عبد الرحيم سعيدي راد، شاعر الثورة الاسلامية والدفاع المقدس:

حراب شرطة الشاه لا تنافس اعلانات الإمام (ره)!

حاورته: سيدة بكاه رضا زاده
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-02-20


ولد في مدينة درفول العام 1967، ولكن رغم عمره الصغير حفظ الكثير من أحداث انتصار الثورة في دزفول. يحدثنا عن مشاهد عاينها، وهي قسم لا ينفصل عن تاريخ الثورة الشفهي. وقد حمل السلاح في فترة الدفاع المقدس ووقف أمام العدو. عبد الرحيم سعيدي راد شاعر يلتقي في منتصف كل شهر من رمضان في أمسية تجمع الشعراء مع قائد الثورة ليقدم آخر ما قدمته قريحته. كتب شاعر "فوانيس حجرية" و"الشمس في الراحة" أكثر من 33 كتابا في مجال الحرب والثورة وحصل على أكثر من عشرات الجوائز الأدبية، يتحدث عن مشاهداته في فترة الثورة.

كم كان عمرك حين اشتدت الثورة؟ أين كنت وماذا فعلت؟

ولدت في 1967 في دزفول. في العام 1978، أي بداية الثورة كان عمري 12 عاما. في فترة الثورة كنت بالتحديد أعبر مرحلة الطفولة إلى اليفاعة ولكن قد لا تصدقون أو هو أمر لا يصدق كان لي دور في النشاطات الثورية. قبل أعوام من انتصار الثورة، أي العام 1975 كنت أعمل في دكان خياط. وكنت أرى الشباب الثوريين يأتون إلى الخياط. وكانوا منخرطين بصورة مباشرة بالثورة الاسلامية. ويجب أن أقول إنّ بداية نشاطي الثوري كان في ذلك الدكان الصغير.

ماذا كنت تفعل في دكان الخياط؟ هل كان معك أستاذ؟ ماذا فعل؟ هل كانت أعمال الشباب الثوريين بعيدة عن عينه؟

كان في نفس الدكان كتبا دينية وبينها كتب منعها النظام الظالم، وكنت أوزعها عليهم. في سني حينها لم أكن أعلم ماذا كانوا يفعلون وما هو هدفهم. ولكن عت أستاذي الذي سألت عنه، قدّم لي حينها كتب المرحوم الدكتور علي شريعتي. كنت أخفي كتبه تحت ثيابي. وقد أكدوا عليّ في العودة يجب ألا أتكلم مع أحد وأن أوصل الكتاب للشخص المحدد وأعود للدكان.

هل كان السواك يراقب الخياط أو من يزورونه أو من يوزع الاعالانات والكتب؟

لم أر، ولكن سمعت أنّ الكثير تمّ القبض عليهم. هجمت في أحد الليالي شرطة الشاه على مسجد "مقومي" وقبضوا على كثرين. ولدي ذكرى عن مسجد آخر وقبضوا على مجموعة كبيرة هناك. كان غلام علي رجائي من الوجوه النشطة السياسية في المدينة، وقع في يد الساواك. وسمعت أنه عذب كثيرا. كان الناس تتبادل أخبار تعذيبه ووصلت لي الأخبار. وكنت لا أعرف بع الاسماء التي تتداول بسبب صغر سني.

ما هي النشاطات الأخرى التي قمت بها في تلك الفترة؟

أقيمت جلسات قرآن في العام 1975 في مسجد النجفية للأطفال. أتذكر أننا جمعنا مبلغا واشترينا قرآنا وختمناه لأول مرة. استمرت هذه الجلسات حتى العام 1977، ثم وبكل سهولة طردونا من المسجد.

من قام بذلك؟

استطاع الساواك النفوذ في المكان وقالوا بصورة علينة أنهم لا يريدون أن نشارك في الحضور للمسجد. وكان مسؤلون الجلسات أحيانا وبحضورنا ينتقدون حكومة الشاه وهذا أمر لا يرضي الساواك. وباتت هذه النشاطات جزء من وجودنا.

