رحلة إلى ماضى مع ذكريات أصغر نمازيان

رحلات المواصلات الجوية، في الحرب وبعدها

حاوره: مهدي خانبان بور
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2017-08-10


منذ صغره أحب الطيران وللوصول لهدفه كافح حتى التحق بالقوة الجوية. لكنه لم ينس حلم طفولته. بعد فترة، وافقوا على طلبه للدخول في امتحان الطياريين. وبعد نجاحه في الامتحان والتدريب كان أصغر نمازيان من آخر دفعة ذهبت لاكمال دورات الطياران التدريبية إلى أمريكا. وبعد انتصار الثورة عاد إلى وطنه ليصبح طيارات للنقل في الجيش. في حوارنا مع نمازيان، يتحدث عن ذكرياته البعيدة حتى فترة الحرب المفروضة على إيران والدفاع المقدس.

حدثنا عن نفسك وعن فترة اندفاعك للدخول في دائرة الطيران.

أنا أصغر نمازيان. ولدت في 28 مايو 1950 في كرمان. منذ صغري أحببتُ الطيران. باحة منزل أبي كبيرة، أنام في ليالي الصيف في الباحة، وأراقب الطيارات في سماء كرمان واتبع أضواءها. تمنيتُ أن أطير في يوم ما. كنتُ أرى أحلاما عجيبة، أحلمُ أني أطير.

كان أبي شرطيا. أراد من كل قلبه أن أصبح ضابطا. قبل الثورة، كانت الأعمال الإجتماعية لها مكانتها وحجمها للعوائل. كنتُ رياضيا في شبابي. وفي العام 1970 حصلتُ على الديبلوم.

رافقتُ أبي لطهران للتسجيل في كلية الشرطة. حصلت على أعلى درجة في امتحان الرياضة. كانت مراحل صعبة. مثل السباحة والضغط والركض و... ولكن من حسن الحظ أو سوئه رُفضت. حزن أبي. فقلتُ له: " بالتأكيد ليس هناك قسمة"، ولكن قلتُ لنفسي يجب أن أتجه للطيران. ذهبتُ إلى توظيف القوات الجوية وسجلتُ اسمي في كلية الطيران.

متى كان ذلك؟

في نفس عام 1970. عليك أن تمرّ بمراحل صعبة جدا. ورغم أني نجحتُ فيها كلها، لكن الطبيب حذرني من أعصابي. حين مددتُ يدي أمام الطبيب، بدأت أصابعي بالرجف وهذه مرحلة مهمة للطيران. حاولتُ اجتياز هذه المرحلة ثلاث مرات، ولكن مع الاسف لم أوفق قال الطبيب: أنت لا تناسب الطيران. ولأني كنتُ أحبّ الثياب الزرقاء والطيران، عملت فني. دخلت الكلية الفنية وتخرجتُ منها العام 1972.

وضّح لنا عمل الفني أكثر.

يُطلق على الفني من هذا النوع "همافر". ويقوم بكل عمل يتعلق بالكهربائيات والمكانيكية وأعمال أخرى. وكانت أكثر الدورات التدريبة خارج إيران، لكن دروتنا كانت في إيران. ومع انتهاء دورتي ذهبنا مع اثنين من أصدقائي إلى قاعدة شاهرخي همدان الجوية (حاليا الشهيد نوجه).

هل بدأ عملك من همدان ؟

الشتاءات القديمة، خاصة في همدان، كانت باردة جدا. أخذنا معنا ما نحتاجه أنا وصديقايَ سيروس علي أكبري ومهدي مطهري وركبنا باصا حتى همدان. قدمنا أنفسنا للقاعدة لكنهم أرسلونا إلى المنام. كان الجو باردا لدرجة التصاقنا بالمدفئة إلى الصباح. في الصباح عدنا وبدأنا العمل. كان لديهم طائرات إف 5 التي كان لها دور كبير في الدفاع. بعد عدة أشهر جاء أمر بنقل كل طائرات إف 5 إلى قاعدة تبريز. ونقلوني إلى تلك المدينة.

