بضع نقاط حول مقابلات التاريخ الشفوي

مهدي ابوالحسني ترقي [1]
ترجمة: أحمد حيدري

2019-08-02


يشتمل التاريخ على الأحداث والوقائع والخبرات، وهو أمر جماعي، ويعتمد مصير كل فرد على ذلك. على هذا الأساس، ينبغي أن تؤخذ هذه النقطة الأساسية في عين الاعتبار عند التجميع والتسجيل وحكاية الرواية بأشكال مختلفة (مكتوبة وغير مكتوبة). ويمكن أن يكون هذا الجمع صغيراً (العائلة أو  المدينة أو المنطقة) أو كبيراً (العرق أو الأمة أو البلد). لذلك، فإنّ مصطلح التاريخ له معنى ومفهوم المجموعة والجماعة، وهو عكس الفرد والفردية.

لا يوجد معنى ومفهوم باسم التاريخ الشفوي الجماعي. على الرغم من أنّ التاريخ هو تجربة جماعية  للبشر، ولكن لمعرفته والوصول إلى البيانات التاريخية، فمن الضروري حكاية ونقل تجربة كل فرد حاضر أو مشرف أو فاعل في الحدث والتجربة الجماعية بطرق مختلفة، بما في ذلك آلية المقابلات النشطة والصعبة التي تم الحصول من خلالها على التاريخ الشفوي واستخلاصه.

لا يمكن تسمية إجراء المقابلات الفردية بـ "التاريخ الشفوي الفردي" عندما ينهمك  شخص ما بحكاية ذكرياته أو كتابتها بأيّ شكل من الأشكال، يكون شكل ومحتوى بياناته هو نفس تلك الذكريات. على الرغم من توفر البيانات التاريخية التي قد تحصل منها، إلا أنّ هذا يمثل اختلافًا كبيراً بين "التاريخ الشفوي"، أي طريقة المقابلة النشطة والهادفة والمنظمة والمفتوحة.

دائماً ومنذ النظرة الأولي، في الحدث والوقائع التاريخية، هناك دور رئيسي يحظي باهتمام الباحث. ولا يعني هذا أنّ جميع المسارات تنتهي هناك، وهو الراوي الرئيسي لتلك الرواية، لأنّ الدور الرئيسي نفسه قد يتكون من عدة أدوار فرعية. لذلك، فإنّ تفرد السرد الأصلي للشخص وترتيب الرواة والسرد من حوله في بعض الأحيان يترك بعض القضايا التي لم يتم حكايتها.

بينما يشدد الكثيرون على مهمة التاريخ الشفهي في تمثيل الهوامش والأجواء التي تحكم الأحداث، والحقيقة هي أنه في المقام الأول، حتى في البديهيات التاريخية، يسعى الفاعلون في مجال التاريخ الشفوي إلى استخراج قصص شفوية حول الحدث، والخبرة، والموضوع. لذلك، فإنّ الأولوية في أيّ مشروع تاريخي شفوي ومقابلته هي السرد الخالص لهذا الحدث، الموضوع والخبرة (غير خاضعة للرقابة ، ودون مبالغة وغلو)، ومن ثم يجب عليه أن يتبع الفضاء العقلي للراوي، لأنه حيث لا يستطيع الراوي سرد ذات الصلة والمنطقية (في الزمان والمكان المناسبين) والصحيح، كما ستتعرض سلامته وبيئته الذهنية للتشكيك والترديد الجدّين.

دائمًا ما يكون جزءاً من الأحداث والوقائع الماضية مهماً بسبب صلتها بمصير مجتمعهم وتأثيره وآثاره، ويبقى مستديما في العمل الجماعي (صغيراً كان أو كبيراً). لا تُسجل الأجزاء المهجورة والمهملة، مثل الروتين اليومي والسلوكيات المتكررة (العادات)، والقضايا المجهولة، وبشكل عام، في العقول الجماعية للأشخاص والمستندات والوثائق الأخرى (المكتوبة). لذلك، فإنّ الأحداث التاريخية منتشرة، وفصلها وتفكيكها غير صحيح.

قد تنطوي الأحداث التاريخية على جزء كبير من المجتمع وأحداث أخرى في منطقة جغرافية محدودة. ويعتمد ذلك على الجغرافيا التاريخية للحدث والموقع الاستراتيجي لتلك الجغرافيا ونتائج ذلك الحدث. لتسهم هذه العوامل الثلاثة في اختيار الحدث ونطاقه ونطاق دراسته.

