ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمئة والتاسعة عشر-1

رواية طبيب عن أيام الحرب

إعداد : موقع التاريخ الشفوي الإيراني
ترجمة: حسن حيدري

2020-12-27


تم بث ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمئة والتاسعة عشر على الإنترنت على موقع آبارات يوم الخميس 26 نوفمبر 2020م، مع التركيز على القضايا الطبية في الحرب. شارك الدكتور إيرج محجوب والعميد غلام حسين دربندي ذكرياتهما.

الراوي الأول هو الدكتور إيرج محجوب، جراح متطوع في الجبهة، مواليد 1942م، شارع مختاري، بطهران. كان أثناء الحرب موظفاً في شركة النفط وكان مكان عمله وإقامته بالقرب من مصافي نفط آبادان. في الأيام الأولى للحرب العراقية الإيرانية، أرسل عائلته إلى طهران مع أقاربه وأقام في آبادان لمساعدة الجرحى. كان حاضراً في المشهد منذ بداية الحرب حتى 1984. كتابا "روّاد الورشة" و"يوم بكيت في غرفة العمليات" من مذكراته.

لقد بدأ سعادة الدكتور محجوب ذكرياته كالتالي:

باسم خالق الكون. عندما كتبت كتاب "رواد الورشة"، كان السيد قدمي على دراية وتم إنتاج فيلم اسمه (سپيد جامگان). ثم قررت إعادة كتابة هذه المذكرات. شجعني بعض النقاد الذين تحدثوا عن الكتاب في مجلة (خروش البرز).

لا أعرف من أين أبدأ الذكرى. كنت في المنزل عندما سُمع صوت قذائف الهاون الرهيب والدخان الكثيف تتصاعد من المصفاة. في منزلنا، كان راديو النفط الوطني يعمل حينها. في الفناء، كنت أهز ابنتي عندما سمعت انفجاراً آخر، ومع كل انفجار، طارت الطيور التي كانت تحلق على أغصان الأشجار بعيداً وحطت ثانية.

أعلنت إذاعة النفط الوطنية أنه يجب العودة إلى المنزل وإطفاء الأنوار. لقد غزا العراق إيران. كان ذلك اليوم هو الأول من أكتوبر 1980. لكن منذ 20 سبتمبر، ظهرت مؤشرات على أنّ العراق يخطط لشن هجوم علي أراضينا. أصابت صهريج أو صهريجي نفط وكانت تحترق وكان دخانها عالياً. قبل خمسة أو ستة أشهر، كان هناك دليل على احتمال اندلاع حرب بين إيران والعراق. في بداية الحرب تم إحضار الجرحى وعملنا لهم عمليات جراحية. ذات يوم رأيت ضوضاء قادمة من القاعة فقال بعض الناس: دكتور ، دكتور ... أحضروا شاباً يبلغ من العمر 17 أو 18 عاماً يُحضر على نقالة وخرج دماغه من رأسه ومات. أخذناه إلى مدخل القاعة وباب الأطباء لدخول غرفة خلع الملابس. كما أنّ عملية انعاش القلب عبر الصعق الكهربائي لم تجدِ. أخبرتهم أنّ هذا الشاب مات عندما وصل. وقال أهالي الميت: كان يتدرب، وفي تلك اللحظة كان قد وضع المسدس على وجهه. لمس الزناد عن غير قصد وأطلق النار. "اخترقت الرصاصة خده وحطمت دماغه". هذه أول ذكرى لي عن جبهات الحرب.

