التاريخ الحي: دراسة أربعة عقود من التاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس -4

الخطوة التالية في التاريخ الشفوي

مريم رجبي
ترجمة: حسن حيدري

2019-3-15


خاص موقع تاريخ إيران الشفوي، عُقد الإجتماع الثاني « التاريخ الحي: دراسة أربعة عقود من التاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس» في يوم الثلاثاء الموافق 5 فبرلير لعام 2019م وشارك فيه حجة الإسلام سعيد فخرزاده، حبيب الله إسماعيلي ومرتضي ميردار في صالة قصر شيرين لمتحف الثورة الإسلامية والدفاع المقدس. قرأتم في الجزء السابق من هذا التقرير نصّ حجة الإسلام سعيد فخرزاده وترأس لسنوات مديدة قسم التاريخ الشفوي لمكتب أدب الثورة الإسلامية.

وقال السيد حبيب الله اسماعيلي، الباحث والكاتب في التاريخ:« بعد الثورة الإسلامية، شهدنا ولادة وازدهار التاريخ الشفوي. الكثير من العمل رائع، وأُنجز الكثير من العمل بحيث يمكن ذكره كواحد من إنجازات الثورة، وقد تم بالفعل إنجاز مهمة شاقة للغاية. أريد أن أشرح سبب إثارة موضوع التاريخ الشفهي من منظور عالمي.

لقد حدثت ازدواجية في الموضوع و لأنّ هذا الموضوع يجب أن يستمر، فيجب الإنتباه إليه. هذه الإزدواجية والتي تتجلي في مقولة أنّ التاريخ الشفوي يُعتقد أنه مقابلة، وهذا هو واحد من أسوأ ما حدث في بلدنا. التاريخ مجال مضطهد ومُهمل، والجميع يفكر إذا كان يتحدث عن حدث، يعتبرفعله تاريخياً، وأي شخص يستخدم الكاميرا أو مسجل صوت قام بعمل ضمن التاريخ الشفوي. حيث لم يكن هذا الأمر كذلك. إذا كنا نريد التصنيف في مجال التاريخ، فما هو الأساس الذي نعنيه كشاهد تاريخي، وثيقة تاريخية ونص وخطاب تاريخي؟ وذلك مع ثلاثة مستويات تقريباً، يمكنك مشاهدة ثلاث فترات مختلفة. الفترة الأولي هي الفترة التي يرجع تاريخها أساساً للمؤرخين الرسمين وأولئك الذين يطلق عليهم بالمؤرخين من تلقاء أنفسهم، فهي تبدأ من هيرودوت وصولاً إلي الطبري وإبن أثير. هؤلاء هم المسؤولون رسمياً عن التأريخ. لهذا السبب، في المصادر التي تم إنتاجها من قبلهم، يتم تذكرها بالأحداث التاريخية الهامة المرتبطة عادةً بمجال السياسة والحرب والتحولات الكبيرة، وإذا نظرتم إلى موضوع كل تلك الكتب، لاسيما عن الملوك والشيوخ والسلالات، لقد تحدثت حول حياة الأنبياء وتاريخ الشعوب بشكل خاص.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تم فتح منطقة جديدة في التاريخ، ولا يبدو أنها الإجابة على كل ما حدث في التاريخ. كل ما حدث في التاريخ لا يمكن تسجيله من قبل المؤرخ فقط، بل في أماكن أخرى، يجب أن يحدث هذا، لذا فتحت قضية المستندات والوثائق. في سياق المستند، يتم توجيه الانتباه، وإذا نظرت إلى الحجة الخاصة بهم، فسترى أنّ المستندات نص أكثر تاريخياً. لم يعرف مؤلف الوثيقة أنه ينتج نصًا تاريخيًا، لذا فإنّ نصه أكثر واقعية وأقرب إلى الحقيقة. لهذا السبب يتم إنشاء الأرشيفات في جميع أنحاء العالم في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وفي بلدنا منذ الأربعينيات من القرن الماضي، تم إنشاء الأرشيف والمحفوظات ويطلب من جميع الأجهزة تسليم مستنداتها إليه. يبدو أنه بالنسبة لشخص يرغب في فهم التاريخ، تم فتح منطقة أخرى لذكر المستند المكتوب، بالإضافة إلى نص المؤرخ حيث تعود هذه العملية إلى الخمسينيات، وهي في الواقع الجولة الثالثة من الشهود في التاريخ. يبدو أنّ المعرفة والمعارف التاريخية تكشف عن مجال جديد من الأفضل فيه فهم التاريخ، ولم يتم النظر فيه في هاتين المرحلتين (النص الموثق والوثائق الحكومية). أين هذه الدورة؟ هذه الفترة متعددة التخصصات و تحتوي علي خطاب الناس العاديين وغيرهم. من هنا فصاعداً، نشهد شيئاً يسمى التاريخ الشفهي. لقد قلت بأنّ التاريخ الشفوي لا يمكن رؤيته في التاريخ ولا في المسار التاريخي كذلك.

