حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة/ القسم الثاني

عليك القدوم الى بغداد عندنا

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-01-11


 

مرت سبع أشهر على عملي في دائرة الرموز حين اتصل سكرتير الوزير و قال: " جاء سفير إيران أمير خسرو أفشار في لندن الى طهران و هو موجود الآن في قاعة آينه، أوصل نفسك إليه بسرعة."

يعتبر السيد أفشار من أهم أعضاء وزارة الخارجية و قبل ذهابه الى لندن، كان سفيرا في ألمانيا و فرانسة و قائم مقام وزير الخارجية و هو لا يخضع للدكتور خلعتبري ( وزير الخارجية الأسبق) بل لا يخضع لرئيس الوزراء هويدا لأن الإثنين كان يعملان تحت إدارته.

كانت هناك قصص عن أخلاق و تعامل أفشار و لكني لم أكن قد رأيته حتى ذلك اليوم. كان معروف عنه أنه انسان متكبرا و صعب المراس و حاقدا و بصورة عامة الجميع يذكره بخوف ممزوج باحترام. الذكرى الوحيدة التي أحملها عنه تعود الى سنوات حين كنت في الدائرة السياسية و كتبت نص الخطاب بمناسبة سفر وزير خارجية الهند الى طهران و أرسل هذا النص بعد أخذ موافقة رئيس الدائرة  السياسية و مساعد الوزير، لأخذ الموافقة النهائية الى مكتب السيد أفشار قائم مقام الوزير.

إستشكل على كلمة و كان مخطأ لأن الكلمة صحيحة و أعاد النص لاصلاحه. حين قصصت على الدكتور صدرية الموضوع ضاحكا قال لي: " لا تتحدث عن الموضوع مع أحد آخر و غيّر الكلمة بكلمة أخرى بنفس المعنى، عليك احترام هذه الشخصيات أكثر من هذا."

ذهبت الى قاعة آينه بهذه الخلفية. جلس السيد أفشار خلف مكتب فاخر و وقف بجانب الجدار المساعد الإداري و المالي للوزير الدكتور شابور بهرامي و القنصل في نيوروك محسن كودرزي و رئيس التوظيف ناصر مجد.

بعد أن همس رادا على تحيتي، سألني: " في أي دائرة تعمل؟" رأيت أنه يود توجيه أول ضربة لي. كان يعرف و رغم ذلك سألني. أجبته أني أعمل في دائرة الرموز، سألني: " هل أنت خبير في الرموز؟ " قلت له: " لا أعرف عنها شيئا!" قال : " إطلاقا؟" قلت : " إطلاقا" سألني: " إذن ماذا تعمل هناك؟" أجبته: " أقرأ التلغراف و التقارير و أصلحها." سألني: " هل تحب العمل في الرموز؟" قلت " لا" سألني: " إذن لماذا عملت هناك؟" قلت: " لأن ليس لدي واسطة فقاموا بارسالي الى ذلك المكان." قال: " لا أريد من موظفيني إلا حفظ السر و الوفاء."

حينها سأل: " ما هو تاريخ اليوم؟" قلت: " الخامس عشر" مدّ يده لي معلنا عن نهاية اللقاء و قال: " سوف أراك الإسبوع القادم في لندن، مع السلامة."

فاجئني الموقف أردت الحديث و لكن بإشارة منه لمجد صمت و خرجت. وقفت في الممر حتى جاء السيد مجد. ما إن رآني قال: " لقد ربحت! قدمنا كل المعلومات للسيد أفشار. و تحدث مع أشخاص آخرين و اطلع على ملفك و لذلك هو يعرفك جيدا و أراد فقط رؤيتك عن قريب و قد رآك و أعجب بصراحتك و أناقتك، و أفضل دليل أنه مدّ لك يده، لأن لديه فوبيا و لا يمد لأحد يده."

أجبته: " قبل أشهر حين عرضت عليّ مهمة أتينا قلت لهم أني غير مستعد. و الآن جوابي نفسه، خاصة أني متصدي للرموز و الرسائل السرية، و الآن سأعمل تحت إمرة السيد أفشار و بعد اسبوع واحد." قال: " رفض اقتراح السيد أفشار يعني الانتحار الإداري. لا يملك أي شخص حظ العمل معه عن قرب. سوف يتغير عملك بعد فترة و هذا وعد."

