كتاب "نجوم البلوش"
مذكرات رجل الدين المدافع عن الحرم، عباس نارويي عن النبويون في حرب سوريافريدون حيدري مُلك ميان
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2022-02-03
كرهت نفسي لأنني كنت شيخ تلك القافلة والآن أتنفس حياً على ذلك السرير. ويبدو أنّ عبد النبي قد قرأ رأيي عندما بدأ بالوعظ وقال إنّ الله كلفني بمهمة بعد هذه الحادثة. مهمة سرد شجاعة وحرية ونجوم بلوشستان وضعت على الطريق لأول مرة من تلك الواقعة. عمل شاق بدا أصعب من كلّ ما ترمي عليك الحياة من معاناة. من هناك، انخرط ذهني وخيالي في رؤية أناس من أحياء تلك الحادثة وتبيين ووصف كامل لتلك المجزرة .
هذا مقتطف نقرأه على الغلاف الخلفي لكتاب نجم المطر تبدأ "نجوم البلوش" بصورة مع التسمية والعنوان: الشيخ عباس نارويي / بزي المحاربين المدافعين عن الضريح / سوريا جنوب حلب" بعد صفحات العنوان والهوية المميزة باللونين الأزرق الداكن والأسود. ثم لدينا "بدلاً من المقدمة" التي كتبها المحاور ومترجم الكتاب، يبدأ على الفور نص الكتاب الذي يضم 31 جزءاً من مذكرات عباس نارويي. والصفحات الأخيرة من الكتاب مخصصة للصور الملونة بجودة مقبولة.
ولد الشيخ عباس في النصف الثاني من الستينيات من عائلة دينية سنية، والده سني ووالدته شيعية، لكنه أصبح شيعياً من خلال دراساته وأبحاثه. يبدأ قصة حياته عندما أُلقي به من قرية "كزهك" المكونة من عشرين أسرة في بلوشستان ومن قلب ذلك السهل، إلى جبال زاجروس وسي سخت: "في الحقيقة كنت طالباً حوزوياً لا أمتلك شيئاً، وكان إسمي في قائمة الذين يجب أن يتم إغتيالهم وينبغي عليّ أن أنأي بنفسي بعيداً عن التكفيرين المحتجرين آنذاك". لم تصبح الحياة أكثر مرارة عندما لا تعيش بأمن وأمان في بيتك وبالتحديد في المكان الذي ولدت وترعرعت فيه، الآن وكلما حاولت أن أثبت لهم أنّ والدي لازال يصلي علي طريقة أهل السنة ووالدتي التي لم تقل شيئاً لكبار أهل السنة علي الإطلاق ولم تحاور والدي حول خلفاء الشيعة والسنة. ومع ذلك، لم تتناسب هذه مع مناهج المدارس الوهابية في البلدان المجاورة".
لكن عندما يسافر ذبيح الله من كزهك إيرانشهر، إلى مدينة بوير أحمد لزيارة أخته وزوج أخته والبقاء معهم لبضعة أيام، تمرّ حياة عباس بمنعطف جديد. كان صهره يتسعد للذهاب في مهمة نحو سوريا. كما يريد عباس أن يرافقه، لكن ذبيح الله يعارضه. كان الانتظار يزداد جدية. شعر عباس أنّ القضية أصبحت خطيرة بالفعل. شعر أنه معلق بين سي سخن وكزهك، لكن في النهاية اضطر إلى اصطحاب الأطفال والانتقال من سي سخت إلى كزهك، قرية كانت دائماً مركز إقليم قلبه، حيث ترقد والدته على أرض باردة هناك.
ومع ذلك، فإنّ الراوي يعود عدة مرات قبل أن يأتي رسمياً إلى كزهك. أولاً، يقول إنه ومن أجل الهروب من خطر الاغتيال، قرر هو وشريكة حياته الهجرة عن غير قصد واتفقا على أن يكونا ضيفان علي اللور في مدينة ياسوج. كان لديهم لحافان وفرشتان. مع الكثير من الملابس وضعوا الجميع في صندوق السيارة والمقعد الخلفي لسيارة بيجو السوداء وما زال لديهم مكان شاغر. كانا وضعهما المادي متدهورا. حياة طالب حوزوي ترعرع في أسرة فقيرة مادياً ولازال يمر بذلك الوضع المزري ولم يكن قد أصبح أفضل لغاية الآن. كما أنهما فرحين لأنهما نجيا بأنفسهم مع إبنهم أبوالفضل الذي يبلغ من العمر 4 سنوات فقط. كان خريف عام 2015م. ذهبا وأصبح لديهم طفلاً جديداً في سي سخت.
