نشر مقابلة بعد 10 سنوات

رواية وذكريات «بهروز اثباتي» من تشكيل مؤتمر شعر الحرب

مريم أسدي جعفري
ترجمة: حسن حيدري

2018-08-04


في آخر أيام شتاء عام 2008م ، في مبنى أمانة المهرجان ربع قرن من كتاب الدفاع المقدس - في ساحة هفت تير  بطهران ، جلست استمع لكلمات بهروز اثباتي. بداية تحدثنا حول مهرجان ربع قرن و من ثم، تحدث لحوالي ساعة و نصف الساعة حول تشكيل مؤتمر شعر الحرب. لم تكن هناك أبدا فرصة لنشر هذه المقابلة وبقيت في أرشيف مقابلاتي غير المنشورة .إغلاق مؤتمر شعر الدفاع المقدس بشكل مفاجئ و توقف اجرائه منذ عام 2012م حيث كان دون أي ردة فعل من قبل المعنيين بالأمر. احتفظت بهذه المقابلة حتى يبصر مؤتمر شعر الدفاع المقدس النور ثانية. لكن يبدو أنه ليس لديهم أي حافز لإعادة نشاطاته! من خلال نشر هذه المقابلة، أردت أن أذكر القيمة الروحية والتاريخية لمؤتمر شعر الدفاع المقدس لمسؤولي مؤسسة الحفاظ علي الآثار و نشر قيم الدفاع المقدس، حتى يحاولوا إعادة إقامته ثانية. يبدو أن الرياح، أوصلت صدي هذه المقابلة للمسؤولين المعنيين قبل نشرها و مؤخراً سمعنا أخبارا عن إعادة نشاطها. يمكن القول بكل جرأة، أنه ربما لم يتم إجراء مقابلة حول تاريخ مؤتمر شعر الحرب بهذا الشكل. جزيل الشكر وفائق الإمتنان للجنرال العميد بهروز اثباتي، أحد مؤسسي مؤتمر شعر الحرب والقائد الحالي للمقر الإفتراضي لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، الذي إهتم بإعادة قراءة و تأييد هذه المقابلة، هذا الحوار بين أيديكم في موقع التاريخ الشفهي لإيران، حيث يصور مؤتمر شعر الدفاع المقدس من البداية وحتى نهاية العام 2008م.

*سماحة العميد، بداية عرف لنا نفسك بالكامل. من مواليد أيّ سنة و إلي أين تعود أصالتكم؟

أنا بهروز إثباتي. من مواليد عام 1338 في مدينة طهران.

 

*حدثنا عن شهادتكم الدراسية.

حصلت علي شهادة البكالوريوس من جامعة طهران في فرع الأدب الفارسي. كما أن سبب معرفتي بمجال الأدب، هذا الفرع الجامعي أيضاً. دخلت الجامعة عام 1977م لكنني تخرجت منها عام 1986م. لأن فترة تواجدي في الجامعة تزامنت مع فترة الثورة الإسلامية. شاركت لحوالي سبعة فصول دراسية. لكن و بالرغم من تواجدي في ساحات الحرب، كانت دراستي جيدة و في كل فصل دراسي انجح بأكثر من عشرين وحدة دراسية. و نتيجة لذلك، حصلت علي الشهادة بأقل من فصل دراسي كما هو معتاد في الجامعات. بعدها واصلت مشواري الدراسي وحصلت علي شهادة الماجستير من جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) في فرع الإعلان الثقافي. في وقت لاحق تم حذف مصطلح «الإعلان» ويتم تدريسها الآن كإدارة ثقافية. لكن بما أنّ جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) قامت بإجراء هذه الدورة لأول مرة في إيران،كانت شهادة الماجستير تحت عنوان الإعلان الثقافي. تخرجت من هذه الجامعة في عام 1993م. حصلت علي شهادة الدكتوراه في مجال الإدارة الاستراتيجية، إتجاه التهديدات والأمن القومي، في الدورة العليا للحرب التابعة للحرس الثوري.

*الآن لنعد إلي الحرب، في بداية الحرب ماهي رتبتك العسكرية؟

حسناً، كان هناك الكثير من المسؤوليات. في البداية، كنت مسؤولاً بشكل أساسي عن الإعلانات لمناطق مختلفة من كردستان ، مثل سنندج .كما أنني ولحوالي 4 سنوات، كنت مسؤول إعلانات ودعايات الجبهة والحرب لمنطقة 10ـ  كتائب و قوات محافظة طهران مثل فيلق 27 محمد رسول الله (ص) وفيلق 10 سيد الشهداء (عليه السلام) 21 مدرّع، كما أصبحت مسؤولاً تبليغات ودعايات الحرس الثوري منذ عام 1987م. عملياً بعد الشهيد أحمد زارعي، كنت مسؤولاً عن منشورات الحرس الثوري  لمدة عام ونصف بعد انتهاء الحرب.

*في أي عام عملت مع الراحل أحمد زارعي؟

كنت على معرفة بأحمد قبل الثورة، كماعملنا معاً في كردستان لعدة مرات. لكن وبسبب عملي لعدة سنوات كمسؤول في مكتب الإعلانات والدعايات في الحرب والجبهة،انفصل عملنا. حوالي عام 1985 - 1986، عندما جئت إلى طهران من الجبهة والحرب ، أصبحت خلفا لأحمد لمدة ستة أشهر في منشورات الحرس الثوري. حيث أصبحت مسؤوليتي حتى نهاية الحرب.

 

 

*هل تعرفت علي الراحل زارعي في مدينة سنندج؟

نعم. تعرفت علي أحمد في كردستان. كان أحمد أعجوبة في جوانب مختلفة ، بما في ذلك الأدب. كانت هناك فرصة لأحمد لتعميق رؤيته الشعرية ، و حصيلة ذلك بعد بعد عودته  إلى مشهد وجامعة فردوسي، مؤتمر ـ أو مؤتمرين ـ لشعر طلاب الجامعات. الأولي أقيمت في مدينة مشهد والثانية في مدينة شيراز. حسبي ظني أنّ مؤتمر شعر طلاب  مشهد تأسس في عام 1983م أو عام 1984م. قاد فريق من الطلاب، وبطبيعة الحال، كانوا من الحرس الثوري ذلك المؤتمر. كان أحمد زارعي، ومجيد زاهد  وعباس علي مهدي من طلاب جامعة فردوسي.  كانوا في الغالب هؤلاء الثلاثة.  كما كان أحمد صفائي أيضا. عادوا إلى وظائفهم مرة أخرى بعد التخرج . ذهب مجيد زهتاب وعباس علي مهدي إلى أصفهان. كان زهتاب في الوحدة المدرعة. أحمد أيضا جاء إلي منشورات الحرس الثوري. في الواقع واحدة من تلك التكوينات انفصلت ، لكنها كانت مرتبطة جسديًا و معنوياً وشعرياً فقط، وكان أحمد النقطة المحورية لهذه التفاعلات.