الذكرى الثانية التي أريد مشاركتها هي: ذات مرة رأيت شابين قويين قادمين إلى قاعة المستشفى. اندفاعات دموية من أنف وفم أحدهم. أدخلناهما إلى غرفة الأشعة لالتقاط الصور. كانت هناك رصاصة دخلت ولم يعرف مكان الرصاصة. لم أكن أعرف من أين أصابته الرصاصة، لكن لأنّ الرصاصة دخلت أذنه، قلت قد تكون أضرت بأحد أهم الشرايين في الرقبة أو الدماغ. لم يمنحنا النزيف فرصة لالتقاط صورة له. كان الدم يسيل من حلقه عندما جئنا لالتقاط الصور. كان يمكن أن يختنق. جاء طبيب التخدير. وأخبرته أن يعطيه مسكناً حتى يهدأ ويمكننا التقاط صورة. من ناحية أخرى، طلبت من ممرضي غرفة العمليات إخبار الفريق الجراحي بالاستعداد والحضور إلى غرفة العمليات. كما طلبت المساعدة من طبيب عام يُدعى شهرام مرتضوي. جاء وأعطينا المريض بعض الصعقات الكهربائية مرة أخرى، لسوء الحظ، لم يعد لوعيه. كان هناك شخصان من الحرس الثوري جاءا مع المريض وكانا خائفين للغاية. أخذنا المريض عبر باب الأشعة إلى غرفة العمليات.

خرج الدكتور مرتضوي من غرفة الأشعة. قال مَن حوله "ماذا حدث لمريضنا؟"  قال: مات. تهافتت ركلات ولكمات على الباب والحائط، والزجاج السميك لغرفة الأشعة، التي كانت مضادة للإشعاع، انكسر وأرادوا كسر الباب، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. أخذنا المريض إلى الداخل وكان الفريق الجراحي جاهزاً. يبدو أننا بدأنا مشهداً جراحياً، مع العلم أنّ المريض قد مات. جاء الناس من حول المريض. طلبت من الحارسين تغيير ملابسهما وحذائهما أيضاً. ارتدِ قناعاً وقبعة حتى إذا كسر من حولك الباب، فلن يربكك ويسبب لك الأذى. سألت ماذا حدث؟ هل أطلقت النار على هذا الشخص؟ قالوا إننا في ماهشهر، ورأيناهم يفتحون صندوق سيارة بيكان. جئنا لإعتقالهم، لكنهم هربوا إلى آبادان. طاردناهم. عندما وصلنا بالقرب من آبادان، أطلقت النار على السيارة. بدا الأمر وكأن رصاصة اخترقت النافذة الخلفية وأصابته في رقبته. حتى وصلنا إلى آبادان، نقلناه إلى المستشفى. في غضون ذلك، أبلغوا مسؤولي لجنة المستشفى وحراس الباسيج. كما أرسلوا حافلة صغيرة من الأفراد حتى لا يزعجوا المرضي أو يتسببون بمشاكل أخري. في نفس الوقت اتصلت ببنك الدم. قلت لهم، "أحضروا بضعة أكياس من الدم إلى غرفة العمليات وسلمها لي حتى نظهر لمرافقي المريض أنّ مريضهم يخضع لعملية جراحية ولم يمت بعد". خرجت ورأيت تجمّع عدد كبير من العرب في تلك المنطقة. عندما رأوني قالوا، "ماذا حدث لمريضنا أيها الطبيب؟" مات؟ قلت: لا، إنه يخضع لعملية جراحية. قالوا: ماذا إذاً عن الطبيب الذي قال إنه مات؟ قلت إنه طبيب عام، جاء للحظة ورأى المريض، وبعد أن صعقناه بالكهرباء عاد الي وعيه. يمكنكم أن تأتون وتروا ذلك. أتينا إلى غرفة العمليات مع أحد أعضاء اللجنة وأحد كبار السن من أفراد أسرة المريض. من خلف غرفة العمليات، تظاهروا بأنهم يعملون له عملية جراحية. تم إخراجهم وطلبت من مسؤولي اللجنة إخراجهم من المستشفى في أسرع وقت ممكن حتى لا يتسببوا في مشاكل. كما قام الضباط بإخلاء المحيطين بالمريض. ثم أتى المسؤول عن كيس الدم وقلت: "حسنًا، إذا كان مريضك قد مات، فلماذا طلبت كيس الدم هذا؟ أحضرناه لحقن المريض" أعطى كيس الدم وذهب. أخذته وسلمته إلى غرفة العمليات. كانت أسرة المريض جالسة ورأيت أنني أعطيت أكياس الدم، وباختصار، طلبت من مسؤول اللجنة إخراج المريض من غرفة العمليات حتى لا يلاحظوا. أخرجوا من المستشفى. مات المريض على أي حال. يبدو أننا أخذناه إلى وحدة العناية المركزة بعد أن غادرت عائلته لأخذه إلى المشرحة في منتصف الليل.