بالعودة إلى الماضي، يخبرنا الراوي عن والدته الراحلة التي كان يذكرها باستمرار. اسمها زينب وقد فتنت بوالدتها. أراد قلبه أن يقول لأمه: "يا أمي، أنا ذاهب في زيارة لأدافع عن الضريح الذي تتنهد به كل صباح ومساء ومرة تلو الأخرى، لكن هل أستطيع كتابة عبارة "كلنا عبّاسك يا زينب" على صدري؟ "هل يستحق عباس مثل هذا؟ " يقول عن والده إنه كان واحداً من آلاف العاملين في شركة نسيج بلوش في إيرانشهر، ولم يكن هذا امتيازاً صغيراً. في ذلك المصنع، كان ينسج قماش بلوشي مميز. يتقاضي الوالد راتباً وكان أنيقاً و يبذل عليهم ما بوسعه، لكن وفي ليلة من تلك الليالي، وعندما كان يعود من دعوة ضيافة إلي بيته، قام السراق بسرقة بيته ولم يتبق لهم شيئاً يذكر.
لقد أمضى سنواته الأولى في كزهك بكل ما فيها من مرارة. في ذلك الوقت، كان حلمه هو الذهاب إلى قرية مكسان وتجربة البقاء في المنام. كان في مكسان حين أدرك أنه أنّ العالم كان أوسع مما كان يعتقد. كان هناك عالم مختلف. في وقت لاحق، وفي غريب آباد إيرانشهر وجد العالم أوسع من ذي قبل، وعاد أخيراً إلى كزهك مع حصوله علي شهادة الدبلوم في الكمبيوتر. يحتفل والداه بتخرجه ويدعوان الجيران لتناول العشاء. أراد له والده أن يصبح مهندساً، لكنه لم يفصح عما يدور في خلده آنذاك. لم يعلم والده إنه لا يرغب في أن يصبح مهندساً. يريد أن يتزوج. كان والده يتصوره علي رأسه خوذة هندسية بينما هو يفكر بالعمامة البيضاء، بطالب حوزوي اسمه عباس نارويي...
بعد حصوله على شهادة الدبلوم، شارك في امتحان الحوزة. كان والده حريصاً على إعلان نتائج امتحان القبول. عندما يصبح ابنه مهندس كمبيوتر، سيطير فرحاً. كان يحب ملابس رجال الدين ولا يريد أن يكبت رغبته بسبب رغبات والده. الأب لا يعرف ما يدور في ذهن ابنه. بالطبع، لم يكن يريد أن يعرف ويتجادل باستمرار، ولكن عندما تم تحديد نتائج إختبار الحوزة وتم قبوله بدرجة ممتازة، فهم والده وعارضه. ومع ذلك، تحدث إلى والده وحاول توعيته بأهمية الموضوع. أن يكون له الحق في متابعة ما يهمه. كل ما كان يهمه أن يصبح رجل دين وخدمة دين الله، فلماذا كان عليه أن يسير في الاتجاه الآخر الذي لم يكن مهتماً به؟ لذلك ذهب في طريقه الخاص.
الآن، ومع هذا الماضي وهذا الوضع، عاد إلى وطنه من سي سخت وكان ذاهباً في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى سوريا. وقد لقيت البعثة السورية استقبالا حسناً من قبل الشعب. عندما رأيت شغف الإخوة السنة لمثل هذه المهمة الصعبة، أصبح فخوراً لكونه مسلماً وبلوشياً. كان البلوش دائماً في عقله وضميره، بارزاً وقوياً، وفي نفس الوقت مظلوماً، ولكن الآن، أصبح لهذا الجمع بين الحماس والقمع لون ورائحة مختلفة. بدا الأمر وكأن أحداً لم يعد يعرف الشيعة أو السنة. كان الأمر كما لو أنّ الجميع قد اتحدوا ليحاربوا الفئة التي عكّرت تيار الإسلام النقي ونثروا غبار التشاؤم والاشمئزاز على الدين.