*إذن جاءت فكرة إطلاق مؤتمر شعر الحرب من هنا؟

في تلك السنوات  1985-  1986التي كنت مع الشهيد أحمد زارعي في منشورات الحرس الثوري، قمنا بتدشين هذا المؤتمر رويداً رويداً. كان يسعى دائماً إلى خلق تيار فكري وأدبي. حتى تأتي شروط التعليم المستمر. بعد ذلك ذهبت أنا إلى جامعة طهران وذهب هو إلي جامعة فردوسي وانفصلنا من بعضنا. لكن طلّاب جامعة فردوسي كانوا مرتبطين من خلال الشعر. بهذه الطريقة بالذات، انبثقت في عقول هؤلاء الأشخاص تنظيم مؤتمر شعري يسمى «مؤتمر شعر الحرب». بطبيعة الحال، أصبح نائب الدعاية الحربية، الذي كان يعمل على الجبهتين الأدبية والفنية ، الراعي الرئيسي للمؤتمر كحقل رئيسي على الجبهة. وقد قيل إن إمكانات الشعر كممر منطقي استُخدمت في نقل المحتوى العاطفي - الذي كان مهماً ومؤثراً للغاية في تلك الأيام - على الجبهات. من أين أتت تجربة شعر الحرب؟ إلى المؤتمرين اللذين تم عقدهما سابقًا كمؤتمر للشعر الطلابي. أي هناك اكتسبوا تجربة حيث يجب أن تكون سكرتارية و مقراً للعمل. كما التحق بعد ذلك الكثير من الشعراء أمثال برويز بيكي حبيب آبادي وعليرضا قزون وحسين اسرافيلي إلي هذه المجموعة.

* هل عقد المؤتمر الأول في عام 1986؟

لا أتذكر بالضبط، لكن يبدو كانت في عام 1985م. قام الشهيد أحمد زارعي  بإعداد هذا المؤتمر.في تلك الأيام، عن طريق تواجد أحمد في طهران ـ بالطبع كان السيد أصغر نصرتي متواجد أيضا، كنا من كردستان مع بعض ـ حيث تم إنشاء أول شبكة للإتصالات بمساعدة شباب المجال الفني، أمثال جواد محقق والسيد حسن حسيني وقيصر أمين بور. كنت زميلاً في صف واحد للسيد قيصر أمين بور في جامعة طهران. بطريقة ما، حصل انسجام بين منشورات الحرس الثوري مع المجال الفني بشكل تدريجي.

*هل تتذكر الحلقة الأولي من الحاضرين و أنصار مؤتمرالشعراء؟

بالإضافة إلي اساتذة مثل [الراحل] استاذ تبريزي و[الراحل] استاذ شاهرخي و الراحل صفا لاهوتي و...كان أول الأستاتذة الذين حضروا المؤتمر الأول لشعر الحرب، هم أساتذة جامعة فردوسي مشهد. ولو اسعفتني الذاكرة، كان للدكتور ذاكر صالحي في ذلك الوقت مسؤولية في مقر إعلان معسكر كربلاء. كان هو أيضاً متواجد هناك. كما كان مجيد زهتاب و باقي الأخوة في الوحدات أيضاً.كما تري منشورات الحرس الثوري في ذلك الجانب مسؤولة. لأنه كانت لديها ميزانية وقوات ومقر و مبني للعمل. هذا ما تسبب بعقد أول مؤتمر لشعر الحرب.أنا و كخلف لأحمد، دخلت إلي منشورات الحرس الثوري توّاً. كان تواجدي في تلك الأيام عندما التحقت بتلك المجموعة. تم تشكيل المقر الأول وتم عقد البرنامج الأول في جامعة الشهيد تشمران في الأهواز ، حيث كان المؤتمر جيداً جداً. بالطبع، كانت تلك الأيام تسمى «بمؤتمر شعر البسيج» وعقدت في الـ 5 من ديسمبر.  من أول اجتماع، كنت أعتقد أنه يجب أن يكون «شعر الحرب». لكن وجهة نظر أحمد وبقية الشباب كانت مختلفة.

*إذن تم عقد المؤتمر الأول للشعر بالتعاون مع جامعة فردوسي والحرس الثوري؟

عقد المؤتمر بمسؤولية وإدارة منشورات الحرس الثوريـ أي مقاتلي الجبهة ـ وبدعم من مقر كربلاء - طاقم المجال الفني وجامعة فردوسي في مشهد. لكن إدارة العمل كانت  مع إدارة منشورات الحرس الثوري.

*حدّثنا عن أجواء أول مؤتمر لشعر الحرب.

المؤتمران الأول و الثاني، كانا أكثر المؤتمرات تعبوية كما أتذكر ذلك جيداً.عندما أقول أكثر المؤتمرات تعبوية، تعود لعدة عوامل. أولا، كان تشكيل وإدارة مؤتمر شعر الحرب تعبوياً تماماً. بمعنى أنها لم تكن تملك آليات اليوم. أذكر أن السيد ذاكر صالحي قام بمقابلة جميع الشباب آنذاك. هذه كانت أول مقابلة تجري في مجال شعر الحرب. قلت لأحمد:«أخي أنت تقوم بإجراء كافة الأعمال.» قال: « دع أحد أبناء المنطقة يُعرف». سأتحدث عن كيفية رؤية أحمد. العامل الثاني، تواجد الشعراء أنفسهم. في الحقيقة في ذلك الوقت،علي الإطلاق، لم تك تلك الرؤي كما هي اليوم. شعرائنا كانوا أكثر تعبوية من جميع المشاركين.  لايبحثون عن السمعة والشهرة ولا علي الحصول علي الماديات. كان 99 بالمئة منهم ـ بإستثناء شخص واحد ـ دعوني لا أذكر اسمه لانه رحل إلي لقاء ربه ـ يرتدون أزياء التعبئة. مثل حضور تعبويي كتائب العمليات، بذلك الشعور و الأحاسيس الجياشة و الأجواء والديكور....كل شيء كان تعبوياً.

*حسناً هذه الميزات كانت متطلبات الأجواء في ذلك الوقت.

نعم. هذه الأجواء كانت تعبوية للغاية حيث يرتدون الأزياء التعبوية. بالرغم من أننا نوفّر الملابس ونرجوا منهم ارتدائها. ولكن لم يكن الأمر كذلك إذا كان أحدهم لا يريد أن يرتدي تلك الملابس، فهو يشعر أن كرامته قد تضاءلت ،وهذا لم يكن علي الإطلاق.

*حدّثنا عن ترحيب الشعراء.

كنّا دائماً نعمل علي توفير الإمكانيات اللازمة. عدم وجود المكان المناسب، كان دائماً مصدر قلقنا. منذ البداية كنّ نقوم بتقديم الدعوة لأطياف عديدة في المجتمع : الشعراء واساتذة الجامعات و وسائل الإعلام والطيف الرابع، المواهب المستقبلية مثل طلاب مرحلة الماجستير و دكتوراه مرحلة الدكتوراه.

*من اساتيذ الأدب،من حضر هذا المؤتمر؟

اساتذة الجامعات مثل الدكتور بحر العلوم والدكتور لسان والدكتور درخشان والدكتور سادات ناصري، حضروا كأساتذة وضيوف تمت دعوتهم من قبلنا إلي المشاركة في المؤتمر.