ماذا حدث في تبريز؟

نقلونا إلى القاعدة الجوية العسكرية الثانية. وهي حاليا باسم الشهيد فكوري. كنتُ وحيدا في تبريز، ولكن بعد فترة تعرفتُ على عائلة وحصيلته الزواج. بعد زواجي، لم أترك حلم الطيران وكنتُ طوال الوقت أرسل رسائل لمقر القوة الجوية. وبتُّ الآن صاحب طفلة.

متى جاءت طفلتكِ للدنيا؟

في العام 1974 تزوجتُ وفي العام 1975 جاءت ابنتي. بعد جهد جهيد حصلتُ على موافقة المشاركة في امتحان الطيار في العام 1976. وحين جاءت الموافقة عارضها قائد القاعدة الجوية وقال نحن بحاجة لك لا يمكننا تركك تذهب إلى طهران. حاولتُ بكل ما استطيع لقاء القائد وحين وجد فيّ حبّ الطيران وافق على ذهابي إلى طهران.

هل تعلم العائلة ببرنامجك؟

حين طرحتُ الموضوع على زوجتي، عارضت بشدة. قالت: أين تريد أن تذهب؟ ماذا نفعل أنا وابنتك؟ تعلم جيدا إذا ذهبتُ إلى طهران للدراسة فعليها إما أن تأتي معي أو البقاء في تبريز بجانب عائلتها. على أية حال أتيتُ إلى طهران. من حسن الحظ هذه المرة نجحتُ. حين عدتُ لتبريز وأخبرتهم بأني نجحت. عاد النقاش مرة اخرى أين أذهب مع طفلتي؟ ورغم الراتب لكنه لا يسمح لك باستئجار بيت في طهران. تحدثتُ مع والد زوجتي، وكان عسكريا أيضا. قال لي: إذهب. سنرعى عائلتك. وذهبتُ.

بعد انهاء الفترة التدريبية هل عدتَ إلى تبريز؟

لا. بعدها بدأت الامتحانات. وصلت لنا مع قرب ارسال دفعة إلى أمريكا. ومدة هذه الدورة عامين. إحترتُ كيف أفاتح عائلتي بالموضوع.

في أيّ عام كانت؟

في العام 1977. لم أكن أعرف كيف أفاتح عائلتي بالموضوع، عارضوا ذهابي لطهران، فكيف سيكون ردهم على رحلة أمريكا؟ حين أخبرتهم، عارضوا بشدة. رحم الله أبي، جاء إلى طهران. كتبتُ عدة صكوك. قلت له: إذهب أنتَ وجدْ حلا لهذه المشكلة. لا أجرأ للعودة إلى تبريز. لا يمكنني العودة.

في النهاية هل قبلت العائلة بذهابك؟

نعم. ولكن بتألم زوجتي وغضبها. ذهبتُ مع زملائي في العام 1977 إلى ولاية تكساس الأمريكية. قبل الثورة، كانت كل الدورات التدريبية للطيران تجرى في أمريكا، وتُكلّف الكثير. وقد كان عقداً بين الحكومة البهلوية وأمريكا. دورة تعلم اللغة 6 أشهر قم دورة الطيران حتى وصلنا إلى التدرب على طائرات تي 37 وحصلنا على رتبة طيار.

هل حصلت بعدها على ترخيص الطيران بالمقاتلة؟

لا. بعد دورة تي 37 عليك انهاء تي 38 ويتمّ إختيار الطياريين من بيننا.

هل رأيت عائلتك في هذه الفترة؟

نعم. ولكن صادفت الدورة مع اشتداد حركة الثورة الإسلامية. كانت مسيرات كبيرة وحصلت زوجتي على جواز السفر بصعوبة لتأتي إلى أمريكا. كنتُ أطير في قاعدة جوية اسمها لافلين في ولاية تكساس، قرب الحدود المكسيكية. أنهيت الدورة، ونظرا لذكاء الطياريين الإيرانيين، يحصد أكثر الكؤوس والميداليات في نهاية الدورة، الإيرانيون. هذه القاعدة خاصة لغير الأمريكيين وهناك طيارون من دول أخرى منها الدول العربية. حصلتُ على عدة جوائز وطبعت صورتي في الصحافة المحلية ونجحتُ. مع نهاية الدورة، انتصرت الثورة في إيران.