متى سمعت للمرة الأولى في دزفول اسم الإمام الخميني (ره)؟

قبل نهضت 15 خرداد الدموية وكان الناس قد تعرفوا على بعض أفكار الإمام. ولكن المرة الأولى التي سمعت فيها اسم الإمام الخميني (ره) كان في نفس جلسات القرآن. ولا يذكرونه باسم الامام الخميني بل "آية الله الخميني".

حين توقفت النشاطات في المسجد ماذا فعلت؟

حين طردونا من المسجد، عقدت الجلسات في منزل. ثم حصلنا على مسجد منعزل وعدنا ثانية للجلسات القرآنية.

وماذا حصلت أيضا في الجلسات؟

علمونا أنّ برامج الغناء والرقص التي يبثها التلفزيون الوطني، فاسدة. علمونا أنّ مثل هذه البرامج السيئة، يجب ألا نراها بأيّ صورة. وكان البديل هو اللعب في الزقاق أو نقرأ كتبا مفيدة. والحقيقة دائما تقع كتب قيمة بيدنا أو يحضرونها لنا. وعلى هذا النظام وحين أعود للبيت، حتى مسلسل "نازلي" الذي كان يبث، لا أتابعه. وبسرعة حدث لي تبدل إذ بدل مشاهدة التلفاز اتجهت للكتب. تقرر في ليلة أن أخرج للعب. خرجت من البيت ولكني لم أجد ولا صديقا في الخارج. عدت للبيت وبدأت القراءة. كانت نهاية الكتاب. أنهيته، ومازال لديّ وقت. قرأت الكتاب مرة أخرى حتى منتصف الليل. لم أكن أريد مشاهدة التلفاز وسأحصل على كتاب جديد في اليوم الثاني. صممت على النوم. مثل هذه الأعمال وفي سن ال 12 عاما انخرطت وكان لها أثرها رغم صغرها. وفي نفس دكان الخياطة تعلمت اعادة كتابة الاعلانات مثل دعوة الناس للتظاهرات وأماكن التجمعات والأخبار إلخ... ولأنّ خطي جميل ومن يحضر للدكان يطلبون مني ذلك. وكنت أذهب للحارة البعيدة وألصق الاعلانات على الجدران. في إحدى المرات رأيت شعرا وبحثت عنه فيما بعد على صفحات المواقع. كان شعرا بسيطا على لسان أمّ قتل ابنها على يد شرطة الشاه. القصيدة للأستاذ حميد سبزواري. أتذكر أني كتبت النص مرات ومرات وألصقته على جدران الحارات.

فيما سبق كنت قد قلت إنّ شرطة الشاه مزقت الاعلانات بالحراب. هل يمكنك توضيح ما حدث؟

في المساء وحين يفرض حظر التجوال، كان أحيانا تمر شرطة الشاه من الشوراع والازقة، ورأيت بنفسي تمزيقهم للاعلانات بحرابهم. كان محمد علي مؤمن من الاسماء الثورية وقد قبض عليه أثناء توزيع بيانات الامام وقتلوه بالحراب. وفي اليوم الثاني من مقتله ذهبت إلى حارتهم ورأيت الزقاق يخلو من ذكراه. مازال دمه على الأرض. يلتقطون الناس الصور من جثته ويعلقونها على جدرانهم. ولم يمر الكصير من الوقت حتى باتت صورته رمزا بيد المتظاهرين. أتذكر أنّ المسجد انملأ بالناس لصلاة المغرب والعشاء. وبينما كنا نصلي، وزعت البيانات بين المصلين. وبسرعة وبعد الصلاة، أخفى الناس البيانات بين ثيابهم وخرجوا. كانت البيانات عبارة عن خطب الإمام أو أخبارا وما الذي يحدث في البلاد. وكان مسجد "مقومي" من مساجد دزفول النشطة ومازال. ومازالت جلسات القرآن تقاك فيه. وكان مسجد مؤثرا جدا. وفي النهاية كان مركزنا مسجد مقومي وحراب شرطة الشاه لم تنافس بيانات الإمام.

تحدث لنا عن تاريخ الثورة من رؤية شاعرية. بالتأكيد أنها رؤية تختلف عن الرؤى الأخرى.

اسمحي لي أن أرويها بصورة ذكريات. من ضمن نشاطاتي المشاركة في التظاهرات. كنت أحمل العلم بيدي. كنت أشعر حينها بالفخر إلى درجة أتمنى لو تتكرر.

