حوار مع زهراء طباطبائي، طالبة ناشطة في فترة الدفاع المقدس

جهود الطالبات في مقرات دعم الحرب

حوار وإعداد: فائزة ساساني خواه
ترجمة: حسن حيدري

2021-01-10


 

منذ الأيام الأولى لاجتياح العدو البعثي، أصبحت المساجد والحسينيات وحتى المنازل مراكز مهمة لخدمة المقاتلين. في هذه الأيام، تطوعت النساء والفتيات في مقر دعم الحرب لجمع التبرعات العامة، وخياطة الملابس للمقاتلين، وطهي المربى، والقيام بأعمال ثقافية، وما إلى ذلك.

السيدة زهراء السادات طباطبائي هي إحدى النساء اللواتي شاركن بفاعلية في مقر دعم الحرب بالمنطقة 14 بطهران مع بداية الحرب المفروضة، وخلال هذا الوقت ذهبت إلى مناطق الحرب مرتين. الأنشطة في مقر الدعم الحربي، والتواجد في مناطق الحرب في غرب وجنوب البلاد، وكذلك تجربة استشهاد زوجها، دفعت بمراسلة موقع التاريخ الشفوي الإيراني إلى لقائها والتحدث معها عن ذكرياتها. حاصلة على شهادة الماجستير في الجغرافيا السياسية وهي مدرسة بينما تعبر عن ذكرياتها وتتحدث عن مخاوفها وهواجسها تجاه الجيل الجديد.

متى بدأتِ العمل في الخدمات اللوجستية ودعم الجبهة؟

لقد بدأت عملي منذ بداية الحرب المفروضة. لقد ولدت عام 1968م وكان عمري حوالي 14 أو 15 عاماً في ذلك الوقت. لقد تعاونت في الغالب مع فريق الدعم لمسجد موسى بن جعفر (عليه السلام)، الواقع في المنطقة 14، شارع شهيد آية الله سعيدي، وقاعدة الشهيد آية الله سعيدي بالتحديد، التي كانت تقع في الزقاق المجاور للمسجد. كانت والدتي واحدة من النساء النشطات في القاعدة، وذهبت إلى هناك أيضاً. معظم النساء هناك يخيطن ملابس للمقاتلين أو يصلحن ملابسهم. كانت امرأة تُدعى سعيدي نشطة للغاية وكانت مسؤولة في الغالب عن توزيع الملابس والعمل الذي تم باستخدامها. كلفونا بخياطة الملابس التي يتم قصها ببساطة أو تغليف العلب الجاهزة. بالإضافة إلى ذلك، نسجت النساء القبعات والسترات والقفازات وما إلى ذلك للمقاتلين المتمركزين في الجبهات الغربية للبلاد، وفعلوا ما إلي ذلك من أمور أخري. مثل المساعدة الحالية التي تقدم لكورونا من قبل الأيادي المخلصة، يتم تقديمها آنذاك إلى الجبهة. في البداية، كنت أكتب رسائل للمقاتلين وأضعها في مظاريف وأضعها داخل المعلبات. لا تزال لدي الرسائل التي أرسلناها إلى المقاتلين. في بعض الأحيان، من مسجد موسى بن جعفر (عليه السلام)، يتم نقل النساء بالحافلة من أمام المسجد لغسل ملابس الجرحى وبطانياتهم إلى حديقة تقع في  مدينة ري. يتدفق نهر عبر الحديقة، حيث يتم غسل ملابس وبطانيات الجرحى التي تُرسل من الجبهة، وإصلاحها وتطهيرها. مرة أخرى، كنا نقوم بتعبئتها بدقة باستخدام مواد بلاستيكية خاصة وأرسلناها إلى الجبهة. بصرف النظر عن هاتين القاعدتين، في منزل السيدة جمشيدي، والدة الشهيد جمشيدي، والذي يقع بالقرب من مسجد موسى بن جعفر (عليه السلام)، قاموا بطهي المربى وتعليب المكسرات، وقاموا بمهام مختلفة حسب كل موسم. بالطبع، عملت السيدة جمشيدي أيضاً في القاعدة.

