قسم من مذكرات بهجت أفراز

اتقضى ثمان أشهر أو عشرة أشهر من أسرنا وانقطاع الرسائل

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-08-15


منذ العام 1988 وحتى العام 1990 مع عودة الأسرى، أصبح صدّام أكثر جبروة ولم يسمح برؤية الأسرى ومتابعة أحوالهم أو بوصول رسائلهم إلى عوائلهم. لذلك كانت عوائلهم تراجع مؤسستنا ويقولون لقد مرّ ثمان أشهر أو عشر أشهر منذ آخر رسالة من أسرانا بينما تقول عوائل المفقودون ماذا عن مصير أبنائنا. كانوا يبكون ويقولون يا سيدتي أحضرنا لنا ولو ظفر من أبنائنا، لندفنه ونجلس في ليالي الجمع لنبكي ونريح قلوبنا. ونقلنا ما يجري إلى الدكتور وحيد. وعكس الدكتور وحيد الأمر لوزارة الخارجية.

وفي هذه الفترة، زادت قوة صدام وحين ذهب الدكتور ولايتي، وزير الخارجية، إلى جنيف لمتاعبة وضع الأسرى والمفقودين، مانع عقد الاجتماع.

وحين انتشر خبر سفر الدكتور ولايتي ولقائه مع طارق عزيز- وزير الخارجية العراقي- في جنيف، في الصحف، هدّأنا العوائل  وقلنا لهم يريد الدكتور ولايتي الذهاب إلى جنيف لتحديد مصير الأسرى والمفقودين. اهدؤوا الآن ولا تبكوا. الخلاصة هدّأنا الناس. حين ذهب الدكتور ولايتي مع وفده إلى جنيف، كان العراقيون يماطلون. مثلا إذا كان الموعد في الساعة الثامنة مساء، يأتون متأخرين الساعة 12 منتصف الليل أو يلغون الموعد في نفس الليلة لعقد في اليوم الثاني. وصباحا يعيدون التأخير. وحين تعقد الجلسة، يحرفونها ولا يتطرقون للأسرى والمفقودين وتنتهي دون نتيجة. وبعد عودة الدكتور ولايتي إلى إيران لم يكن عنده شيء لقوله وكانت العوائل تتهافت علينا متسائلين لقد عاد الدكتور ولايتي فماذا حملنا لنا من أخبار؟ ولم تكن لدينا إجابة لهم، لذلك كانت تعلو أصواتهم.

منذ العام 1988 وحتى 1990 مرت علينا أوقات صعبةز سلمنا العراقيون ما يقارب معلومات أربع آلاف أسير. ولى هذا وصل عدد أسماء الأسرى المسجلين ثلاثة عشر ألف وهو عدد قليل أمام 35000 مفقود في العام 1988. ولكن كان تنازل صدام يعطي أملا للناس فقد سلّم أسماء الأسرى.

الأمهات اللاتي يأتين بحثا عن أسماء أبناءهن، يضرن على رؤوسهن يكسرن المزهريات والزجاج ويسقطن مغشيا عليهن أو يعلمن أنّ الأمور بيد صدام وليس بيد إيران. كانوا يقولون لي لو تأخّر عليك ابنك يوما واحدا، ما الذي سيحدث لك؟ قالت أمّ قسما بالله لي بضعة ليالي لا أنام فيها. تقول في ليالي الشتاء أقف عل ىسطح البيت حتى تعبر دراجة نارية متصورة حاملة لي خبرا ليهدأ قلبي. تقول أترك باب البيت مفتوحا لتسقط حجارة في الباحة وتعطيني السلام. هل تتخيل إلى أين وصلت الأمور بهم وحجم قلق العائلات، ينتظرون في العذاب.

تمّ التنسيق أن يتجمع أهالي الضحايا يوم الثلاثاء في حديقة الهلال الأحمر. تخيّل منذ ليلة الثلاثاء لم أنم خوفا مما سيحدث في هذا اليوم. تجمع الكثير من العوائل في اليوم المحدد. وتحدثت لهم عبر الميكروفون. تذهب بعض العوائل وتنام على رصيف شارع شريعتي ويغلقون الشارع، مطالبين بتوضيح كلّ شيء. لماذا ليس اسم ابني في القائمة؟ وأحيانا يقررون الذهاب إلى مكتب الصليب الأحمر أو البرلمان أو مكتب الرئاسة الجمهورية ونرجوهم عدم فعل ذلك ونجلسهم في حديقة الهلال الاحمر. وأجلس أنا أيضا بجانبهم باكية معهم. وحين يرون بكاء مديرة المؤسسة، يهدؤن ويقولون لي: "يا سيدة هدّئي من روعك". وأجيبهم: "وما الذي يمكنني فعله. أنا أيضا مثلكم، لأشعر بآلامكم".