*هل كان الراحل مهرداد اوستا يحضر المؤتمر أيضاً؟

نعم. كان اوستا شاعراً جيداً جداً. رحمة الله عليه. مع ذلك التاريخ الأدبي المشرق، كان يقرأ الشعر عن الحرب ويفخر بذلك. كما في ذلك الوقت كان رجلاً طاعناً بالسن.

سألت هذا السؤال لأن معظمنا سمعنا بأسماء مثل اسم قيصر أمين بور وسيد حسن حسيني - من بين الشعراء السابقين - في مجال شعر الحرب.

قدم الكثير من الشعراء الشعر إلى المؤتمر. بالطبع ، قام الشخصان اللذان سميتيهما برفع مستوي قصيدة الحرب.  ليس هناك شك في ذلك. لكن كان هناك شعراء جيدون آخرون في مجال الحرب.

*من الدورة الأولي،هل كان لديكم سكرتير علمي وتنفيذي؟

لم يكن لدينا سكرتير علمي أو غير علمي. كل شيء قام به شخص واحد. الآن، ولسوء الحظ أو لحسن الحظ ، تطور نموذج الإدارة ولديهم سكرتير تنفيذي وعلمي. في ذلك الوقت كان لدينا سكرتيراً واحداً. بشكل عملي كنت سكرتيراً لـ 8 دورات. لكن بعض الأعمال التي قمنا بها، لاتعدّ من ضمن هذه الأعمال المذكورة أعلاه.

*لماذا؟

على سبيل المثال، كان لدينا مؤتمر خاص لشعر خرمشهر في دورة ما،  والذي قام بكل أعماله نفس فريق مؤتمر الشعر للدفاع المقدس. أي أننا عقدنا مؤتمرين في ذلك العام. مؤتمر واحد من شعر الحرب وآخر، شعر خرمشهر الخاص.  كما قمنا حينها بعقد واحد أو اثنين من مؤتمرات القوات المسلحة الشعرية. لم يتم تضمين المؤتمرات في إحصاء المؤتمرات الشعرية للدفاع المقدس، ولكنني كنت سكرتيراً لحوالي 8 أو 9 دورات. لا أعرف على وجه الدقة. لأنه لم يكن من المهم بالنسبة لي أن أسجلها لنفسي.

*باستثناء الشعراء ـ و الذين سأسلك عنهم فيما يلي ـ هل كان للمقاتلين حضوراً في المؤتمرات؟

نعم. كان مقاتلي الوحدات يشاركون أيضاً. لم أنس ذلك أبداً، كان المقاتلون يأتون بتلك الأعلام والشعارات وهم هؤلاء المقاتلون أنفسهم يتحملون عناء الطريق و يشاركون في هذه المؤتمرات. بالطبع كان هنالك تنسيقاً مع المعسكر ولم يك إجبار في المشاركة. علي سبيل المثال كانوا يقولون في المعسكر، أنّ مؤتمرا شعريا سيعقد، و يتطرق إلي هذا الموضوع حيث يتواجد عدد من الشعراء وينشدون أشعارا عن الدفاع المقدس. من المؤكد أنكم قد شاهدتم الأفلام التي يصعد فيه التعبويين داخل السيارات وينشدون فيها الأناشيد و يأتون إلي بوابة جامعة [الشهيد تشمران في الأهواز]. بعد ذلك ينزلون من السيارات والأعلام بيدهم و ينشدون الأناشيد و يجلسون بعدها في الصالة. كان من المثير للاهتمام أيضا التفاعل مع الشعراء. أتذكر أنّ المؤتمر الثاني عُقد في نفس جامعة الشهيد تشمران. كان الراحل محمد علي مرداني شاعراً غريباً وكان في نفس الوقت رجلاً كبيراً في السن. كان يعمل في مجال البناء. لم يكن باحثاً أكاديمياً  وكان في الأساس ينحدر من جمعيات الشعر الديني. كانت لديه أشعاراً حديثة كثيرة وبصراحة بعض غزلياته خالدة. كما كان يسرد شعر الحرب بشكل جيّد. لقد أنشد الشعر. كان مقدم الحفل أحمد زارعي و سكرتارية المؤتمر كانت علي عاتقي. لقد أرسل التعبويين رسالة و طلبوا منّا أن نقدم محمد علي مرداني ثانية ليقرأ الشعر علي المنصة. لقد كاتبني أحمد قائلاً: ماذا أفعل يا بهروز؟ قلت له عليك بمراعاة القانون. كل شاعر يقرأ الشعر لمرة واحدة فقط. للمرة الثانية أرسلوا رسالة لي. ياليتني كنت أحتفظ بهذه الرسائل. لقد كتب أحمد ثانية :« بهروز إذا لم نقم بدعوة محمد علي مرداني إلي قراءة الشعر،سيقوم هؤلاء التعبويين المتحمسين بإعمال ضجة لايحمد عقباها هنا، دعني استدعيه لقراءة الشعر». قلت لأحمد لا بأس و عليك بإستدعائه للمنصة، لكن كتبت تحتها رسالة :« أكد عليه بقراءة غزل واحد». رحمة الله عليه. عندما كان يقرأ الشعر، يقرأ ثلاثة ـ أربعة من المثنوي.! قام أحمد بدعوته إلي المنصة. جاء وأنشد الشعر للحاضرين هناك. بعد ساعة واحدة، جاءت رسالة لنا و قالوا فيها دعوا مرداني ينشد الشعر. كنت صارماً في إدارتي كما كان معروفاً عني، لكن أجبروني علي دعوة مرداني لقراءة الشعر ثلاث  مرات. لا أريد القول أن الراحل مرداني كان شاعراً قوياً أم لا. لكن أريد أن انقل لكم علاقة المقاتلين مع الشعراء فقط.

*هل لديكم من هذه النماذج أيضاً؟

كان لدينا مؤتمراً بعد الحرب في مدينة خرمشهر.عقد المؤتمرات في مدينة خرمشهر صعب للغاية. لايوجد حتي مبنيّ  سالماً هناك لإيواء 200 شاعر. بعدها ذهبنا لمنازل مختلفة و أخذنا أماكن الحرس وأخرجنا الوحدات. كما كانت لدينا مشكلة في تأمين المياه كذلك. يشهد الله لم يكن لدينا ماء لوضوء الأفراد.  لاسيما كنّا قلقين للغاية من النساء اللواتي حضرن في ذلك المكان تحسبّاً لصعوبة الأمر عليهنّ. كنّا نجلب الماء من خارج المدينة. كنّا ندهب 30 كيلومتراً خارج المدينة لجلب المياه من الناقلات. أتذكر أنه تم استدعاء الراحل تيمور ترنج و الذي كان من أبناء مدينة خرمشهر،حيث أنشد قصيدة النثر، لكنه لم يتمكن من إلقاء الشعر.لأنه كان ذاهب لتفقد منزله. لقد قرأ سطرين ـ أو ثلاثة أسطر من شعره و أجهش بالبكاء. لنهاية المؤتمر، قاموا أبناء التعبئة بعلاقة ودية وعاطفية مع السيد ترنج. كانوا يرسلون رسائل بشكل دائم و يقولون لماذا لم يأتِ السيد ترنج؟ لماذا لايقرأ الشعر؟  يعدّون اللافتات و الرسائل حتي يقرأ السيد ترنج أشعاره. هذه الطرق كانت طرقاً تعبوية. هذا ما أقصده.

