من دور السيدة رقية إلى منشد في جنيف

حاورته: عطية محمدي
ترجمة: هادي سالمي

2020-09-23


كان الحاج يدالله بهتاش ما يقارب النصف قرن منشدا لآل البيت (ع). ومن أعماله، الانشاد في بيت القائد حتى عاصمة سويسرا وتأليفات متعددة، ولكنه قليلا ما تحدث عن ذكرياته وحياته. إلتقاه "موقع تاريخ إيران الشفوي" وحاوره حول حياته مع اقتراب الأربعين الحسيني.

 

السلام عليكم الحاج بهتاش، أرجو أن تقدم نفسك، أين ولدت، والعائلة التي كبرت فيها.

أنا يدالله بهتاش ولدت العام 1950 في قرية عليك سبزوار. قبل خمسين عام وعمري الآن 70 سنة، بدأت في مدائح أهل اليت (ع). كان أبي يقرأ التعزية الحسينينة. ولأنّ صوتي كان جميلا، بدأت الانشاد من سنّ 7-8 ومثلت دور الطفل في كربلاء. كان عمري 12 عاما حين هاجرت إلى طهران وسكنا منطقة مجيدية. حين دخلت المدرسة، كنت أنشد في طريق الذهاب للمدرسة. وأقرأ في مراسم العزاء في شهر محرم وصفر في البيت. كم كانت هذه المراسم المنزلية مباركة. كانت صلة رحم والأطفال أمام الموعظة وذكر أهل البيت (ع).

كان عمري ثمانية عشر عاما حين وفقني الله بالزواج من عائلة دينية. تقيم زوجتي في صباحات يوم الجمعة دعاء الندبة. دعوني في يوم حتى أقرأ لهم. رافقتني أمي حين رأت زوجتي المستقلبية هناك ثم طلبت يدها. أبو زوجتي هو المرحوم السيد مهدي ميرشريفي، إمام جماعة مسجد محمدية في شارع سيد خندان. فخرنا بأننا ناسبنا عائلة من السادة العلويين.

في هذا المقطع الدراسي إضافة إلى دروس الثانوية، بدأت دراسة مقدمات العربية. منذ ذلك الوقت أحببت أن أكون مؤثرا في المجالس ولا أرضى بقراءة حسينية ينفعل معها الناس فقط. أقرأ حديثا يتعلق بالموضوع؛ لأني أؤمن بأنّ مجالس الإمام الحسين (ع) يجب أن تزيد المعرفة.

ما هي نشاطاتك المتعلقة بالثورة الإسلامية؟

في تلك الفترة كانت المساجد والهيئات هي التي تقوم بالعمل الاعلامي. حين يصل شريط مسجل أو رسالة من الإمام الخميني (ره) إلى أهالي الحارة، نعيد نسخها وتوزيعها. لم أكن عضوا في مجموعة سياسية. ولكني كنت أتعاون معهم. حاولت أن أطرح المضامين الثورية في مجالس العزاء؛ مثلا أقرأ أبيات عن حرية الإمام الحسين (ع):

أعطى الحسين درس الحرية

لتغطي العالم كله.....

أرجو أن تحدثنا النضالات التي انتهت بانتصار الثورة؟

العام الذي انتهى بانتصار الثورة زادت فيه التظاهرات. أحيانا في الشوارع الطويلة من سيد خندان حتى شارع انقلاب كنا نتظاهر ونطلق شعارات. أتذكر في مرة قد وصلنا إلى مخفر على شارع سهرودي الشمالي (فرح سابقا)، أعطى الناس ورودا للشرطة وقالوا: أخي العسكري لماذا تقتك أخاك؟ ذهبت خلف المخفر وكان بعض العسكريين يبكون. كانت الشعارات تحرّك عواطفهم وكانت النتيجة انضمامهم للثورة.

نخصص كلّ ليلة ساعة لنداء الله أكبر. في حارتنا التي كانت حارة مسحيين، نسير رجالا ونساء ونطلق شعارات: أخي المسيحي، قائدنا الخميني. حين تهجم قوات الشرطة على المتظاهرين، يدخل السكان حتى المسحيين المتظاهرين في البيوت. وقد قبضت عليّ الشرطة مرتين لمشاركتي في التظاهرات، ولكن أطلقوا سراحي لعدم توجيه تهمة.

