وكان القدر كذلك
مذكرات سيد نور الدين عافي
من اختيار: فريبا ألماسي
2024-11-6
كانت بداية شهر مهر من عام 1361 هجري شمسي و قبل يومين أو ثلاثة أيام من بدء العمليات الحربية عندما جاء بعض الشباب، ومنهم كريم و محمود ستاري "وكانا أخوة" ومعهم أخي سيد صادق، وقالوا لي: "هيا بنا نذهب إلى الماء[1]." كان الصباح الأول من أيام الخريف وكان الجو بارداً نسبياً، لكنني لم أرفض دعوتهم و ذهبنا معاً. في تلك الأيام كان الشباب يذهبون إلى هناك للإستحمام و السباحة للتخفيف من حرارة الظهيرة. وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه، كانت حرارة الشمس قد ارتفعت فجلسنا بجانب الماء واستعدينا للنزول إليه، عندها ناداني صادق: "أنظر هناك! أحد الأطفال يغرق." فأجبت "لا، كيف ذلك!" فنادى: "اللعنة، إن ذلك الطفل يغرق فعلاً."
لقد كان على حق، هناك شخص ما يكافح للنجاة من الماء، لقد كان يتخبط في الماء و يصعد و ينزل، لكن لم يلاحظ أحدٌ حركاته تلك. وبدون تأخير، غطست في الماء و وصلت إليه بسرعة ثم نزلت تحت الماء و دفعت ساقيه إلى أعلى حتى خرج رأسه بالكامل من الماء فصعد الطفل بعد ذلك إلى سطح الماء، و وضع يده على رأسي وأمسك بشعري ثم وقف في الماء على رقبتي. كنت أبتلع الكثير من الماء، ومهما فعلت و حاولت، لم أتمكن من إبعاد رأسي من تحته. والآن أصبحت أنا من كان يغرق لذلك لم يكن لدي خيار سوى أن ألكمه على بطنه لعدة مرات حتى يحررني. في النهاية أخرجته من الماء بصعوبة، لكنني كنت متعباً جداً فقد ابتلعت كميّة من الماء أكثر من تلك التي ابتلعها الطفل وبعدها تخلصنا بصعوبة من الماء الذي ابتلعناه. هناك تعرّفت على ذلك الطفل وهو الأخ الأصغر لـ "محمد رضا چميدفر[2]." بعد هذه الحادثة تخليّنا عن فكرة النزول إلى الماء لذلك ارتدينا ملابسنا و تحركنا صعوداً من مكاننا ذلك.
رويداً رويداً كانت تتراءى لنا الكتيبة، وكنّا نتحرك نحوها على طريق ترابي تستخدمه السيارات في الغالب لعلّه تأتي سيارة و تُقلنا. لقد كان الشباب ينظرون من حولهم وهم يسيرون باتجاه التلّة، وما هي إلّا لحظات حتى رأينا غباراً مُتطايراً من سيّارة تسير على الطريق، لقد كانت سيارة إمداد الكتيبة التي تقوم بتوصيل أوعية كبيرة من الطعام للقوات. أوقف السائق، وهو أحد أبناء مدينة مراغة، فأوقف السيارة أمامنا حتى نتمكّن من ركوبها أيضاً وبالفعل وصلنا إلى جانب السيارة و صعد الشباب إلى الأعلى و تعلّق كل واحد منهم من مكان فيها ثم ركب صادق في الجزء الخلفي من السيارة وكنت أنا الوحيد الذي لم يجد مكاناً! فصاح بي السائق: "أيها السيد! تعال و اركب."
أين أركب؟ لم يبقى مكانٌ في السيارة.""فأجبت:
عندها أراد السائق أن يرسل الشباب الذين كانوا يجلسون في المقدمة إلى القسم الخلفي من السيارة، لكنني لم أرضى بذلك، و قلت: "اذهبوا أنتم، أريد أن أذهب سيراً على الأقدام!" وعندما انتبه أخي صادق إلى أنني لم أركب قام بالقفز من السيارة ثم نزل كريم ستاري أيضاً بعدها انطلقت السيارة مُكملةً مسيرها. بالإضافة إلى ثقل أوزان الأواني المليئة بالطعام، كان هناك اثني عشر أو ثلاثة عشر شخصاً موجودين ضمن السيارة لذلك كانت السيارة بالكاد تستطيع صعود التلّة. بعد دقائق قليلة سمعنا صوت الطائرات العراقية وكنّا قد وصلنا إلى قمة التلّة حيث أصبحت المسافة بيننا وبين الكتيبة أقل من 800 متر. ولم تكن السيارة قد وصلت بعد إلى الكتيبة فها هي تتحرك في مكان مستوٍ، مما جعلها هدفاً سهلاً للطائرة. رأينا الطائرات وقد انقضّت إحداها باتجاه السيارة فخرجت تنهيدة من أعماقي: "سوف تقصف السيارة الآن!"
ركضنا مُسرعين، لكن خلال ثوان معدودة انطلق صاروخٌ من الطائرة ففجّر السيارة و دمّر كل شيء أمام أعيننا، الشباب و أواني الطعام و عجلات السيارة... كل شيئ!! وعندما وصلنا رأينا جثث الشباب مقطعة الأوصال فأصبحنا جميعاً مستائين، كان الطعام في ذلك اليوم عبارة عن حساء وكان المنظر أمامنا حزيناً للغاية. من تلك المجموعة كلها لم ينجُ سوى مسؤول المُشتريات الذي بُترت ساقاه و تمزّق بطنه فتم إنقاذه على الفور ثم قمنا قدر الإمكان بإزالة بقايا الجثث. وبعد ساعة جاءت جرافّة من الكتيبة و قامت بتغطية بقايا السيارة وكل ما بقي مُتناثراً بالتراب حتى لا تضعف معنويات الشباب عند رؤية ذلك المنظر. وفي اليوم نفسه، سمعنا أن ذلك الشخص الذي أصيب في تلك الحادثة قد توفي وهو في طريقه إلى الطوارئ[3]. لقد قُدّر لي أنا و صادق أن ننجوا من القصف في ذلك اليوم و أن نشهد على استشهاد رفاقنا. الله وحده كان يعلم ما الذي سيحدث لنا بعد أيام قليلة![4].
[1] في تلك المنطقة، كان جهاد قد أنشأ سداً صغيراً على مسار نهر سومار بحيث تجتمع الكثير من المياه هناك، وقد أسمى الشباب تلك المنطقة بالبحيرة.
[2] محمد رضا چميدفر هو أحد المُقاتلين القدماء ضمن صفوف القوات الأذربيجانية في منطقتي سوسنغرد و بستان، كما أنه أحد الناجين القلائل من تلك الملحمة العظيمة.
[3] أعتقد أن تلك السيارة تابعة لكتيبة الشهيد صدوقي والتي كما ذكرتُ استشهد مسؤول مُشترياتها وهو شقيق الشهيد قربان علي بجاني.
[4] سبهري، معصومة، نور الدين ابن إيران؛ مذكرات السيد نور الدين عافي، طهران، شركة سورة مهر للنشر، 1390، ص110
عدد الزوار: 118
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.