عمليات ثامن الأئمة في مذكرات زهرة فرهادي

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-10-04


وصل شهر مايو 1980. دون وعي تذكرت أيام المدرسة. لو لم تبدأ الحرب، لكان مكاني وفاطمة فرهانيان ومعصومة رامهرمزي واخريات نعمل في الثانوية كمساعدات. كانت أهمّ ساعات عمري في المدرسة قبل بداية الحرب.

يبدأ الخريف عندي حتى العام الماضي مع شراء الحقيبة والحذاء والقرطاسيات من سوق سيف؛ التسجيل في المدرسة، كيّ العباءة والمانتو والبنطلون للجلوس على المقعد. أحسب الساعات لوصول شهر بداية المدرسة.

خريف هذا العام، بدأ مع رسالة الإمام. قال الإمام في إحدى خطبه يجب كسر حصار آبادان ولكن كانت الجهود لبدأ العمليات دون فائدة. تصاعدت هجمات العراق على آبادان مع شهر مهر.

ذهبت مع الفتيات في اليوم الأول أو الثاني من مهر إلى المدينة. كانت الشوراع والحارات مختلفة. زاد أعداد الشرطة. الدبابات والشاحنات ملاحظة.

وزّع مضاد الطائرات على أكثر المدينة. كان بين محطة ثمانية وتسعة، تلال تراب كبيرة. أعدّوا قسما لمدفع 106 والقذائف. على طول المدينة دبابات. مع رؤية كلّ هذا التغيير رجّحنا وقع العمليات. منذ الامس، طلبوا من الاستعداد في المشفى.

أعلمونا في ليلة الخامس من مهر بالاستعداد، قد يتمّ هجوم ويحضرون جرحى. ذهبت إلى غرفتنا ونمت بالحذاء وثياب العمل. تقترب الساعة من الثالثة والنصف فجرا حين أعلن المسؤل للأخوات: "انهضن! ليذهب الجميع للعمل!".

خرجت من سريري وركضت للطوارئ. حضرت كلّ شيء، وضعت الحقن في جيبي واللاصق على المكتب حتى لا أتأخر.

حين أحضروا أول جريح كان من حرس آبادان. ذهبت إليه. كان شابا اسمه مالك حدبور سراج. شعره مجعد، أسمر البشرة وطوله متوسط. حقنته حتى لا يشتد التهابه. وبينما كنت أنظف جرحه سألته: "أخي هل وقع هجوم؟"

قال: "نعم. قواتنا تحاور كسر الحصار".

قلت: "وكيف هو الوضع؟"

قال وهو يضحك: "لتطمئني شبابنا قطعوا انفاس العراقيين".

لم نملك وقتا لحكّ شعرنا. وضعوا الأسرة في كلّ مكان. حتى الساعة السادسة كانوا يحضرون الجرحى. جيمع موظفي المشفى يعملون. كل مساعد ممرض مسؤل عن سرير، ولكن حين ينتهي عملي أذهب للأسرة الأخرى. وكانت سيهلا افتخار زادة تعمل بسرعة واحتراف.

كان بعض الجرحى في حالة بائسة. بينهم شاب ضرب في رأسه. حين كنت أقوم بالاسعافات الأولية له، وقعت في يدي قسم من مخه؛ كأنّ يد قبضت على قلبي. لم يستطع الطبيب القيام بشيء به. قلت له: "يمكنني أن أجد عصبا في رجله". ونجحت. نظر لي الطبيب بتعجب واستحسان. تعلمته من مساعد ممرض.

كان المشفى لا يتحمل المزيد من الجرحى. كنا نجلس أحيانا على الأرض ونداوي الجرحى. وقع نظري على شاب مجروح في الظهر والرجل ومدمى. ماذا سيفعل له الأطباء! كانت جراحه شديدة لدرجة لم استطع النظر له.

ذهبت إلى عملي. نام أحد الجرحى على سرير الطوارئ. عرفته. اسمه صاحب عبود زادة. تعرفت على زوجته عصمت حبيب زادة. كانت تنشط في مكتب القرآن وكنت قد رأيتها في مراسم خرمشهر الدينية. ذهبت إليه لأحقنه. نظر إليّ وقال: "أختي لا تلمسيني!"

انتظرت وقلت له: "حسنا. لن ألمسك". ناديت أحد الإخوة:

"أخي، تعال لتحقنه".

ذهبت إلى جريح آخر وقمت بعمله. عدت لنفس السرير الذي كان ينام عليه عبود زادة. نام عليه جريح وظهره ناحيتي. ظننته أنه مجروح جديد، تفاجأت إنه هو صرخ فيّ غاضبا: "ألم أقل لك لا تلمسيني؟" قلت له وأنا خجلة: "آسفة! حسنا، طيب". وابتعدت عنه.

