ليالي الذكريات في ليلتها الثامنة والعشرين بعد الثلاثمئة ـ 1

رواية الساعات الأولى من الحرب

إعداد: موقع تاريخ إيران الشفوي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2021-12-23


أقيم برنامج ليالي الذكريات في ليلتها الثامنة والعشرين بعد الثلاثمئة في يوم الخميس الموافق 23 من سبتمبر لعام 2021م مع سرد ذكريات الدفاع المقدس، قدّمه داود صالحي، بجوار قبر الشهداء المجهولين بمركز الفن. شارك فيه كل من الجنرال  جهانغير ابن يمين والجنرال أكبر زماني ذكرياتهما.

بدأ مقدم البرنامج  بالترحم علي أرواح شهداء الدفاع المقدس وشهداء عملية كمان 99، وذكر فيها اللواء منصور ناظريان، وهمايون شوقي، وغفار رامين فر، وغلام حسين عروجي، وبهرامعشقي بور، وعباس اسلامي نيا،، وتورج يوسف، وعليمراد جهان شاه لو. وقال: "فور هجوم العراق المفاجئ على إيران انتقلت مقاتلات من إيران إلى العراق وفي ظروف صعبة، قصفوا طريق طيران مطار البصرة". كانت هذه العملية عملية صعبة ومعقدة للغاية، ويمكن سماع تدفقها والأحداث التي حدثت بعد هذه العملية الكبيرة والناجحة في ذكريات هذا البرنامج. بعد ذلك، دعا المقدم الراوي الأول، الجنرال جهانغير ابن يمين، لمشاركة ذكرياته.

قال الراوي الأول بعد تقديمه التحية لشهداء الحرب المفروضة من الأحرار والمحاربين: سأخبركم اليوم بذكريات عن العملية التي نفذناها من قاعدة بوشهر في 22 سبتمبر 1980. بالنظر إلى أنّ هذه العملية تمت في ظل ظروف معينة، فأنا بحاجة إلى تقديم مقدمة عن حالة القوات الجوية في تلك الأيام للتعرف عليها. كما تعلمون القوات المسلحة ضامن للأمن وفخر لكل دولة. قبل الثورة، وصلنا إلى مستوى من الاستعداد القتالي للأفراد والمعدات لم تجرؤ الدول المجاورة لنا على الأقل على إبداء رأي سيء تجاهنا. بعد الثورة، وحسب الظروف التي تطرأ في أي ثورة، حدث نفس الوضع في إيران، وكان أحد أهداف العدو تقريباً إفراغ القوات المسلحة، وخاصة سلاح الجو، من القوات الكافية. القوة الجوية هي واحدة من أقوى القوات وأكثرها تخصصاً في جميع البلدان. لأنّ هناك الكثير من التدريب والتعليم الذي يرونه ومن الضروري الرد بسرعة كبيرة على العدو أثناء المعركة. لهذا السبب، ومنذ بداية الثورة وحتى الحرب المفروضة والتي استمرت حوالي 19 شهراً، استخدم الأعداء جميع الحيل لأخذ أكبر قدر ممكن من القوة القتالية منا، ولكن بقي الهيكل الرئيسي للجيش والقوات الجوية.