*لذلك يشجّعك ترحيب الجمهور علي مواصلة المؤتمر...

كان الترحيب من المؤتمر جيداً جداً. صحيح أن الشعر هو في جوهر الإيرانيين، ولكن في النهاية لديه جمهور خاص به يسمعه. في ذلك الوقت، لم يكن الأمر كما لو كنا سنعقد البرنامج محدوداً جداً.على سبيل المثال، نقيم قراءة الشعر لـ 6 ساعات متتالية.

*كم يوم يستغرق عقد المؤتمرات؟

كان لدينا يومين لإقامة البرامج. لكن نظراً لعدم وجود الطيران في ذلك الوقت، كان الشباب يأتون عن طريق الحافلة ويستغرق هذا الأمر وقتاً أطول في طبيعة الحال. أخيراً أصبحنا متمدنيين (كان ضاحكاً) و نأتي عن طريق القطار. لم تكن لدينا مبالغ! علي سبيل المثال في الحافلة، نطعم الشباب للعشاء خبز ونقانق. في إحدي المرات ذهبنا لحجز قطار للذهاب نحو هذه المؤتمرات.علي ما أظن كان مؤتمر في مدينة آبادان. الطعام ضمن التذكرة، دخل جديداً علي قوانين القطار. كنت أصرّ علي أننا لانمتلك مبالغ هذه الأطعمة. قلت لهم: ماهو أرخص غذاء عندكم؟  قال: الدجاج. صدقوني لم يعرف أحداً هذا النوع من طعام الدجاج. لهذا اخترناه علي اساس سعره فقط. لهذا قلنا له آتينا بهذا الطعام كي نطعم ضيوفنا. قال الشباب: ماهو الطعام؟ قلت لهم لا أعرف اسمه. واحد من هؤلاء الشباب الذين كان ضيفنا كان لاعب شطرنج. سأل موظفي القطار، من منكم يلعب لعبة الشطرنج؟ قالوا له رئيس القطار يلعب الشطرنج. حيث ذهب و لعب مقابل رئيس القطار  لساعة ـ أو ساعتين. بعد ذلك جاء برفقة رئيس القطار . قال رئيس القطار : من هو رئيس مجموعتكم؟ سأقوم بأمر الضيافة. نطعمكم دجاجاً خاصاً. بعدها علمنا أنهم اتفقوا بعد لعبة الشطرنج أن يقوما بإطعام أبناء مؤتمر شعر الحرب. كان جو المؤتمر شعبياً جداً. كان أكثر شعبية مما قد تتصورونه.

*هذه الأحداث تجعل تأسيس مؤتمر شعر الحرب أكثر جاذبية. حدثنا أكثر فأكثر عن ذلك.

عندما عقدنا المؤتمر في كرمانشاه، في الحقيقة لم يكن لدينا المكان الكافي لعقده. كانت المدينة مدّمرة بسبب قصف العدو. أتذكر جيداً أن في حوالي ساحة فردوسي كرمانشاه، يقع مبني الحرس الثوري. إلي جانبه، قمنا بإعداد إثنين من المباني حيث ذهب الشباب لتنظيف جدرانهما. مشكلتنا كانت عدم وجود طريق أو منفذ يربط المباني ببعضها البعض. وضعنا سلمين علي فوق سطح المباني. تصوروا أن علي الأستاذ أوستا و الأستاذ سبزواري أن يصلا من خلال هذين السلمين.عندما أتذكر تلك الأيام، أقول لنفسي، أيها الإنسان ألم يكن لك عقل آنذاك؟! كانت الظروف بشكل حيث أخجل كثيراً منها. في اليوم الأول من قراءة الشعر، جاء شخص من أهالي كرمانشاه ـ و الذي بعدها لم أفهم من كان ذلك الرجل ـ قال: أعتذر أنا من أهالي كرمانشاه و لدي منزل. بإستطاعتي أن أقوم بإستضافة عدد من رجالاتكم الطاعنين بالسن. قلت له: سأكون ممتناً لكم إذا ما قمت بهذا الأمر.لأننا نخجل من اساتذتنا علي ما نحن فيه من أوضاع. استقبل سبعة ـ أو ثمانية من اساتذتنا و قام بإستضافتهم في بيته. يتكون المؤتمر بهذا الشكل. عندما نتحدث عن مؤتمر شعر الحرب، أي كل ما يمتلكه كانت في مثل هذه الأجواء.الكل يتحمل هذه الظروف و قليلاً ما نعترض عليها.

*هل كان هناك إقبالاً علي مؤتمر شعر الحرب من قبل باقي أفراد المجتمع؟

أتذكر أنه في إحدي المؤتمرات، جاء فريق أناشيد. قالوا: إن لديكم مؤتمر للشعر و نحن جئنا نقرأ الأناشيد للمقاتلين. هل تعلمون أنه إذا ازداد 20 شخصاً إلي هذا الجمع المبارك، كم هو مربك للمدير التنفيذي؟ كانت هنالك صالة، بالقرب من مكان عقد المؤتمر حيث قمنا بفرشها. قلنا ذلك بسهولة: هل ستعطون مكاناً لفريق الأناشيد هذا؟ قالوا : نعم. نتشرف بقدومهم.

*حدّثنا قليلاً عن إجتماعات الشعراء،بعد قرائتهم للشعر.

في مؤتمر شعر الحرب، كان الشعراء يترددون علي الأستاذ علي معلم حتي منتصف الليل، كان يحفّز الشباب علي قراءة أشعارهم. في إحدي المرات، نام متعباً ومرهقاً في تمام الساعة 3 ليلاً. أتذكر أن أحد الشباب التعبويين ذهب نحو الأستاذ لإقامة صلاة الفجر وقال له: «أخي! إنهض كي لاتكون صلاة الفجر قضاءاً» كنت أنظر إلي هذا المشهد. ضحكت. هذه العلاقات كانت خاصة و غريبة جداً. ربما لم يكن من المناسب أن أفراد بهذه المكانة الإجتماعية، ينامون علي الأرض و سريرهم  بطانية ويأتي شاب تعبوي ليةقظ شخص ما لإقامة صلاة الفجر. هذه ظواهر قيمة وثمينة يتم العثور عليها فقط في تلك السنوات. كانت البيئة الأكثر شعبية هي التفاعل بين المبلّغ والجمهور والشاعر والمستمع والفنان والمشاهد في الحرب ونماذج إدارة الحرب أيضاً.