استمرت هذه العمليات حتى جعلوني أبقى في آبادان لمدة ثلاث سنوات. كانت آبادان تحت الحصار. قرروا مهاجمة هذه المدينة مرات، لكن أسداً يُدعى العقيد كهتري، قائد حامية خسرو آباد، أوقفهم. قد يكون العقيد كهتري على قيد الحياة. أود أن أقدم له أحد كتبي كشكر لمواقفه المشرفة، لكن لسوء الحظ لم أجد أثراً له. في اليوم الذي حوصرت فيه آبادان، كنت هناك أيضاً. قال أحد الضباط إنه إذا تم التضحية بخمسين دبابة ودخل العراقيون آبادان، ستسقط آبادان. وإذا سقطت آبادان، تسقط خوزستان أيضاً، لحسن الحظ، لم يحدث هذا مع تضحية الناس. ظلوا يقولون، "لنصنع قنابل مولوتوف". دعونا نبني خنادقاً.

كان سكان المدينة يتدفقون بحماسة كبيرة ويقومون بحفر الخنادق ووضع أكياس الرمل وصنع المولوتوف. في غضون ذلك، انفجر أنبوباً في يد الزوجين وأصيب الرجل بجروح خطيرة. كانت زوجته شجاعة. قالت "دكتور، لست مستاءة، لأننا نقاتل من أجل وطننا". نحن نحارب من أجل إيران. كما وعدت زوجي منصور بأننا سنقاتل معاً ونموت معا. كيف حال منصور؟ قلت إنّ منصور في قسم جراحة الرجال وليس بحالة سيئة. لكن حالته سيئة جداً وكان يحتضر.

مرت هذه ومرت حتى قصفت شركة النفط في 11 فبراير 1984. دمرت غرفة العمليات في المستشفى ولم يكن هناك مكان لإجراء الجراحة، لكن حتى عام 1985م، كنت أتردد لفترة شهر علي مدينة آبادن. تحطم ممر الطابق الثاني من غرفة العمليات ووصل إلى أرضية الصالة. في اليوم الأخير الذي أردت فيه العودة، ذهبت وقلت لهم أن يمنحوني شهادة عمل. إنه يومي الأخير. قالوا أيضاً إنّ القسم الإداري قام بكتابتها. سألتهم بأي وسيلة سترسلونني إلى ماهشهر أو الأهواز لأذهب إلى طهران؟ قالوا: للأسف لدينا سيارة بيكان واحدة نحتاجها. ساعدني أصدقائي على العودة. كما تم تحرير خرمشهر في ذلك الوقت. في اليوم الأخير ذهبنا إلى خرمشهر وقمنا بزيارة مسجد جامع. تم رسم صور القادة الشهداء على الجدران. كما رأينا مقر الحرب العراقية يحول منازل أثرياء خرمشهر الباهظة الثمن، التي كانت على حافة الشط، إلى منزل واحد.

آمل أن ينقذ الله هذه الأرض دائماً من الظلم والفساد والدمار، وأن تكون إيران دائماً شامخة. كما ندعو الله أن نعيش دائماً بكل فخر واعتزاز بين جميع دول العالم ونحن  شعب إيران العزيز، ونفتخر لكوننا إيرانيين.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 1915



http://oral-history.ir/?page=post&id=9654