واستطرد الراوي قائلاً: بعد غزو العراق للبلاد ونحو 12 من قواعدنا في سبتمبر 1980 م، تمكنا من الرد بسرعة خلال ساعتين. قد لا يعرف الكثيرون، لكن العملية الأولى التي نفذتها القوات الجوية كانت في 23 من سبتمبر 1980. كنت أعمل طياراً منتظماً في قاعدة بوشهر في ذلك الوقت. كان الصيف حاراً. بوشهر هي أيضا منطقة استوائية حارة. عادة، كانت جميع العائلات في هذه الأيام تعد أطفالها للذهاب إلى المدرسة في 23 من سبتمبر. في القاعدة الواقعة في جنوب بلادنا، عادة ما تذهب عائلات العسكريين إلى بلداتهم ويأتون إلى القاعدة قبل أيام قليلة من افتتاح المدارس. في من 22سبتمبر، كان الطيارون عادة في فرق الطيران معظم الوقت، خاصة في الوقت الذي نسمع فيه أنباء عن أنّ العراق قد أحضر قواته إلى الحدود وربما يتحرك. ولكن بسبب القيود اللوجيستية وقطع غيار الطائرات والعقوبات، لم نتمكن من الطيران كل يوم كما اعتدنا. في الماضي، كان طيارونا يحلقون مرة إلى ثلاث مرات في اليوم، ولكن في ذلك الوقت، وبسبب القيود، كان هناك عدد أقل بكثير من الرحلات الجوية. ربما اعتقد الصداميون، على هذا الأساس، أنّ القوة الجوية، وخاصة في الجيش، ليس لديها القدرة القتالية الكافية للرد.

وتابع الجنرال إبن يمين: على أي حال، في ذلك اليوم، 22 سبتمبر، حوالي الساعة 2 بعد الظهر، تعرضت قاعدتنا و 12 مطاراً في البلاد للهجوم في نفس الوقت. عادة ما يكون أحد الأهداف في بداية أي حرب هو تدمير والأجزاء التي تحرس الطائرة حتى تتمكن من كسب التفوق الجوي على العدو والقدرة على تنفيذ المزيد من العمليات في الأيام التالية. لحسن الحظ، وبسبب التدريبات السيئة التي تلقتها القوات الجوية العراقية، أو مخاوفهم، أو أي شيء آخر، لم ينجحوا في أداء عملية جيدة لا في قاعدتنا ولا في أي من القواعد الأخري. لهذا السبب، ذهب جميع الطيارين إلى مركز القيادة [1] وبعد ساعة، تم إبلاغنا من قبل قائد القاعدة، الرائد الفقيد دادبي، بأننا تلقينا أمراً من مقر قيادة القوات الجوية بضرورة الرد علي الهجمات العراقية. مهاجمة إحدى قواعدهم التي كنا نعلم بوجودها بالفعل. كان جميع الطيارين حاضرين في ذلك اليوم، لكن القرعة وقعت على عاتقي لتنفيذ هذه العملية كقائد لطاقم من أربعة طيارين.

وتابع الراوي: مَن خدم في القواعد يعلمون أنّ الأهالي يعيشون في بيوت تنظيمية قريبة من القواعد، وهذا القصف أثار قلق الجميع. ولأننا كنا جميعاً غاضبون جداً، قررنا الرد بأسرع ما يمكن على العراقيين. بالطبع، في التخطيط العملياتي، نحتاج إلى معرفة تشكيل العدو ومعرفة التكتيكات التي يجب استخدامها، ولكن نظراً لقلة المعلومات المتوفرة لدينا بعد الثورة، حاولنا التخطيط للعملية بناءً على الافتراضات التي نعرفها بالفعل.

وتابع الراوي: مع 8 أصدقاء قررنا تنفيذ العملية بأربع طائرات. لحسن الحظ، كان الجميع حريصين على القيام بذلك. كنا في كتيبة الطيران منذ الصباح ولم نعد إلى منازلنا. لم تتح لنا الفرصة حتى لتوديع عائلاتنا. بالطبع، أخبرني قائدنا الشجاع أنه إذا أراد الشباب الذهاب للوداع، فلا مشكلة، لدينا ربع ساعة ولكن لا أحد على استعداد للذهاب. قال الجميع إنه يجب علينا القيام بهذه المهمة بسرعة وصعدنا الطائرة بحزم وقوة. في الساعة الرابعة عصراً، استعدنا وذهبنا إلى المدرج وحلقنا نحو العراق. كان علينا أن نطير على ارتفاع منخفض لنكون في مأمن من رادارات العدو. لحسن الحظ، لم نواجه أي مشاكل على طول الطريق، لكننا توقعنا حدوث أي طارئ. نظراً لأننا لم نبدأ الحرب، فقد كانوا مستعدين وعرفوا أننا سنردّ عليهم. عندما اقتربنا من حدود آبادان وحاولنا الدخول إلى الأراضي العراقية، رأينا على نظام الرادار أنهم يراقبوننا ويوجهون صواريخهم نحونا على راداراتهم، لكن أيا من هذه العوامل لم تجعلنا نتخذ قراراً آخر أو العودة وترك المهمة. كنا جميعاً مصممون على الرد عليهم. من الناحية التكتيكية، قمنا بمواقف إعداد الذخيرة وأخبرنا أصدقاءنا أنه يجب علينا الاستعداد، وقمنا بزيادة سرعتنا. لقد حلقنا على ارتفاع 30 أو 40 متراً فوق سطح الأرض وربما بسرعات تزيد عن 1000 كيلومتر.

