الراوي الثاني في ليالي الذكريات

حين كنا في المنطقة، واجهنا حربا مكروبية

مريم أسدي
ترجمة: احمد حيدري مجد

2020-05-11


خاص موقع التاريخ الشفوي، أقيمت ندوة ليالي الذكريات الثلاثمائة والثانية عشر، في 23/4/2020 عبر الانترنت. وشارك في هذه الندوة كلّ من عبد الرضا طرازي والدكتور سعيد مرزبان.

أدار الندوة مهدي صالحي وطرح أسئلة تتعلق بموضوع الدفاع المقدس. وكان المتحدث الثاني الدكتور سعيد مرزبات راد وهو طبيب جراح في الصدر والرئية وقد أصيب أثناء الحرب، وضمن حديثه تطرق إلى شيوع الكورونا:

*دكتور مرحبا واهلا بك. كنت ضمن تشكيل جهاز مكافحة الهجمات الشيميائية وقد كتبت كتابا حول معالجة المصابين بالكيميائي. بدأت بهذه المقدمة لكي تتحدث لنا عن ذكرياتك.

بسم الله الرحمن الرحيم. أحييك وأحيي زملائي والمتابعين. الحقيقة مع بداية الحرب المفروضة، باتت الحاجة لحضور الأطباء في الخطوط الأمامية حاجة ماسة. كانت بداية الحرب المفروضة عادية. وبسبب عدم نجاح خصوم إيران في الحرب المفروضة، تبدلت الحرب إلى حرب كيميائية. ومع بداية الحرب الكيميائية كانت معلوماتنا قليلة، ثمّ أخذت دراسات على يد أشخص كُثر تتزايد ومع التدريبات الكيميائية والقراءة، من قبل الأطباء والمختصين الإيرانيين، أصبحوا أصحاب رأي واختصاص في معالجة المصابين بالكيميائي مما أدى إلى اصدار مقالات وكتب تتعلق بالمعالجة. أنا نفسي في تلك الأعوام كنت أعالج المصابين بالكيميائي بصورة مباشرة. ووصلت مقالاتي وبحوثي إلى اصدار أول كتاب لمعاجة المصابين بالكيميائي وقد كتب الدكتور رخشان وكان رئيسس قسم الباتولوجي، قسما من الكتاب. بينماساعد كل من الدكتور مشتاقي والدكتور سجادي في تحرير الكتاب. ووزع الكتاب بصورة كبيرة، حتى أني حين أصبت في المنطقة الغربية، وأخذوني للخطوط الخلفية، رأيت طبيبا يقرأ كتابي ويعالجني عن طريقه وكانت من أسعد لحظات حياتي.

*دكتور هل كُتب الكتاب في فترة الحرب؟ ماذا الذي حدث بالتحديد؟

مع بروز العلائم على الجحى بدأنا بجمع المعلومات والتحاليل، وبدأنا بالكتابة في الجبهة. كنا في الخندق ونتعاون في الكتابة. وحين أصبت لأول مرة في دزلي بالكيميائي، وعدت إلى طهران، سلمت الكتاب إلى مؤسسة الجهاد لطباعته. وأحضروا الكتاب للتصحيح الأخير إلى منزلي، وثم صدر. واحتاجوا الكتاب لطبعة ثانية، والآن يشار في الكثير من المقالات إليه.

*لو أردنا الدخول في الذكريات، لنتحدث عن أصابتك بالكيمائي في سومار.

أعتقد أنّها من أهم ذكرياتي. رأيت أشخاصا يعملون أكثر من قدرتهم. أتذكر يوما بدات فيه بخياطة جرح شاب، ثم قال لي: "مع الأسف". قلت له: ""ماذا حدث؟" قال: "غدا العمليات. وكان من المقرر أن أذهب معهم". ثم عاد وقال بينما أنا منشغل بتقطيب جرحه: "حصل خير". قلت له: "ما الخير الذي حدث؟" قال: "الآن أعرف ما يعاني إخوتي حين أصيبوا بجراح". أي أنهم كانوا أشخاصا كبيري المقام. أذكر مقولة صديق: "حين تذهب إلى الجبهة، من تراهم هناك لن تراهم مرة أخرى في حياتك".

