ما هي أهمية كتابة التاريخ من الأسفل؟

معلمنا الكبير و أصوات الممتعضين

ايرواند ابراهيميان
ترجمة: هادي سالمي

2015-11-18


حين قال إدوارد بالمر تومبسون عن كريستوفر هيل بأنه أكبر من أن يكون استاذاً بكلية أكسفورد القديمة إذ أن تومبسون نفسه ليس مجرد منظّر كبير فحسب. هو من طرح نظرية "التاريخ من الأسفل" (History from below ) في المملكة المتحدة، وتأثيره علي دراسة أحوال الفقراء في الهند واضح للجميع. اما بالنسبة لمجمل نفوذه وتأثيره علي تاريخ الشرق الأوسط فهو أوضح من ذلك. فأن تأليف " صنع الطبقة العاملة الإنجليزية " في 1963 كنفس جديد للحياة في مهب دراسات الشرق الاوسط ، عند ما كان هذا الجانب من الدراسات تحت ضغط مضاعف وإختناق من قبل الإستشراق ونظرية التحديث للحرب الباردة .بعد خيبة الأمل لهذا الفرع من الدراسات كانت هناك حاجة كبيرة لهذا النفس. نفس جديد يركّز علي الوعي الطبقي من الثقافة الشعبية «التحركات» ، « الإقتصاد الاخلاقي» ،«الإحتجاج السياسي» وبالطبع «التفاصيل التجريبية» كانت هذه هي المفاهيم التي يبحث عنها المؤرخون الشباب  في الظلام ، لعلهم يستمدون منها العون في شرحهم للأوضاع والتطورات في الشرق الاوسط .

تومبسون ، بدل الغوص في السياق القديم لسرد سقوط السلالات والأنساب حاول رمي الأسلوب التقليدي السائد أثناء محاولته لإنقاذ الخسائر السابقة فضلاً عن الأجيال المقبلة مبتعداً عن تدوين تفاصيل التاريخ من زاوية السلطات والمؤسسات هابطاً من الأعلي الي الإسفل، وللأعماق الرأي الداخلي للمجتمع. خصوصاً التي عنونت فيما بعد بالطبقات السفلي من الفقراء  بدلاً من أن يجعل  التاريخ غطاء  للنخبة و والطبقة البرجوازية. محاولاً مع التقاليد وصراعات الناس العاديين وبدلاً أن ينظر للسياسة كنزاع بين النخب المتنافسة ، كانت رؤيته من منظار الصراع بين القوي والضعيف وبدلاً أن يضع المجتمع بشكل هرمي وإطار مستدام ومتماسك ، كان يحلّله كحركة ديناميكية مستمرة الذات و مدوّية كما الرعد ، حراك ترافقه مقاومة  وعصيان  وأحداث شهيرة .

