بإمكان التاريخ الشفوي لمنتصف القرن المنصرم أن يخلق نهضة وثورة ثقافية

حاوره: ميثم مهديار
ترجمة: حسين طرفي عليوي

2015-11-20


القضية الهامة التي لاتزال في "الذكرى" معنا هي عودتنا من الحال الراهن إلى الماضي بينما في مفهوم "التاريخ" لابد من جلب الماضي للحال الحاضر. من أبرز الأزمات التي تشمل قراءة الذاكرة وصنعها هي انتقالك من الحال الحاضر إلى الماضي. ويعزز النستالوجيا لديك وهي من علائم النشوة. ربما تحصل هنا النشوة والسرور وحالة الهرب من الوضع الموجود. حالما يجعلك التأريخ أن تفكّر. لتنقل الماضي للحال الحاضر. التاريخ "الشفوي أم المدوّن" هو مؤلم وجوهري. بينما تدويت الذكريات فيها عودة وإلى حد ما تكون ناستالوجية.

 اليوم حين نتحدّث عن التأريخ الشفوي سيظهر ويلمع أمامنا اسم الأستاذ علي رضا كمري. كتاباته ومقالاته وآراءه كانت دائما مدرسة للناشطين في المجالات الثقافية والعلمية على مستوى البلد. وأهم ما يجعله يدقق ويركّز في التاريخ الشفوي حول نقد هذه النشاطات التي تقام من قبل هؤلاء الأشخاص والمؤسسات المدنية وهي تساعد في إثراء المجال العلمي مع أساليب حديثة وقراءت مجدية. كل ما رأينا منه هو ابتعاده عن النظرة الإعلامية الدعائية وإشفاقه واهتمامه بالنسبة للعمل الثقافي لقراءة وبحث الحرب/المقاومة.

ما ورد من مركز العلوم الإجتماعية الإيرانية الإسلامية نقلاً عن مجلة "راه" سنقرأه معاً في اللقاء الذي تمّ معه حول وضع التاريخ الشفوي وعلاقته مع الثورة الإسلامية:

 

  •  كانت هنالك محاولات لتنقيح ومراجعة تاريخ إيران الشفوي المعاصر في السنوات المنصرمة داخل وخارج إيران. بما ان حضرتك في السنوات الاخيرة تعتبر من المهتمين والإخصائيين في هذا المجال كيف تخمّن صيرورة هذه المحاولات؟

 

هناك إهتمام بالتاريخ الشفوي الإيراني وإعتناء كامل، بعد الثورة، لأسبابٍ ما. من أهم وأبرز الأسباب لطرح هذا المصطلح وتداوله كانت الحرب والثورة فكانتا الأرضية الممهّدة الهامة له.  لكن لو وددت التطرّق إلى بدايات هذا المجال لابد لي أن أشير الى لقاء الشهيد "عراقي" في نوفل لوشتاو وقد طبع اللقاء باسم "الأسرار" أو ما لا يُقال. بعدئذ يمكن الإشارة إلى أعمال بي بي سي عن طريق أشرطة مسجلة من لقاءاتها مع الشخصيات الثورية وقد نشرت في الداخل بأشكال مختلفة وتعتبر من البوادر الأولى في هذا المجال.

 

  •   لم يسجّل ويدوّن جانب كبير من تجاربنا التاريخية الموجودة قبل الثورة. ومن الأسباب التي بوسعنا ان نذكرها هي مناهجنا غير التاريخية والقضايا السياسية والثقافية والأزمات التي تورّطنا بها. حاليا اخذت تظهر أهمية التاريخ الشفوي وبدأت بعض المحاولات. على كل حال لم يكن بمقدرونا أن نتطرق إلى كل المواضع التاريخية مع المصادر القليلة التي لدينا، والمواضع هي طويلة وعريضة تبدأ من المؤسسات والبنى الأساسية إلى الأشخاص والشخصيات. إذن كيف ستكون أولياتنا؟