وتابع ابن يمين: في التكتيكات التي استخدمناها، كان علينا تحديد نقطة والتحليق من تلك النقطة إلى الهدف، ثم قصف الأهداف المرجوة. هذا يسمى الإنبثاق. كان علينا أن نواصل من حوالي سبعة أو ثمانية أميال إلى الهدف، قاعدة الشعيبية، التي كانت واحدة من معاقلهم. كان هدفنا هو ضرب المدارج وطائراتهم. رأينا جداراً من النار ورصاصهم ينفجر في الهواء. لقد أعطيت أيضاً توجيهات الرحلة الأخيرة لأصدقائي عبر الراديو، ولحسن الحظ، تمت جميع الاستعدادات لما أردنا القيام به بشكل صحيح. مع أول تحليق قمت بها على مدرج مطار الشعيبية في العراق، أسقطنا جميع القنابل التي كانت معنا ولحسن الحظ أصابت الهدف. كان الأصدقاء الآخرون يطلقون أيضاً صواريخ مضادة للرادارات ولم نواجه أي مشكلة في مهمتنا.

وتابع الراوي: إنها مناورة عندما يقصف الطيارون الهدف علينا أن نطير قريباً جداً من الأرض ونقوم بالمراوغة حتى نتمكن من الهروب من مدفعية العدو. وأثناء المراوغة أصيبت طائرتي بعدة رصاصات. هبطت بحدة وارتفع الكثير من التراب في الجو لدرجة أنّ الأصدقاء خلفي رأوا هذا المشهد واعتقدوا أنني قد سقطت. فعل أصدقاء آخرون الشيء نفسه، ولحسن الحظ وصلنا إلى حدودنا، لكننا لم نكن نعرف مصير الآخرين حتى دخلنا حدودنا. تضررت طائرتي وطائرة صديق آخر، وتقرر إعادة الطائرة إلى القاعدة بأمان قدر الإمكان. واصلنا العمل وأدركنا أننا جميعاً بصحة جيدة وكنا سعداء لأننا قمنا بالمهمة بشكل جيد.

وقال الراوي: في هذه الأثناء جاءت مجموعة أخرى من الطائرات العراقية وقصفت جزيرة خارك. كان دخان أسود أثر علينا. من المحتمل أن نصطدم معهم، لكن لم يكن لدينا ولا لديهم ما يكفي من الوقود. لحسن الحظ، لم نصطدم بهم في تلك اللحظات الحرجة. لأنّ رادارهم قد حذرهم من تغيير المسار. عندما عدنا إلى قاعدتنا، رأينا مدافعنا المضادة للطائرات كانت تطلق النار علينا. كان هذا طبيعياً لأنه كان اليوم الأول للحرب ولم تمر ساعتان منذ الحرب ولم يتم التنسيق بينهما. ظنوا أننا طائرات معادية. بعد عشرين دقيقة من تحليقنا حول المطار، أدركوا أننا من ضمن قواتهم.