أي المساجد أو المحافل كانت وجهتك الدائمة؟

أذهب أكثر الوقت إلى مجالس المرحوم مفتح في مسجد قبا القريب من منطقتنا. وأذهب أحيانا إلى مسجد ميدان هفت تير إذ كان الشهيد مطهري هناك ومسجد المهدي حيث كان الشهيد حبيبي من تلامذة المرحوم مجتهدي.

ما الذي تذكره عن الأجواء الثقافية والاجتماعية في تلك الفترة؟

كانت الأوضاع الثقافية في تلك الفترة مؤسف  وتذكر بعض المشاهد بالنسبة لي محزن! لم يكن لدينا في البيت لا مذياع ولا تلفاز، ولكني شاهدت عند الأقارب والأصدقاء التلفاز حيث ينقل بثّ حي من الحانات. كان الوضع قاسي علينا ونحتاج إلى تغييره.

أين رأيت أول مرة اسم أو صورة الإمام الخميني (ره)؟

قي 13 شهريور العام 1978 في صلاة عيد الفطر بإمامة الدكتور مفتح في تلال قطرية وبعد الصلاة خرجت مظاهرات مليونية. وزّعوا هناك صور الإمام وهذه هي أول ذكرى عن التظاهرات ورؤية صورة الإمام. أتذكر صباح 17 شهريور ذهبت لمسجد السادات لدعاء الندبة وكنت أنوي الانضمام إلى التظاهرات، ولكن أغلق الطريق بعد مصادمات حدثت.

أين كنت حين عاد الإمام الخميني إلى إيران؟

كنت مع بعض الأصدقاء نقف أمام جامعة طهران حين مرت من أمامنا سيارة الإمام (ره). وللقاء الإمام تقسمنا إلى مجموعات. أعلنوا في يوم أن يلتقي بالإمام علماء الدين. كان السيد هادي غفاري ينظّم دخول الزوار إلى المدرسة. ولأني لا املك ثياب رجال الدين، لم يسمح لي بالدخول، ولكني دخلت. كان هذا أول لقاء. تزاحم العلماء حين دخل الإمام. سأل الإمام: هل حضر السيد فلسفي؟" قالوا له نعم. قال: "ليحضر". وجاء. قال الإمام: "اعتلي منذ اليوم منبرك". إذ قد منع نظام الشاه السيد فلسفي من اعتلاء المنبر. وخطب تلك الليلة السيد فلسفي خطبة عصماء في حضرة الإمام. وقرأ دعاء الوحدة لأول مرة في جمع الثوريين. وكنا مثل حالة السيد فلسفي ليس لدينا خطيب. بعد اللقاء، زرت الامام (ره) عدّة مرات في حسينية جماران.

ماذا عن نشاطاتك بعد الثورة؟

كنت عضوا في لجنة الإمام. من الممكن أنّ البطاقات مازالت معي حين كنت في لجنة مسجد محمدية. كلّ لجنة متصلة بمسجد الحارة وهي تتحمل مسؤلية أمن الحارة. ثمّ اقترحوا عليّ أعمالا تنفيذية لكني أميل إلى النشاطات الارشادية والانشادية.

هل تتذكر منذ العام 80 ونشاطات مجاهدين خلق (المنافقين)؟

نعم. كان لدى قريب باسم "ميرشريفي" دكانا في منطقة مجيدية وهي محاذية لبيتهم. تتحدث أمّه عن يوم دخل عدّة أشخاص للدكان وأطلقوا على ابنها النار. كانت تسمع صوت ابنها وهو يقول لهم لا دخل لي وقد استشهد. في تلك الفترة كلّ من يشبه الحرس، تصوّب عليه نيران المنافقين. ويهدفون ارعاب الناس.