 

باعتقادي لدينا في العقود الخمس المنصرمة الكثير والعديد من القضايا والمجريات الهامة التي يجب الإعتناء بها والحصول عليها عبر اللقاءات التي ترضخ لأسلوب التاريخ الشفوي. وأقول بصراحة بأنه لو تعرّفنا على هذه العقود الخمسة بصورة دقيقة وتمّ إعدادها وتجميعها سوف تحدث نهضة وثورة ثقافية. كان هذا النصف من القرن مفعماً بالمتغيرات الغريبة والعجيبة ولربما هذه العقود تكون موازية مع المنتصفات المنصرمة. في منتصف القرن الماضي قد يواجهكم ما أسمّيه الزمن المضغوط أوضغوطات الزمان. الثورة والحرب والتنمية و...

بوسعنا عبر التاريخ الشفوي أن نحصل على كمية مدهشة ومتنوعة من المعلومات والتجارب التاريخية لتصوّر لنا مثلنا العليا. يمكن للتجارب التي مرّت علينا في منتصف القرن المنصرم أن تقرّر مصيرنا في المستقبل حالما يتمّ تجميعها وتدوينها وقراءتها. هذا العمل بحاجة إلى نظام معرفي منسجم ومؤسسات تعليمية مبتنية على دراسات دقيقة ومبرمجة. بينما المؤسسات التي تعمل حاليا في هذا المجال غير منسجمة بل هي متذبذبة وتعمل بشكل عشوائي. على الجبهة الثقافية الثورية أن تقوم بشيء كمجموعة حرب عصابات "أسلوب السلاح". مركز وثائق الثورة الإسلامية كذلك بطريقة ومركز الدراسات الثقافية والفنية أيضا بطريقة اخرى و... هذه المؤسسات ليست لها علاقة مع الاخرى وهو الامر ليس صحيا. لا أقصد بأنها تتعطّل بل القصد بأن نقوم بعملٍ ما ونحرّك ساكنا سيكون أفضل من السكون.

 

  •  لأنه يمكن ضياع هذه الأشياء مع موت هذه الشخصيات.

 

نعم. وهو كذلك. لدي حول التاريخ الشفوي عبارة وهي: تاريخ حالة الطوارئ. مثلما الآن نتحدّث سوية سوف يرحلون كمرّ الثواني أو كأوراق منتزعة من هذا الكتاب تأخذها الريح معها وتضيّع تجاربهم الثمينة. لقد كتبت قبل سنوات أطروحة للتربية والتعليم. وهي بأن المعلّم يدرّس ثلاثين سنة في المدارس. ولابدّ أن تكون دائرة التربية والتعليم ذكية لدرجة لتقيم إجتماع مع المعلم بعد مرور  28 سنة من تدريسه وتريد منه أن ينقل للأجيال القادمة كل ملكاته ومشاهداته وتجاربه. كرسالة جامعية. وسيكون لدينا تاريخ شفهي لكل لتجارب معلم يدرّس 30 سنة. ولربما تشكّل هذه التجارب ثورة في التربية.

ناهيك بأننا حاليا نمرّ فترة عصيبة عابرة ولتفادي الفجوات الموجودة بين الاجيال لابد من تقريب هذه الأجيال ونحن إضافة إلى تدوين تجارب المعلمين بحاجة إلى حفظ ممتلكات الأجداد والجدات. الحقيقة اخذت بعض المدارس في العالم هذا الأمر بعين الإعتبار والطلاب عليهم أن يجمعوا، كواجب درسي، ذكريات كبار السن في العائلة. وعن طريق هذه التعاليم والإستثمارات تحفظ "الذاكرة التاريخية".

