لا أدري هل يمتد أجلي إلى بعد ساعة أم لا. بودّي أن أقولها هنا عن نفسي بأني أستوهب زوجتي وجميع أصدقائي المحرّرين والجرحى والمجاهدين، وأطلب من زوجة قائدي وباقي الزوجات أن يبرين ذمّتنا.
لقد مضت أيام الأسر وها أنا واقف بين يدي الشعب الإيراني وبين يدي رفاقي في السجن والأسر وبين يدي قائدي وأحبائي، وأقول بكل فخر واعتزاز وبرفعة رأس بأننا نحن المحرّرين قد بذلنا ما بوسعنا وقدّمناه بكل قوّة وصلابة ثم رجعنا، لكي لا نقف موقف الخجل منكم. ولكن من الذي صنع ذلك؟ كونوا على ثقة بأنه كما أن لكل كائن طريق إلى الله، وكلّ واحد منّا يسعه أن يجد طريقه إلى الله، ولكن اعلموا أنه لولا لطف الله الذي حفظ الزجاج بجنب الحجر لما أُنجِز شيء من هذه الملاحم. أقول اليوم: إلهي لك الحمد والشكر على هذه اللحظة.
عدد الزوار: 1594
http://oral-history.ir/?page=post&id=11574