ليالي الذكريات في نسختها السابعة بعد الثلاثمئة ـ 3

مهمتنا في عام 1983م

مريم رجبي
ترجمة: حسن حيدري

2019-12-12


وفقاً لموقع تاريخ إيران الشفوي، أقيم برنامج ليالي ذكريات الدفاع المقدس في نسختها السابعة بعد الثلاثمئة، في مساء يوم الخميس الموافق 24 أكتوبر عام 2019 في صالة سورة للفنون. تحدث في هذا البرنامج كل من الطيارين: أمير حبيبي ومحمد غلامحسيني وعطاء الله محبي عن ذكريات الحرب العراقية المفروضة علي جمهورية إيران الإسلامية.

لقد قرأتم في الجزء السابق من التقرير، جزئيات الجزء الأول من المذكرات التي رواهه الطيار العميد محمد غلام حسيني. واسترسل قائلاً: " كانت مهمتنا في عام 1983م هي المهمة التي بدأت مع عملية والفجر الثانية. كانت لقاعدة همدان مهمة توفير الغطاء الجوي في المنطقة، بالإضافة إلى تغطية القوات البرية. ولأنّ المهمة كانت يوم الجمعة، رأينا أيضاً أنه من واجبنا حماية مركز صلاة الجمعة في مدينة همدان. لأنه تعرض للهجوم من قبل وألحق العدو أضرارا كبيرة بمصلّي تلك المدينة. كان من المفترض أن نطير في الحادية عشر صباحاً. كانت هناك أيضاً طائرة ناقلة في المنطقة لتزويد الطائرات بالوقود. كان صديقنا السيد محمود الأنصاري في الأعلي. اتصل وقال: ليس لدينا طائرة لنقل الوقود. تعال بسرعة لأنّ الوقود قد نفد.

إلى أنّ أعددنا أنفسنا وأنجزنا عملنا، جاء محمود وهبط بطيارته. هرعنا بسرعة، وأخذنا الطائرة، أقلعنا و حلقنا في السماء. كنا على بعد حوالي 20 دقيقة من همدان وقمنا بتغطية المنطقة باتجاه سنندج ومهاباد. عندما عدنا إلى كرمنشاه، أبلغ الرادار الأرضي أنّ طائرتين كانت تتجه نحو الأراضي الإيرانية. وجدناهما على الرادار. رأيت أنه في ارتفاع خمسة عشر ألف قدم، أي بنفس الارتفاع الذي كنا نطير فيه، كانوا يتجهون إلى الأراضي الإيرانية. كانت المسافة لدينا حوالي 75 ميلاً. لقد كانت مسافة طويلة. اقتربنا ببطء. في ذلك الوقت كانت فيه طائرات ميراج العراقية. عادة ما تطلق طائرة ميراج صواريخ تسمى سوبرماترا. هذه الصواريخ كانت ذكية جداً. كانوا يتتبعون تردد الرادار الذي نرسله. حيث يصيب الصاروخ مقدمة الطائرة في كثير من الأحيان. اقتربنا منها بشكل تدريجي. ظل الرادار الأرضي يعطينا معلومات بشكل مستمر. هناك أيضاً نظام على متن الطائرة يعرض رادار الطائرات الأخرى، وإذا كانت طائرة أخرى على الجانب الآخر من الطائرة تقترب منا، لكنها لم تظهر أي شيء. أخيراً، اشتبكنا مع الطائرتين. ضربنا الطائرة الأولى بصاروخ. M7 أفاد الرادار الأرضي أنّ أحدها قد أصيبت، وتحولوا بسرعة إلى اليمين للإشتباك مع الطائرة الأخري. استمر الرادار الأرضي في تقديم معلومات حول الطائرة الثانية، والذي قال فجأة "استدر بسرعة وقلل من ارتفاعك!" هناك طائرتان تقتربان منكم.

العدو، وبعد جلب هذه الميراجات ووجود طائرة آواكس الأمريكية في المنطقة، كان يصطاد طائرتين ويرسل طائرتين أو ثلاث من الرادار تحت إشراف طائرة آواكس وعندما يتعرضون للهجوم، كانوا يضيئون أجهزة الرادار الخاصة بهم، والتي فقدت لفترة طويلة وتأخرت. قلت لسعيد هادي مقدم: انعطف يساراً واهبط.