كان بين الجرحى عراقيا رجله تكاد تنقطع. حقنته ووضعت له تغذية. كنت أضمد جرح حين التفت ووجدت الكاميرا تصورني. كان أحدهم من شباب معراج الشهداء.

غطى عيني الجريح ولا يريدون أن ألمسه. قصصت بالمقص عصابة عينه. ما إن وقعت عينه عليّ قرّب وجهه ليقبل يدي، سحبت يدي. كان يكرر: "شكرا شكرا. دخيل الخميني... أنا مسلم".

يحتاج إلى عملية. نقلوه إلى غرفة العمليات. كان لدينا حريج عراقي أحضروه من الخطّ الأمامي.كانت مهمة مراقبة الأسرى على عاتق الإخوة البسيج ولا يسمحون بدخول المسعفات لغرفهم.

خرجت من الطورائ. كانت السيارات والشاحنات في حركة دائمة. يركض الموظفون. جاءت حافلة الجرحى لنفلهم. حملت جريح مع ممرض لأخذه إلى الحافلة. وكاد الجريح أن يسقط لشدة تعبي.

قلت: "سوف يسقط على الأرض". وانحنيت تحت الحملة.

وصل ممرض لمساعدتنا ووضعنا الجريح في الحافلة. حين عدنا للمشفى  نادى عليّ مسفع وقال: "الدكتور حسني يبحث عنك!".

تعجبت وقلت لنفسي ماذا يريد مني مدير المشفى وسط هذه الضجة؟!

ذهبت إلى مكتب الدكتور حسني في الطابق الأرضي، ويقع قبله غرفة مؤسسة الشهيد وغرفة التوظيف. طرقت الباب. ودخلت الغرفة. ألقيت التحية. وردّ عليّ. سألته: "دكتور هل أرسلت خلفي؟"

أجاب الدكتور حسني: "نعم! شكى شباب الطوارئ عليك!"

سألته متعجبة: "عليّ أنا؟ ماذا فعلت؟"

قال: "يقول الممرضون إنّ هذه السيدة، أي أنتِ، وضعت الحقن في جيبها ولا تسمح لنا بالقيام بعملنا وتنهي كلّ العمل بسرعة!"

أجبته: "طيب ليقوموا بعلمهم. وما دخلي؟ دكتور، الجرحى الذين يحضرونهم نزفوا كثيرا ولا يمكننا التقاعس في واجبنا!"

قال الدكتور حسني بكلّ احترام: "تعاوني معهم. هم أيضا يتعبون". لم أفكّر أبدا في خطف عمل الآخرين. قلت: "حاضر! ليس لديّ معهم مشكلة". قال: "حاولي عدم أخذ كلّ العمل. تعاوني مع الآخرين!".

وعدت وعدت للطوارئ. امتلأت الممرات بالجرحى. أكثرهم مجروحين بالطبن والأيدي والأرجل. حين نمشي نحاذر من سحقهم. لم نفقد الامل في انقاذهم. قال الطبيب بعد أن فحص الجريح: "دعوه لقد انتهى أمره! إذهبوا إلى بقية الجرحى!" وترك السرير.

لم يعجبني كلامه. ذهبت خلفه. ناديته وقلت: "دكتور صحيح أنّ حالته غير مستقرة ولكنه شاب. إنه يتنفس! مازال يمكنني العمل عليه".

عاد الطبيب للجريح. وبعد دقائق استشهد.

جاء العصر. في الساعة الثالثة ذهبت للغداء والصلاة وعدت. أحضروا الجرحى حتى الساعة الثامنة، ولكن قلّ عددهم. قد يكون عدد الجرحى منذ الصباح وحتى الآن قد وصل إلى 300 جريح. قلّت أصوات الأسلحة. دار خبر انتصار عمليات ثامن الأئمة في المشفى وخرجت آبادان من الحصار. كانت ليلة سعيدة لنا ومؤلمة للعدو. كان انتصار كبيرا، أكاد أطير من الفرح.

عقيد البعث المغرورة وانهزامهم يبعث الفرح في الانسان. آبادان بعد تحمل عام من الصعوبات، ها هي تفرح. لم تذهب دماء الشهداء هباء واستطعنا ابعدا العدو عن أرضنا. دار صوت الله أكبر في المدينة. يقولون لقد حصلنا على غنائم كبيرة من البعثيين.

لقد أهدونا هذه الهدية وهو أنّ تحرير مدينة خرمشهر ممكن. ولكننا لا نعلم متى نرى هذا اليوم؟ (1)

 

  1. ساسانس خواه، فائزة، أضواء المدينة المضيئة، مذكرات زهرة فرهادي، طهران، دار سورة مهر، الطبعة الأولى، 2019. من صفحة 409 حتى 422.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2137



http://oral-history.ir/?page=post&id=9481