علينا القيام بهذا الامر لتفادي الفجوات والتشتت. لانه لو حصل انفكاك مرة أخرة فعلينا ان نبدأ من جديد وندفع ثمناً باهظا. كثيرا ما قلت بأننا لو كنا نمتلك تجارب حرب إيران مع الروس لكانت طريقتنا في الحرب الإيرانية العراقية مختلفة. لتمكّنا من تلك التجارب كيف ندخل الحرب ومن أين نخرج. وإذا كان الأمر غير هذا لابد من الدوران في نفس المكان ودفع الثمن.

باعتقادي سيكون عنوان الرسائل والدراسات الجامعية والأكاديمية الشاملة هي اكتشاف المسألة واختيار الموضوع المناسب للقراءات التاريخية حول التاريخ الشفوي. وللوصول إلى المفهرس لابد من اكتشاف شجرة المواضيع التاريخية في منتصف القرن الماضي لاستيعاب المفاهيم وتبيين الأولويات...

للأسف مناهجنا الفكرية في الجامعات متأخرة جدا لفهم هذه القضية. إبان الثورة أصيبت فروع العلوم الإجتماعية بحالة ذهول. لانني كنت طالبا في علم الإجتماع آنذاك و قد عشت هذا الفضاء إلى حدّ ما. لايزال التقهقر الذي كان في الجامعة موجودا حاليا ولم يعوّض. حاليا لم نزل ترجمان لتلك المرحلة أم نسير في الطرق التقليدية. باعتقادي هذه نقاط هامة لابد لمؤسسات الثورة ان تأخذها بمحمل الجد. لاشك إذا شوهدت هذه القضايا بواسطة التاريخ الشفوي بشكل جيد و نقحت تجاربنا التاريخية بصورة رائعة ستكون لدينة قفزة نحو الغاية المنشودة، لم تكن الجامعة الحالية مناسبة للوضع الراهن، فإن لم تدوّن التجارب والجامعة تستمر بوضعها الحالي سيكون سيرنا غير طبيعي ويحملنا أعباء هائلة. الآن وصلنا إلى موضع حساس جداً.

باعتقادي لو أردنا ان نأخذ الأمر بجدية اكبر لابد أن تكون معرفة الموضوع والمسألة من ضروريات الشورى العليا للثورة الثقافية. أي يكون اقتراحنا للشورى العليا للثورة الثقافية بأن تبيّن في منتصف القرن الماضي أي قضايا وموضوعات لدينا في المجال العلمي والفني والأدبي وهي بحاجة إلى دراسة لنصل إليها عبر لقاءات التاريخ الشفوي. وعلينا ان ننتبه بأن أهم شيء يجعلنا غير مهتمين بهذه القضايا والمواضيع هو السباحة في حجاب العصرنة والقرب للاحداث والحضور في النصّ. ما إن نبتعد قليلا سيتبيّن لنا ما الذي يحدث. مثلاً ستتبين لنا بصورة جلية جدا دلائل وتداعيات الثورة بوساطة التاريخ الشفوي. كيف ستظهر شخصية لا مثيل لها كشخصية الإمام خميني (ره)؟ كيف ستتطوّر؟ من أي سنة وحدث؟ يقول البعض بأن الثورة لها أصول صدرائية. وفي هذا المجال لدي كلمة أقولها احيانا! وهناك من لم يستمع إليها بدقة وأعتبرها مزحة وهي:  "ستحيى وتتداعى في هذه الحرب كل تاريخ وثقافة إيران" وسوف تتم قراءتها ومراجعتها. في حربنا كان شيخ الإشراق حاضراً. كان ابن سينا؛ وخواجه نصير الدين. عبر القراءات الجدية بوسعنا معرفة ذلك.