ما هي الفئة العمرية للنساء العاملات في مقر مسجد موسى بن جعفر (عليه السلام)؟

تراوحت أعمار النساء بين 14 و 15 سنة حتي تواجد المسنات معنا.

كم كان عدد النساء؟

لا أستطيع تحديد الرقم بالضبط، لأنّ بعض الأشخاص قاموا بالعمل في منازلهم، مثل الآن عندما يتلقى بعض الأشخاص أقمشة لخياطة القناع، وتحضيرها في المنزل وإرسالها إلى المكان الرئيسي. أعتقد أنه كان هناك ثلاثون شخصاً موجودين باستمرار في المسجد والقاعدة. في بعض الأحيان يزيد العدد أو يقلّ.  علي سبيل المثال، موضوع زواج الطاقات أو استشهاد أفراد عائلاتهم أو قضايا أخرى. كان وجود النساء عادة كبير للغاية. لا أتذكر وجود هذه القواعد فارغة علي الإطلاق.

بصرف النظر عن العمل في المسجد، هل عملتن أيضاً في المدرسة؟

لقد كانت معظم الخطط والإسترتيجيات تنبثق من المدارس في ذلك الوقت. كان المعلمون نشيطين للغاية. نبقي حينها في المدرسة في معظم الأيام حتى وقت متأخر من المساء لنقوم بعمل ثقافي. منذ شهر قبل أيام عشرة الفجر المباركة، كنا نخطط لكيفية لإقامة معرض. لم تكن إمكانياتنا مثل الآن لاختيار التصاميم عبر الإنترنت. مع عدد قليل جداً من المرافق، كنا نقوم بتشييد معرض في قاعة الصلاة الكبيرة بالمدرسة والذي كان يجب أن تشاهديه. كنا ننشد الأناشيد ونقوم بالتمثيل علي خشبة المسرح، وخلال عشرة الفجر المباركة، نقوم بتزيين الصفوف وحتي تلوينها.

كنا نعلن في المدرسة أننا سنصوم غداً ونتبرع بأموال طعامنا للجبهة. حتى الطالب الذي لم يستطع المساعدة مادياً كان يحاول تشجيع المقاتلين بكتابة رسالة. قد لا تصدق أننا نتأخر داخل المدرسة، ثم نستعد بسرعة ونذهب إلى المسجد. في بعض الأحيان كانت المراسيم  تقام في القاعدة أو نذهب إلي هيئة محبي الأئمة ومهدية طهران. كان هناك مركز لنقل الدم في المهدية وقدمنا ​​الدم للجرحى. طبعا في كثير من الأماكن مثل صلاة الجمعة انشئت مراكز لنقل الدم خاصة في السنوات التي اشتدت فيها الحرب. وفضلاً عن كل هذا ذهبنا لزيارة أهالي الشهداء ومصحة معاقي ثار الله.

ألا يؤدي كل هذا النشاط إلى مشاكل في مجال التدريس؟

لا الحمد لله. لأنني أحب الدراسة والقراءة وما زلت أدرس لامتحان الدكتوراه.

ألم يكن لحضور دار المسنين أو تشييع جثمان الشهداء تأثير سلبي على معنوياتكم؟

نعم كان الأمر صعباً بالنسبة لنا عندما ذهبنا إلى المصحات ومصابي الحرب، أو عندما حضرنا مراسيم تشييع جثامين الشهداء في طهران، كانت الأجواء متعبة ومرهقة، لكن تجمعنا الودي كان مليئاً بالحماس والضحك. حتى أنني أتذكر أننا عندما ذهبنا إلى جامعة طهران لأداء صلاة الجمعة، جلسنا نحن أبناء مسجد موسى بن جعفر (عليه السلام) بالقرب من مسجد جامعة طهران، وكل من كان يحضر صلاة الجمعة يعرفنا جيداً. كان معلمونا يأتون إلي هناك أيضاً. واستمرت هذه العملية حتى السنوات اللاحقة عندما أصبحت معلمة. تحدثنا هناك، ورتبنا خططنا، وكان الجو بيننا سعيداً ومليئاً بالحديث والضحك.