*أتعجب من طبيب في مكافحة الكيميائي ومصاب به!

دخلت في عمليات كيميائية كثيرة، رغم أني مصاب به. وفي بعض الأحيانا نستهدف. في الهجوم على سومار، لو لم يكن لدينا معلومات عن الكيميائي، لفقدت الحياة. لذلك استحممت وعمقمت نفسي، وكنت تحت النيران ونجوت.

*حدّثنا متى عرفت بالتحديد بأنك تلوثت؟

كنا في المشفى حين أخبرونا بمناورة تجري. عدّة ذهبت لمسافة 5 كيلومتر، وعدّة إلى 30 كيلومتر. قبلها بيوم، فعلنا الأمر ذاته. الفريق الأول، معهم طيار، وطلبوا باقامة مشفى. كانت السماء غائمة وفي اليوم الثاني أشرقت الشمس، حلقت طائرات ورمت مظلات للتعرف على شدة واتجاه الريح. وتعرفت على المنطقة لقصفها.

*أي كلّ هذه التحضيرات تتخذ للقصف الكيميائي؟

نعم. كنت كجراح في هذه المرحلة. تحدثت مع مسؤل المنطقة الذي كنت أعرفه، وأخبر بقية المسؤلين بأني طبيب أعمل في مجال الكيميائيات. ووجدت أنهم لا يريدون التعاون معي. في منطقة الجنوب، كان معي أقنعة ومعقمات. وطلبت منهم أن يحضروها وقسّمتا بين من وجدتهم في حاجة لها. أشخاص كان عليهم العمل في إدارة الحركة. أخبرت مسؤل المنطقة أنّ الطائرات ستاتي من هذه الجهة وتقصفنا وهذا ما حدث. في صباح احد الأيام والسماء صافية، بدأ الامر الساعة 8 صباحا. عمليات تحت اسم سؤيد. في الحرب الكيميائية، بدل قصف الأماكن المنخفضة، يقصفون المرتفعات وحين يصعد الجنود للأعلى يُصابون. في نفس عمليات سريد التي قام بها العراقيون، صعدت القوات اعلى الجبل وأصيبوا بالكيميائي. كنت أصرخ في مكبر الصوت انزلوا! ولم يسمعني احد. لأنّ الوضوع كان خاصا، ولم يكن أمامي إلا أن لأقوم بعملية تعقيم لنفسي. وبعد أن انتهت العمليات في الساعة 12، كانت الاصابات بيننا كبيرة. ولم يكن أمامي إلا أن أحدد المريض واصابته. في بعض مناطق الجبهة وجدت أنّ لدينا سائل الخردل، وليس غاز الخردل. كانت القنابل الكيميائية مبعثرة على الأرض. سولفور موستارد أبيض. وضع رجلات الخردل على اجسادهما. وأراد احد زملائي الاطباء أن يتناول الطعام، ومنعته ورميت صحنه على الأرض. وكان علي الطلب من المسؤل السماح للقوات بالنزول من الجبل.

*نواجه اليوم فيروس باسم كورونا. غير معروف. مثل سيناريو غير معروف. ما البرنامج المعد لفيروس كورونا؟ لأني اعرف أنك تعمل على هذا الجانب.