سأضرب لك مثالاً آخر. ألم نتحدث كثيرا حول البناء المعماري! يا ترى هل تشاهد في طهران بنايات معمارية؟ لمَ لا يحصل ذلك. أحد اهم الأدلة بأن التجربة المعمارية القديمة لم تدون عندنا بشكل محفوظ موثق. حالياً لدينا الكثير من الأسئلة بلا اجوبة مثلا كيف تمّ بناء جامع الشيخ لطف الله مع ارتفاعه الشاهق ولاتزال بلاطاته عامرة لكن بلاطات الجوامع التي تأسست قبل ثلاثين سنة أخذت تنهار وتنتزع؟ وهنالك المئات من الأسئلة حول البناء المعماري للجوامع. في الأبنية والبيوت وإلى إلخ... إذهب لمدينة يزد وأنظر. حاليا ليس بوسعك الإجابة. لو كانت هذه الأشياء مكتوبة ومدوّنة لعرفنا ماذا نعمل. أريد القول بأن حفظ وتدوين هذه المعلومات لن تسمح لنا بأن نخرج من البيت ذات الأبواب الخمسة وندخل الشقق فجأة.

 

  •  ربما لو أردنا تعريف الثقافة علينا ان نقول بأن الثقافة بناء يحيط المجتمع ويهديها. وهذا البناء هو تجارب الراحلين التي تضيء لنا الطريق. كيف نرتدي الملابس وماذا نأكل وكيف نتحدّث. لكي تتبدل فكرة إلى ثقافة لابد من استمرارها كظاهرة لفترة طويلة حتى تدشن وتتبدّل إلى بنية. وبوسعنا القول من هذه الزاوية بأن التاريخ الشفوي الذي يعتبر تنقيح التجارب سيديم هذه التجارب ويبدّلها إلى ثقافة في نهاية المطاف.

 

هناك ثقافة ثابتة لدينا وثقافة منقطعة أو بعبارة أخرى ثقافة منفصلة وثقافة مستمرة. الإستمرار الذي أشرت له هام جدا. أي في ظل الحداثة التي تسير ستعرف كيف وصلت إلى هذا الموضع ومن أي مكان. هذا امر هام جدا. لهذا نرى المجتمعات المتطورة كانكلترا، المجتمعات اليومية والحديثة المتماشية مع أحدث التقنيات، أنها ملتزمة بتقاليدها وسننها. مثلاً سمعت بأن في لندن والمنعطف الاول لمركز المدينة لا يُسمح لاحد أن يغيّر واجهة بيته. حالما تجدنا ندمّر يوميا حضارتنا وماضينا. البناء المعماري أمر هام جدا جدا. مجرد السير في المدينة سيمنحك فكرة عن ثقافة البلد وإدارتها.

 

  •  لو أردنا ان ننظر بشكل انطلوجي وإخصائي لقضايا المعرفة والعلوم العامة لابدذ من تنقيح هذه التجارب. كما يقول الدكتور كتشويان بأن الثورة الإسلامية كانت إنفتاحا تأريخيا. أي كانت انفتاحاً بعيدا عن المناهج العالمية اليسارية واليمينية الموجودة. هذه النظرة الجديدة تتجلى في نشاط الناس. لو يندثر نظامٌ ويحلّ مكانه نظام لم يتشكل بعد بشكل كامل سيكون للناشطين نشاطات اولية. أي انهم بلا بنى. وهم هنا كل شيء. أي "الوجود" هنا يتربّع على كل شيء. إذن هنا وفي هذه البرهة التي لم يتشكل فيها نظام بشكل كامل نريد أن نعلم بان هذا الوجود من صنعه وبناه. كيف قام بعمله. لهذا يكون التاريخ الشفوي للعقد الاول من الثورة الإسلامية هاما جدا لبناء المثل العليا والأصيلة.

 

نعم. بناءه سيكون فاعلا على حد معرفتي.