مقابلة التاريخ الشفوي، بالرغم أنها حوار ثنائي نشط، فإنها ليست مجرد حلقة نقاش أو محادثة ما! الشخص الذي سيحاور الراوي  ويحفزه علي الحديث، وليس الفعل أنّ الراوي هو من يتحدث وأن يستمع الشخص الذي يجري المقابلة معه فقط. إذا كان هذا سيحدث، فمن الأفضل الاستماع إلى المذكرات المسجلة للأفراد، وليست هناك حاجة لعقد حلقة نقاشية والقيام بإجراء المقابلات!

كل حدث أو تجربة تاريخية لها نقطة محورية حيث يقع الأفراد والمؤسسات والمنظمات في مركزها أو جوانبها. لقد لعبوا أيضًا دوراً في تكوين مكانتها، وقوع الحدث، وتقدمها ونتائجها كذلك. كما يوجد في هذا المركز، أدوار هامشية (بعيدة أو قريبة).

يمكن إجراء مقابلات مع الأفراد وطرح الأسئلة عليهم وفقًا لموقفهم في حدث أو تجربة تاريخية معينة. أحد أهم متطلبات بدء مشروع التاريخ الشفوي، بعد دراسة وتوثيق وتصميم خطوطه الرئيسية بعناية، وتحديد رواة هذا التصميم، وموقعهم وموقفهم بالنسبة لكامل الموضوع أو جزء منه (المركز أو الجوانب المحيطة به)، هو إعطاء الأولوية للرواة ووضعها في قائمة المقابلات.

تختلف الأسئلة والمواضيع التي يتم طرحها علي مشرف أو شاهد علي حدث بشكل عام ومختلفة ومتمايزة عن الأسئلة التي يطرحها المشاركون أو المستفيدون أو الفاعل في هذا الحدث. ربما العديد من القائمين علي مشاريع التاريخ الشفوي، قد تركوا الرواة الأوائل بسبب هذه المكانة وذهبوا بشكل مباشر لمجموعة أخري من الرواة. وفي الوقت نفسه، تشمل الجهات الفاعلة في التاريخ، مثل ممثلي الفيلم، من الدور الأول حتي سائر الكوادر الأخري المشاركة بالفيلم. وبما أنّ المخرج لا يمكن أن يُغيّب عن الأذهان الأدوار الأخرى بسبب أهمية الدور الأول، حتى الأفراد العاديين، لأنه بالنسبة له قد تم تحديد الدور والمهمة، حيث يجب على الباحث في مجال التاريخ الشفوي أن ينظر أيضاً في الأفراد العاديين للتاريخ، أي المشرفين وشهود الوقائع والتجارب التاريخية وأن يطرح أسئلته عليهم. عند إجراء المقابلات مع الرواة الرئيسيين، فإنّ الدور الذي يلعبه الأفراد وموقفهم وموقعهم في الحدث والنتائج والأثر الذي تركوه عليهم وموقفهم الحالي وموقعهم في تصميم وإعداد مجموعة الأسئلة الخاصة بهم يكون مهماً للغاية. بعد إجراء المقابلة الأصلية (الفردية) وتصحيحها وإكمالها (المقابلة الفردية)، واستخراج البيانات وترميز وعرض وسائل التمييز بين الرواة ومشاركتهم، يمكن إجراء مقابلة تاريخية شفوية وذلك  بحضور العديد ممن يبادرون بإجراء المقابلات وعدة رواة (من تجري مقابلتهم) عن طريق مراعاة الأسس والمبادئ الصحيحة والمجربة والناجحة. في هذه المرحلة، ستخضع مقابلات التاريخ الشفهي لمزيد من الموضوعات، وسيتم توضيحها بالطبع. تتضمن هذه الأنواع من المقابلات عناوين مثل "المقابلات الجماعية" و"المقابلات بشكل مجموعات" و"عقد اللقاءات" أيضاً.

بعد جمع وتسجيل وتدوين رواية الرواة الرئيسيين، واستخراج وتصنيف الرموز، يمكن أن تؤدي الروايات الثانية (الثانوية) والتي  تبدو غير ذات أهمية، إلى توجيه الباحث إلى وسائل التمايز أو الوفرة أو المعلومات غير المتوقعة. وسينظم المسار مقابلات إضافية مع الرواة الثانويين أو الرواة الأصليين أيضاً. المقابلات مع عدة أشخاص بشكل متزامن (المقابلات الجماعية) في هذا المجال، لا تمت بهذا الموضوع بصلة.[2]

---------------------------

[1]الدكتور مهدي أبوالحسني ترقي، مدرس وباحث في مجال التاريخ الشفوي، البريد الإلكتروني: M.Abolhasanitarqi@gmail.com

[2] تقنيات المقابلة في وقت واحد مع عدد من الناس (الجماعية) في التاريخ الشفوي، مع مراعاة جميع جوانب التصميم، سيتم فحصها في المستقبل القريب.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3326



http://oral-history.ir/?page=post&id=8711