وتابع الراوي: طائرتي أصيبت بأضرار بالغة. أخبرنا أحد أصدقائي الذي كان يحلق فوق القاعدة كدورية جوية أنّ الطائرة تضررت بشدة وإذا كان هناك احتمال، فقم بالقفز واترك الطائرة. فيما بعد تشاورت مع شخص كان معي وقد توفاه الله استشهد فيما بعد وقررنا الطيران بقدر ما يستطيع. بعد ذلك قفزنا وقررنا الهبوط على أي حال. عندما حاولنا الاقتراب من المطار، لم تنخفض عجلات الطائرة بسبب تلف الطائرة وتعطل نظامها الهيدروليكي، لذلك قررنا الهبوط بدون عجلات. قلنا للمسؤول عن برج مطار المرحوم غفور أننا سنجلس بدون عجلات.

وتابع الراوي: كنا نطير بطائرة F4 [2] وهذه الطائرة لها خطاف تثبيت [3]، وهو ما يعني حلقة تغلق خلف الطائرة عندما تجلس عليها وتحمل الطائرة. لأنه عندما تُفقد المكونات الهيدروليكية للطائرة، فإنها تصبح مثل سيارة بدون فرامل وتخرج عن السيطرة. نظراً لحقيقة أنّ الظروف لم تكن طبيعية، قيل لنا أنه لا يمكننا إغلاق الخطاف ويجب أن تهبط بشكل طبيعي. في اللحظة الأخيرة عمل النظام الهوائي الذي يعمل بضغط الهواء وفتحت العجلة وهبطنا في المطار، لكن لم يكن لدينا سيطرة على الطائرة. بعد الجلوس، خرجنا من الطائرة  علي طريق ترابي، ثم دخلنا المطار مرة أخرى وتوقفنا. وصل رجال الإطفاء والخدمات إلى الطائرة ونزلنا بسلام واستقبلنا الأصدقاء. لاحظ الطاقم الفني الذي جاء لاستقبالنا أنّ شيئاً ما كان عالقاً تحت جناح الطائرة ولم ألاحظ ذلك، كنت متعباً جداً. رأينا أنّ اشارة ممنوع دخول العراق كانت عالقة في جناح الطائرة! حالما اقتربنا من الأرض، بدأ الأمر كما لو أننا اصطدمنا باللوح وعلقنا في نفس المكان الذي كانت فيه القنبلة التي كنا نحملها.

وفي نهاية حديثه قال الراوي: نحن سعداء بتبديد أفكار الصدّاميين بأنّ جيشنا لم يعد قادراً على القتال. لقد أظهر تاريخنا أننا ربما جُرحنا، لكننا لم نفشل أبداً. بعد ذلك، قدم مقر القوة الجوية تصميم القوس 99. تم أخذ القوس من  (آرش كمان غير)، وكانت 99 صفحة تعليمات الرحلة التي قيل لنا القيام بها. صحيح أنّ أطفالنا لم يذهبوا إلى المدرسة، لكن آبائهم ذهبوا وضحوا واستشهدوا.

وفي نهاية هذه الليلة من ليالي الذكريات، قال المقدم: قرأت في مكان ما أنّ سلاح الجو هو مزيج من الحب والحكمة، ويجب أن يمتلك الطيار كلاهما حتى يتمكن من الدفاع عن وطنه. نشاهد هذه الكلمة اليوم في خضم المشاعر الجميلة للأمير ابن يمين وكلام زوجة الشهيد بابائي، وهي محبة وعقلانية.

----------------------------

[1] حيث يتم تصميم العمليات وإصدار الأوامر.

[2] ماكدونيل دوغلاس إف -4 فانتوم 2، المعروفة شعبيا باسم فانتوم، يفودها طياران  وذات محركين، قاذفة قنابل أسرع من الصوت قادرة على العمل في جميع الظروف الجوية، وتعتبر واحدة من أفضل المقاتلات في القرن العشرين.

[3] Hook

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2017



http://oral-history.ir/?page=post&id=10287