حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة/ القسم الخامس

كنت في صباح يوم 30 شهريور في غرفة الرموز و كنت أحاول الاتصال بطهران ..

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-01-16


إنفجرت قنبلة في 5 إبريل 1980، في مراسم تشيع قتلى جامعة المستنصرية، و النتيجة قتل البعض منهم. نسبت الدولة العراقية و الإذاعة و التلفزيون و الحصف هذا العمل للإيرانيين و زعموا أن القنبلة رميت من المدرسة الإيرانية، في حال أن المسافة الفاصلة بين المدرسة و الشارع الذي تقام فيه مراسم التشييع كبرة جدا.بعيدا عن هذا، أرسلنا أمرا أن تعطل المدرسة احتياطا في هذا اليوم و ألا يحضر التلامذة. على أية حال، قامت الشرطة العراقية يوميا بالهجوم على التلامذة و ضرب و شتم المعلمين و القبض عليهم.

مع وصول الخبر، أرسلت السيد فريبور، الملحق الثقافي و المسؤل عن المدارس الإيرانية و هو إنسان شريف و محترم و لكنه لم يعد. أجبرت على أن أذهب أنا بسيارة السفارة التي تحمل رقم واحد التي يقودها علي شجاعي، السائق الكردي و الشجاع متجهين الى المدرسة. في بداية شارع المدرسة كانوا قد أغلقوه بصناديق خشبية و كان الزقاق مملؤ بالشرطة. عبرت السيارة من الحاجز الخشبي دون الاعتناء بالتحذيرات و صراخ الشرطة. ما رأيته لا يصدق. حطم كل شئ أو أخذ و هناك بقع دماء كبيرة على الأرض و الجدران. لم يكن هناك لا معلمين و لا تلامذة. إتضح أن السيد فريبور قبض عليه أيضا. مع الأسف قبضوا على 40 تلميذا أبرياء و أفرج عن بعضهم بعد أشهر. و لكن البقية و بعد أشهر من تبادل الرسائل مع بغداد و وزارة الخارجية في طهران لم نحصل على خبر عنهم.

في نفس الليلة أرسلت رسالة حادة الى وزارة الخارجية العراقية و في الصباح ذهبت الى الوزارة لتقديم الاعتراض و التقيت مسؤل التشريفات و هو المسؤل عن اتصالات مع السفارة. أعلن لي دون أي اعتناء أنه لا يعلم عما حدث و في المقابل، سلمني رسالة مكررا عليّ ادعائهم المتكرر بتدخل الإيرانيين و التابعين لها، و أما الرسالة فتحمل طلب خروج السيد منوجهر بيكدلي خمسه، القنصل، في ظرف 24 ساعة، و هذه ضربة ثقيلة و لا تعوض للسفارة، لأنه بعد تقليل أعضاء السفارة، بقي هذا الدبلوماسي المثقف، المحب لوطنه هو الصديق الوحيد لي و مع رحيله لن يبقى أحد معي حتى لأبوح له ما يجول في قلبي. بالطبع بقي أشخاص يليقون بمكانهم و وفيين مثل العقيد رضا بدره اي و السيد هنجني، مساعد القنصل في كربلاء حتى اليوم الأخير و عانوا الكثير من العذاب و الصعاب، و لكن لا يمكنهم أن يكون لهم دورا سياسيا.

آخر رحلة طهران – بغداد

في يوم 19 فروردين إرتفع صوت هاتف السفارة و قال شخص ما: أستاذ سلام. أنا العقيد فلاني و إذا كنت تذكر فقد درستني قبل عشر سنوات في الكلية العسكرية القانون. أنا المسؤل عن أمن آخر رحلات إيران الى بغداد التي حطت للتو و لن تعود. و لأني سمعت أنك هنا أحببت أن أسأل عنك. قلت: و هل هذه آخر رحلة؟ لدينا الكثير من أجهزة الاتصال، لماذا لم تخبرنا وزارة الخارجية بذلك؟ قال: لا أعرف. قلت: تعال للسفارة الآن. أجاب أنه عليه العودة الى إيران في ظرف ساعتين. و لأني كنت أعلم بمراقبة الاتصالات الهاتفية، قلت له لديك فرصة لزيارة السفارة حتى اصلاح الخلل الفني في الطائرة. فهم العقيد رسالتي أنه عليه تأخير الرحلة و جاء الى السفارة. أخبرته بما نواجه و أكدت عليه أن يأخذ معه ما استطاع من نساء و أطفال و أعضاء السفارة و المعلمين الى طهران. و جمعت زملائي و قلت لهم هذه آخر رحلة الى طهران، كل من يريد الذهاب فليتفضل.

