الذاكرة الشفاهية

ذكرى حوار

حميد قزويني
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2015-10-18


فتح حوار مع العلماء و مراجع التقليد و تسجيله صوتيا له شروط مغايرة مع بقية الشرائح الإجتماعية. الكثير من علماء الدين، و لعدة أسباب ، يتفادون الحوارات و تسجيلها و من أهم الأسباب الابتعاد عن طرح أسمائهم و تجنب الموضوعات التي تحمل شبهة الغيبة، و أيضا العمل على القضايا العلمية و الدينية لا تتيح لهم فرصة الانشغال بأمور أخرى. و لو حصل و أعربوا عن تمايل للحوار فالجزيائيات لا يودون التطرق لها. لذلك نشطاء حقل التاريخ الشفاهي قليلا ما يذهبون الى هذه الشريحة الإجتماعية و المراجع لكتابة التاريخ المعاصر.

و بما أنني أتابع هذا المشروع منذ عدة سنوات وفقت في هذا الأمر، و خصصت قسما مهما للحوار مع المراجع و العلماء، و نجحت لحضور بعض الجلسات كان فيها بعض العلماء، و بصورة متوالية كسبت تجارب مهمة في هذا المجال و أرجو أن تتاح لي فرصة لعرضها. أشير هنا إشارة صغيرة الى إحدى هذه الجلسات .

أتيحت لي فرصة في يوم من أيام العام 2010 و برفقة زملائي في العمل للقاء المرحوم آية الله الحاج شيخ يحيى أنصاري الشيرازي و لكي نسأله عن ذكرياته في مرحلة شبابه .

كنت أعرف جيدا أن المرض و الضعف الحاصل له قد أتعبه و عليّ ألاّ أتوقع منه الإجابة على كل أسئلتنا أو أن يستقبلنا بحفاوة، بيد أن أي برهة سوف نغتنمها .

و حسب الموعد كانت جهتنا بيت صغير يقع في نهاية زقاق ضيق في إحدى المناطق القديمة في مدينة قم. ما إن دخلنا البيت نزلنا مباشرة الى غرفة بسيطة في الطابق التحتي. كان ينتظرنا شيخ بكامل ثيابه منتصبا في وقفته ينتظرنا .

هو الأكثر شهرة في مجال الفلسفة و العرفان في العقود الأخيرة و اشتهر ب ( شيخ الإشراق ) و ( قدوة المتألهين ) و كان من الفقهاء المجاهدين في سنوات النضال، كان في نهاية التواضع و يظهر أنه يصعب عليه الوقوف و الترحيب بنا فردا فردا، ثم جلس على مقعد في زاوية من الغرفة، و مهما أصررنا عليه أن يتكئ على المخدات ليرتاح لم يقبل.

الحياة البسيطة و الادب الجم للأستاذ رغم تعبه و تقبله لنا جذبنا إليه أكثر من أي شئ آخر.

و بعد أن أوضحنا الأمر الذي جئنا من أجله، طلبنا منه أن يستضيفنا في ذكرياته، طرح آية الله نقاطا و سمعنا بدقة حين نستفسر عن أمر ثم يجيب على قدر استطاعته. كان يذكر كبار الحوزة العلمية و علمائها بكل احترام، و كنت قد سمعت أنه من الشخصيات الإثنى عشر من الأساتذة المعروفين الذين طرحوا مرجعية الإمام الخميني لأول مرة و كانوا يحترمونه كثيرا. و جاء في بعض ذكرياته أن الساواك حين منعه من إرتقاء المنبر في مدينة قم ، رغم مستواه العلمي، كان يذهب في شهري رمضان و محرم الى القرى البعيدة حتى يعرض أفكار الإمام الخميني ضمن خطبه و حركته التحررية و الدينية، و حين جمع الناس له مبلغا من المال و قدموه له أرجعه ‘ليهم و طلب منهم صرفه في أمور الخيرية للقرية.

كان يرى آية الله أنصاري الشيرازي أن الدفاع و طرح اسم الإمام ما هي إلا وظيفة شرعية و انسانية و لا يتوانا أبدا فيه.

في نفس هذا اللقاء حين ذكر الإمام الخميني بكى و تأثر كثيرا و بات الحديث صعب عليه.

و حدث ذلك أيضا عدة مرات مع بعض ذكرياته حين ذكرها و هي اللحظات التي  ذكر فيها الإمام موسى الصدر و خصائصه و إيمانه. كانت دموعه علامة حبه و شوقه لكبار العلماء و سابقيه، و رغم شدة شوقنا الى إكمال سماع ذكرياته و لكن أجبرنا على قطع لقائنا رغم عدم مرور ساعة من اللقاء نظرا للتعب الذي يتحمله و هو يسرد لنا ذكرياته.

لحظة الوداع نهض الأستاذ بصعوبة و شيعنا فباتت ذكراه مملؤة بتواضعه و عطفه.

و الآن و بعد أن رحل آية الله الحاج الشيخ يحيى أنصاري الشيرازي عن الدار الفانية حانت فرصة إجلاله و إجلال تواضعه و حميميته، كان يملك كل الحجج مثل البقية لكي لا يقبل لقاءنا، و لكنه استقبلنا بكل رحابة صدر و تعاون معنا بصورة لا تتصور، و منح أهمية للوقائع و الذكريات بقدر استطاعته، اللهم اجعله قرين رحمتك الواسعة .

 

المصدرالفارسي



 
عدد الزوار: 3943



http://oral-history.ir/?page=post&id=5804