بعد حوالي ثلاثة أسابيع من التدريب العسكري، غادر إلى سوريا. عندما اصطدمت عجلات الطائرة بمدرج مطار دمشق، أدرك هو وأصدقاؤه أنّ هذه المرة الأولى لهم وهم في ديار غير وطنهم. كانت الليلة الأولى ليلة خاصة وغريبة عليه وعلى رفاقه البلوش. كانت هذه هي المرة الأولى التي يضطرون فيها إلى النوم معاً في منامات دون تقسيم مذهبي. بعد زيارة ضريح السيدة زينب (عليها السلام) وضريح السيدة رقية (عليها السلام)، اضطروا للذهاب إلى حلب والخوض في حرب مع المتطرفين التكفيريين مثل داعش والنصرة وأحرار الشام. وتتمثل مهمته في الوصول إلى جنوب حلب والمشاركة في لقاء ثقافي للوحدة. كان شعوره أنهم يقتربون من الوجود التكفيري. كانت العملية وشيكة لكنه لم يعرف الوقت المحدد. كانت لحظة حاسمة عندما كان الشباب مستعدين للذهاب إلى ساحة المعركة. كان عليهم السير حوالي عشرة كيلومترات للوصول إلى مسافة خمسمائة خطوة عن مكان الصراع. وسمع دوي طلقات نارية وانفجارات. في بعض الأحيان كانوا يسمعون أصوات الأفراد...
خلال العملية شعر للحظة أنه يسقط من أعلى البرج. كانت عيناه تري كل شيء مظلما. يمكن سماع صوت الأنين في كل مكان. كان الألم في جميع أنحاء جسده، لكن الألم في ذراعيه وساقيه كان مختلفاً. تدحرج على ظهره وحاول رؤية قدميه، لكنه لم يستطع... لم يكن لديه أمل في البقاء على قيد الحياة. حتى أنه خطر علي باله أن يقرأ الشهادتين. لقد كانت حالة خاصة ...
ليس لديه أدنى فكرة عن مكان وجوده في مستشفى حلب. بعد ثلاثة أيام من التخدير، لم يتذكر إطلاقاً أنه شارك في الحرب وأنه أصيب. ومع ذلك، فهو يدرك ببطء ما حدث. استشهدت مجموعة من مرافقيه وبُترت ساقه اليمنى من تحت الركبة.
قبل أقل من أسبوعين، سافروا بالطائرة من دمشق إلى حلب على متن طائرة شحن. في ذلك الوقت، كانوا قد عانوا من ضجيج الطائرة واهتزازاتها وصدماتها، لكن الآن بعد أن كانوا مستلقين على الأرض بأجسادهم الجريحة، شعروا بكل شيء مختلف. كان عدد الجرحى مرتفعا. كان الجميع مستلقين على نقالة، ومع كل حركة للطائرة كانت صرخاتهم تتصاعد في الهواء. أولئك الذين عانوا من مرارة رحلة استغرقت ساعة بالطائرة من حلب إلى دمشق عليهم الآن تحملها حتى طهران ...
في هذا الكتاب، بينما يشير إلى مناقشة وجود الشباب البلوشي، من الشيعة والسنة على حد سواء في شكل لواء نبويون في سوريا ومواجهة الجهل والتحجر والتكفير، فإنه يحاول طرح العديد من الأسئلة ولازاحة الغموض عن هذه القومية لأشخاص يجب الرد علي أسئلتهم.
واحدة من السمات البارزة للكتاب هي استخدام لهجة الشعب البلوشي في الحوارات. كما هو مذكور في جميع أنحاء نص كتاب الحوارات بنفس اللهجة البلوشية، ولكن في هامش الصفحة، تم تضمين ترجمته الفارسية.
ألف كتاب نجوم البلوش محمد محمودي نور آبادي حيث صدرت الطبعة الأولي عام 2021م عن طريق دار خط مقدم (قم) للنشر في 288 صفحة.
عدد الزوار: 2248
http://oral-history.ir/?page=post&id=10358