حتى متى استمرت هذه الأنشطة؟

استمرت هذه الأنشطة حتى نهاية عام 1982، عندما تزوجت وهاجرت من طهران إلى إحدى ضواحي طهران.

هل واصلتي العمل بعد الزواج والهجرة من طهران؟

لم أكن على دراية بالبيئة هناك ولم أخرج كثيراً، خاصة أنه كان الموسم بارد وكان الشتاء في ذلك الوقت مختلفاً تماماً عن الشتاء الآن. بالطبع، كانت والدة زوجتي تذهب إلى مسجد يسمى مسجد وليعصر (عج) (إذا لم أكن مخطئة) وكنت أتردد عليه، لكن الأمر ليس مثل طهران. في الغالب كنت أبقي في البيت وأمارس الخياطة أو الحياكة.

من هناك، يتم إرسال المقاتلين إلى الجبهة وإرسال مساعدات الناس  أيضاً بالسيارات واحدة تلو الأخرى. زوجي (حسين شيباني) كان في الحرس الثوري ويذهب للجبهة ثم يعود حتى استشهد في عملية خيبر عام 1983. كنت في ذلك الوقت حبلى في الشهر الرابع تقريباً وعدت إلى منزل والدي.

متى بدأت أنشطتك مرة أخرى؟

بدأت العمل في المسجد وفي نفس المقر وأنا كنت حبلى. وُلد إبني في أغسطس 1984، لكنه توفي بعد عشرة أيام.

هل كانت كل أنشطتكم خلف خطوط الجبهات؟

لا. ذهبت إلى منطقة الحرب على الجبهة الجنوبية مرة واحدة وإلى الغرب مرة واحدة.

في المرة الأولي ذهبتِ نحو أي جبهة؟

ذهبت إلى الجنوب لأول مرة عام 1985 مع مقاتلي قاعدة مالك الأشتر. لم تسمح لي والدتي بالذهاب في البداية، كانت قلقة عليّ. قالت: لن أسمح لابنتي بالذهاب. ماذا يمكننا أن نفعل إذا تم القبض عليها؟ حتى أنها قالت مازحة: سأخبر الحرس الثوري أنّ زهراء تريد المغادرة دون إذن. لأنّ زوجي استشهد وفقدته للتو، لم أكن في حالة مزاجية جيدة وكنت قد أنجبت للتو ولديّ بعض المشاكل، لم تكن راضية. باختصار، لكن في النهاية وعن طريق الدعاء والبكاء وتقديم النذورات استطعنا إقناعها، حتى أعدت هي حقيبتي بنفسها. في يوم إبتعاث المقاتلين، أتينا إلى قاعدة مالك الأشتر، لكن أحد المسؤولين هناك قال: "لن نأخذ السيدة طباطبائي معنا!" توسلي وبكائي كان عديم الفائدة. أمي، التي قد رفضت سابقاً السماح لي بالذهاب، بدأت الآن في التوسل لأصدقائي، لكنهم أصروا على ألا نأخذها! شعرت بالضيق وقلت: يا أمي لانريد أن يمن علينا أحد. بعد فترة، قالوا، اصعدوا إلى الحافلة. باختصار، عندما ركبت الحافلة، جاءت تلك السيدة وقدمت الإعتذار. قالت: كنت قلقة بشأن تذكرك لزوجك في منطقة العمليات، على أي حال، غادرنا نحو الجبهة.