للأسف اليوم في جميع الأوساط الأكاديمية، يتخيلون التاريخ الشفوي، هي الذكريات نفسها. عندما كنا طلاباً في الجامعة، قيل لنا إنّ الذكريات هي مصدر التاريخ الأقل قيمة وأنها كانت على حق. والسبب في ذلك هو أنّ الشخص الذي يروي الذاكرة يضع نفسه في قلب كل التغييرات ويحول الجميع من حوله. وهذا يعني، إذا كنت تفكر في ذكريات معظم الناس على المستويين العالي والمنخفض، عندما تسرد الذكريات، فتكون بطل القصة و الباقي يقعون في التصنيفات الأخري أو مناهضين للبطل. لا ينتبهون بأنّ التاريخ الشفوي ليس بالضرورة أن يكون الذكريات نفسها. الصعوبة تكمن في أنّ أولئك الذين يعملون على التاريخ الشفوي لا يتأملون ويفكرون في الموضوع.  عندما تتحول الذاكرة إلى سجل يصنعه شخص مطلع. على سبيل المثال، في الأعمال التي يتم نشرها الآن في المجال الفني، يتم تحويل الذكريات إلى تاريخ شفهي. ماذا عرفنا في البداية ما معنى الشفافية؟ لقد قرأنا التاريخ، لكننا قلنا ما هذه الكلمات ومن أين جاءت. ثم اكتشفنا التقنيات التي تم إنشاؤها لصناعة النص. قيل لنا أنه ينبغي اعتبار التاريخ الشفوي كوثيقة، ونحن نقول هذا شيء عجيب وغريب؟ بمجرد اكتشافنا أننا لا نتعامل مع الحقائق في السياق التاريخي، بل أننا نتعامل معها كتفسير تاريخي. نحن أنفسنا الذين عايشنا الثورة، الكل منا قام بإجراء بعض الأفعال المتعلقة به آنذاك. في هذه الأثناء، بانت هذه القضية بشكل واضح وزاد الوعي ونفهم ما يجب القيام به واليوم، وبينما أجلس أمامكم وأقول أنه من أجل فهم التاريخ، كان لدينا مجالان وهما الوثيقة والنص التاريخي، واليوم لدينا مجال جديد أيضاً، وهذا هو أفق جديد. الآن ، دعنا نذهب إلى النقاط التي قالها الحاج (سعيد فخرزاده)، والتي تتعلق بكبارالثورة والمقاتلين وأولئك الذين شاركوا في أجزاء مختلفة من تاريخ الثورة الإسلامية، سواء من ذهبوا أو من بقوا هنا. جيد كل هذا لم يتم تسجيله في أي مكان، ووجدنا أنّ هذا القسم هو ما لا يستطيع القلم القيام به وهو الكلام الذي يفعله.

دون أن ندرك أنّ هناك أسساً جديدة، فقد سلكنا هذا المسار دون وعي وتعلمنا أن نأتي من المقابلة إلى النص التاريخي. قبل أربع إلى خمس سنوات، إذا أراد أيّ شخص إجراء مقابلة ، فسنقبل ذلك ونقف أمامه حيث نستمع إلي اجاباته من البداية إلى نهاية حياته، ولم ننتبه إلى هذه النقطة وهي بدلاً من أين يتحدث ذلك الشخص بإسهاب وبشكل متفرق عن الموضوع، نسأله عن موضوع واحد فقط، يعلم الشخص الدور الذي قام به في ذلك الحقل، ولا نسأله سوى عن نفس ذلك المجال. إذا سألتني ماذا حدث في ذلك العام في الجامعة؟ إذا كنت هناك في ذلك اليوم، فأنا أعرف ماذا حدث هناك، لكن إذا سألتني عن تاريخ التعليم العالي، سأبدأ الحديث وسأذهب من هذا الفرع إلي ذلك الفرع وسأقول كل شيء. نفهم هنا أننا سنتحدث عن أي مجال إذا أردنا ذلك، وفقًا لوعي ذلك الشخص. على سبيل المثال، ذهبوا إلى السيد محمد الصدر وسألوه عن الدبلوماسية، لكن إذا ذهبت للتحدث عن قضايا حدثت طيلة عقد من الزمن، فستراهم يتحدثون منذ الولادة وحتى النهاية ويسألون عن كل شيء من الشخص الذي تمت مقابلته وفي النهاية سينتابه القلق والإضطراب ولن نخرج بنتيجة. لقد أدركنا الآن أنّ خطوة واحدة يجب أن تسير جنبًا إلى جنب والتحدث عن حدث فقط. ليست هناك حاجة لموضوع واحد لمقابلة نريد القيام بها على الإطلاق. عندما يصبح حدثاً لموضوعنا، قمت أولاً وقبل كل شيء بإجراء تحقيق خاص في هذا الحدث، وقد أكملت أسئلتي تماماً وتوصلت إلى قضية ما وقد أعرض سؤالاً علي خمسة أشخاص بخصوص هذا الموضوع. يمكننا اختيار مؤسسة واحدة كموضوع للمقابلة.