*في الوقت الذي كنتم تعقدون فيه مؤتمر شعر الحرب في فترة الحرب و مناطق الحرب، هل تخوفتم علي سلامة حياة الشعراء؟

مؤتمر مدينة خرمشهر و الذي تحدثت عنه سلفاً، كان بعد الحرب. لكن مؤتمراتنا الأخري مثل كرمانشاه و أهواز وآبادان كانت تعقد تحت قصف العدو. أتذكر، ذهبنا بأصدقائنا الشعراء نحو الفاو. أجبرنا الأصدقاء أن ننزل من الحافلة علي جسر بعثت. ومن الطبيعي، لأنني و السيد زارعي كنّا عسكريين، ندرك ما يمكن حدوثه هناك. في تلك الظروف، كان أفضل هدف لطائرات العراق. كنت أناديهم بصوت عال: عليكم بركوب الحافلة عاجلاً غير آجل. كان أحد التعبويين جالساً خلف مدفعية 23 ويقول: أخي! اتركهم وشأنهم. إذا حلقت الطائرة فوقنا، سأقوم بواجبي، أنا أعرف تطبيق بندقية 23 بشكل جيد. أعرف أنها لا يمكنها مقابلة الطائرات. لكن كلام هذا الشاب التعبوي الذي يبلغ من العمر حوالي 16 ـ 17 عاماً حفّز الجميع. كما أن الشعراء لم يركبوا الحافلة. كنت قلقاً للغاية ومتوتراً بشكل لايوصف. لقد بكيت حتي استطعت أن اقنعهم ركوب الحافلة. كان نهر أروند جميل و ممتع بالنسبة لهم. أرادوا العبور من علي هذا الجسر! لقد سيطرنا علي الفاو تواً و الحرب في أعلي ذروتها. في الحقيقة لقد شاب رأسي حتي ركبوا تلك الحافلة وذهبنا. توجب علي أن أجلب لهم الغداء من الأهواز إلي الفاو.لم يعلم أحداً أن الجيش العراقي استهدف سيارة الطعام علي قارعة الطريق. الآن لانمتلك طعاماً لحوالي 200 شخصاً. نذهب من هذا الفيلق إلي ذلك لكي نجمع لهم معلبات الفاصوليا و السمك حتي نقوم بإعداد الطعام لهم. استغرق هذا العمل حوالي نصف ساعة.لكن إذا ما اردنا أن نعطي وجبة غداء لمؤتمر يضم 200 شخصاً، كم سيكلفنا الأمر مالياً؟ أكّد ثانية، أنني لا أريد أن أنقد مايقوم به الآن الأخوة من جهود حثيثة في هذا المجال. إذا قمن اليوم بعقد المؤتمر،سأقوم بنفس مايفعلونه أيضاً.كنت المدير التنفيذي لأول مؤتمر للقوات المسلحة الذي عُقد في سنندج.ذهبت لحجز الفندق و عقدت معهم حول توفير الطعام.رحم الله احمد زارعي. لربما كانت من ضمن آخر الأعمال التي قمت بها برفقة أحمد في مجال مؤتمر الشعر. الآن لايمكن أن نتوقع أن نقول لشاعر تعال ونام تحت الخيمة! لكن في ذلك الوقت، تختلف هواجس المدير التنفيذي بالنسبة مع الظرف الراهن بشكل لايوصف، من حيث المضمون حتي أصغر الظواهر. قال الشعراء: نذهب كي نري قصر شيرين. في ذلك الوقت، كانت منطقة قصر شيرين ملوثة. قلت لهم:  لقد نسقت مع الحراسة ووافقوا بشرط واحد فقط. قالوا السيد اثباتي: يتوجب عدم ترجلهم من الحافلة. لأن المنطقة مليئة بالألغام، ولم نقم بتطهير المنطقة. ذهبنا و قمنا بتفقد قصر شيرين برفقة الشعراء حتي آخر حدوده. مع كل هذه التأكيدات، قامت النساء بفتح باب الحافلة و نزلن لتفقد المنطقة. عملت في عدة مؤتمرات مع السيدة راكعي. طلبت منها أن تركب داخل الحافلة هي ومن معها خشية حدوث أي مكروه. قالت لي السيدة راكعي: «لماذا تضعون فرقاً بين الرجل و المرأة؟» قلت لها:« لايا سيدتي لم أجعل أي فرقاً بين الرجال و النساء. هذه المنطقة فيها ألغام. هؤلاء يسيرون إلي الأمام دون علم!» في النهاية تحدثت كثيراً حتي اقتنعوا بركوب الحافلة. أود أن أقول إنه في دائرة هواجس المؤتمر، كان شعر الحرب قريباً جداً من الجمهور لدرجة أنهم لم يشعروا بالتهديد كثيراً.

*من بين الشعراء اللامعين في الوقت الحالي،من منهم ذاع صيته لأول مرة من خلال مؤتمر شعر الحرب؟

تقدم مؤتمر الشعر الحربي بتجارب جديدة وأشخاص جدد.  رأيت أسماء ساعدتنا كثيرًا في وقت لاحق. على سبيل المثال كان عليرضا قزوه بين عامي 1985 ـ 1986م شاب لم يعرفه أحداً في هذا المجال.لكنه كان من أبناء التعبئة. علي رضا قزوه سيبقي دائماً في ذاكرتي، ذلك الشباب الصغير بقميصه الطويل وبنطاله العسكري، حيث يقوم أكثر منّي بأعمال تنفيذية  وعندما يمسك الميكروفون بيده، ينشد لنا أشعاراً جياشة .أحمد [زارعي] ومجيد [زهتاب] كانا علي هذا المنوال أيضاً.

*هل جميع الشعراء الذين ذكرتهم لديهم دراسات أكاديمية في مجال الأدب؟

كان لدينا دائما الكثير من الناس. لكن تلك التي كانت نتيجة لشعر الحرب،هم أولئك الذين، إلى جانب هذا الشغف، كانوا قادرين على دراسة العلوم أيضا. لكن هذا العلم والتعليم ليس بالضرورة شهادة جامعية. علي سبيل المثال كان برويز بيكي حبيب آبادي، ضابطاً في القوات الجوية التابعة للجيش. حيث أنه تدرب علي دورة دافوس لكنه لم يتلق أي تعليمات في مجال الأدب. إنه ضابط عسكري شهد دورات قتال جوّية .كما أن السيد حسين إسرافيلي كان علي هذا المنوال أيضاً. كان عسكرياً في مرحلة ما. بالطبع عندما كنّا نعمل معه في ذلك الوقت، إستقال من الجيش قبلها. السيد شيرين علي كلمرادي أيضاً كان من الدرك الذين استقالوا قبل بزوغ الثورة حيث لمع اسمه من خلال المؤتمر.

*لا توجد أيّ ترتيبات محددة للسنة ومكان انعقاد مؤتمرات شعر الحربي هل تتذكر شيئاً من ذلك؟

في الوقت الراهن لا أتذكر ذلك الأمر جيّداً. لكن المؤتمرين الأول والثاني عقدا في الأهواز. كما أظن أن المؤتر الثالث كان في كرمانشاه و الآخر عُقد في مدينة آبادان. بعد نهاية الحرب، ذهبنا ثانية نحو خرمشهر و الأهواز وسنندج. بعدها توسع عمل المؤتمر و عقد في مدينتي إصفهان و طهران.

* هل يقام مؤتمر شعر الحرب كل عام من عام 1986م فصاعدا؟

نعم. بالطبع في فترة ما تحول إلي مؤتمر شعر التعبئة.عندما انتهت الحرب، بشكل تدريجي تضائل دعم مقر الحرس الثوري لهذا العمل. أي لايمكنهم بعد ذلك دعم مؤتمر شعر الحرب مالياً و نظراً لأن نظام هذا المؤتمر كان تنفيذياً بالدرجة الأولي، توقف النشاط.

*كم سنة توقف عمل عقد المؤتمرات؟

 سنة واحدة فقط،عام 1990 أو 1991م. كان السيد مجيد رجبي مسؤولاً للقناة التلفزيونية الخامس، وكان في ذلك الوقت يعمل في التعبئة أيضاً. ذهبنا إليه و قلنا له، كان لدينا مثل هذا المؤتمر واليوم أصبح غير فاعل. قال مجيد رجبي، يمكنني أن أقيم المؤتمر تحت عنوان مؤتمر شعر الحرب فقط. تم عقده تحت مسمّي مؤتمر شعر الحرب حيث يقام في الخامس من ديسمبر. بالطبع منذ البداية ، كنّا نقوم بتنظيم مؤتمر شعر الحرب من 3الـ  إلى الـ  5 من ديسمبر بمناسبة أسبوع البسيج (التعبئة). وكان مؤتمر كرمانشاه عُقد في عام 1993 أو 1994م. وقال مجيد رجبي: نعاني من مشاكل مادية ولا يمكن الإستمرار في هذا العمل. تجدر الإشارة بأن السيد مهدي تشمران، كان  مسؤولاً عن مؤسسة الحفاظ على الآثار ونشر قيم الدفاع المقدس آنذاك، حيث قمنا بدعوته إلي ذلك المؤتمر. ذهبنا نحو مهدي تشمران أنا و محمد قاسم فروغي و مجيد رجبي و قلنا له: لايمكن للحرس الثوري أو البسيج دعم هذا المؤتمر. قال السيد تشمران:هل هناك مساعدة يمكن تقديمها في هذا المجال؟ قلنا له: تتقبل مؤسسة حفظ الآثار مسؤولية مؤتمر شعر الحرب. لقد تقبل هذا الأمر. لهذا و منذ عام 1995م، أصبح المؤتمر علي عاتق مؤسسة الحفاظ علي الآثار.

*إلي متىاستمر تعاونكم مع المؤتمر؟

آخر دورة شاركت فيها بشكل فاعل في المؤتمر، كانت في عام 1999م. كنت في ذلك الوقت منشغلاً بالدرس والتدريس في آنٍ واحد، كما كانت مسؤولية إعلانات و دعايات الباسيج (التعبئة) و أيضاً إختيار كتاب دفاع المقدس الأفضل طيلة العام علي عاتقي. كما شعرت أن فريق عقد الـ 60 نمي وترعرع ثانية و بامكانهم القيام بجميع الأعمال. علي سبيل المثال لم يكن السيد قزوة ذلك التعبوي الشاب إبّان فترة الدفاع المقدس. كما كان لدورتين ـ أو ثلاثة دورات، خلفاً لي كرئيس تنفيذي للمؤتمر. برويز حبيب آبادي وحسن اسرافيلي و السيد ضياء شفيعي، جميعهم خلقوا من ماء و تراب. لم أكن شاعراً. لهذا انسحبت بشكل تدريجي من ذلك العمل.

*هل احتفظت ثانية بعلاقتك مع مؤتمر الشعر؟

نعم. كنت حاضراً إلي جانب الشباب هناك.

* من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن إعادة تسمية «مؤتمر الشعر الطلابي» إلى «مؤتمر شعر الحرب» و«مؤتمر البسيج للشعر» لم يضر بطبيعته وترابطه.

تم تغيير كل من شروط الشاعر، سواء نظام الإدارة أو حالة الجمهور الأدبي. لذلك أعتقد أن هذه التغييرات كانت ظاهرة منطقية. هذا يدل على قوة المؤتمر، والتي تكيفت مع البيئة ، وهذا هو السبب في استمراريته لغاية اليوم.في مؤتمر شعر الدفاع المقدس الذي عُقد في مدينة بندرعباس، كنت جالساً إلي جانب برويز بيكي حبيب آبادي، حيث تذكرنا أننا قمنا بعقد المؤتمر من عام 1993م لغاية 2008م، أي لحوالي ستة وعشرين دورة لمؤتمر الشعر. في البلد الذي مرت من ثورته 30 سنة فقط، يعتبر عقد المؤتمر لـ 26 مرة للشعر أمر في غاية الأهمية.

لم نناقش أسلوب التحكيم في مؤتمر شعر الحرب. كيف كنتم تحكمون الأشعار؟

أول دورة تحكيمية لم تكن كما ينبغي. لكن مع الفترة الثانية، بدأنا في جمع الشعر. أي قمنا بنشر الإعلانات.  كلما تقدمنا، أصبح العمل أكثر قوة وأصبح التحكيم أكثر جدية. أي ابتداءً من الفترة الثانية ، قررنا رسمياً تشكيل لجنة للشعر. لجنة الشعر كانت تستعرض و تراجع كلمات القصيدة فقط. جوهر الشعر هو أنه كان أكثر شدة في زمن الحرب نفسها. لأن هناك كل عناصر خلق القصيدة في ذلك الوقت موجودة. كان الحادث نفسه. كانت الإثارة عاطفية.  من يقوم بذلك عملياً كان كل من السيد أحمد زارعي، برويز بيكي حبيب آبادي، علي رضا قزوة،عبدالجبار كاكايي و حسين إسرافيلي أيضاً.

*هل كنتم تمنحون جوائز لهذا العمل؟

لا. ينشدون الشعر فقط. بالطبع كنا نمنحهم هدايا بسيطة جداً. كما لم يكن لدي الشعراء أي توقعات تذكر. لكن بعد إستمرارية المؤتمر،حالنا تحسّن إلي حد ما، حصلنا علي ميزانية للقيام بهذا العمل. كنآ نوفر هدايا للشعراء و نمنحها لهم.

*ماهو الإطار الذي كنتم تتخذونه في ذلك الوقت؟

كل الأطر كانت موجودة. لكن يتم ترحيب أكثر بالرباعي و الغزل والمثنوي.

*وماذا عن الشعر الحديث؟

والشعر الجديد أيضاً. لكن بالنسبة إلي اليوم تعتبر قصيدة النثر أكثر انتشارا.

*معظم المحتويات، تتحدث عن أيّ من المواضيع؟

كان موضوع معظم القصائد هو الدفاع والتعبئة والحرب. بالطبع، في الوقت نفسه ، كان لدينا الكثير من المشاكل. أذكر أنه في المؤتمر الثاني، دعونا شخص كان في المؤتمر الأول، تعبوياً للنخاع، وأنشد أفضل الأشعار حول الحرب، ومن أهالي خراسان. جائنا هذه المرّة بصورة مختلفة تماماً، حيث جاء وهو حالقاً لحيته و بشنب رفيع و شعر بتسريحة مختلفة عمّا كان عليه من قبل. هذه الكلمات في العام 1986أو 1987م أي في ذروة الحرب. شارك حينها بقصيدة تحت عنوان «إمرأتي الشرقية» حيث أربكت نظام المؤتمر تماماً. بداية لم أكن أنوي بالسماح له بإنشاد قصيدته، لكن أبناء خراسان كانوا فريقاً واحداً. كان أحمد علي رأس الهرم. قال أحمد: أعرفه جيداً. قلت: أحمد! هذا الوجه أساساً لا يتماشي مع عملنا! قال أحمد: لا. أنا أعرف شعره. علي أية حال، تسنّم منصة الشعر وقام بإنشاد ما كان لديه. كان أحمد دائماً يتمسك بما لديه حينها. ذهبت و أنا عصبياً مما حدث نحو أحمد. قال: ما خطبك يا رجل؟ حسناً، كان شعره قوياً جداً![طبعاً كان يضحك]. قلت : نعم شعره كان قوياً، لكن ماذا قال! لكن بشكل عام ، كان مفهوم التعبئة والشهادة والاستشهاد، خاصة خلال مؤتمرات حقبة الحرب، أكثر بروزاً، ثم تم استخدام مواضيع ملحمية.

*في أيّ عام دخل شعر الحرب إلي أجواء الحنين إلي الوطن؟

بدأت هذه الظاهرة منذ عام 1991م فصاعداً مع أشعار السيد قزوة. كما قام بتوفير هذه الأجواء كل من السيد برويز بيكي حبيب آبادي و عبدالجبار كاكايي والجيل الذي لمع نجمه في المؤتمر حيث كانوا تعبويياً و أهل للجبهات. لكنّ شعر «غريبانه» المعروف الذي أنشده برويز، كان من ضمن هذه الأشعار التي تمت قرائتها في المؤتمر الأول.

*تحدثت عن وجود النساء. متي حضرت النساء في هذا المؤتمر؟

جاءت النساء منذ أول مؤتمر. كانت كل من الراحلة سبيدة كاشاني و السيدة سيميندخت وحيدي و السيدة فاطمة راكعي وزهرة نارنجي حاضرات في هذا المؤتمر. الشعر النسوي كان بارزاً بشكل دائم في إيران.

*النساء اللاتي كن يحضرن في ساحات الحرب، ماهو مصدر إلهامهن آنذاك؟

رؤيت الشهداء و حضورهن الفاعل في ساحات الحرب. في هذه المؤتمرات أيضاً يقمن بمقابلة التعبويين و كما حدثتكم من قبل، يحضرن في ساحات الحرب. كما أن حضور الشعراء لم ينحصر في المؤتمر فقط. يتم دعوة العسكريين لقراءة الشعر. كما أنهم ينشدون الشعر في مراسيم أخري.

*هل كانت قصائد المؤتمر تنعكس علي الجبهات أيضاً؟

نعم هو كذلك بالتأكيد.عندما يطلب التعبويين قراءة الشعر، هذا يكون دليلاً علي علاقتهم بالشعر. كما أن الكثير من هذه الأشعار تتحول إلي أناشيد. مثل أشعار حسين إسرافيلي وبرويز بيكي حبيب آبادي حيث طرحت هذه الأشعار عن طريق استخدامها في الأناشيد. أساساً عندما أنشد برويز شعر غريبانه، كان ملتهباً و لم يكن للشعر علي الإطلاق. أحد الشعراء الذين ذهب من الأهواز إلي جبهة آبادان، قام بتبديل هذا الشعر إلي أنشودة علي متن الحافلة وقام الشعراء بضرب علي صدورهم. لقد انتقل هذا الشعر إلي الجبهات  و قام بإنشادها فيما بعد كويتي بور. لقد تحول الشعر إلي سمفونية و إيقاع...في الحقيقة كان الشعر ممتزجاً مع المقاتلين. عندما ذهبنا إلي عمليات بيت المقدس، قرأت لأول مرة شعر «أمي أني ذاهب إلي الجبهة، أقرأ كربلاء» علي مسامع المقاتلين. أساساً لم كنت أعلم أن شعره خُصص للمؤتمر. بعدها انتبهت أن هذه الأشعار تمت قرائتها في المؤتمر. علي أي حال، كان الشعر يرافق المقاتلين في كل مكان.

ما هي الفترة التي بدأت فيها طباعة أشعار المؤتمر المختارة؟

تم نشر قصائد في وسائل الإعلام. لأنه منذ البداية كان الصحفيون ووسائط الإعلام متواجدين في المؤتمر و يعتبرون جزءاً من خططنا. كل هذه وسائل الإعلام كانت تحتوي على صفحات شعرية وأدبية. وقد نُشرت قصائد من المؤتمر الأول في المجلات والصحف. عادة ما ينشرون كلهم تقريرا حول المؤتمر والموضوع المختار من القصائد. كما تم جمع الشعر على مر السنين ونُشر في الصحف. بسبب الحرب ، كانت المجلات بحاجة إلى المواد ، وكان مؤتمر الحرب الشعر هو أفضل مصدر لها. عندما بدأ الشعراء أنفسهم بنشر قصائدهم الشعرية ، قاموا أيضاً بنشر شعر المؤتمر في كتبهم. في الواقع، كانت الأمانة قد نشرت كتابًا خاصاً حول المؤتمر بشكل متأخر. لم نرَ دليلاً منطقياً للقيام بهذا العمل. لأن نصوص المؤتمر، موجودة في كل مكان، في الصحف و كتب الشعراء. بعد مضييّ الوقت و بداية من عام 1994 حتي عام 1996م،و نظراً للأجواء التي حصلت لأجواء شعر الحرب بعد نهاية فترة الدفاع المقدس، توصلنا إلي هذه النتيجة و هي الدخول إلي نشر كتاب أشعار المؤتمر و أخذ هذا العمل في إطار عملنا.

*من أيّ عام بدأ هذا العمل؟

لا تسعفني الذاكرة الآن لكي أتذكّرها جيّداً، لكن كان بعد عام 1996م. في عام 2002م و خلال عقد مؤتمر طهران، قمنا بطباعة الأشعار قبل إقامة المؤتمر حيث تعتبر أولي تجاربنا في هذا المجال واستطعنا أن نسلّم الأشعار للجمهور قبل المؤتمر.. بالطبع هذا الأمر أيضاً لايخلو من المشاكل. عدد من الشعراء لم يقرؤوا ما اتفقنا عليه. حسناً هذا الكتاب كان في حوزة الجمهور. يقولون: لماذا لم يقرأوا هذه الأشعار سماحة السيد إثباتي؟ قلت لهم: المشكلة تعود لمشاعر الميكروفون الجياشة!