كيف كان الوضع على الجبهة الجنوبية؟

لقد هدمت بعض المدن في خوزستان بالكامل، مثل خرمشهر والحويزة وبستان، وكانت أشجار النخيل جرداء أو محترقة. كان الوضع غريباً جداً ولا أحد يستطيع البقاء هناك. تنظر إلى بيروت، التي دُمِّرَت نتيجة انفجار وقع في ميناء هذه المدينة، والأسوأ من ذلك ما حدث لمدننا. هاجرت العائلات من المدن، ولم يتبق سوى عدد قليل من العائلات العسكرية. حويزة اليوم لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بما رأيناه في ذلك الوقت. احتل العدو للتو مدينتي بستان وسوسنكرد، وأتذكر أنه لم يبق سوى ضريح واحد وبقية المباني تم هدمها بالكامل. عندما نتحدث عن تلك السنوات، ربما يعتقد جيل الشباب اليوم أننا نتحدث لهم أسطورة ما. أقول دائماً لطلابي إنه لا يمكنكم تخيل ما كان يحدث هناك.

وتوقفت الحافلات في الحويزة للوضوء والصلاة. كان هناك مكان ترابي وكان هناك بعوض يدور حولنا. وفي الوقت نفسه، في مثل هذه الحالة انقطع التيار الكهربائي فجأة وصرخ الإخوة :"إركبوا .. إركبوا."  عندما أردنا ركوب السيارات تلقينا إطلاق نار كثيف. قالوا بداية لتركب النساء ومن ثم الرجال. بدأ الواقفون في دعم الحافلات حتى ابتعدنا عن تلك المنطقة. أفاد حينها الطابور الخامس أنّ أبناء الحرس الثوري قد أتوا إلى تلك المنطقة.

أين تمركزتم وما هي الأنشطة التي قمتم بها؟

مكثنا في الأهواز لفترة من الزمن واستقرينا في قاعدة الشهيد علم الهدى وتعاوننا مع الهلال الأحمر. قمنا بفصل الأدوية، والبطانيات والملابس والطعام وما إلى ذلك، التي أرسلها سكان المدن إلى مناطق الحرب. قمنا بفصل المواد والأثاث القديمة وغير القابلة للاستخدام ورتبنا العناصر القابلة للاستخدام وتعبئتها. كان من مهامنا الأخرى التحكم في تاريخ انتهاء صلاحية الأدوية. فصلنا الأدوية التي كانت لا تزال صالحة لإرسالها إلى المستشفيات. ذهبنا إلى مدينة دزفول لفترة من الوقت وكنا في قاعدة وحدتي العسكرية، والتي لم تكن بالطبع مكان إقامتنا، وذهبنا لتفقد عائلات المقاتلين. كان عملنا في الغالب هو الإغاثة والتعبئة والغسيل والخياطة وإصلاح ملابس المحاربين.

كم إستغرقت فترة تواجدكم في الجبهة الجنوبية؟

شهر أو شهرين.

هل لديكِ ذكريات خاصة من تلك الرحلة؟

كان هناك بعوض غريب جداً. عندما استيقظنا ذات صباح، رأينا عيون صديق متورمة لدرجة أنه لم يستطع فتحها على الإطلاق. أحضرنا مرآة وقلنا انظر إلى نفسك. لم يستطع مغادرة الثكنة لعدة أيام.

متى سافرتِ إلى الجبهة الغربية؟

أعتقد في تشرين الثاني (نوفمبر) أو كانون الأول (ديسمبر) 1986 ذهبنا إلى كردستان حاملين معنا معونات الشعب. وأذكر أنّ والدة الشهيد فشاركي جاءت معنا أيضاً. كانت قاعدتنا تقع في أشنويه وسميت على اسم أم المصائب السيدة زينب (عليها السلام)، والتي أسستها والدة الشهيد رسولي وتعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني. أشنويه هي الآن جزء من أذربيجان الغربية، لكنها كانت في ذلك الوقت جزءاً من كردستان. بالطبع كانت القاعدة متغيرة، أحياناً كنا نذهب إلى بانه ومدن أخرى. كنا نذهب إلى مدن مختلفة ونعود. كنا نخرج معظم الأيام ونعود إلى القاعدة ليلاً للنوم، ومع تلك الظروف السائدة في كردستان، مغادرة الثكنات كانت تتم بظروف خاصة. بسبب جرائم الكومولة والديمقراطيين، نصحنا بشدة بعدم السماح لأي شخص بالخروج، وخاصة النساء، وذلك من الساعة الخامسة فصاعداً. السكان المحليون أنفسهم لم يغادروا المنزل بعد تلك الساعة.