هل تذكر أسماء أصدقائك في أمريكا؟

نعم، المرحوم منصور نيكوكار، صادق زنكنه، حسين أبو الحسني، فريدون منافي، إبراهيم دلل خوش حسين تاجيك، هؤلاء من أذكرهم.

بعد انتصار الثورة الاسلامية، كنت ماتزال في أمريكا. ماذا حدث؟ هل اقترحوا عليك البقاء هناك؟

بعد أن أُعلن خبر انتصار الثورة في أمريكا، قالوا الأساتذة الأمريكيين، يمكن لكل مَن يودّ البقاء أن يبقىويمكنه العمل والطيران بأي قاعدة يختارها، وسنوفّر لهم كل ما يحتاجونه. لم أقبل نظرا لوجود زوجتي معي وطفلتي التي بات عمرها ثلاث سنوات. قلتُ يجب أن أعود. كنت أحنّ لوطني. خاصة لأبي وأمي. عدتُ إلى إيران وقدمت نفسي للأركان الجوية.

متى عدتَ لإيران؟

في أواسط 1978، يعني أقل من شهر بعد انتصار الثورة في إيران. استأجرت منزلا. ونقلتُ بيتي من تبريز إلى طهران وبدأت حياتي.

هل بدأت العمل مع القوة الجوية حينها...

أرسلت الاركان الجوية عددا منا إلى كتيبة إف 5 مهرآباد. الطيارون الذين أنهوا الدورات يعملون على نوعين من الطائرات، إف 4 وإف 5. حدثت الثورة والقوة الجوية في حالت تغير. طلبوا منا التريث لتبدأ التدريبات مرة أخرى. كنا ما يقارب ثلاثين شخص دون تكليف. كلنا نحمل رتبة ضابط وننتظر مصيرنا. وكنتُ أحبّ الطياران ولا يمكنني الصبر أكثر. بعد مرور عدة أشهر وفي العام 1979 أعلنوا أنّ من يحب التدريس يمكنه الذهاب إلى قلعه مرغي. بعد الثورة، توقفت ارسال البعثات لأمريكا وباتت الدراسة في إيران. تطوعتُ مع أصدقائي للتدريس. قبلنا 21 شخصا لنقيم دورة تدريبية. لم تكن قاعدة قلعه مرغي فيها الكثير. بيد أنّ الآن كلية الطيران وجامعة الشهيد ستاري فيها الكثير من الامكانيات ولها مكانتها الكبيرة، بدأنا من الصفر. قسمنا الطلاب وبدأنا التدريس.

أين كنتَ في 22 سبتامبر 1980؟

في حدود الساعة الثانية ظهراً وحين كنتُ أعود للمنزل. يقع منزلنا في شارع جمال زادة الشمالي. حدثت ضجة لقد قصف الطيران العراقي مطار مهر آباد. كنت أرتدي ثيابي العسكرية. كان الناس تسألني قلقين ماذا يحدث يا سعادة الضابط؟! ولم أكن على علم بما يحدث. ثم جاءت الأخبار بما حدث. الحقيقة لم نكن مستعدين للمواجهة. ونظرا لأننا نفتقد لرادارات متطورة، كانت هناك نقاط عمياء تمكن العراق من تجاوزه. لذلك تقرر أن نذهب إلى تبريز ونطير بطائرات إف 33 ونحلّق في المناطق العمياء. لو رأينا طائرة عراقية نخبر المركز بسرعة. تمّ إرسالي إلى باكستان مع ستة أشخاص لانهاء دورة الأستاذية. كانت لمدة خمس أشهر.

هل كنت في فترة الدفاع المقدس تدرّس فقط أم تحلق؟

لوجود الحاجة في القوة الجوية، قسموا الطيارين، أرسلوا قسما لطائرات سي 130. قالوا من الناحية العمرية هذه أفضل طائرات مناسبة لنا. الأصغر منا سناً كانوا يحلقون بطائرات إف 5 وإف 4. نال ابعض الشهادة وأسر آخرون. منذ العام 1982 شاركت في أكثر عمليات الدفاع المقدس.

ما هي أكثر مهامك في فترة الدفاع المقدس؟

نقل العتاد والقوات وأخذ الجرحى.

