ليالي الذكريات الثلاثمائة والثانية عشر- 1

كانت المعلبات ملئية بالتراب

سيدة بكاه رضا زادة
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-02-28


خاص موقع التاريخ الشفوي الإيراني، أقيمت مراسم ليالي الذكريات الحادية عشر بعد الثلاثمائة تكريما للنساء في الحرب المفروضة. وتحدث كل من إيران ترابي والسيدة فوزية مديح والحاج مهدي زمرديان.

وتحدثت بداية إيران ترابي. جين كانت سوسنكرد بيد العدو، في بستان والهويزة ومعسكر حميد، وواجهت الحرب. وقد بدأت ترابي حديثها بآية من القرآن الكريم: "تقدّم العدو في فترة الحرب عبر سياسية. أعتقد أينما واجهنا الخسارة كانت بسبب وجود سياسيين دون دين. صدقوني هذا ما حدث منذ زمن السيدة فاطمة (س) والإمام علي (ع) في حرب صفين حتى اليوم. من المهم التعرف على عدوك في كل زمان ومكان. بعض السياسيين، لم يكونوا يعرفون اعداءهم، طوال ثمان أعوام من الحرب، في كل خسارة واجهناها، كنا نفتقد بصيرة الترعف على هوية عدونا. ولكن من جانب آخر، حسب اعتقادي، الشباب الذي استشهدوا وجرحوا في خوزستان وكردستان، عرفوا عدوهم جيدا.

حين ذهبت إلى كردستان، كانت باوه محاصرة. قامت النساء في باوه بكل ما يستطعن. وقعت باوة بيد عارضي الثورة ومساحة قليلة بقيت للناس. كان عمل توصيل المساعدات على عاتق النساء. وحين عدنا لطهران، بدأت الحرب المفروضة ومرة أخرى عادت النساء للمراكز والمقرات والمدارس والمساجد. إذا لم تدخل النساء لساحة الدفاع المقدس، لما انتصرنا في الحرب. وقد قال الإمام (ره) بوضوح إذا لم تحضر النساء في الحرب المفروضة لما انتصرنا. وقع على عاتق النساء الخياطة وتغليف الطعام وارسالها لامناطق الحربية. إذا لم تصل هذه المغلفات للمحاربين في سونسكرد، لقضوا نحبهم. الحقيقة عبر مساعدة النساء استطعنا الوقوف أمام العدو. إذا لم تدخل النساء في الحرب، لما حصلنا على هذا النصر. نساء الأمس هن النموذج لنساء وفتيات اليوم. ضحن بأزواجهن وأولادهم للمناطق الحربية ثم شمرن عن سواعدهن للمساعدة. وأعتقد أنّ اليوم مثل تلك الأيام، يمكنهن القيام بأعمال مهمة في المجتمع.

دعوني أتحدث عن ذكريات بعيدة. حين كنتُ في الأهواز ومع المعرفة التي يحملها عني الشهيد مصطفى جمران، أمرني أن أذهب إلى سوسنكرد. ذهبت إلى سوسنكرد ومستشفياتها التي تشمل معسكر حميد والحميدية وبستان والهويزة. وحين كانت بستان تسقط والهويزة محاصرة، جاء الناس للمساعدة. رأيت بأمّ عيني 35 شابة من بستان حملن المولوتف وأدوات بسيطة لمواجهة العدو، قاومت بستان 48 ساعة؛ وحصل ذلك مع عدو مدجج بالسلاح. وحين انتبهوا أنّ نساء موجودة في المدينة، حدثت مذبحة. صدقوني، رأيت مقابر جماعية للنساء. حين حوصرت الهويزة ملأ الشهيد علم الهدى مع الطلاب، المعلبات الفارغة بالتراب ورموها على الاعداء حتى يظن العدو أنّ قنابل يدوية. أمر بني صدر بتراجع الجيش، دون أن يعلم أحدا. وقبل أن ينتهي عتاد الجيش في الهويزة، دخل العدو بالدبابات وسحق الناس والمقاتلين. مات الكثير إثر هذه الحركة. حكى لنا شخص في سوسنكرد بأنّ الناس والمقاتلين، كانوا يفرمون مثلما يفرم اللحم في المفرمة. ومذكراتي عن ثلاث مناطق حربية مثل الهويزة وكتيبة كميل وكتيبة الحمزة مسجلة في كتاب "سلام على إبراهيم هادي". حفر المقاتلون قناة حتى العراق وحوصرت كتيبة كميل والحمزة ثم قصفوا ودخلت الدبابات قناة كميل. بقى المقاتلون لمدة اسبوع دون طعام و ماء حتى وصلت لهم المساعدة. كانت المناطق محاصرة وكنت برفقة عدد من قوات الحرس وحين كان الشهيد علي غيوري والشهيد جمران يكسران سد العدو، غطت المياه المنطقة، وغاصت الدبابات في الطين. وظنا أنّها خدعة فتراجعا. في نفس اللحظة أمر الإمام بذكاء بدخول الجيش. وحصلنا على النجاة بما تحمله الكلمة. من المضحك أنه في سوسنكرد قام المرتزقة، في نفس المدينة بتعيين المحافظ والقائم مقام. ذهب شاب إلى المحافظين والقائم مقامية ليحضر لأمه وأبيه الطعام. ودخل معهما في نقاش وأطلقوا عليه النار واستشهد. وحين أراد أبوه وأمه أخذ جثته، أحرقوه أمامهما. صقت علينا امرأة حمل ذكرى عن خرمشهر وقالت حين دخلت زقاق في خرمشهر، رأيت ضابطين عراقيين حاصراها، ثم عرفا أنها حامل. تراهنا بينهما على الجنين هل هو ولد أم بنت. شقا بطنها بخجر. أخرجا طفلها وقتلاه بطلقة.