 

  • لدينا بعض التجارب. الثورة لم تؤثر في العقول المعرفية بل في العقول العملية كذلك. لدينا عقل عملي وعقل نظري. مثلا في العقل النظري نقول بان ثورتنا كانت صدرائية وقد تتم مناقشة هذه الرؤية ونقدها. ولكن يمكن أن نهتم بالعملي الذي أهمل تماما. لقد ظهر في صيرورة الثورة عقل جديد لا يمكن شرحه عبر النظريات والأفكار القديمة. هذا العقل الجديد هو العقل العملي الذي أظهر نفسه في حياة الناشطين الثوريين اليومية. في الجهاد والحرب والفن والادب. سيساعدنا التأريخ الشفوي لنستخرج هذا العقل العملي.  مثلما جمع فوكو تاريخ الجنون. أراد ان يوضّح كيف تبلور العقل الجديد. يعمل على حدود العقل وحوافه لهذا وصل لظاهرة دار الجنون الحديثة ويصوّر لنا كيف استطاع العقل الغربي أن يبلور لنفسه هوية عبر تعريف مفهوم الجنون. لهذا عن طريق التاريخ الشفوي بإمكاننا ان نكتشف مكانتنا قبل الثورة حيث نميّز أنفسنا به عن العالم. وقد ترتسم مصاديق هذه المحاولة في الفن والادب والنشاطات السياسية والثقافية والإجتماعية.

 

وهو كذلك. صحيح. في الحقيقة التاريخ الشفوي يبحث عن ترسيخ "الوقوف عليّ وعي" وتحقيق "الانا". ما أقصده من "انا" هو أنا الفاهم. أنا العارف. والعارف هنا ليس بمعنى العارف الصوفي بل العالِم. أي بمعنى المدرك والمستوعب والمؤثر واللاعب الدور الأفضل، وهذا ما حصل في الثورة. هذه جملة هامة ومصيرية. بأن نقوم ببعض القيم والمعتقدات ستتبدل إلى أحداث لها ردود وتداعيات. مثلا جهاد البناء بوسعه ان يقوم بثورة على غرار هذه التجارب التي امست معتقدا بشكل ميداني وعملي لمعرفة الذات.

دعني أذكر مثالاً آخر. هل تعلم كم كان عدد نسخ جريدة "مدرسة الإسلام". ما يقارب عشرين أوخمساً وعشرين نسخة. حينما كان عدد سكان إيران ربع ما هو الآن ونسبة الأمية اكثر بكثير مما نحن عليه حالياً. هذه علامة هامة حيث استطاعت هذه التشكلات إيجاد مكانتها شيئا فشئ وتبلور لنفسها هوية. كان والدي بائعا بسيطا في الستينيات والسبعينيات وكان مشاركاً في "مدرسة الإسلام". ولابد من دراسة التيار الذي يتدمّر في عهد رضا خان لكنّه ينبعث وينمو ويتصاعد رويدا رويدا ويتبلور في فترة محمد رضا ويقود ثورة عارمة، هذا الأمر في حد ذاته تجربة غالية ووحده التاريخ الشفوي بوسعه أن يخلّد تبعات هذه الثورة. لم تكن جريدة "مدرسة الإسلام" فحسب بل مطبوعات الجيل الشاب و كراسات "سيمان" وكتب "شريعتي" ومحاضرات فلسفي وكافي و... كلها كانت هامة ومؤثرة. قلما أرى من يهتم ويدرس بدايات جريدة "مدرسة الإسلام" ويدرس تبعاتها وتداعياتها بصورة إجتماعية. باعتقادي هي جديرة بان تُدرس في الرسائل الجامعية. ولابد لمراجعة الشخصيات في السن الخمسين والسبعين. شخصيات كمحمود حكيمي واخوانه و... وقد تكون الهيئات والإجتماعات و جلسات السمر المحلية هامة جدا. كما ان التيارات والمدراس اهم من ذلك.

 

  • بينما تعدّ وتصنّف المواضع التي لابد من مراجعتها لا بأس بأن تلقي نظرة على ما جرى أثناء الثورة وبعدها. ما قام به جهاد البناء من نشاطات ثقافية آنذاك والاعمال الثقافية التي أقيمت في المساجد بعد الثورة كالأناشيد والمسرحيات والآداب ومجالس التأبين ومكتبات المساجد وكذلك فضاءات الحرب وما يحصل خلف الحرب...