رغم وجود الساواك، ألم يداخلك الخوف؟

الحقيقة نعم! كنت أخاف. ولكن خوف معجون بالحماس. ولكني كنت أحب هذه اللحظات خاصة حين نقترب من العسكريين. في إحدى التظاهرات وقبل 22 بهمن وانتصار الثورة الاسلامية شاركت في تظاهرة. وبعد وصولنا إلى دبابة الجيش، كان الناس يعطون العسكريين ورودا لينظموا للناس. وقبلها قتل الكثير من الناس في الشوراع. حزن الناس. وسمعت بنفسي أحدهم يصرخ بالموت للشاه. ومع سماع القائد العسكري للشعار أطلقوا النار في الهواء. تفرق الناس وهربوا. وبعد هروبي إلى حارات لا أعرفها وصلت للشارع الرئيسي دلوني عليه المارة، وحينها أطلق العسكريون النار على الجمع وسقط الشهداء.

كيف وقعت المدينة بيد الثوار؟

لم يكن متوقعا. احتل الناس مركز الشرطة. ذهبت معهم إلى مركز الشرطة. أراد الناس اخراج الشرطة. وبينما يريد الناس الدخول خرج شرطي حاملا مسدسا مهددا الناس باطلاق النار عليهم. خرج رجل من بين الجمع وقال: "لم نأت هنا لنؤذيك أو نؤذي عائلتك". يبدو أنّ عائلة العسكريين كانوا يسكنون في نفس المكان. لم يتوقع الرجل الذي خاطب الشرطي أن يستسلم ويضع سلاحه على الأرض. نفس الرجل حمل السلاح وأخذ العسكري بالاحضان والتحق العسكري بالناس! وهكذا وفي أقل من ساعة كانت المدينة بيد سكانها.

كيف كانت "الجمعة السوداء" في دزفول؟

لم تكن جمعة سوداء في دزفول. وعلى خلاف بقية المدن الإيرانية، عرفت بالاربعاء السوداء. إذا لم أخطأ كان الحراك في أشده بتاريخ يناير 1979، دخلت مساء الدبابات إلى المدينة، وسحقت سيارات الناس. صباحا اكتشفنا ما حدث. وقد استشهد الكثير من الناس. في دزفول مكان معروف بشهيد آباد، وهو مكان لشهداء ذلك الحدث.

ماذا فعل الناس حين رؤوا الدبابات؟ ما هي ردة فعلهم؟

كانت أمامهم ثلاث طرق لايقافها. استخدام المولوتف الذي كان رائجا في المدينة، مع اافة مادة تزيد من قوة الانفجار. والأداة التي يطلق عليها الثلاثية تعد من ثلاث انابيب وتملأ بمادة متفجرة، وحين ترمى تسبب انفجار يشبه انفجار القنبلة اليدوية. وأعرف أشخاصا مازالوا في المدينة، فقدوا أصابعهم جراء التعامل من الثلاثية. ويجب أن نفهم أنّ للحصول على الحرية يجب أن نقدم تضحيات.

ماذا كان السبب لخروج الناس على حكومة الشاه؟ ما الذي سبب في خروجهم عن صبرهم؟

بالطبع كان الناس غير راضين عن الكثير من الأمور. كانت دزفول منذ قديم الزمان معروفة ب "دار المؤمنين" ومازلت هذه التسمية تطلق عليها. دزفول مدينة متدينة، وعبر سياسات الشاه حاول اخراج المدينة مما هي عليه. وحين أعود لتلك الفترة بذاكرتي أصل إلى أنّ الناس لم تخرج من أجل لقمة العيش. أحبت الناس شخصية الإمام الخميني (ره) كقائد لبلاد اسلامية.

نصوصك الشعرية هي تاريخ شفوي للثورة. ما هو اختلاف نصوصك عن بقية الشعراء؟

بالطبع على النقاد أن يتطرقوا لهذا الموضوع. ولكني أكتب ما أؤمن به. ورغم أنّي كنت صغيرا في السن ولكن الثورة كانت تجري في دمائي. بدأت الثورة في الجلسات القرآنية.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2482



http://oral-history.ir/?page=post&id=9083