أصاب صاروخ مقدمة الطائرة أثناء تحليقنا بالطائرة والهبوط نحو الأسفل. كان سعيد أحد الطيارين المشاركين في الرحلة الأولى من أول 140طائرة حربية واستُشهد لسوء الحظ في المقصورة. اشتعلت النيران في الطائرة وبدأت في الغوص. نتج الانفجار عن سقوط صاروخ حتى أنني كنت فاقد الوعي في المقصورة لبضع ثوان. عندما استيقظت، رأيت الطائرة تتحطم. كان هناك دخان ونار في المقصورة. ناديت سعيد عدة مرات ووجدت أنه لا يرد. كانت الطائرة في وضع يسمح لها بالضغط على قائد الطائرة. كان الضغط كبيراً لدرجة أنني لم أتمكن من التركيز على نفسي. لم أفكّر بالقفز من الطائرة أو القيام بأي شيء آخر. فقدت السيطرة على كل شيء. يحتوي نظام مقعد الطائرة على مقعدين في أعلى المقعد ومقعدان بين ساقي الطيّار. بينما كان ضغط الطائرة يدفعني للأعلى والأسفل، جمعت نفسي للأعلى. عندما رفع ضغط الهواء، سحبت تلك العصابات من تلقاء نفسها. كان ضغط جي) نظام المقعد) على المقعد مرتفعاً جداً وهذا جعلني أفقد للوعي مرة أخرى. عندما اصطدمت الطائرة بالصاروخ، حلقت عدة آلاف من الأقدام إلى أعلى. في حوالي عشرين ألف قدم تم إلقائي بسرعة هائلة إلي خارج الطائرة. عندما يفتح الكرسي ويخرج من المقصورة، هناك نظام ذكي على الكرسي لا يفتح المظلة على الفور. لأنه على علو مرتفع، لا وجود للأكسجين  وبرودة الهواء قارصة جداً. لهذا الغرض يضبطون المستشعرات بناءً على الارتفاع، على سبيل المثال، إذا كان أعلى ارتفاع في المنطقة هو اثني عشر ألف قدم، يتم ضبطها على أربعة عشر أو خمسة عشر ألف قدم. بدأ الكرسي في الانخفاض. وأنا كنت أمسكه في كل لحظة، حتي أتأكد من فتح المظلة من عدمها وهل هناك مشكلة توجد في فتحها أم لا؟ أمسكت بها لفتح المظلة يدوياً. أمسكت به في كل مكان حتي خلعت ملابسي. فُتحت مظلة الكرسي على ارتفاع خمسة عشر ألف قدم. لنفترض أنّ الكرسي و مع ذلك الوزن الذي فوقه يسقط فجأة وتصل سرعته ثانية إلي الصفر. عندما فتحت المظلة، كسر عظم الترقوة وبات يُرى. عندما علقت على المظلة، رأيت يدي اليسرى تنزف بغزارة. قلت لنفسي لقد قُطعت. بدلاً من خفض المظلة بواسطة الرياح، جعلتها تتحرك أفقياً. كنت أبتعد عن الحدود العراقية وأدخل في الأراضي الإيرانية. عيني لا ترى المكان. والدماء كانت في عيني. بيد واحدة رفعت الخوذة لتنظيف الدم. كل ما مسحت الدم، زادت رؤيتي. لقد رأيت المنطقة التي كنت أقوم بالهبوط فيها كانت جبلية شديدة الانحدار. خلعت القبعة ولم أتمكن من وضعها على رأسي مرة أخرى. لأنني اضطررت إلى فتحها بيدي ثم لم أتمكن من وضعها علي رأسي ثانية. مرت المظلة ببطء شديد فوق المرتفعات ولم أستطع السيطرة عليها. حلقت نحو عشرين إلى ثلاثين متراً خلف خيام الرعاة، وعندما دخلت المظلة الوادي، بينما كان تدفق الهواء يرتفع صعوداً وهبوطاً، انهارت فجأة ووقعت  فوق الجبال من علو عشرين إلى خمسة وعشرين متراً. كُسرت جميع أعظام جسدي وتحطمت قدمي اليمنى. لقد كسرت قدمي اليسرى في المقصورة. بحلول الوقت الذي وصلت فيه، كانت أشعر بالدوار. رأيت شخصاً يرتدي ملابس كردية، لكنه يقف على مسافة. ثم تقدم بحذر وفتشني إذا كان لدي سلاح أم لا. عندما تأكد من عدم امتلاك السلاح، رفع رأسي من الصخور ووضعها على قدميه. بعد عشر دقائق وصل بعض الناس بالبنادق. عندما صعدت من القمة بمظلة، تبعوني من القاع. أرادوا فصل المعدات عن الطيار ولم يعرفوا كيفية القيام بذلك. أشرت لهم أن  يطلقوا الضامن الأول والثاني لفتحها. كنت داخل الوادي، أرادوا رفعي إلي الأعلي. جسدي كله مكسور. كسر عظم الفخذ الأيمن في ثمانية أماكن. لقد كُسرت الترقوة وتضررت ركبتي بشكل كبير. رقبتي مكسورة. لقد حدث كل هذا وأرادوا أن يضعوني علي أكتافهم ويصعدون بي إلي الأعلي. ظلوا واضعين جسدي علي أكتافهم، ويتسلقون عشرة إلى عشرين خطوة فوق المرتفعات، ويضعونني على الأرض مرة أخرى، ثم يصعدون بي ثانية. أخذوني إلى خيمة ورأيت رجلاً في لباس كردي يقول لهم: "ضعوه على الأرض، أريد قتله!".

