التاريخ الشفهي من رؤية الدكتور مرتضي نورائي/1

«المقابلة النشطة» هي واحدة من موضوعات التاريخ المعاصر

مريم أسدي
ترجمة: حسن حيدري

2018-12-21


يعتقد الدكتور مرتضي نورائي، منذ جمع  مسجل الصوت والمقابلة النشطة مع المناقشات النظرية، أصبح للتاريخ الشفهي طريقة ومكانة الخاصة في التاريخ المعاصر. لأنّ المقابلة النشطة هي واحدة من موضوعات التاريخ المعاصر. حيث هناك جدل حول تدريس التاريخ الشفوي كعلم. لكن التاريخ الشفهي أكثر براغماتية.

خاص موقع تاريخ إيران الشفوي، وعلى الرغم من توسع نشاطات القائمين علي التاريخ الشفهي في إيران، لا يزال هناك غموض وأسئلة وشكوك حول القضايا التي يجب القيام بها من عدمها في مجال التاريخ الشفهي. ولذلك، قمنا بإجراء مقابلة مع الدكتور مرتضي نورائي، وهو أستاذ وعضو هيئة التدريس في جامعة أصفهان وخبير في تاريخ الشفهي في إيران.

لهذا عمل من أجل مشروع بشاغرد لإزالة الحرمان في حقل السوسيولوجية التاريخية في تلك المنطقة، قام الدكتور نورائي بإجراء مقابلات كثيرة بالإضافة إلي رحلات عديدة إلي المنطقة وبعد ذلك قامت لجنة الإمام الخميني (رضوان الله تعالي) للإغاثة بطباعة ونشر حصيلة هذه الدراسات تحت عنوان «سوسيولوجية بشاغرد التاريخية» في عام 1993م. بعد ذلك، من أجل أطروحة الدكتوراه، درس التاريخ الاجتماعي المعاصر لإيران، وهي دراسة حالة لمدينة مشهد (1900-1914) ، كما قام بإجراء  مقابلات للحصول على معلومات في علم الاجتماع التاريخي لمدينة مشهد. خلال سنتيّ 1995 و 1996،  كان لديه دراسات مكثفة في مجال لتاريخ الشفهي، وبعد تخرجه في عام 2000م، قام بتحديث بحثه في مجال التاريخ الشفهي النظري والعملي. أيضاً، في عامي 2004 و 2005م ، أنهى عدة مشاريع حول القضايا المتعلقة بإجراء المقابلات النشطة. إحدي هذه الدراسات كانت تحت عنوان « التغييرات الإجتماعية في الفترة البهلوية 1921م – 1980م) للإذاعة والتلفزيون مركز إصفهان، حيث أجريت عدة مقابلات حول كيفية اضمحلال بعض النقابات والمهن لتحديث المدينة. كما نجح في استكمال العديد من أطروحات الماجستير والدكتوراة في مختلف المجالات النظرية والتطبيقية للتاريخ الشفهي. كما سُجّلت خطابات وورشات تعليمية ومقالات وتأليفات عديدة في مجال التاريخ الشفهي في سجلّات الدكتور مرتضي نورائي.

عُقدت في عام 2004م، ندوة تعليمية حول التاريخ الشفهي في جامعة إصفهان، والتي تتبعها سنويا رابطة تاريخ إيران الشفوية، كل سنة تقريبا منذ ذلك الوقت في جميع أنحاء البلاد. لهذا السبب، وفي الجزء الأول من المقابلة، تعاملنا مع مسألة «التاريخ الشفهي» من الجانب الكمي والكيفي.

 

سعادة الدكتور،لا يوجد حتى الآن إجماع على أنّ التاريخ الشفهي، علم أو طريقة وأسلوب، على الأقل في إيران. نظراً لأنّ التاريخ الشفهي نشأ من الولايات المتحدة، هل لديهم تعريف واضح ودقيق للتاريخ الشفهي؟