 

هذه كلها هامة. وقد أشرت آنفاً. أريد القول بان ما شاهدتموه في الثورة هو أزهار وبراعم تلك الحركات السابقة. أي لو لم تكن تلك التحرّكات لما صارت الثورة. لأن الحرمة مستمرة. مستمرة وعابرة لكننا لانراها. الإتحاد والاخوة والتضحيات لم تتحقق إلا في فضاء فكري ومعنوي وديني. وبوسعي القول بأن هذه الامور من متطلباتنا الإستراتيجية. لاسيما تجارب العقد الأول ....

  •  لماذا العقد الاول ؟

لأنه في العقد الاول تأتي مرحلة الغليان والولادة. وقد نبتعد رويدا رويدا. ندخل مرحلة جهاد البناء ويخيّم علينا الفضاء الإقتصادي التكنوقراطي وتبدأ المواجهات والنزاعات. ويستمر هذا الأمر إلى الآن. حاليا ليس بوسعك ان ترى حركة الناس العفوية التي كانت ابان الثورة. تبدّلت إلى بنى. في السابق كان الكل يعمل ويهتم بشكل تطوعي. لكن حاليا يقال بأن المؤسسة الفلانية عليها ان تقوم بهذا وذاك. هذا التغيير في الرؤية هاما جدا.

  •  حاليا كيف بوسعنا ان ندخل مرحلة العمل على غرار المنهج المعرفي؟ على أي حال الفضاء لم يكن منفتحا ونريد ان نعرف من أين سنبدا ؟

 

 نحتاج إلى دراسات. ومجموعات فاعلة. ونشكل إئتلافا بين الناشطين في العمل الثقافي والذين يعملون بشكل تجربي في مراكز المدن والمؤسسات والمنظمات.

النقطة الهامة التي تبعدنا من التداخل يجب أن نعرف من المؤسسات الاخرى بانها ماذا تعمل. لأن المؤسسات الأخرى تختلف من حيث الرؤية والمواضيع ولربما ستبحثون عن شئ لم يكن في حسبان هذه المؤسسات.

  • ما هو تقييمكم لآخر الأعمال؟

باعتقادي هناك خلط وإشكالية في إيران حول مفهوم الذكريات الشفوية والتاريخ الشفوي. في الحقيقة يمكن تقسيم التاريخ الشفوي إلى جزئين: 1 – الموضوح المحوري 2 – الشخصية المحورية. أصل قضية التاريخ الشفوي يعود للموضوع ولو تطرقوا للشخصية لانها تتعلق بالموضوع. وهذا ما يجعلنا نتابع ونبحث عن الأشخاص للوصول إلى معلومات حول الاحداث.

اغلب ما يحدث من تاريخ شفوي في إيران ، الشخص هو المحور وفي الواقع هي ذكريات شفوية بدلا من أن تكون التاريخ الشفوي. هناك اختلاف كبير ومشتركات عديدة بين التاريخ الشفوي والذكرى الشفوية وتدوينهما.ولو أن كلاهما مبتنيان على عنصر "الذكرى" و "المذكرات الذهنية" لدى الراوي او القائل. كلاهما ينتقلان عبر الكلام. لكن احدهما هاما لانه يتعلق بالتاريخ وهو التاريخ الشفوي. ويكون التاريخ الشغل الشاغل للرواي. لكن سنراجع المستندات والوثائق المكتوبة وغير المكتوبة أو مراجعة الأشخاص الذين خلقوا هذه الاجواء أي الناشطين والفاعلين والسامعين وهناك نقطة هامة بانهم شاهدوا الاحداث أم سمعوا بها فحسب! هل سمعوها عبر وسائط أم بشكل مباشر؟ ولو لم ندرس هذه الأمور بدقة حتى الآن.