ماذا كانت برامجكم؟

كان لدينا برامج مختلفة. عندما كنا في القاعدة، قمنا بالخياطة وإصلاح الملابس وتعبئة المعدات وغسل أطباق المقاتلين وإعادتها إلى المطبخ. كان الهواء شديد البرودة وسرعان ما يتجمد الزيت في الأطباق بسبب البرد. لقد كنا نقوم بزيارة وتفقد أهالي الشهداء من نفس المناطق. زرنا المحاربين الذين كانت خنادقهم على قمة الجبل وكانت تحت الثلج بعمق متر، وجلبنا لهم أدوات مثل النفط وغيرها من الأدوات الأخري.

ما هو تأثير وجودكن، في مناطق الحرب على المقاتلين؟

كان وجودنا مهماً جداً وفعالاً وأعطى الروح المعنوية للمقاتلين. برد كردستان يخترق نخاع العظام. لم يكن الوضع كما هو الحال الآن، مدافئ كبيرة وسخانات وأشياء من هذا القبيل، كان لدينا مدفئة نفطية تنطفئ في ظل وجود عاصفة ثلجية شديدة والرياح تهب وكان المقاتلون يرتجفون حتى الصباح. لا تتصورين مدى تأثيرنا الإيجابي. بالطبع، كان المقاتلون في حالة معنوية عالية وكانوا مستائين وحتى خجولين من كيفية وصولنا إلى حيث هم، بينما شعرنا بالخجل منهم. رأينا في الخنادق شاباً يدفئ نفسه بصمام يمكن أن يبقى لبضع دقائق مشتعل فقط. في إقليم كردستان، وبسبب الطبيعة الجبلية، لم تتمكن السيارة من الذهاب إلى هناك، وكنا نسير في الغالب ونحمل أشياء بالبغال والخيول. زودت روسية (الاتحاد السوفيتي السابق) العراق بطائرة حربية تسمي سوبر اتاندارد. أتذكر أنّ المقاتلين وضعوا مازحين لوحة على رقبة أحد الحمير كتب عليها سوبر اتاندارد إيران!

كيف كانت الروح المعنوية لذوي الشهداء؟

كانت الروح المعنوية لذوي الشهداء ممتازة. قمنا بزيارة العائلات الشيعية والسنية. معظم الناس هناك من السنة، حتى أنني رأيت مقاتلين سنة. كان هناك الكثير من الضغط الديني على بعض الناس. على سبيل المثال، دخلت امرأة التشيع، لكنها قالت: "حتى أمام والدي أمارس تقية". وذات مرة ذهبنا إلى منزل أحد قدامى المحاربين في الباسيج الذي بترت يده. وعندما سألناه عما حدث له قال: كنت سنياً ثم أصبحت شيعيا. هددوني لفترة وأخيراً وضعوا سراً قنبلة يدوية في خزانتي وانفجرت! إحدى الذكريات الجيدة التي أحملها عن تلك الأيام هي أنّ الأكراد كانوا طيبين للغاية ومضيافين، وكانوا يحضرون صينية من السكريات في حفل الاستقبال ويضعون أمام كل واحد منا سكرية.

ألم يكن وجود النساء في منطقة الحرب صعباً؟

كان الأمر صعباً، لكنني أحببته حقاً.

كم من الوقت استغرقت هذه الرحلة؟

أعتقد شهر أو شهرين فقط.

ألم تشعروا بالحنين إلى الأسرة في منطقة الحرب ؟

لا، ظللت أخبر والدي أنني أتمنى أني رجل لأحارب العدو إلي جانب المحاربين. كونك امرأة كانت لها مشاكلها الخاصة بالنسبة لنا. أردت حقاً محاربة العدو على خط المواجهة. تلقيت تدريبات عسكرية في قاعدة مالك الأشتر. لقد أمضيت الدورة التدريبية بأكملها في العمل باستخدام أسلحة مختلفة حتى نتمكن من استخدامها إذا لزم الأمر. لقد قضيت فترات صعبة للغاية في منظرية وفي ساحة إستخدام السلاح. الفترات التي كنا نتسلق فيها عن طريق الحبل وننزل من الصخرة، ومررنا عبر الجبال المتسلقة أو تحت الأسلاك الشائكة.