في أحد الأيام أخبرني حارس البوابة: "هل تعرفين كم شخص جاء اليوم؟" قلت له: "لا". فقال: "لقد عددتهم. راجع اليوم 15000 شخص". راجعنا هذا العدد في يوم واحد.وكان لكل مؤسسة أقسام لمفقوديهم، ولكن الضغط على مؤسستنا. كانوا يأتون من كلّ إيران إلينا.

كانت في المؤسسة سيارة اسعاف مستعدة، تأخذ مَن يفقدون الوعي للمشفى. وكنت دائما أحضر معي ماء الورد لأعطيه لمن يفقد الوعي أو تسوء حالته. كانت أعوما عجيبة وغريبة. الحمد لله كل موظفينا صبورون ويتعاملون بمحبة مع المراجعين. وكانت بعض العوائل صبورة جدا. في الواقع لا يتململون ويصبرون الآخرين. ونسلم مثل هذه العوائل التي فقدت أكثر من أبن مهمة الحديث مع الآخرين.

وكان يحضر المنافقون تحت ظلّ عوائل الأسرى ويفتعلون شجارات ويحرضون العوائل الأخرى. لا تعرف العوائل إنهم منافقون وينضمون إليهم وأحيانا كانوا يشتموني. من لطف الله بعد 32 عاما من العمل الثقافي والتعليم، منحني الله أعصابا قوية  لتحمل هذه المصاعب. وكان أحد شباب لجنة الإمام يأتي إلينا وأيضا من الاستخبارات لمتابعة الأمور.

بين العام 1988 و1990، كان عدد موظفينا في طهران 60 موظفا وفي المحافظات ما يقارب 300 موظفا وكانوا يعملون بكل طاقتهم. مساء حين تأتي أسماء جديدة من الصليب الأحمر، ولكي ننهي عملنا أسرع، كنا ننام في المكاتب.

تأتي إلينا رسائل وبطاقة الأسرى، وأكثرها يجب ارسالها للمحافظات. علينا تقسيمها. بداية تُعزل بطاقات كل محافظة. ثم أسماء المدن والقرى وتأخذ منها كلها صورا.

وصلت 500 بطاقة واسم من الأسرى. ورغم العدد الكبير للمراحعين، لم نتمكن من العمل؛ لذلك نأخذ البطاقات معنا للمنازل وأدعو بعض الموظفين للبيت لنعمل في أجواء هادئة وننهي العمل. وحددنا أشخاصا لإيصال الطعام للموظفين. وعينا بعض المواطنين لإيصال البطاقات بسرعة إلى المحافظات. نحدد أشخاصا لكل أربع محافظات قريبة من بعضها وأقول لهم مثلا: خذوا هذه الرسالة إلى اصفهان، ثمّ لشيراز وبعدها لبوشهر. قسّمنا كلّ إيران على هذا النحو ولكي نفرح العوائل كنا نستخدم لاسلكي الهلال الأحمر بعيد المدى، لنفرح العوائل.

أشكر الله على هذا النجاح. حجة الاسلام والمسلمين شهسواري الذي كان يعمل في مكتب الإمام كمسؤل عن الشكايات وكان ابنه أسيرا أيضا، يأتي أحيانا ابنه لاستلام رسائل أخيه إلى مؤسسة الأسرى والمفقودين، يجلس ويراقبني ويرى كيف يهجم الناس علينا وكان شاهدا على ما يحدث. وفي حين كانت أكثر الدوائر تصل ضدها شكايات لمكتب الإمام، إلا مؤسستنا لم تصل ضدها شكوى. (1)

 

  1. حكيمة نصيري، مذكرات السيدة بهجت أفراز (أمّ الأسرى)، مركز وثائق الثورة الاسلامية، طهران، 1378، ص 153.

النصّ الفارسي 



 
عدد الزوار: 2131



http://oral-history.ir/?page=post&id=9394