كانت لغتنا قريبة جداً. لغتي كانت لريّة ولغتهم كانت كردية. لغتان متقاربتان إلي حد ما. من ثم قفز شخصان وأمسكا بالبندقية وقالا: "لا يُسمح لك بقتله، ويجب أن يأمر المقر. عندما رأيت البندقية، تكلمت. سألت الشخص الذي كان يقلني: من أنت؟ اين انا؟ قال: أنت الآن في كردستان. سألت: كردستان ايران أم كردستان العراق؟ قال كردستان! سألت: فأين نحن الآن؟ قال، بالقرب من مهاباد. قلت  حسناً، أنا في بلدي، وهذا ليس موضع ترحيب! قال: لقد أتيت إلى كردستان الآن ولدينا الكثير لنفعله معك ايها الطيار! وضعوني في إحدى الخيام وبعد عشر دقائق جاء بعض مسؤوليهم وهم يركبون الخيول. قالوا: عرف نفسك. عرفت نفسي. من بينهم شخص كان سلبياً للغاية. قال أحدهم: هذا واحد من هؤلاء الطيارين الذين يأتون ويقصفون الشعب الكردي! قلت: أنا لم آت لقصف الشعب الكردي، لقد جئت لقصف العراق. قال: "حسنًا، سيتضح الأمر بعد قليل". بدأوا في التهديد. كانت يدي تنزف بشكل حاد. لقد أحضروا حقنا قديمة  ونادوا أحد أفرادهم وقالوا له: اذهب واحضر الطبيب. السيد حمزة أريا[1]، الذي كان شاباً في ذلك الوقت، ذهب بعيداً وبعد يومين تقريباً، قالوا إنّ الطبيب قادم. كانوا فوق الجبل واستغرق الأمر من أربع إلى خمس ساعات لوصول الطبيب والباقي لتسلق الوادي. عندما وصلوا، رأيت أنهم أحضروا سواراً محلياً متصلاً بمسدس من نوع كاليبر بجانب وقنبلة يدوية. متعب و نعسان جلس في منتصف الخيمة. أشعل سيجارته، قال لهم خذوا المرأة والاطفال من هنا. بعد ذلك أرسلوا المرأة والأطفال إلي خارج الخيمة. احتسا كوباً من الشاي وجاء ووضع يده علي رقبتي وقال: يحتاج هذا الكثير من العمل. وقال لهم أيضاً: اذهبوا واحضروا كرتونة وخشب وزجاجة فارغة. كما أحضر هو أيضا بعض المكونات مثل صفار البيض. ألقوا زجاجة من الزيت وسلموها له. قال لي الرجل: خذ نفساً عميقًا وانفخ في هذه الزجاجة. كسرت ضلوعي ولم أستطع التنفس. لقد نفخت فيها قليلا. قال لي: يجب أن تتنفس عمياقاً حتي تملء ريتك هواءاً مرة ثانية. لم أستطع فعلها ثانية. سحب مسدسه ووضعه على رقبتي وقال: "أنا اقول لك أن تأخذ نفساً عميقاً!" خوفاً من المسدس، أخذت نفساً عميقاً، حيث عاد واحد من عظامي التي خرجت من الجسد إلى مكانه. لقد أسقطه في مكانه ووضع بعض الأدوية المحلية عليه. كانت يدي اليسري تكاد تنقطع وفيها ورم شديد. كان يعلم أنّ يدي مكسورة، لكنه لم يستطع تحديد موقع الكسر. كانت يدي تهتز وكنت أحاول الصراخ، لكن شخصين قبضا عليّ. كان يدفع بقوة قدر استطاعته حتي يعالج ذلك المكان المكسور.

استغرق الأمر حوالي ساعة ليضعوا العظام في مكانها حيث لم يستطيعوا فعل ذلك علي الإطلاق. ربطوني. لم يكن لديهم أجهزة صحية ولفوا حولي الكرتون لفترة طويلة حتى أطلقوا علي "محمد كارتوني" . كان جسمي كله ملفوفاً بالكرتون باستثناء يدي اليمنى. كنت هناك لمدة عشرين يوماً. ثم أخذوني إلى قرية لمونج. بالطبع في ذلك الوقت، لم أكن أعرف اسم القرية.. اكتشف والدي بعد شهر ونصف أنني على قيد الحياة. بعد ثلاثة أشهر، جاء إلى كردستان وتحدث مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. كان من المفترض أن يتم إطلاق سراحي بعد الشفاء، لكنني لم أتعاف، وقد هاجم الجيش والحرس الثوري المنطقة. كان موسم الخريف والطقس بارداً جداً والثلج يتساقط، ولم يكن لديهم مكان يحتجزونني فيه و حينها أفرجوا عني أنا وابن أخت آية الله موسوي أردبيلي كما احتفظوا بأربعة من أسراهم".

 

يُتبع...

مواضيع ذات صلة:

ليالي الذكريات في نسختها السابعة بعد الثلاثمئة ـ 1:الدورية البحرية

ليالي الذكريات في نسختها السابعة بعد الثلاثمئةـ 2:أصبح الطيار يقذ الآربي جي والطائرة أصبحت آربي جي!

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2554



http://oral-history.ir/?page=post&id=8938