لن أنسى ذلك الإجتماع أبدا. الجميع كان قلقا و حبست الدموع في أعينهم. و لكن و لا واحد منهم كان على استعداد أو أعلن عن عودته. طلبت منهم الاتصال على منازل المعلمين و أن يحضروا مع نسائهم و أطفالهم الى السفارة حاملين حقيبة واحدة. من حسن الحظ استطعت ارسال ما يقارب 140 شخصا على رحلة طهران، و لكن و لقلة المكان بقيت زوجتي و أطفالي و زوجة و أطفال محمد حسن أردوش، السكرتير الثالث في السفارة في بغداد و بعد أشهر و بصعوبات جمة أرسلنا الى الكويت و من هناك الى طهران.

كانوا على علم بالأسرى

منذ النصف الثاني من 1980 قلت اتصالاتنا مع ممثلي بغداد و تحت بث اعلامي ضد إيران، دخلت إيران في حالة الاقصاء سياسي خاصة مع قضية أسر الدبلوماسيين في طهران، كانت السفارة محاصرة و ... و قلة من الدبلوماسين من هو مستعد ليزونا و يتحمل ردة فعل الدولة المضيفة. وحدهم الدبلوماسيون لبضعة دول شرق أوروبا و ممثلين من الدول عدم الانحياز يزورننا بين فترة و أخرى أو يجيبون طلب زيارتنا. أغلقت القنصليات و المدارس الإيرانية في العراق و قبض على الإيرانيين أو من هو من أصول إيرانية و بعد عمليات التعذيب و مصادرة أموالهم يتركون في الصحرى بقرب الحدود الإيرانية. و قد وصل العدد الى عشرات الآلاف، و بالطبع كان يدخل بينهم عملاء استخبارات عراقيين. على أية حال في تلك الاجواء المتضاربة و مع تصاعد الهجمات البرية و الجوية في الحدود باتت أصوات طبول الحرب تسمع، و لا يمكننا فعل شئ. و وزارة الخارجية في طهران مع وزير مثل قطب زاده، كان يواجه وضعا صعبا لا يمكنه فعل شيئ لنا. بعبارة أخرى، أغلقت كل الطرق. ما فعله هذا الرجل لا يوصف من جنون و عدم معرفة بالعمل و أوجد لنا مشاكل بصورة مباشرة أو غير مباشرة و لا يمكنني أن أشرحها هنا.

في تلك الأوضاع، قمت بارسال السيد عبدالحسين بني آدم، الموظف المحلي الى الكاظمين بحجة الزيارة. بعد ساعات عاد بوجه مصفر و سلمني ورقة و قال حين كنت أصلي في الحرم، جلس بجانبي شخص و وضع هذه الورقة في جورابي. كانت صورة لرسالة سرية يطلب فيها من كل أجهزة الدولة العراقية في الحدود أن يقفوا أمام خروج أي موظف من السفارة الإيرانية من نطاق بغداد. قام بايصال الرسالة أحد الشيعة المحبين لإيران لزميلي. أخبرت مباشرة بالتلغرام الموضوع لوزارة الخارجية و لكني أكدت عليهم الى أن يتم تأكيد محتوى الرسالة، لا يقام برد. و كما قلت سابقا، على كل دبلوماسي أو موظف في السفارة أن يحصل على ترخيص من وزارة الخارجية العراقية للذهاب الى المدن العراقية الأخرى. لذلك قمت في صباح اليوم الثاني بارسال جواز سفري مع جواز موظف آخر مرفقا برسالة الى وزارة الخارجية العراقية لأخذ الترخيص. عادة ما يجاب على الرسالة بعد 24 ساعة أو الحد الأقصى 48 ساعة و لكن مرّ إسبوع و لم يصل لنا جواب. و بقيت الرسالة الثانية المرسلة دون جواب و مع المتابعة و الاعتراض، أرسلوا في النهاية جوازت السفر و لكن ليس فقط لم يسمحوا لنا بالخروج، بل قاموا بوضع ثقوب فيها دلالة على انتهاء تاريخها و عدم قيمتها و قاموا بوضع علامات على أختام السفر الى الدول الأخرى. ما زلت احتفظ بهذا الجواز الى الآن. إتضحت القضية الآن. أرسلت تلغرام الى طهران مؤكدا صحة الخبر و يظهر أننا الآن كورقة ضمان لموظفي السفارة العراقية في طهران.  وصل الجواب من طهران بتوقيع المدير السياسي العام: " رأيك مورد اعتمادنا." فقط هذا! بعد أعوام حين عدت الى إيران أظهرت نفسي أني لا أعلم و قال إنه لا يذكر شيئا عن الأمر. بعد ذلك، و نظرا الى الوضع المتقلب كنبت مراسلا وزارة الخارجية كل اسبوع مع الدائرة السياسية الأولى حتى يوضحوا لنا ما سنفعله، و ألا يسمحوا بخروج موظفي السفارة العراقية من إيران.