كان يعتقد بأن الطبقة ليست بكائن وليست بماكنة ايضاً وإنما هي جسم يتشكّل من أشخاص لا تجمعهم روابط جامدة جداً إنما يتقاسمون مصالح وخبرات إجتماعية وتقاليد و قيم. تومبسون بدلاً من أن يختار بيانات إقتصادية آمنة، سلّط الضوء علي أهمية الإقتصاد الأخلاقي العام وشدّد علي أن الشعب لن يشارك في الإحتجاجات فقط من أجل إرتفاع سعر الخبز ولكنه يحتج بسبب تشويه معني العدالة الإجتماعية. كان تومبسون يكتب كعالم في الأنثروبلوجيا الثقافية، بحيث لا يري المجتمع ثابت بل في قلق وحركة مستمرة. كان حريصا علي شرح كيفية وصول المجتمع من نقطة الف لنقطة ب ، كما قدم السرد التحليلي و وصف متعدد الطبقات بدلاً من تجميع كتابات المستشرقين الخرقاء علي الطريقة الحداثية . غرق في المعلومات والكتب غير المستخرجة بقدر ما تستطيع أن تراه العين وعقول الشخصيات الرئيسية في الرواية له، يشعر ويفكّر ويسأل دون أن يحتاج لصنّاع السياسة في واشنطن ولندن، المدرستين المسيطرتين علي الناتج التاريخي والعلمي، مضحياً بحياته لإحياء الأصوات التي تم مسحها من التاريخ، أصوات المعارضين والمحتجّين، قبل أن ينتقد إدوارد سعيد صنّاع السياسة في واشنطن و لندن بوقت طويل علي أنهم يخدمون السياسيين ،علّم تومبسون مهمة الوقوف في وجه السلطات لجيل الشباب وعلاوة علي ذلك ،علي حد تعبيره ، بأن للثقافة العامة والتدين دورا هاما بين أطراف المجتمع قائلاً بأن الدين كوسيلة للأقوياء والسلطات يمكن أن يكون صوتاً للفقراء ايضاً ، وقد أتّهم تومبسون في دراساته الأوروبية بإزدراء المثوديسم و لكن في دراساته للشرق الأوسط نال الثناء الكثيرعلي إهتمامه  الجدّي للأفكار الدينية وعلي وجه الخصوص منذ الثورة الايرانية في العام 1357 وصعود الإسلام السياسي ، وجدت هذه الافكار أهمية خاصة في أنحاء المنطقة فمدارس الحداثة لا يمكن أن تفسّر هذه الظاهرة لإنها تفترض إن صعود العلمانية أمر محتوم و أوضح المستشرقون وبطبيعة الحال بأن ذلك التمرّد لا مفرّ منه لأن جوهر الإسلام في المملكة العربية السعودية يعود الي الماضي البعيد وبأن الإسلام توقّف في حقبة زمنية بعيدة وغير قادر علي التغيير. ومع ذلك، فإن المؤرخين قد تأثروا بنظريات تومبسون ، في موضوعات راديكالية للإسلام الجديد وسمعوا صوت المعارضين ونداء الطبقة الوسطي و السفلي وسكان المدن الفقيرة علي وجه الخصوص .

تومبسون تجنّب نظرية الإقتصاد الكلّي والتعميم الجارف والتدقيق المجرد وذهب لمجموعة من المؤرخين الذين يزجّون أنفسهم بشغف في الماضي لإستنتاج شريف خال من أي تزوير ليستكشف بيانات تجريبية اخري، إذ لا حاجة هنالك لكتاب سميك مجرد آخر يقوم علي نظريات كلية للطرق الرأسمالية للإنتاج . الرغبة في العثور علي منصة تجريبية للتعامل مع الصراعات الإجتماعية من الماضي وضعت تومبسون في مكانة المؤرخ المثالي ، و المفارقة الغريبة هي إن المفكّرين الغربيّين الذين يعدون أنفسهم من المنظرين الدوليين، أصواتهم لا يلقي لها صدي يذكر في دراسات شرق الأوسط أما تومبسون الذي غالباً ما ينظر اليه بإعتباره مؤرخ إنجليزي معزول ، له جمهور متحمس  لتلك الدراسات والجميل أن نري هذا التأثير في أواخر الستّينات ، وخاصة في إطلاق منتدي MERIP)) وعلي الرغم من أن التركيز الرئيسي من تأسيس هذا المنتدي كان ولا يزال حول القضية الفلسطينية و العديد من المؤرخين للمشروع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، صراحة وضمناً، كانوا قد تأثّروا بكتاب "صنع طبقة العاملة الإنجليزية" لتومبسون . هذا التأثير واضح مع وجود دورات التناوب التاريخية من «التاريخ الإجتماعي» ، الي «التاريخ الثقافي» ومن التاريخ الثقافي الي «السينمائية» و«لغة الخطاب»و « الجنسية» والخطاب البنيوي الي «الإمبراطورية » و«النظم العالمية» لا تزال علي قيد الحياة هذه التغييرات التي يمكن أن تكون فرصة ليعود البعض ويقوم بدراسات غير سياسية حول النخبة والمسؤلين وكبار الشخصيات وحتي الكتب المقدسة، فرصة جديدة للمطالبات القديمة، خصّص مرفق التايمز الأدبي مهمة لإستغلال كل فرصة ممكنة لمهاجمة إدوارد سعيد. نغمة حلوة في آذان خبراء الشرق القديم ولكن اولئك الذين يتأثّرون بإدوارد بالمر تومبسون، يشدّدون علي أهمية كتابة التاريخ من الأسفل الي الإعلي محاولين تطوير وإثراء هذا النهج الذي صنعه المعلم الكبير .

 

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4419



http://oral-history.ir/?page=post&id=5932