إذن حين نتحدّث عن التاريخ الشفوي المؤرخ الشفوي عليه أن يكتسب معلومات حول الاحداث من ثم يبحث تبعات وتداعيات الاحداث. وقضية المؤرخ الشفوي هي قضية التاريخ. لكن نشاهد بانه يراجع الوثائق والمستندات الأساسية بدلا من الشخصيات الحية التي هي عبارة عن وثيقة. أي هم يعتبرون شاهد عيان للحدث. والحقيقة بان الوثائق تنوب عن هذه الشخصيات.

إذن بوسعنا القول بان المعرفة والحدث في التاريخ الشفوي اكثر مباشرة من مراجعة الوثيقة. ولو ان في التاريخ الشفوي ليس القصد عدم مراجعة المؤرخ الوثائق المكتوبة والمصوّرة وعدم استخدامها لكن المسألة الأساسية لابد للقاء مع الأشخاص الذين لديهم علاقة مباشرة وحية والموضوع و علاقات مباشرة وغير مباشرة مع الحدث.

سأطرح بعض النقاط حول هذا الموضع: اولا لا يمكن اعتبار أي حوار ولقاء ومحادثة ضمن التاريخ الشفوي. المؤرخ الشفوي حيث يجري لقاء أو محادثة مع شخص لابد ان يكون إخصائي في التاريخ. لان قضيته هي تاريخية. أي لا بد ان يكون خبيرا في التاريخ.

كم من الاشخاص الذين لديهم أرقام قياسية في هذا المجال لكنهم لايعرفون التاريخ؟ أغلبهم لم يقرؤا التاريخ ولايفهموه. وليس القصد باننا نهمل اعمالهم ولانكترث لها. ستؤخذ بعين الإعتبار في الوقت المناسب لكنها ليست ضمن التاريخ الشفوي. لماذا؟ لان المؤرخ في حواره مع الشخص يريد معرفة القضية وليس التعرف على الشخص. نحن في الذكريات ننتبه للمتحدّث لكن في التاريخ الشفوي وغير الشفوي اهتمامنا للكلام. وهذا اختلاف كبير.

في التاريخ الشفوي يكون المُحاور ناشطاً ويطرح تحدّيات ويعطي طرقا... لان المُحاور يبحث عن الموضوع وليس الشخص. بعبارة اخرى. مؤرخ التاريخ الشفوي يعمل للتاريخ وللموضوع التاريخي الذي يهتم به، في المذكرات نبحث عن ذكريات الشخص لكن في التاريخ الشفوي نبحث عن التساءلات والتحليل والإستدلال والإستيعاب.

على كل هناك اعمال ليس للمذكرات بل لعمل بين هذا وذاك. في المذكرات نحن نسجّل فحسب ونرضخ للأحاسيس ويعطي العمل إنطباعات ادبية سردية.

القضية الهامة التي يمكن الاشارة إليها في المذكرات هي العودة الى الماضي لكن في "التاريخ" نجلب الماضي للحاظر. وهذا ما نشاهده في المذكرات بأنه يرمي الإنسان إلى ماضي بعيد. فيعزز النستالوجيا لدي الإنسان وقد تحصل نشوة عارمة عنده ويودّ أن يهرب من الوضع الراهن ليعود إلى الماضي.

بينما التاريخ يدعوك للتأمّل ويريد منك ان تأتي بالماضي للحال الحاضر. التاريخ (الشفوي أو المكتوب) مؤلم ومحوري. بينما الذكريات هي نستالوجيا وعدوة للماضي. والحقيقة يمكن أن تكون حالات مجتمع وبانه لايريد ان يرى الواقع الراهن وستصبح الذكرى الملجأ لهم. لكن في التاريخ الشفوي قضيتك تكون "الحال الحاضر". أي الإجابة على الوضع الراهن عبر الماضي! هذه البحوث قد طُرحت في مجال التاريخ الحداثوي.

  •  كيف ترى التاريخ الشفوي من حيث النظام المعرفي؟ ما هو حجم الاهتمام بالتاريخ الشفوي؟ وعلينا ان نهتم بالمستندات اكثر ام التاريخ الشفوي؟ أين الاختلاف بين التاريخ الشفوي وتاريخ الوثائق والمذكرات؟ مع الاخذ بعين الإعتبار أزماتنا اليومية.

إنظر، لماذا نلجأ للتاريخ الشفوي؟ لان هذا الطريق يوصلنا إلى النتائج حيث لا يؤدي تاريخ الوثائق وغيره إلى ذلك. فإن عدنا للأشخاص محاورين لهم في الاصل نحن امتلكنا معلومات كمصادر ومنابع حديثة وهذا ما لا يحصل عبر الوثائق والمستندات. أي إذا لديك معلومات ومستندات حول قضية تراها ناقصة سيبدأ التاريخ الشفوي من هذه النقطة للحصول على معلومات إضافية. أي إن التاريخ الشفوي بحاجة إلى دراسات ميدانية مكثفة يمهّدها إلى المتحدّث وللحوار بينما في المذكرات ليست هناك ضرورة لهذا العمل.

إذن في التاريخ الشفوي نحن بحاجة إلى مجرى ومسير جديد للحصول على معلومات وافية. الحقيقة التاريخ الشفوي ليس عملا سهلاً ويرضخ لمقدمات عصيبة وكما اشرت في البداية باننا نخلط بين التاريخ الشفوي والمذكرات.

العلم والحكمة والحرية من ضروريات التاريخ الشفوي لان الموضع لابد ان ينظر إليه من زوايا مختلفة.

أحد أبرز عناصر التاريخ الشفوي بان تُروى الاصوات المخبئة والقضايا الضائعة والتي لا تُسمع. عادة في المذكرات نلجأ للشخصيات الشهيرة لكن في التاريخ الشفوي يتم الإعتناء بالناس المهمشين. لانهم يتمكنون بشكل أفضل ان يروا حياتهم في العزلة وقلما هناك مستندات ووثائق حول الناس المهمشين موجودة وقد ياتي التاريخ الشفوي الداعم لهذه النقطة. مثلا نراجع عمال الابنية الآجرية في يزد لنعرف كيف يصنعون الأطواب ثم كيف يتم تخمير الطين وتقليبها.

  •  بإمكاننا القول أن اليوميات والذكريات قبل التاريخ الشفوي. نحن نقول بان اليوميات هي تعود لاشياء ليست لها وثائق وموجودة في اذهان الاشخاص. نحن نستخدم الذكريات لنكتسب هذا الامر. والمرحلة الآتية هي التاريخ الشفوي وعن طريق الأسئلة الموجودة نحلل الامور. ولربما نحصل على اسئلة جديدة من وراء ذلك.

الذكرى بمعنى "انا هو " المتحدّث. انتم تريدون معرفة "انا هو" بينما نحن نريد في التاريخ الشفوي أن ننظر إلى "انا هو" في المجالات الخارجية. في التاريخ الشفوي نرى الشخص في هيكل المجتمع، بينما في الذكريات نرى الشخص كما هو. لهذا معظم الاشياء التي حصلت في الثورة كالذكريات الحربية كلها تبيّن طموح ورؤية الشخص بالنسبة للعالم. هذه الذكريات لن تقول لنا ما حدث في الحرب لكن ستقول لنا كيف فكّر انسان الحرب. والحقيقة يمكن ان نبني جسرا بين الإثنين. وهذه قضايا تهم سايكولوجية الحرب اكثر، وليس معرفة ما جرى في الحرب من احداث ومجريات. من حيث العمل الثقافي اليوميات والذكريات هامة للدراسات التاريخية الثقافية شريطة بان تكون سليمة. وعادة ما ستتغير وتتبدّل وتنقص وتضاف وهذه كارثة نقولها دائما في حواراتنا بان هذه الاعمال ستقلل من قيمة العمل وتضيع مكانتها عبر هذه التدخلات والمتغيرات.

 

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 3954



http://oral-history.ir/?page=post&id=5938