رأى الشهيد جمران تمريضي في كردستان. فأخذوني إلى سوسنكرد. رافقني فريق طبي. كان عمري 21 عاما. وحين دخلنا مشفى سوسنكرد كان العاملون فيه قد تركوه. وكانت الإذاعة العراقية تبثّ إذا لم تلتحقوا بنا، سندخل المدينة ونحرق المشفى بمن فيه! ذهبت في منتصف الليل إلى باحة المشفى ورفعت يديّ للسماء وقلت: "يا إلهي، أنت تعلم أني خالية اليد وثم أشرت لرأسي وهذا أيضا فارغ! ساعدني لأساعد الناس!" وكان هذا إذ رأيت المدد الغيبي. على حدذ تعبير الإمام كانت يد الله في هذه الحرب. وبعد أن أنتهت كل أدويتنا، أجبرنا على التراجع. وكانت الطرق مقطوعة بسبب القصف! دخلنا الاهواز. وحين تكلمت مع الشهيد جمران، قال لا أحصل على جواب وطلبوا منا أن نقاوم. كيف سنقاوم؟ أمر بني صدر أن نقاوم. قال بني صدر تراجعوا إلى جبال الله أكبر. وهذا يعني تقديم خوزستان على طبق من ذهب. حين يحدث اختيار خاطئ، تأتي بعده أعمال خاطئه. في نفس الفترة قال صام حسين للمراسلين اليوم أتحدث معكم هنا وبعد ثلاث أيام سأتحدث معكم من الاهواز! وإذا سلمنا الاهواز حينها، لحدث ما قاله. قاومنا بأيدي فارغة ولم نسمح بسقوط خوزستان. سلّح أمثال علي غيوري وجمران وإبراهيم هادي القوات.

بعد سوسنكرد عدت لطهران لاستريح وحينها أمر الإمام بكسر حصار آبادان. نقلونا إلى آبادان. كسرنا الحصار وذهبنا مباشرة إلى الشوش لنحصل على قوات داعمة لتحرير خرمشهر. وحين دخلنا الشوش، كانت طائرات العدو قريبة منا، حيث استطاع الحراس اطلاق الرصاص بالمسدسات عليها. ثم دعونا القائد المسؤل عن كسر حصار آبادان إلى الشوش. حين وصل كان العدو على يمننا والصواريخ تعبر من فوق رؤوسنا. أريد ألفي شهيد من محافظة همدان واصفهان. وكان ما طلب. وأخبرناه لن تنفع شهادتهم في تغيير الوضع. وقد قبضوا على ضابط عراقي في خرمشهر وأحضروه إلى الشوش. سألوه هل دخلت الرحمة قلوبكم بعد كل هذا القصف؟ قال دخلت الرحمة مرة. في خرمشهر حين دخلنا منزلا، كنا قد قتلنا كل العائلة وسمعت صوتا. وحين أزحت الستارة وجدت رضيعا في مهده سحبت خنجري ووضعته على شفتي الرضيع. فتح فمه. ظنّ أنه صدر أمه. وغرست خنجري في رقبته. ليس الدين بعيدا عن السياسة. هناك مثل قديم يصدق على ما حدث، وهو: لا أبّ للسياسة. كان العراقيون والامريكان يأخذون منا كل شيء بسياسة. ولكن شبابنا وناسنا لم يسمحوا لهم.

على الناس اليوم معرفة حقيقة حزب الكوملة والديمقراطيين والساواك وحزب البعث وداعش وكلهم لهم وجه مشترك لن ترتاح قلبوهم إلا بالقتل والخراب. يجب أن نعرف أين نقف من التاريخ. حدث كل هذا الخراب لنعيش بسلام. حين كنت في الشوش صادفت أبا واما. قالا أنهما جاءا من اصفهان. استشهد اولادهما الثلاث واستشهد الرابع في الشوش. باعا بيتهما في اصفهان وجاءا إلى الجبهة وتبرعا بمالهما لنصدوق الجبهة؛ وعملا في المشفى والمطبخ ليقدما خدماتهما للجرحى. مثل هذه الأعمال تحتاج إلى قلوب شجاعة".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2253



http://oral-history.ir/?page=post&id=9097