على أية حال أرسلوني الى لندن و حصل ما كنت لا أرغب فيه!

كان حجم العمل كبيرا. على الظاهر كان لدي زميل أتقاسم معه العمل، و لكنه كان تحت ضغط نفسي و أخذ إجازة للعلاج و لا يطلب بديل من المراكز الأخرى.

دقت و وسواس السفير لا تصدق. كل تقرير و تلغرام يصلح و تعاد صياغته عدة مرات قبل ارساله الى طهران.

أذتكر في ليلة، أنني أصلحنا تلغرام إحدى عشر مرة و طبعها رجل إحدى عشر مرة.

و حول التقارير و التلغرام المهمة التي يجب ارسالها الى طهران، كان عليّ قراءتها بصوت عالي للسفير ليرى كيف ستكون النبرة حين يقرأها الوزير للشاه، و كيف يكون وقع الكلمات و الجمل!

لم يعطوني طوال سنة ونص و لو يوم إجازة. حتى في أيام السبت و الأحد حين تغلق السفارة أبوابها، كان علي الحضور فيها صباحا و مساء. حدث أني لم استطع العودة للبيت لمدة 72 ساعة.

كانت المفاوضات و المتابعة لقضايا جزر طنب و أبو موسى تجري في سفارة إيران في لندن و هذا الأمر زاد من الصعوبات. رغم كل ذلك، لم أشتكِ لأن هناك أمور تزيح الصعاب. إعتماد السفير و ثقته و تقديره كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة لي و يظهر هذا التقدير بصورة لا يعرفه إلا المقربين منه.

 

كمثال، إذا أعطى للموظفين عيدية قماش حريرية أو ليرة ذهب، فهديتي علم على مكتبي لأنه و حسب قوله، يجب ألا نعلم هذا اليزدي على الهدايا و المكافئات. أو إذا وقع على ورقة ترفيعك و يسلم الورقة الى الشخص الثاني بعده، يريد أن يريك أنك تختلف عن البقية.

على أي حال هذا الرجل الشريف، كان محبا لوطنه و تحجب خشونته و برودته المحبة و الطيبة التي يحملهما، تعلمنا الكثير منه و عرفت أنا و زملائي قدره حين صادفنا من ينوبه. جاء مكان السيد أمير خسرو أفشار، السيد محمد رضا أمير تيمور و كان في السابق سفيرا في دلهي و موسكو.

كان دبلومسيا مثقفا، صاحب خط جميل و ذوق رفيع و لكنه يحب التمتع و لا يعتني بحديثه و أفعاله و لا يعتني بعمله الأساس. مع وصوله، تغيرت الأجواء في السفارة و فتح المجال للمتملقين. كان السفير يضع توقيعاته تحت بعض التقارير دون قراءتها و أرسل بعض التقارير التي أغضبت رؤسائه. لم تمر فترة حتى طالعتنا الصحف بأخبار غير مناسبة و منها ما صرحت بقضايا مالية متورط بها. كل هذه الامور أدت الى نهاية لا يرغب بها.

في ضيافة عصرية لتوديعه، لم يعد يحمل تلك الأبهة و الجلال. كنا نرى رجلا منكسرا و إضافة الى مشاكله العائلية و غضب رؤسائه و سقوطه، واجه ناكري الفضل من مَن هم محطين به. في تلك الضيف التوديعية لم يحضرها نصف أعضاء السفارة من كان يقبل يده قبل أيام، لأنهم ذهبوا الى استقبال السفير الجديد في المطار. مع سماع خطبته المختزلة و بضعة أبيات قرأها انقبض قلبي فقلت لزوجتي لو كنت مكانه لانتحرت و حدث ذلك له.

في تلك الليلة ذهب الى منزله و انتحر. بعد يومين وجدوا جثته في شقته و الى جانبه وصيته مشبها فيها زملائه و أصدقائه بالكوفيين!

دعونا من ذلك. و لكن من هو السفير الجديد؟ إنسان معتد بنفسه وقع في مكان يعتبر قفزة مداها عشر سنوات، و بات في مكان مثل لندن و هو معادل لرئيس وزراء و وزراء الخارجية حيث كان في مكانه علي سهيلي و حسين علاء و تقي زاده و محسن رئيس و قدس نخعيو ...