عدم السماح بخروج موظفي السفارة العراقية من إيران

 

بعد إسبوعين، إلتقيت مع سفير أعتقد سفير بلغاريا. كنا نتحدث حين دخل المتصدي لغرفة الرمز قدوي. غضبت لأنه دخل دون تنسيق. قال لقد وصل تلغرام من طهران. فسألته هل أرسلت مشفرة أو واضحا؟ قال واضحا. لأني كنت اعلم إذا كان الموضوع مهما سوف يرسلون الرسالة مشفرة، قلت له سوف أراها فيما بعد. مرت ساعة حتى غادر السفير و مع اطلاعي على نص الرسالة أطلقت آها ً. المسؤل السياسي الأول و طبق الضوابط، لا يحق له توقيع التلغرام، كتب: " اليوم جاء القائم بأعمال السفارة العراقية لوزارة الخارجية ، و طلب ترخيص الخروج هو و كل أعضاء السفارة العراقية و تمت الموافقة عليها.هذه الرسالة جهة الاعلام." تأخرنا و رأيت إذا لم نسرع قد نفوت الفرصة. و على ذلك، و دون عناية بمراقبة الاتصالات للسفارة، إتصلت على مكتب سكرتير الوزير في طهران. و رغم أني قلت له لدي أمر ضروري وفوري مع الوزير، قال رئيس دائرة السكرتارية و هو كان يعمل مترجما و بعد الثورة بات عضوا من لجنة التطهير و وصل الى الرياسة، قال: لو لديك أمر مهم أرسله عن طريق التلغراف. إتصلت مرة ثانية بوزارة الخارجية. كان المسؤل عن إجابة الاتصالات من القدماء و عرفني. سألت: من من المسؤلين في الوزارة؟ قال: لا أحد. قلت: أعطني أرقام هواتف منازلهم. قال: لا يسمح لي باعطائها. قلت: إذن اتصل أنت بمن تعرفهم من القدماء و أخبرهم أن يتصلوا فورا بالسفارة.

بعد أقل من نصف ساعة رنّ الهاتف. كان خلف الخط المدير العام لأوربا و أمريكا الدكتور حسن اعتصام. قال: أخبرني المسؤل عن الاتصالات أن لديك غرض. قصصته عليه ما حدث. ظن الدكتور اعتصام أني لا أعرف بأمر مراقبة العراقيين للهاتف و على ذلك قال: أرسل بسرعة تلغراما. قلت له: أعرف جيدا أن العراقيين يسمعون الاتصال. أريدهم أن يستمعوا لكي يحددوا مصيرنا. لقد انتهى الأمر. لقد وضعونا تحت الاقامة الجبرية في بغداد و عليك الوقوف أمام خروج موظفي السفارة العراقية من إيران. أجابني الدكتور اعتصام: إطمئن. بعد بضعة ساعات وصل تلغرام من وزارة الخارجية أن أعضاء السفارة العراقية، تمّ ارجاعهم. مرة أخرى بالعناية الإلهية مرّ خطر محدق كبير بنا، و لما عرفنا ما هو مصيرنا لو انقضت ساعة كنا تاخرنا فيها.

سبتامبر 1980 و بداية الحرب المفروضة

 

في ربيع و صيف 1980 تصاعدت المواجهات و الهجمات العراقية على مخافر الشرطة الحدودية الإيرانية و التعدي على المجال الجوي الإيراني. الى جانب هذا، كان يستعد العراقيون للحرب، و هناك الافتراءات التي تحاك ضد إيران. و في الداخل العراقي لم تكن برامج الدولة عبر الصحافة و الإذاعة و التلفاز على مدى اليوم غير أناشيد وطنية و أخبار ملفقة، و بخلاصة بث فكرة كره إيران و خاصة بين الشباب. و كنت في السفارة نشغل انفسنا بارسال رسائل اعتراض لوزارة الخارجية العراقية عن التجاوزات الحدودية، ما أذكره هنا لا يتعلق بحياتي و لا أريد طرح ما قمت به. فالوثائق موجودة في وزارة الخارجية.

كنت في 22 سبتمابر 1980 في غرفة الاتصالات محاولا الاتصال بطهران حين دخل عليّ الملحق العسكري و هو بوجه مصفر و صرخ: لقد أعلنت إذاعة بغداد الآن أنها نشرت جيشها على الحدود و قصفت جويا كل المطارات و الجسور و البنى التحتية الإيرانية. كأن العالم سقط فوق رأسي. بكينا دون إرادة منا. لم أعد قادرا على الوقوف. أخذوني الى غرفة ثانية و حقنوني بمسكن. كانت السفارة محاصرة و لا يسمح لأحد بالخروج. قطعوا خطوط الهاتف و الكهرباء و لم يعد لدينا وسيلة اتصال. كان لدينا مذياع نتباع من خلاله الأخبار ....

يتبع .....

 

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4430



http://oral-history.ir/?page=post&id=6106