حين كنّا في المنطقة الحربية، كانت حروب مبكروبية.أي أنها لم تنجصر بالحروب الكيميائية. أتذكّر في إحدى العمليات، لا اعرف كيف تمّ نقل مواد ميكروبية، أُصيب الكثيرون بأورام في المعدة. كانت أعداد المضى كبير إلى درجة نقلهم بحافلات وحدث حادث لحافلة ومات فيه وأصيب الركاب. في الحرب الميكروبية، كان لدينا اخصائيون التهابات. وحدث في إيران مثل مثلما حدث للكثير من الدول بعد الحرب مثل ألمانيا، غيّر مصانع الكيمياويات لتحويلها إلى صناعة مواد مطهرة. الشيء المهم الذي تعلمناه في الحرب، أنّ أهم مواجهة هي الوقاية. أي عليك أن تعرفها جيدا وتعرف الدولة المهاجة أنك على قدرة لمواجهتها. في الحرب العالمية الثانية، كان عند الألمان مواد كيميائية كثيرة ولو استخدمها، لانتصر على العالم. ولكن لخوفه من بريطانيا وغاز الكلر، استخدم القليل منها. صنعت أرميريكا آرسنيك، والكلر صنعته بريطانيا وألمانيا. ألمانيا هي من صنع الخردل. كنت أقرأ كتاب لكاتب لبناني يعرّف عوامل الاعصاب. عرف غاز باسم واي اكس بغمكان قطرة قتل انسان. وفي موضوع كورونا، هو فيروس ذكي جدا ويختار جيدا. وقد استخدمت الطبيبة محرز نفس هذه الجملة في حوارها. هو يختار من يمكن اصابته بالمرض. وعلاجه هو التباعد الاجتماعي. وهو فيروس نشط جدا يهجم على كلّ الجسد. ويؤدي إلى موت مفاجئ.

*جربت أجواء الجبهات والحرب، والآن تجرب أجواء الكورونا. كيف تقارن الاثنين؟

الواقع هو متى يرضى الله عنا؟ حين يرضى عنا عباد الله. في دزفول عدّة انهر وجسور. حين نعبر من تحت الجسر، كان عجوز يبيع خيارا. الخيار الذي رأيته، كان بحجم كبير وأصفر. سألته عن سعره. قال سعرا ولم أشتر. كنتُ حينها طبيبا في الجهاد وطبيب في عمليات المشفى. قال أستاذي: "ماذا تفعل؟" قلت: "كنت أريد شراء خيارا". قال: "ولماذا لم تشتري؟". قلت: "خياره ليس جيد". قال بطريقة لافتة: "ألا تستحي من نفسك؟ لم يغادر المكان رغم القصف العراقي ويبيع على أمثالنا الخيار. إذهب واشتري". واشتريت الخيار وتعلمت من أستاذي أنّ من يعمل في مثل هذه الظروف قد يكون اجره أكثر منا. والآن حين نعمل على علاج مرضى الكورونا ونرى عدد المتعافين نفرح. في الحرب لم يكن بالامكان الرجوع للبيت، والآن نرى طبيبا لم يذهب إلى بيته منذ شهرين. والحقيقة يريد المحافظة على عائلته. قد تختلف من جانب في هذا الأمر.

*لو كانت لديك كلمة أخيرة؟

كانت عمليات في جنوب البلاد في منطقة دشت عباس. وكنت مسؤلا فيها وتحت إمرتي 100 سيارة اسعاف. مساء وصلنا إلى الطريق وكان الجرحى على الطريق. بدا المطر.  رفعتُ يدي وقلت: "يا إلهي ألا ترى هذا المطر؟ ماذا سأفعل للجرحى؟ كيف أنقلهم؟" جاء الصباح، وجدتُ العراقيين يحاصروننا بالدبابات ليقتلونا مثلما حدث في كربلاء 4. كان خلفنا تراب ناعم. حين تمطر، تتحول إلى وحل. توقفت كل الدبابات في الوحل وقام الجيش والحرس بصبغ الدبابات لكي يتعرفوا عليها. للتو فهمنا حكمة المطر.

النصّ الفارسي 



 
عدد الزوار: 2413



http://oral-history.ir/?page=post&id=9204