*نظراً لحضوركم في جميع المؤتمرات، بالتأكيد لك إشراف علي سير مضامين أشعار الحرب. يعتقد البعض أن شعراء الحرب في الوقت الراهن، يمكن أن تشعر بنوع من اليأس من خلال أشعارهم و ينشدون أشعار تتضمن موضوعات مثل إهمال المعوقين و درجة ومقام الشهداء من قبل المجتمع. كيف تعلّق علي هذا الأمر؟

هذه القصائد هي نوع من الحنين إلى الماضي .

*كيف يمكن للشباب من أمثالي الذين لم يعاصروا الحرب أن يشتاقوا للحرب؟

هذا طبيعي جدا. لأنه لا تزال هناك آثار حرب موجودة في المجتمع. كلنا لا نزال نعيش مع المعوقين. بالمناسبة ، أنا أعتبر هذا شيء طبيعي وأنا حزين. ليس بسبب طبيعتها، ولكن لأننا لم نتمكن من نشر مظاهر أخرى للحرب. الآن الشعر من الهجاء والحرب الاجتماعية والحنين إلي الماضي، هي الموضوعات التي انتشرت بشكل لافت و هذا هو الأصح بالتأكيد. أي أن الشاعر الفنان الرائد لديه متطلبات و إدعاءات. لدي الشعراء، ما هي مسؤوليتنا تجاه من فقدوا نعمة التنفس؟ هذه هي مطالبة الشعراء في الجانب الإجتماعي. بالطبع أن الشعر في إيران، لديه حركة سينوسية. تراه تارة في القمة وتارة ينخفض إلي أدني المستويات. و أنه علي طيلة العصور كان علي هذا المنوال. لكن شعرنا يتميز بصفات وميزات ما وهي تكوين المضامين من البيئة الإجتماعية.

كنت حاضراً في العديد من المؤتمرات كمراسل، ووجدت أن هناك دائرة ثابتة من الشعراء المشاركين في مؤتمر الشعر للدفاع المقدس في كل عام. أليس هذا ضعفًا أننا لم نتمكن بعد من إضافة شعراء جدد إلى هذه الدائرة؟

أنا لا أقبل هذا. لدينا مؤتمر، لدينا شاعر، لدينا مجتمع وإدارة. أولاً، عندما نتحدث عن مؤتمرات شعر الحرب، في الوقت نفسه، كانت هناك دوائر من الشعر المعارض بشكل كبير في طهران. في الحقيقة أن الشعراء الذين كانوا يأتون  إلى الحرب ويقرأون الشعر هناك، ربما يساوي العدد الحالي. أريد أن أقول، لأنه ليس لدي دراسة علمية  في هذا المجال، ومن ناحية أخرى ، أنا مدرس وأؤمن بالمناقشات العلمية ، يجب أن أؤكد أنه عندما يمكننا التحدث عن هذه النسب ، يجب  أن تكون لدينا دراسات علمية. تحديد بحث وقياس وتحليل البيانات. لم نفعل هذا، حيث ينبثق هذا من ضعف الإدارة نفسها. ثانياً، في رأيي ، فإن الظاهرة التي نري فيها ثبات الشعراء تعد إيجابية في كل مؤتمر. لأنه في مجال الشعر و الأدب كفن،إ ستمرارية الحضور تعدّ شرطاً وأن نأتي ونقول في كل دورة، قمنا بتغيير شعرائنا، ما فائدتها لدي المجتمع بشكل عام؟

لا أقصد تغيير الشعراء.  كنت أنوي إضافة شعراء جدد وتوسيع هذا المجال.

هذا بسبب إدارتنا السيئة. لا أقصد مدراء المؤتمرات. كمدرس في مجال الثقافة ، لدي نقد خطير لإدارة الثقافة الكلية للبلد، مع الأخذ في الاعتبار أنني شخصياً من بناة هذه الإدار . في مجال الثقافة، لم نتمكن  من إنشاء نموذج إدارة منطقية نموذجية ملائمة مع ظروف الثورة. في هذه السنوات، يجب أن ينمو نظام إدارتنا في مجال الثقافة.  نحن ضعفاء في مجال الإدارة الثقافية، وهذه ليست مجرد مسألة تعود لمجال الشعر فقط.

نريد أن نتحدثنا في نهاية هذه المقابلة عن إمكانيات و قابليات فترة الحرب المفروضة، في مجال الفن و الشعر:

تمتلك الحرب العراقية الإيرانية جميع القدرات الدرامية للمدفوعات الثقافية والفنية. حربنا خاصة جدا من حيث طول الوقت و طرفي الحرب. جانب واحد  يتمثل بـ40 دولة، ومن ناحية أخرى، كانت إيران وحدها من خاضت غمار الحرب ولم تخسرها في نهاية المطاف. نموذج حربنا هو وطني وله كل القيم الأصلية والعرقية. تم تعبئة جميع الناس من النساء والأطفال، سواء أكانوا صغاراً أم شباباً. القدرة الداخلية للحرب العراقية الإيرانية كانت قوية جداً. لم تكن أي ظاهرة في التاريخ الإيراني مثل الحرب التي دامت لثماني سنوات.

وربما بسبب هذه القيم الخاصة ، يجب على الشعراء أن يحرصوا على عدم الإضرار بها، والخطوط الحمراء لقصص الحرب والشعر هي لهذا السبب. على الرغم من أن الشعر الساخر حول الحرب المفروضة قد ازداد في السنوات الأخيرة.

لطالما كان تيار الأدب الفارسي يعتبر مشكلة بين الهجاء والسخرية. الشعر الهزلي يعني التعبير عن الحقائق بلغة تجعل الآخرين يفكرون، الكوميديا ليست سخرية. لا أدري لماذا نحن دائما نمزج بين الفكاهة والنكات. النكات تعتبر غربية كانت لدينا مزحة في الماضي. النكتة تعني النقطة التي تجعل الشخص يفكر. عندما نقول الفكاهة ، إنه نقد المجتمع نفسه.

إذن كيف يمكن للفكاهة أن تدخل قصيدة الحرب؟

دخلت على الفور. انها مثل قصيدة عن شخص لديه مشاركة لست ثوان في الجبهة وله ذكرى لستة أشهر!  في هذه النظرة النقدية ، لا تتم الإساءة إلي أيّ شخص ما.

من وجهة نظركم ما هو الخط الأحمر بالنسبة للشعر؟

في الهجاء. لدينا سلسلة من المبادئ التي صمد و قاوم المقاتلون من أجلها. يجب ألا نتحدى ذلك. نحن غير مسموح لنا بتحدي أهداف الدفاع المقدس. لكن المناطق التي يمكن تجاوزها يمكن تحديها. لكن بوعي ودراية ...اليوم، هناك العديد من الظواهر توجد في مجال الدفاع المقدس حيث يوجد فراغ فيها للنقد والسخريّة.

هل يمكن ذكر مصاديق لذلك.

مثل سلوك مديري اليوم، مجال الاقتصاد، فإن التناقض بين الأفكار الأساسية للحياة يعني كيف نعيش وما كان المقاتلون يناضلون من أجله، حتى روابط و علاقات المقاتلين مع بعضهم البعض.

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 3655



http://oral-history.ir/?page=post&id=7964