بما أنّ التاريخ الشفهي ظاهرة متعددة الاختصاصات، فإن التفسيرات والتعاريف الفردية لا تشمل جميع جوانبها. لذلك، يتم تعريفه اعتماداً علي، من أيّ منظور يُنظر إلي هذا التأريخ. في الدرجة الأول، بالطبع أنّ التاريخ الشفهي، ذا انضباط وطريقة وأسلوب وفاعلية. تم الحديث عن التاريخ الشفهي في عام  1947م ، وحتى قبل ذلك في الجامعات الأمريكية، من جهة  هو وسيلة للخروج من «الأزمة التاريخية» وعدم كفاية التأريخ، ومن ناحية أخرى، التعامل مع تاريخ الحالي، والاعتماد على مجموعة من الذكريات وبعد تم تقديمه عن طريق الميكروفون ومسجل الصوت. ثم من أوائل عام 1950م إلى عام 1970م، نظمت نفسها تدريجياً وأصبحت بشكل علمي، وأصبحت تعرف تدريجياً باسم الانضباط الأكاديمي متعدد التخصصات. الآن وفي معظم الجامعات الشهيرة في العالم، تقوم الإدارات والمراكز المستقلة للتاريخ الشفهي بإجراء مجموعة متنوعة من الدراسات، لا سيما في مجال دراسة العوالم المفقودة. «هل هذا غير العلم؟» كما واجه التاريخ الشفهي أسئلة تتعلق بالفلسفة النقدية للتاريخ: «هل ينخرط الناشطون في مجال المقابلات النشطة (التحدي)؟» ، «أوهل هو مجرد إعادة بناء الحدث أم تتطرق إلي هوامش الأحداث أيضاً؟» «ما الدور الذي يلعبه المسح المحيطي للأحداث في فهم أصول الأحداث وكيف يساعد  المؤرخ الشفهي المؤرخين بالمستقبل في هذا الصدد؟» أم أنهم «يناقشون ضرورة الوقت وإعادة إنتاج الماضي؟» وأخيراً، «ما الدور الذي يلعبه المؤرخون في التاريخ الاجتماعي؟».

باستثناء الجنود في الحرب العالمية الأولى، ومنذ ذلك الحين، من هي المجموعات المنشودة للتاريخ الشفهي؟

مما لا شك فيه، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كانت النساء والعمال والأميين الأهداف الرئيسية للمؤرخين الشفهين. لأنهم لم يعرفوا الكتابة أو لم تتيح لهم فرصة الكتابة .تساعد المقابلة بتسجيل وتوثيق تجارب هذه الفئة من غالبية المجتمع. لكنهم توصلوا إلي هذه الأسئلة، عما إذا كنا نريد أن ننظر إلى نفس الحدث أوهوامشه؟ على سبيل المثال، إذا حدث شيء ما لمصنع، نتحدث حينها مع العمال حول وصف الحدث؟ أو حول أسباب الحدث؟ هذه النظرة خلقت العديد من المواقف في التاريخ الشفهي. بهذه الطريقة، كان المؤرخون الشفهيون يوجهون إلى المناقشات النظرية. بما أنّ فاعلية واستخدام مسجل الصوت والمقابلة النشطة تم جمعهما مع المناقشات النظرية، أصبح التاريخ الشفهي طريقة علمية أوجدت لها مكانا في التاريخ المعاصر. لأنّ المقابلة النشطة، أو التاريخ الشفهي، هي واحدة من موضوعات التاريخ المعاصر. كما أنّ هناك جدل حول تدريس التاريخ الشفهي كعلم وتأثيره في مجال نظرية المعرفة.

لقد أشرت إلى نظريتين: أولاً، ما إذا كان التاريخ الشفهي يجب أن يسجل أصل الحدث من وجهة نظر شهود الموضوع، أو يفحص جذور أسباب هذه الأحداث. هل يمكن أن يحقق التاريخ الشفهي كلا الهدفين؟