عندما عدتِ إلى طهران، هل أصبح لديكِ دافع أكبر للعمل؟

نعم بالتأكيد. عندما رأينا المقاتلين، كنا في أعلي معنوياتنا وأردنا الخدمة أكثر في منطقة الحرب. كل ما فعلناه هناك لم ينته ولم نكن نريد العودة. حتى في العام الماضي، عندما ذهبنا لمساعدة الناس المنكوبة بالفيضانات في مدينة بل دختر، عندما أردنا العودة إلى طهران، على الرغم من أنها لم تكن مدينتنا وبلدنا، لكن لم نكن نريد المجيء وأردنا البقاء والعمل.

هل كانت تنقلاتكِ إلى مناطق الحرب مقبول لمن حولك؟ ألم يقولوا لا مكان للنساء في مناطق الحرب؟

نعم تفمهوا الأمر رويداً رويداً. كانوا على دراية بمعنوياتنا لست أنا وحدي، فقد كانت أسر العديد من النساء الناشظات في ذلك الوقت على دراية بنفسياتهن.

إلي أيّ عام استمر نشاطكِ في الجبهة؟

تقريبا حتى العام الأخير من الحرب. في عملية كربلاء 5 عام 1986، كان لدينا العديد من الإصابات الكيماوية التي لم تستجب لها المستشفيات. لهذا السبب قاموا بتجهيز ملعب آزادي لعلاج هؤلاء الجرحى ونقلهم إلى مكان ذهبنا إليه للمساعدة وقمنا بمعظم أعمال الدعم. في فبراير 1987 وهي الأشهر الأخيرة من الحرب، دخلت الجامعة لمواصلة دراستي وهناك كنت ناشطة في الجهاد الجامعي. لكن معظم أنشطتي كانت لا تزال في قاعدة مسجد فاطمية دولاب ومسجد موسى بن جعفر(عليه السلام) أو قاعدة مالك الأشتر. أثناء دراستي في الجامعة، ذهبت إلى ملجأ المدرسة وبدأت التدريس. في السنة الثانية من الجامعة، نفذوا خطة في الجامعة وطلبوا من اولئك الذين يريدون أن يصبحوا معلمين يجب أن يقدموا التزام كمعلمين، وقد وعدت وأصبحت معلمة فيما بعد.

لماذا بذلتن كل هذا النشاط والطاقة في دعم الحرب والجبهة؟

كل أنشطتنا كانت للدفاع عن الإسلام والحفاظ عليه. في تلك الأيام كانوا يقولون: "اللهم احفظ لنا الخميني حتى  ثورة المهدي المنتظر. قلل من حياتنا وزد علي عمر القائد". لقد أردنا حقًا أن يظل ظل الإمام فوقنا لسنوات عديدة. لقد أحببنا الإمام كثيراً. والآن بعد أن أصبح سماحة السيد الخامنئي، إن شاء الله، ستكون حياته طويلة وسنكون متصلين بثورة الإمام المهدي (عج). يقول البعض إنّ جيلنا كان جيلاً محترقًا، لكنني لا أتفق معهم. بالمناسبة، ربما كنا الجيل الأكثر نشاطاً في إيران. لم أكن رقماً على الإطلاق، لكن كانوا هناك طلاب صامدين حقاً. يذهبون إلى المدرسة، وكانوا متواجدين دائماً للمساعدة، حتى أنهم أرسلوا إلى الجبهة، ودرسوا هناك وحصلوا على شهادة الدبلوم. زوجي، والذي استشهد، كان أحياناً يذهب ويساعد والده الذي كان مزارعاً. كما قام زوجي بالزراعة والدراسة وذهب إلى الجبهة. مع كل أنشطتي في المسجد وقاعدة مالك الأشتر، وبالإضافة إلى الدراسة في الجامعة، ذهبت إلى مركز إيران – أمريكا القديم، الذي كان يقع في شارع وصال بالقرب من جامعة طهران، حيث درست اللغة الإنجليزية وفي نفس الوقت كنت معلمة. اقرأ كتب يوميات المحاربين وأهالي الشهداء، لتجد أنّ تلك الأجواء كانت مفعمة بالحيوية والنشاط وأم الشهيد أو أخته تقوم بكثير من الأعمال الرئيسية. لكن جيل اليوم هش للغاية ومنفعل. يجادل الآباء الآن بأننا نريد ألا يعاني أبنائنا، وهذا أمر سيء للغاية.

