مع رحيم قميشي، من كسر حصار آبادان حتى أعوام الفقد

"كيف تنطق الشهادتين؟"

سارة رشادي زادة
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-09-08


ولد رحيم قميشي في محافظة خوزستان، ومنذ الأيام الأولى للحرب المفروضة على إيران، قدم نفسه كمتطوع للجبهات. في تاريخ 25 ديسمبر 1986 وفي بداية عمليات كربلاء 4 وقع في الأسر وقضى أربع سنوات فيها. لم يكن لديه ولا من معه أي صورة عن وضع الأسر. إلتقى موقع التاريخ الشفوي به ليحدثنا عن تجربته.

 

  • نرجو بداية أن نتعرف عليك.

رحيم قميشي ولدت في العام 1964 في مدينة الأهواز.

  • ولدت في مدينة دخلت في الحرب منذ بداية العدوان والحرب المفروضة على إيران، حدثنا عن بداية الأيام الأولى للحرب في إيران؟

كنتُ في تلك الفترة في السادسة عشر من عمري وكان من المقرر أن أكمل دراسة الثانوية. كنا نستعد في 1980 للدخول الى المدارس حين بدأت الحرب. في الأيام الأولى لم أكن على علم بعد بمفهوم الحرب، ورغم أننا نعيش في الاهواز وشعرنا بثقل الحرب قبل بقية المدن. كان تصورنا عن الحرب والقذائف والرصاص شبيه بما يحدث في الأفلام القديمة، ونظن أننا لكي نُجرح يجب أن تصيبنا القذيفة أو الرصاصة بصورة مباشرة.

  • قبل بداية الحرب كانت هناك مواجهات في خرمشهر، أنت كساكن في أهواز هل كنت على علم بالتفجيرات والمواجهات؟

كنا على علم بالتحركات في الحدود ولم تكن الأوضاع عادية، ولكن وبسبب عمرنا لم نهتم بهذه القضايا كثيرا. إضافة لذلك هناك فاصلة بين مدينة أهواز وخرمشهر. حين بدأت الحرب لم نكن نستطيع التصديق أنّ الحرب بدأت، بصورة أننا كنا نفكر أنّ الحرب ستنتهي بعد شهر أو شهرين.

  • هل كنتَ في أهواز طوال الثوان أعوام من الحرب الفروضة؟

نعم، بقينا في أهواز، وبالطبع مع تصاعد شدة القصف غادر أهلي الى قرى الاهواز وعادوا بعد 5 أشهر.

  • هل كنت عضو من المتطوعين أو انخرطت ضمن المنظات في الجبهات؟

في بداية الحرب، ذهبنا مع أصدقائي الى مسجد حارتنا وتدربنا على الأسحلة والعتاد وتقرر أن نرسل الى الجبهة، ولكن بعد فترة قليلة أُعلن أنّ سننا القليل لا يسمح لنا بالإلتحاق بالجبهات وعلينا البقاء في المسجد. إضافة لذلك تُحتسب الاهواز منطقة حربية، ويمكن القول أنّ البقاء في المسجد هو نوع ما الدخول في الحرب، لأنّ الجيش العراقي وصل الى منطقة "دب حردان" وهي قريبة من الاهواز. ولكن كانت المرة الأولى التي أحضر فيها للجبهة في كسر حصار آبادان في عمليات ثامن الأئمة(ع).

  • من كان قائد عملياتكم؟

في تلك العمليات لم نكن منظمين بصورة رسمية وأكثر القوات كانت شعبية ومتطوعين. لم ننظم ككتائب وفرق وشاركنا فيالحرب كفرق يتغير أعدادها، ولكن بدأ التنظيم فيما بعد مثل عمليات طريق القدس أي بعد شهرين، بات الأمور أكثر جدية. شاركت في عمليات طريق القدس العام 1981 لفتح بستان وبمشاركة الحرس والجيش، تحت قيادة الشهيد خانجي ونال الشهادة في نفس المهمة. استشهد صديقي أيضا فيها وهنا لمستُ لأول مرة واقعية الحرب.

  • حدثنا أكثر عن عمليات طريق القدس.

 

كنا في عمليات طريق القدس فرقة من 20 شخصا دون أي عتاد متقدم وأكثر الأسلحة تطورا لدينا هي الأر بي جي والكلاشنكوف، وبقية الشباب متوكلين على الله ذهبوا بأيدي خالية وتقدمنا أكثر مما انتظره القادة منا. ووصلنا الى مكان اضطرت الدبابات العراقية للتراجع وأخذت تطلق علنيا النار. هنا انتبهت الى أننا تقدمنا أكثر من اللازم، وذلك مع أسلحة مثل الآر بي جي مقابل 20 دبابة. لم تكن الكثير من طلقاتنا تصيب الهدف.