متى ذهبت إلى جبهة القتال؟

أقول صادقا لم أذهب إلى الجبهة أبدا كمحارب؛ وإن تمّ ارسالي مع فريق دعم، وأفتخر أني معوق. عادة ما يرسلوني مع فريق الدعم، كواعظ أو منشد. ووفقت بالذهاب إلى الجبهة أربع مرات أو ثلاث. في إحدى المهمات، أخذونا لرؤية منطقة حربية وفجأة قصفوها. وحين كنت على الأرض، سمعت صراخا الجرحى. قلت لنفسي: يقولون حين تصاب بطلق نار لا تعلم به! هل أصبت أنا أيضا! نظرت لنفسي فوجدت الدماء تسيل من ذراعي وفخذي. عرفت أني أصبت ولكني لا أشعر. وحين برد جسدي علمت أني لا أستطيع الترحك. وصلت المساعدات وأخذونا بالهليكبترات خلف الجبهة ثمّ إلى مشفى جمران في طهران. إحدى الشظايا أصابتني في ظهري، قرب النخاع. قال الطبيب لو تحركت قليلا للأمام لقطعت النخاع! لم أوفق في الشهادة، ولكن مازالت بعض الشظايا في جسدي.

هل لديك ذكرى عن لحظة رحيل الإمام الخميني (ره)؟

قبل ذلك اليوم كنت أدعو الناس دائما بالدعاء للإمام. غرس ذلك اليوم هكذا في ذاكرتي؛ للتو استيقظت من النوم حين سمعت الخبر من الاذاعة. وضعت زوجتي رأسها على الجدار وبكت. كنت متفاجئا أسمع الاذاعة. عددنا اعدة وذهبنا إلى بيت والد زوجتي ومن هناك إلى المصلى. لم تكن المصلى مثلما هي اليوم، كانت أرضا جافة تذكرني بصحراء عرفات. قسم من الناس يبكون وعدة أشعلت الشمع، عدة يلطمون. لم أرَ في عمري مثلما رأيته. لا ينام الناس ليلا، كانوا يأتون جماعات، يجلسون حول مزاد الإمام ويشعلون الشموع.

ما الذي دفعك إلى تأليف الكتب وتدريس الانشاد؟

أحببت القراءة وعندي أسلوب في القراءة، فقد كنت أكتب الملاحظات في دفتر وأستخدمها في المنبر. وصلت إلى هذه الفكرة أن انظم هذه الملاحظات  وأخرجها في كتاب. من جانب آخر أثر الجو الثقافي لمؤسسة أمير كبير في بداية الثورة إذ كنت إمام جماعتهم مما أدى إلى طبع عدة كتب. كان أول كتاب "صلاة الليل" في ثلاثين نسخة وأرسلت للجبهات.

الكتاب الثاني "أربعون حديث عن أربع عشر معصوما" وهو مجموعة من الأحاديث للمنبر والوعظ. ثمّ طبعت مقتلا "رواية كربلاء" وطبع إثنى عشر مرة. ثمّ كتاب مختصر عن حياة المعصومين الأربعة عشر ويدرس في بعض صفوف المنشدين وأنا أيضا أدرسه. ثم قررت أن أكتب كتابا مستقلا عن كلّ معصوم. بصورة عامة طبعت 36- 37 كتابا. أودّ نقل تجاربي للشباب وأدرس في جمعية محاري الاسلام وبيت المنشدين في مجال الاخلاقيات وسيرة الأئمة (ع).

أيّ الدول دعيت لها للانشاد؟

دعيت أول مرة عن طريق صديق إلى الامارات وقرأت 12- 13 سنة للغراشيين المقيمين في دبي. في مرة نادى عليّ شخص في شوارع دبي وكان طيبا معي. لم اعرفه وسألته من أين تعرفني؟ قال يا حاج لقد أثرت كثيرا على حياتي. قلت كيف؟ قال في فترة الحرب ذهبت إلى الأهواز للعمل وأسرت. بعد عشر سنوات عدت، لم يعرفني أطفالي. في صباح يوم جمعة ودون موعد مررنا على جمعية أنصار العباس في شارع باسداران. كنت تخطب عن محبة الأب والأمّ. أثرّ كلامي عليّ كثيرا بصورة حضنني أطفالي وبكينا. أنا مديون لك.

التجربة الأخرى تتعلق بسفري إلى الحج. حين كنت أقرأ للحجاج، سمعني سفير إيران في إيطاليا. تقدم وقال لي إذا دعوناك إلى إيطاليا هل تأتي؟ قبلت وقلت: ولمّ لا؟ لم أظن أنه جاد ولكن حين عدت إلى إيران اتخذوا الاجراءات لسفري.