الأكثر أذية أنه يضع يده على خصره و يقول: " كل هذه الآلات و الروز رويس و السفارة في سنت جيمز لا تهمني و حضرت فقط من أجل السيد هويدا." الحقيقة أن اجلاس برويز راجي على هذا الكرسي، يعتبر ضربة لقانون وزارة الخارجية و كل الدبلوماسية و فجر قضبا لموظفي السفارة في لندن. من حسن الحظ لم يكن عليّ تحمل أذيته مع البقية لأن مهمتي انتهت و لم يوافق المركز على تمديدها. و طلبت رخصة من جامعة لندن لعام لأني كنت أدرس الماجستير، دون راتب، وتم الموافقة على ثلاث أشهر فقط.

عام و نصف في طهران

بعد العودة الى طهران عملت في سكرتارية وزير الخارجية ثم في الدائرة الفنية الدولية حتى طرحت مهمة الخارجية الثانية. أول مقترح كان من السيد مجد سفير إيران في طوكيو. و لكن على أساس المقررات، كان علي الذهاب بعد مهمة في الدول الغربية المتقدمة الى الشرق. كانت اليابان تعتبر في تلك الفترة متقدمة مثل أوروبا الغربية.

و على هذا و رغم جهود السيد مجد، لم توقع ورقة ارسالي الى طوكيو. المقترح الثاني كان من الدكتور فريدون زند سفير إيران في إسلام آباد. و إن كنت غير راغب بالسفر الى باكستان و لكني لأني سمعت الكثير عن نزاهة الدكتور زند فرد و كان وقع المثل يتردد في أذني " إذهب مع الرئيس الجيد الى جهنم و لا تذهب مع الرئيس السيئ الى الفردوس" قبلت برأيه و أصدر الحكم. و لكن بعد أيام حين كنت نائما في بيتي، إتصل الدكتور صدرية و قال: " عليك القدوم الى بغداد عندنا."

فحدثته بما جرى لي. قال: " قبل خمس أعوام حين كنت في رومانيا، رجحت لندن و لكن هذه المرة لن أقبل منك عذرا و سوف أتابع كل الأمور بنفسي." كنت في تلك الفترة منشغلا بأهم امتحان للوزراة. للارتقاء من موظف ثاني الى أول أن أشارك في امتحانات و حوارات.

أنهيت الامتحان و لكن كانت مرحلة الحوارات صعبة، لا أعرف من سيدير الحوار معي، ما هي أفكارهم و أسئلتهم في أي مجال. و على المستشارين في الدرجة الاولى بعد مضي ثلاث سنوات أن يمروا من نفس هذه المرحلة. كانت الامتحانات الأخيرة في شتاء 1977 الذي أقيمت قبل الثورة في الوزارة و حسب علمي لم تعد مثل هذه الإمتحانات موجودة.

و حول أهمية هذه الحوارات وسط  لجنة التحكيم عليّ أن أذكر أن إدارة الجلسة كانت على عاتق المرحوم نصر الله انتظام و يطرح الأسئلة المرحوم محمود فروغي و لن أفي حقهما في المدح. على أي حال بعد الامتحان، كان الامتحان الحواري جيد و حصلت أنا و صديقي العزيز فريدون مجلسي و السيدة شهناز وخشورفر و اليوم هي بلجيكا، على أفضل درجات. و لأننا نجحنا بهذا المعدل العالي تقرر اعطائنا ترقية عام لكل واحد منها و لم يفعلوا ذلك و أما شهادة التقدير فقد لخصت باحتساء قهوة مع الوزير و لم نتابع الموضوع.

بعد يوم من الحوار، إتصل بي الدكتور عباس نيري و لم أكن أعرفه و لا أعرف أنه كان من لجنة التحكيم و قال أنه ذاهب الى القاهرة كسفير و اقترح أن أذهب هناك. حدثته عن موضوع السيدين صدرية و زندفرد. فأجابني: " أنا سوف أحل القضية معهما حضر نفسك لمصر." على أي حال، نفذ كلام الدكتور صدرية و هنا تصادم سفيران عليّ.

يتبع...

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4063



http://oral-history.ir/?page=post&id=6093