كيف يتم نقل العتاد؟

يمكن لطائرة سي 130 الهبوط فقط في مطارات الاهواز ودزفول وأميدية.

هل يُنقل العتاد من طهران؟

ليس فقط العتاد، ننقل أشياء أخرى. أتذكر في عمليات الفاو، نقلنا الكثير من القوارب من مدينة رشت. لأنّ المهام مائية، نقلنا الكثير من القوراب للأهواز ومن هناك نقلوها بالشاحنات.طائرة سي 130 تكتيكية ومناسبة للمهمات.

هل كانت هناك خطورة أثناء التحليق؟

كثيراً. ولكي لا نقع في نيارن العدو نحلق على مستوى منخفض أو بين الجبال.كانت عند العراق رادارات قوية. أتذكر تقرير جائني عن اقتراب طائرة عراقية مني. انخفضت وغيّرت طريقي. طائرة سي 130 غير دفاعية. رزقت في هذه الفترة بولدي علي رضا، ثم جاء حميد رضا، وهو الآن طيار.

حدثنا عن طيرانك.

أكثر رحلاتنا وهبوطنا دون اضاءة. خوفا من هجوم العدو. كانت فترات حساسة وصعبة.

هل كانت لديك مهمة في عودة الأسرى للوطن؟

نعم. كنا ننقلهم لمدنهم. في إحدى المرات نقلنا أسرى لمدينة كرمان، واخبرت برج المراقبة أننا سنهبط في طريق فرعي لأنّ حجم استقبال الاسرى كبير وقد تقطع حوادث. وفعلنا ذلك. ورغم ذلك هجم الناس لاستقبال الأسرى. الخوف الآن من مراوح طائرة سي 130 الكبيرة فقد تشفط الناس رغم توقف المحركات. لم تتوقف الطائرة كليا رغم ذلك قفزت منها وأعطيت الاوامر لكي لا يقترب أحد من الطائرة وطلبت انزال الاسرى من الباب الخلفي، رغم كل ذلك في لحظة غاب الجميع فرحين مع الأسرى. لا يمكنني نسيان هذه الذكرى أبدا.

قانوياً، لكل طيّار عدد محدد من الساعات للطيران، ولكن حسب ما قلته، لا يرعى هذا القانون...

نعم. لدينا قانون استراحة الطيّار، وساعات رحلاته وخطوط رحلته. على الطيار ألا يحلق أكثر من 14 ساعة. ولكن في زمن الحرب لم يرعَ هذا القانون. قد نحلّق من الصباح حتى المساء، نغير الطائرة ونحلق.

لديك صورة مع قائد الثورة. حدثنا عن هذه الصورة.

أعتزّ أني في العام 1988 كنتُ في زيارة القائد. كان في تلك الفترة رئيسا للجمهورية. في هذه الصورة بعض الأصدقاء الذين رحلوا. كنتُ في هذه الصورة برتبة رائد. كنا برقته ليوم كامل وطلبنا منه التصوير معنا.

هل كنتَ أنت قائد الرحلة؟

نعم. أنا مع المرحوم إسماعيل بور والمرحوم حيراني والشهيد ميرزائي ولا أذكر البقية.

كيف انتهت خدمتك للقوات الجوية؟

بعد الحرب، انشغلت بالتدريس. تقاعدت في العام 2000. اللافت كنت في العام 1978 طيارا في أمريكا وتقاعدت في نفس الشهر من العام 2000. ثم دخلت في شركة ماهان للطيران وعملتُ 15 عاما وتقاعدتُ مرة اخرى في العام 2015. فحسب القانون من يتجاوز ال 65 لا يمكنه الطيران.

وكلمتك الأخيرة...

شكرا على هذه الفرصة لوضع ذكرياتي لجيل لم يسمع عنها. وليعرفوا أننا فقدت في فترة الدفاع المقدس ما يقارب 1300 شخص من أفضل الطياريين. ومازلتُ أحتفظ بثيابي العسكرية بدرجة عقيد لكي أخدم بلدي ما كانت في حاجة لي.

النصّ الفارسي

 



 
عدد الزوار: 3815



http://oral-history.ir/?page=post&id=7242