بعد فترة كان هذا أسلوب حياتي إضافة على الوعظ والانشاد كنت أقرأ المجالس، ورحبت بي العوائل الإيرانية المقيمة في إيطاليا. وعلى سنتين في محرم ورمضان قضيتهما هناك. في مرة حين أنتهت من مراسم عشرة محرم في سفارة إيطاليا لم تكن رحلة إلى إيران ليومين. اقترحوا أن تسغل الفرصة  لأرى وينيز. حين دخلت المدينة رأيت غرفا مغطاة بالسواد وقالوا هذه حسنيتنا!.

حين سمعوا أنه سيستضيفون منشدا، أفرغوا غرفة ووضعوا عباءات نساءهم على الجدران. كانت ليلة الثاني عشر من محرم وشهادة الإمام السجاد (ع) وأقمنا مجلس عزاء. في اليوم الثاني مساء كانت لديّ مراسم في روما وفي الصباح أعود إلى إيران. وذهبت من المطار مباشرة إلى العمل. حين وصلت للبيت، قالت زوجتي أنت تحب مجالس العزاء أكثر منا. (يضحك).

ثمّ سافرت إلى سويسرا. قدّمني السيد هدايت زادة إلى سفير إيران في سويسرا وعلى هذا قدّمت منبرا في مكتب الأمم المتحدة. وكنت ضيفا على الألبانيين 24 ساعة. ودعاني الحاج جواد كلبايكاني عن طريق مكتبه في لندن لعمين إلى بريطانيا. وبعد مجلس العزاء، نتجه إلى حديقة هايدبلرك لندن لنصل إلى مكتب مجمع أهل البيت (ع) العالمي.

وزرت البحرين لعامين.

قرأت عدذة مرات في بيت القائد ومرة في حضور عائلة القائد. هل تذكر لنا ذكرى عن هذه المناسبة.

على مدى 6 أعوام دعيت إلى المجلس العام لبيت القائد. في المرة الأولى التي دعيت فيها، عاهدت نفسي أن أعتلي المنبري بأسلوبي الذي عرفت به. في نهاية الامر لن يدعوني مرة أخرى! لن يأخذوا المايكرفون مني! بدات بشعر ثم حديث ثم المجلس. حين ذهبت للقائد، قال لي: "جيد، جيد، جيد جدا". ارتحت بعد هذه الجملة إذ تقبل أسلوبي. وآخر مرة دعوني فيها كانت ليلة التاسةعاء. قرأت شعرا من صائب. ثمّ حديثا ثم العزاء. وحين ذهبت إلى السيد قال لي: "ما قرأته من صائب بيت القصيد. موعظتك أيضا. قلها للناس".

يقيم السيد في محرم وشهادة المعصومين (ع)، إضافة للمجلس العام، مجلس عزاء في بيته يجتمع فيها عائلته والمقربون. يشمل البرنامج خطبة وخطبة مختصرة منه. ودعوني في شهادة الإمام الهادي (ع).

نرجوك أن تذكر لنا من أجمل ذكرياتك.

 

منذ ما يقارب ال60 عاما وأنا أمارس القراءة في مجالس العزاء، لديّ ذكريات جميلة وعكسها، ولكن من الذكريات الجميلة تتعلق بمجلس عجوز أقرأ منذ فترة طويلة في بيتها. لا دخل لها فيما فعلته سابقا ومازالت مثل القدماء تقول لأبنائها  قولوا للسيد يد الله أن يأتي لليلة الفلانية لمجلس أبو الفضل ليقرأ لنا. ثم تضع عشرين تومانا في ظرف (يضحك). هذه ذكرى جميلة حيث تقول اسمي دون مقدمات وفيه بركة. ومن هذه البركة أنا الحاج يدالله الذي ليس لديه اسلوب خاص ولا صوت مختلف وفقت في القراءة من محضر قائد البلاد حتى هايدبارك.

شكرا على اتاحة هذه الفرصة ل "موقع تاريخ إيران الشفوي".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2294



http://oral-history.ir/?page=post&id=9460