نعم. يقول المؤرخون الذين يؤمنون بإعادة بناء الأحداث إنّ كل حدث يسجل نفسه في أماكن مختلفة بشكل تلقائي. ولكن عندما يتعلق الأمر بماذا ومناقشة الحدث، فإنّ مجموعة أخرى من المؤرخين لهم رأي آخر في هذا المجال. يعتقدون أنّ التاريخ الشفهي هو تاريخ المستقبل. وهذا يعني أنّ المقابلات التي نجريها اليوم لا شك في أنها تساعد المؤرخ المستقبلي، وليس المؤرخ الحالي، فعلى الأقل بالنسبة للمستقبل، فإنه يوضح من أين يجب أن تبدأ الأسئلة. لذا عندما ننظر إلى أحداث مثل الثورة الإسلامية أو الدفاع المقدس، نريد حقاً أن نجيب على أسئلة المؤرخين المستقبليين. على سبيل المثال: ماذا تقصد بإجراء مقابلات مع الشباب من الخمسينات؟ هل هناك ثورة إسلامية قد حدثت؟ مما لاشك فيه هناك ثورة إسلامية قد حدثت. إذن ما يطرحه المؤرخ المستقبلي - نحن الآن في مستقبل الثورة - هو ما كان يريدونه وماذا كانت نتائجهم؟ قد تكون الأجواء في تلك الفترة هو سؤال مؤرخ لـ 50 سنة من بعدنا. بهذه الطريقة، نجري مقابلة من أجل المؤرخين في المستقبل للإجابة على أسئلتهم وهذه المقابلات هي أكبر رأس مال للمستقبل. هذه المجموعة من المؤرخين - بما فيهم أنا - تعتقد أنه إذا كان لدينا تاريخ غني من خلال مقابلة نشطة، يمكننا أن نتغلّب على المستقبل. الغلبة علي المستقبل هو بمفهوم التخطيط والعمل الهادف، أي مستقبل البحوث. لهذا أصبح العالم كله يتّجه نحو الإهتمام بالتاريخ الشفهي والمؤرخين.و أيّ نظام لا يريد أن يكون خالداً؟ حتى الأشخاص الذين نجري معهم مقابلة، يميلون إلى ذكر أسمائهم في المستقبل. إنّ الإنسان كيان يحب دائماً أن يكون له مستقبل في خدمته.  يؤمن المؤرخون الشفهيون بأنّ إنشاء «التأريخ» واستمراريته ممكنان مع إجراء المقابلات النشطة. هذه الاستمرارية لا مفرّ منها في العقول. يجب تحويله إلى كلمة وتحويل كلمة إلى خط وخط. ثم سيتم استخدامه من قبل المؤرخين في المستقبل والمخططين السياسيين والثقافيين للبلاد. لهذا السبب ذهبت العديد من المنظمات إلى تسجيل وتوثيق تاريخها الشفهي. على سبيل المثال، عندما يكتب شخص ما تاريخ الجامعة على أساس مستمر، فإنّ الأجيال القادمة لديها الأدوات اللازمة لتخطيطها بشكل صحيح.

وفقاً لما تفضلت به، يحدث تسجيل التاريخ بشكل تلقائي. حيث أنّ هذا التسجيل يتم عن طريق نقله من فرد إلي آخر أو كل حزب أو جهة ما، تقوم بكتابته من وجهة نظرها. وفي الوقت نفسه، فإنّ التعرف على التاريخ الحقيقي يعتبر أمر مهم للغاية. هل تعتقد أنّ التاريخ الشفهي لديه القدرة على استخلاص الحقيقة من قلب الروايات المتعددة؟

ومع ذلك، يعتقد البعض أنّ بعض جوانب الأحداث لم يتم تسجيلها. التاريخ تجربة جماعية وليست تجربة شخصية. إذا ذهبت وأجريت مقابلة مع شخص ما ونقل لك رواية فريدة، فهذا ليس تاريخاً، إنها تجربة شخصية. عندما يروي الكثير من الناس حدثًا بطريقة موحدة، تتواتر ومن ثم تتكون تجربة جماعية. نحن نؤمن بأنّ كل حدث، حسب دائرة تأثيره، يسجل نفسه، في دائرة من الرسائل الرسمية وغير الرسمية، الصحف أو المذكرات والأفكار . لكن ما هو مطلوب من إجراء المقابلة، يجب أن ننتبه و نأخذ الحيطة، ألا نعمم تجربة شخص ما علي تجربة جماعية. الموضوع الثاني حول هوامش هذه الأحداث. تبدو هذه القضايا أكثر أهمية،  وأن الهوامش أهم من النص كذلك. على سبيل المثال،  كُتبت أطروحة ماجستير حول الطلاب الثوريين في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي - كانت أعمارهم تترواح بين 17 – 18. يدرس هذا البحث آراء الطلاب خلال الثورة في هذه الحركة الهائلة: ماذا تريدون؟ وماذا كانت النتائج؟ ربما لم يتم تسجيل هذا الجانب من الثورة، ولكن هذه التجربة الشخصية - مع رواة موحدين، ولكن متعددين - يمكن أن تصبح تجربة جماعية. على هذا النحو، يساعد التاريخ الشفهي في تكوين العقد المبهمة في تسجيل وفهم الماضي، أو حركة، أو تيار أو حدث، أو إتفاقية ما ويساهم في تفسيره وتوضيحه.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2961



http://oral-history.ir/?page=post&id=8256