أنت معلمة و على اتصال بالجيل الجديد. أثناء تعليمك، هل حاولتِ نقل خبراتك من فترة الدفاع المقدس إليهم؟

نعم إلى حد كبير. أنا أحب الشباب ولدي علاقة جيدة معهم. من المهم بالنسبة لي أن أنقل المعلومات التي لدينا عن الحرب وبعد الحرب إلى الأجيال القادمة. يجب نقل هذه الذكريات إلى الأجيال التي لم تعاصر الحرب. كنت أتحدث إلى الطلاب في الصف أو في مناسبات مختلفة في قاعة الصلاة، وعندما كنت مسؤولة عن سكرتارية  الإعداد الدفاعي، كنت أذهب  معهم علي متن حافلات النور وأشرح لهم عن المناطق التي ذهبنا إليها. لنقل ذكريات ذلك الوقت إلى جيل الشباب، أمضيت دورات التحدث في فيلق سيد الشهداء (عليه السلام) وأنا أعمل الآن كراوية نشطة.

كما حاولت تضمين نقل الخبرة في تربية أطفالي. بعد استشهاد زوجي، لم أعد أرغب في الزواج، لكن بعد ما يقرب من 9 سنوات من استشهاد زوجي، وفي أوائل عام 1991م، وبتشجيع من والدتي وأهل زوجي، الذين أرادوا أن أكون في أسرتهم، تزوجت من شقيق زوجي. الحمد لله لنا ابنتان وولد وهو ايضاً يحمل إسم زوجي الشهيد. حاولنا جاهدين تعريفهم بذلك الوقت. زوجي، الحاج قاسم شيباني، من قدامى المحاربين في الحرب  المصابين بالكيماوي حيث كان في الجبهة حتى عملية مرصاد. عندما لا تكون هناك رحلات قوافل النور، كنت أنا وزوجي ننقل أطفالنا إلى مناطق الحرب، وكان والدهم يشرح دور المناطق لهم. كلهم كانوا يصورون مناطق الحرب منذ الطفولة، حتى بدأت رحلات قوافل النور.

لقد تعلم أطفالي تمامًاً من ثقافة تلك الفترة. بعد استشهاد إحدى الشهداء في المجال النووي، إبنتي الأولى  التي كانت في السنة الثانية من المدرسة الثانوية الوقت وكانت تدرس الرياضيات والفيزياء، عادت ذات يوم إلى المنزل وقالت: "أدركت يا أمي أنّ باب الشهادة لازال مفتوحاً أريد أن أدرس الفيزياء النووية." على الرغم من أنها تتمكن من النجاح في التخصصات الهندسية الأخرى، فقد درست الفيزياء النووية. بعد استشهاد الشهيد محسن فخري زاده أصبحت اكثر إهتماماً وعلى الرغم من كونها حبلى إلا أنها تريد مواصلة دراستها الماجستير.

نشكرك على الوقت الذي قضيتيه معنا في موقع التاريخ الشفوي لإيران.

كما أشكركم وأذكركم أنّ التعبير عن هذه الأمور كان بناء على طلبكم ولم أعبر عن هذه الذكريات في أي مكان آخر. في ذلك الوقت، كنت مجرد قطرة في محيط من الشرفاء والنبلاء المخلصين.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2410



http://oral-history.ir/?page=post&id=9686