بدأت القلق يداخلنا وقررنا التراجع، تراجعنا قليلا لنكمن خلف طريق اسفلتي. كان معي صديق اسمه حسين من مسجد الجزائري في الاهواز، وكان يدلنا على الطريق وكيف نواجه لتقل الاضرار. بعد فترة بتنا في مكان آمن، رأيتُه يقدم الخبز لنا وهو بضحك. كنا كلنا جياعا ونلتهم الخبز فرحين، بعد ثلاث دقائق نادوا علينا لكي نغير مكاننا وأن نتراجع أكثر. تراجعتُ خمسين مترا فرأيت شابين جلسا بجانب بعض. تراجعتُ أكثر فرأيتُ حسين يضع رأسه على رجل شاب آخر باسم عظيم أمير دزفولي وكأنهم نائمين. كان حسين يصرخ ويقول: "حسين استيقظ!" ويكرر جملته، في حال أنّ الرصاصة أصابته في جبهته. حتى تلك اللحظة لم أرَ شهيدا عن قرب إقتربتُ لأرى الشهيد كيف هو شكله عن قريب، رأيتُ حسين نام بكل هدوء، ولكن فمه مفوح قليلا وهناك قطعو خبز في فمه. مشهد موت حسين وأنه جائع، كانت لحظة مؤلمة جدا،  ولكن الدبابات وصلت لنا وما زال عظيم في لحظة الصدمة ولا يريد ترك جنازة حسين ويصر على أخذه معنا. في هذه اللحظة اقتربت سيارة إيرانية منا وضعنا جثة حسين بسرعة في الخلف وتراجعنا.

  • في أي عمليات شاركت أيضا؟

شاركت في عمليات الفتح المبين ورمضان والفجر والفجر واحد وخيبر وبدر وفي النهاية في كربلاء 4 وفيها أسرت. وأذكر هذا الأمر أيضا كنتُ في الأشهر 6 ضمن قوات التعبئة وأذهب دائما الى جبهة، ولكن فيما بعد بتُّ من قوات الحرس، لأننا كنا نواجه قلة عدد القوات ولذلك شاركت في أكثر العمليات.

  • وضّح لنا عن سير عمليات كربلاء 4 وكيف أُسرت؟

كنا أعضاء في لواء 7 ولي العصر (عج) وكان قائدنا الحاج إسماعيل فرجواني. وأريد الحديث عنه أكثر،جُرح في عمليا رمضان في رجله وقُطعت يده اليمنى في عمليات بدر. كان فرجواني مصمما على أن يحصل على الدكتوراة في المستقبل، بصورة حين قُطت يده كرر أنه سيحصل على الدكتوراة، ولكن ليس طبيب جراحة، استشهد فرجواني في بداية عمليات كربلاء 4.

كنا ضمن لواء في العمليات، ولكن توقفت دون علم منا وكنا نحارب. في الليل فطنا أنّ هناك قوات تقترب منا ناحية اليسار، حين باتت قريبة منا علما أنهم شدوا قطع على جبهاههم وهم فرحين. مع اقترابهم منا فتحوا النار علينا وتحملنا خسائر كبيرة وتراجعنا حتى نهر أروند. ولكن واجهنا الكثير من الإصابات فقررتُ مع بعض الأصدقاء الوقوف أمام الامتداد العراقي حتى يتراجع الآخرون.

إنتهت طلاقاتنا، وقُبض علينا في نفس اللحظة. كنا ننتظر أن يطلقون علينا النار، أخذونا الى قرب الجدار ليبدأ إطلاق النار علينا، تذكرتُ أنّ عليّ النطق بالشهادة، ولكن من شدة الجوع والضغط أخذتُ أؤذن. ثم تذكرتُ وقلتُ لنفسي: "ما الذي أفعله؟ وهل أريد الصلاة؟" سألتُ من بجانبي: "كيف تنطق الشهادتين؟"  وهو أيضا من شدة جوعه والضغط الحاصل عليه في تلك اللحظة قال: "وما أدراني بالشهادتين، دعني، سوف نصبح شهداء الآن..." في تلك اللحظة بدأ اطلاق النار ووقع شخصان منا. كنا ننتظر الموت  حين علا فجأة صوت ضابط عراقي أن يتوقف اطلاق النار،  لأنه جاء أمر بأسر من يقبض عليه. لم نكن نعلم ما هو الأسر، كنا نعلم أنّ أسوء الحالات هي الشهادة.

  • حتى متى بقيتَ في الأسر؟

أُسرت في العام 1986 حتى العام 1990. كنتُ طوال الأعوام الأربع أحسب مفقودا ولم العراقيون يودون فكّ أسرنا، ولكن في العام 1990 ورغم المصاعب استطعنا الفكاك من الأسر.

  • لماذا لم يطلقوا سراحك؟ هل كنتَ من ضمن الفريق المتشكل من 160 شخصا المعروفين بالمعارضين؟

نعم كنتُ من ضمن الأشخاص الذي صدرت بحقهم أحكاما بين 99 حتى 400 سنة سجن بسبب الاخلال بالأمن وما يشبه ذلك، ولكن لم يصدر بحقنا أحكام نهائية. حين وصل خبر اطلاق سراح الأسرى، تقرر أن يطلق سراحنا أيضا. ركبنا كلنا ثمان الباصات واتجهنا الى الحدود. أعادوا باصين الى العراق، وفيها المشاغبين وقالوا أنّ تبادل الأسرى قد انتهى! بقينا في العراق، ولكن بعد أشهر تمّ التبادل وعدنا الى إيران.

  • ما الإحساس الذي داخلك حين عدتَ الى إيران؟

الغربة صعبة، ولكن حين تعلم أنك وقعت في مكان غريب وحتى أقرب الناس لك لا يعلمون بأنك على قيد الحياة، يصبح الوضع أصعب. حين عدتُ بعد 4 أعوام الى إيران لم يكن أحد على علم بأني على قيد الحياة ولم أكن أعلم بمن بقي من أسرتي وعلمتُ حين عدتُ أنّ أبي توفي بعد أسري بخمس أشهر. 

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 4857



http://oral-history.ir/?page=post&id=6577