إنّ عمل التاريخ الشفوي ليس مجموعة بيانات، بل هو بحث، ويجب معالجته بشكل علمي ودقيق، وهذا ما حققناه مع مرور الوقت. عندما نحوّل الكلام إلى نص، نلزمه بالبقاء على قيد الحياة، وعندما نحكم عليه بالبقاء على قيد الحياة، إذا مر جيل من خلاله، فإنهم يعتقدون أن هذا صحيح. الآن علينا أن نمضي خطوة أخرى إلى الأمام، وإذا كنا نرغب في الذهاب إلى الناشطين حتى الآن، نود الذهاب إلى الأحداث والمؤسسات. لقد حان الوقت الآن لاتخاذ الخطوة التالية في السجل الشفهي وهذه الخطوة مكملة للإجراءات السابقة. اليوم، الحقيقة هي أنّ الصورة تتغلب على الكلمة. إنّ عالم الصور هو المهيمن في العالم ، وإذا كنت أرغب في أخذ هذه الحقيقة من قاعدة عمل التاريخ الشفوي، يجب أن أكون مؤرخاً للانتقال من عالم الكلمة إلى عالم التصوير. أي إذا أردت إنتاج عمل تاريخي شفهي، أود إنتاج فيلم وثائقي ونشر هذا الفيلم الوثائقي في العالم الافتراضي بشكل متسلسل يمثل نصاً علمياً وأن يحترم جميع مبادئ عمل علم التأريخ. السرد والتوثيق والتحدث والإعداد هو عمل نهائي وكامل.

لقد أجرينا تجربة غير المكتملة ؛ وقلنا إنه إذا أجرى شخص ما مقابلة في عام 1986م حول موضوع وفي عامي 1996م و 2006م سألوا الشخص نفسه عن هذا الموضوع وكان حديثه مختلفاً في جميع الأوقات الثلاث. دعونا نقابل هؤلاء الجهات، ودون إصدار أي حكم مسبق، دعنا نقول أنك فعلت هذا منذ خمس سنوات أو قبل عشر سنوات. إنه لا يأتي من مئات الساعات من المقابلات أو عشرة الآف ساعة من المقابلات وعلينا أن نمضي خطوة أخرى إلى الأمام. المقابلة ليست تاريخاً شفهياً بل أنها  تقنية العمل. التاريخ الشفوي يحول ذاكرة الفرد إلى نص موثّق حيث يجب أن نلاحظ أنه تمت إضافة حقل جديد لهذا الحقل المعرفي، وعلينا اتباع افتراضات ومبادئ هذا العلم، مثل كل العلوم، ولا يمكننا القول أننا اخترعنا عجلة جديدة. سواء أكنت تنظر إلى نص هرودوت، أو في نص البيهقي، يقول إنني أخبرك بهذه الرواية، أو أخبرني شخص ما بذلك، اليوم نحن نفعل نفس الشيء. هذا هو المكان الذي يزداد فيه عملنا صعوبة. إذا ذهبنا إلى صغار المصممين ولكن فعلوا شيئاً أساسياً، فهذا أفضل بكثير ».

التاريخ الحي: دراسة أربعة عقود للتاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس -1:ازدهار التاريخ الشفهي في إيران

التاريخ الحي: دراسة أربعة عقود للتاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس -2: التاريخ الشفوي هو التاريخ نفس.

التاريخ الحي: دراسة أربعة عقود للتاريخ الشفوي للثورة الإسلامية والدفاع المقدس -3:لماذا تطرح قضية التاريخ الشفوي؟

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2608


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة