مع ذكريات إيرج شيري

الإغاثيون الذين ذهبوا من آبادان إلي خرمشهر

فائزة ساساني خواه
ترجمة: حسن حيدري

2019-8-22


جمعية الهلال الأحمر هي واحدة من المنظمات العاملة في الخدمة العامة بعد الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. كانت واحدة من أوقات المشاركة النشطة للقوات التطوعية الشابة في هذه المنظمة،هي خلال السنوات الثماني للحرب المفروضة وفي ساحات القتال. إيرج شيري هو أحد شباب تلك الحقبة الذين دخلوا جمعية الهلال الأحمر بعد انتصار الثورة الإسلامية. ولد عام 1959م في مدينة مسجد سليمان، وهاجر إلى آبادان مع عائلته عام 1971م بسبب عمل والده كموظف في شركة النفط. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، كانت حريصاً على الذهاب إلى الخارج لمواصلة مشواره الدراسي، وخاصة في أمريكا، لكنه تخلي عن دراسته بسبب إندلاع الثورة الإسلامية والظروف الهشة في البلاد. بعد انتصار الثورة الإسلامية بدأ نشاطه الثقافي في مكتب الدعاية للإمام الخميني، والذي أطلق عليه فيما بعد "مكتب الدعاية الإسلامية في حوزة قم العلمية". يعد شراء الكتب الدينية، بما في ذلك كتب الشهيد مطهري علي نفقته الشخصية، ومن قم وطهران وبيعها في آبادان أحد الأعمال التي قام بها. بعد فترة من الوقت مع عدد من الشباب في المدينة، ذهب إلى جمعية الهلال الأحمر للعمل في مجال الإغاثة وبدأ التطوع بعد التدريب في مستشفى الشهيد بهشتي، المعروف باسم مستشفى (شير وخورشيد) قبل الثورة حيث كان أطبائه من باكستان. بعد فترة وجيزة من بدء الحرب المفروضة، ذهب السيد شيري وغيرهم من الشباب المتطوع إلى خطوط الحرب في خرمشهر ليعالجون الجرحى. التقي به مراسل موقع تاريخ إيران الشفوي للحديث عن عمله خلال الحرب.

ما هي أنشطتك الأولى في جمعية الهلال الأحمر بعد إندلاع الحرب؟

بادئ ذي بدء، يجب أن أقول أنه قبل بداية الحرب بشكل رسمي، كانت النزاعات الحدودية قد بدأت. لذلك كنا نعمل في جمعية الهلال الأحمر كقوة إغاثة منذ تاريخ  10 سبتمبر 1980م حيث ذهبنا من آبادان إلى حدود الشلامجة ومحيطها في خرمشهر. في الواقع، قد بدأت أنشطة الجبهة بالفعل منذ ذلك الحين.

ما هي مهمتك كعامل إغاثة؟

في المرحلة الأولى، كنا ننقل الجرحى من القوات القتالية أو الشعبية إلى المستشفى. خلال هذه الرحلات، رأينا المدن الحدودية وهي تنزح إلى خرمشهر بسبب الإشتباكات. لذلك ذهبنا لتوطين أهالي القرى الحدودية وإنشاء وحدة الإسعافات الأولية للأشخاص الذين مستهم الحرب. استوطننا عدداً منهم في فندق كان يُطلق عليه سابقًا "فندق جلب السياح"، والذي يقع في الجزء الرئيسي من المدينة، بجوار النهر وفي مستشفى خرمشهر لإسكان النازحين إثر الحرب. في الواقع، كان هناك معسكرللهلال الأحمر بجانب موظفي الإغاثة. ذهب آخرون إلى منازل أقاربهم يعيشون في خرمشهر أو آبادان. كان منزلنا في آبادان قد استضاف أيضاً إحدى هذه العائلات النازحة لبعض الوقت. قدم الهلال الأحمر الطعام مثل البطاطا والبصل إلى عدد من المقيمين في الفندق. اشتدت الإشتباكات وامتدت الحرب في النهاية إلى داخل مدينة خرمشهر عبر الحدود وازداد عدد المهاجرين. تم إجلاء الساكنين في الفندق وفي مستشفي خرمشهر، حتى أنّ البعض هاجر إلى ماهشهر وأماكن أخرى.

 

هل تم إرسال قوات من جمعية الهلال الأحمر في آبادان إلى خرمشهر، أم تم تقسيم القوات بين خرمشهر وآبادان، حيث تعرضت آبادان للهجوم من قبل القوة الجوية العراقية مثل ما هوجمت خرمشهر؟

في ذلك الوقت، لم يكن الوضع في آبادان سيئاً مثل خرمشهر. لكن حدث أيضاً شن غارات جوية من قبلهم،  خاصة في الليل عندما أطلق البعثيون قذائف الهاون. كنا علي أكثر التقديرات خمس مجموعات، كانت هناك خمس مجموعات أو ثلاث، كل مجموعة تتكون من عشرة إلى خمسة عشر شخصاً. كانت المرافق والإمكانيات المتاحة للعمل التنفيذي شحيحة جدا. حيث في بعض الأحيان لم يكن لدينا حتى سيارة إسعاف. لنفترض أننا اعتدنا الذهاب في الصباح حتى وقت متأخر من بعد الظهر، إذا كان هذا هو الحال، فإنّ أصدقاء آخرين يستخدمون هذه السيارات لقضاء أعمالهم. عندما وصلنا إلى الحدود لم يكن لدينا سيارات إسعاف، استخدمنا سيارات إسعاف تابعة لشركة النفط. نسق الهلال الأحمر مع شركة النفط وكنا نستخدم سيارات الإسعاف الخاصة بهم. في وقت النزاع في خرمشهر، كنا نستخدام شاحنة صغيرة،  باستثناء سيارة جيب سيمورغ التابعة لسلطة القضاء في آبادان وكانت غير صالحة للعمل حيث قمنا بتصليحها. بالإضافة إلى ذلك كانت بعض وحدات سيارات شيفروليه الأمريكية القديمة، ما تسمى استيشن شيفروليه. لقد تمكنوا بطريقة ما من إخراجها من العراقيين قبل اقتحامهم الجمارك. أعطى القائم مقام هذه لجمعية الهلال الأحمر. تمت إزالة مقاعدها الخلفية واستخدامها كسيارات إسعاف. ولأننا لم يكن لدينا نقالة، قمنا بنشر فراش على السيارات ووضعنا الجرحى عليها.

كنا نأخذ السيارات إلى بعض مناطق خرمشهر وننشرها هناك. بالطبع، في الصباح كنا نقوم بعملية استطلاع، ومن ثم نبادر بتوزيعها. لنفترض أنّ مجموعة كانت تذهب إلى مركز الشرطة ومجموعة أخري تقوم بتغطية طريق السكك الحديدية والجمرك التي كانت في قلب نزاع خطير مع القوات العراقية. ذهبنا إلى الجمارك مرتين أو ثلاث مرات. انتقلت مجموعتنا الأخرى إلى الجسر الجديد واستقرت في منازلهم، أو في بعض الأحيان إلى الخلف قليلاً، في حي طالقاني. كانت ضراوة الإشتباكات شديدة جداً، لاسيما في الليل تزداد بشكل كبير. كان العراقيون يأتون ليلاً حيث تنسحب قواتنا من ذلك المكان. خلال النهار كان العراقيون يعلمون أي نقطة ينبغي استهدافها. لاسيما مركز الشرطة الذي تعرض لهجمات عنيفة وتكبدنا خسائر فادحة.

لماذا مركز شرطة الطرق، هل لأنه لا يوجد منزل أو مبنى ولا مكان للاختباء؟

نعم. كما ترى، أنّ مركز شرطة الطرق، هو منفذ الخروج من خرمشهر نحو الأهواز. كانت أجزاء من الجسر الجديد المؤدي إلى طريق الشرطة مفتوحة على مصراعيه. كانت الشرطة على الجانب الأيمن من الطريق اليسار، وكان جدار من الطابوق يبلغ ارتفاعه حوالي 100 متر أو مائتي متر. وكانت القوات محاصرة وراء ذلك. كان الجدار محصورا. رأينا أول جرحى قد أصيبوا بشدة وراء الجدار. في أحد الهجمات التي قام بها العراقيون على متن الدبابات، أصابت رصاصة أحد أجزاء ذلك الجدار وضربته وتعرض عدد من القوات لإصابات خطيرة خلفه حيث كانوا علي أهبة الإستعداد للدفاع عن المدينة. عندما ذهبنا إلى مركز شرطة الطرق، استشهد 9 أشخاص. الدبابات ويبدو أيضا أنها قريبة جداً، وقوات العدو قد تقدمت إلي الأمام. لم يكن هناك من الناحية العملية مخرج ولا يمكننا فعل شيء. أخذنا شرشف أو شرشفين وجمعنا أشلاء الشهداء الذين سقطوا علي الأرض. حيث قمنا بجمع الأشلاء المتناثرة علي الأرض من أيدي وأرجل و... ووضعناها داخل الشرشرف. هنا نكتشف ما إذا كانت رصاصة تنفجر أو رصاصات أطلقت من العدو ونقول إنها رصاصة أم هاون، ماذا لو انفجرت في ذلك المكان؟ أو ماذا لو أطلقت رصاصة آر بي جي ؟! لقد شعرنا تواً  بتدمير الأسلحة ومدي قدرتها أيضاً.

في بداية الحرب كانت معظم القوات شعبية. كان لدى عدد صغير من الجنود أسلحة جي 3 والباقي كان يمتلك أسلحة  ام واحد أو برنو أو لا يمتلك أسلحة. لم نعرف حتى استخدام البنادق. لأنه لم يكن لدينا تدريب. الأسلحة الثقيلة في ذلك الوقت كانت نادرة جدا، إذا جاز لي القول، أو ما رأيته هو: لم أشاهد الدبابة على الإطلاق، لقد رأينا شاحبتين أو جيبين من طراز 106 الأمريكية قادمة من آبادان إلى خرمشهر وقذيفة هاون فقط.

هل غطيت الإغاثة الخاصة بكم جميع المصابين في مدينة خرمشهر أو قراها، هل كان من المفترض أن يتم نقلهم إلى المستشفى؟

كنا نقوم بالاسعافات الأولية من أجل نقل المصابين إلى المستشفى. على سبيل المثال، نوقف بسرعة النزيف في سيارة الإسعاف نفسها وحقن الأمصال. أول مستشفى كنا ننقل المصابين إليه هو مستشفى طالقاني. قبل انتصار الثورة الإسلامية، كان اسمه آرين. كما قمنا بتسليم الشهداء إلى مكان كان اسمه موطة مهر حيث تودع جثامين الشهداء هناك. لم نكن أكثر من ثلاث أو أربع مجموعات. إذا أصيبت قوة نقوم بنقله علي متن سيارة ونعيده إلي الخلف. عندما يرونا، يقولون علي سبيل المثال أنهم قالوا إن هناك أربعة أشخاص أصيبوا في ذلك الجزء من المدينة لم نتمكن من إحضارهم، إذا أمكنكم الذهاب إلي هناك ونقلهم إلي الخلف. نحن كنا نري أيضاً شدة وضراوة الإشتبكات في بعض الأمكان وارتفاع الدخان، حيث نذهب هناك ونقوم بتضميد ومعالجة الجرحي أو نجمعهم في مكان.

هل لديك أي ذكريات عن الجرحى الذين شاهدتهم هناك؟

الجريح الأول الذي رأيته، لقد أتوا به من الحدود. تعرض لإصابة خطيرة في إحدي الكلي. عندما سئلت أحد الأصدقاء:"ماذا حدث له؟" قال: "أصيب بشظايا قذيفة هاون" قلت له: "عجباً، فهذه هي القذائف التي يتحدثون عنها!" رأيت بأمّ عينيّ ماذا تفعل قذائف الهاون بجسد الإنسان. أو علي سبيل المثال، في إحدي المرات كنا متجهين نحو الشلمجة. حينها لقد جاءت القوات العراقية وهم يطلقون الرصاص مباشرة بالدبابات. في الطريق، رأيت إحدى قذائف الدبابات ساقطة على الأرض على الطريق الترابي. قلت لصديقي، السيد قاضي شرف، الذي كان يقود سيارته، "قف يا علي رضى هنا من فضلك!" ذهبت ولعبت قليلاً بالقذيفة ودحرجتها بقدمي إلي الأمام. قال لي صديقي: "هل جننت أنت؟ هذه مقذوفة. ربما تنفجر في أي لحظة. تعال سريعاً إلي هنا!" مرة أخري عدت إلي سيارة الإسعاف وذهبنا نحو الشلمجة.

ألم تشعر بالإستياء عندما شاهدت في أول مرة الشهداء أم الجرحى؟ أو لم تشعر في داخلك ما هذا العمل الذي انهمكت فيه، كان بإمكاني أن أعمل في مجالات أخري، لماذا أتيت نحو الشهداء والجرحي؟

لا. لقد شاركنا عملياً في هذه الحالات منذ ثورة 1979م. كنا نذهب إلى المستشفيات لفترة قصيرة ورأيت الدم والتقرحات وكانت شائعة جداً. في المرة الأولى التي رأيت فيها جريحاً في المستشفى، شعرت بضعف قليلاً، لكن لم يكن لدي أي خوف من تلك المشاهد. خلال الحرب، لم نشعر بالخوف حقاً من الذهاب ولم نكن نخاف من الموت. حتى ذهبنا إلى الجمارك مرة وشعرت أنني سمعت صوتاً يأتي من، لكنني لم أفهم ما كان عليه. أخبرني صديقي السيد أحمد كدايي قائلاً: "مرّت من القرب منك رصاصة مشعة!" قلت له: "نعم رأيت شيئاً مرّ من أمامي، هل كانت رصاصة!؟" قال: "نعم كانت رصاصة، رأيتها مرّت من قرب رأسك". رغم أننا كنا صغاراً وقد رأينا العديد من الجرحى والشهداء، إلا أننا لم نخف. أتذكر ذات يوم، على بعد عشرة أمتار وخمس عشرة متراً من مسجد خرمشهر، سقطت قذيفتان أو ثلاث قذائف هاون أو أي شيء آخر، وفي تلك اللحظة سقط عدد من الناس على الأرض. كنا هناك وكانت سيارة الإسعاف لدينا سيارة سيمورغ .  لم يكن لدينا نقالة، كل ما لدينا شرشف في السيارة. حتى نضع المزيد من المصابين في سيارة الإسعاف، قمنا بإزالة الإطار الإضافي الموجود في الجزء الخلفي من السيارة ووضعنا المصابين هناك. ربما لدينا ستة أو سبعة أشخاص في السيارة. استشهد شخص أو شخصان ووضعناهم على أرضية سيارة الإسعاف. من ثم قلت لصديقي عليرضا: "انطلق إلي الأمام". جلست في القسم الخلفي من السيارة حيث كان معنا أحد الأصدقاء ولم يتمكن من الركوب معنا داخل السيارة وبقي في خرمشهر. انطلق سائق السيارة. أتذكر ملامح أحد الذين كان معنا داخل السيارة. كان وسيماً جداً. شعره أشقر وعيناه زرقاء. كان يكبرني بسنتين. أي عمره 21 عاماً. عندما أغلقت باب السيارة، جعلته يستند علي باب السيارة. رأيت الشاب يسقط ثانية، لكن عيونه مفتوحة. قلت له: "هل يمكنك أن تستلق داخل السيارة، لا يوجد مكان، نحن الآن في طريقنا إلي المستشفي  وتماسك ". رأيته يسقط ثانية، هذه المرة استيقنت أنه أصبح شهيداً وقمت بإغلاق عينيه المفتوحتين.

في مجموعات الإغاثة القادمة من آبادان إلى خرمشهر، هل كانت السيدات معكم أم فقط الرجال؟

لم تكن لدينا سيدات في خرمشهر من جمعية هلال الأحمر بآبادان . لكن في هلال خرمشهر  كانت هناك نساء يجمعن ويوزعن المساعدات الإنسانية في مسجد الجامع، ويوفرن الإغاثة وبيدهن البنادق أيضاً.

هل كنت تذهب إلى خرمشهر قبل سقوطها؟

نعم. كان لدي دائماً حقيبة تحمل على الظهر أمام عيني فقط عدد من اللوازم الخاصة وكان لدي دائماً قنبلتان. كانت تلك الحقيبة لا تبعد عني علي الإطلاق.

لماذا تحمل القنابل اليدوية؟

لأنني لا أمتلك أسلحة أخري، لاستخدامه عندما يكون الموقف حاداً جداً ذات مرة، عندما التقطت حقيبة الظهر، رأيت الرصاصة أصابتها ومزقتها. لقد دمرت الحقيبة. قلت لأصدقائي: "رحمنا الله وإلا إذا أصابت الرصاصة القنبلتين، لإنفجرتا داخل الحقيبة".

هل تتذكر أي شيء عن سقوط خرمشهر؟

في اليوم الأخير الذي سقطت فيه خرمشهر كان اليوم الذي قررت فيه الذهاب إلى مسجد سليمان لأتفقد  والديّ اللذين ذهبا من آبادان إلي هناك. لم أكن في اليوم الأخير، لكن اليوم السابق للاشتباكات أصبح واضحاً أنّ المدينة كانت تسقط. لقد حقق البعثيون تقدماً كبيراً. لقد أصبح الوضع بشكل حيث كنا نعلم أنّ القوات العراقية تريد قصف هذا المكان لقد كان الأمر كذلك. أي عندما نذهب في الصباح، كنا نشعر بأنه لربما يتم قصف هذه المنطقة أو تلك.

في الأيام الأخيرة كنا نذهب إلى خرمشهر ونعود ثانية، كنا نعبر النهر نحو مسجد الجامع. لأنّ الطريق الأوسط لم يعد آمناً. بجانب الجسر كانت هناك كلية تسمى كلية الخليج الفارسي. كان هناك طريق ترابي بين الكلية والجسر وهناك منعطف، حيث توجهنا إلى أسفل الطريق الترابي وأسفل الجسر إلى الطريق الساحلي ومن هناك إلى مسجد الجامع. في نهاية اليوم قررت زيارة والديّ والعودة ثانية. قلت لصديقي، علي رضا قاضي شريف، "أنا لن آت معكم، لكن اصطحب معك بهمن قاسمي وشخص آخر. قبل التوجه إلى مسجد الجامع، يشعرون أنّ الاشتباكات قد اشتدت مقارنة باليوم السابق وأنّ خرمشهر غير آمنة. يذهبون إلى المسجد ويقومون بعملهم. أثناء عودتهم حملوا معهم في السيارة عدد من المصابين وخرجوا من المدينة. عندما كانوا يتجهون نحوالجسر، قام البعثيون بإستهدافهم من جانب مبني القائم مقامية. أصيبت السيارة بعدة رصاصات من الخلف والأمام. كما انغرست رصاصة في القرب من جبين السيد قاضي شريف حيث بقي لفترة في حالة غيبوبة. توقفت السيارة عن العمل. لقد انحني صديقنا السيد قاسمي وصديقنا الآخر السيد كيماسي نحو كرسي السيارة. لأنّ السيد كيماسي كان جالساً إلي جانب الباب الذي أصيب بعدة رصاصات. لكن السيد قاسمي، كان جالساً في الوسط، ولم يتعرض للإصابة. كان يجلس وراء عجلة القيادة بدلا من السائق. يدير السيارة مرة أخرى ويتوجه إلى المستشفى.

 

 

هل كان لديكم أي نشاط بعد سقوط خرمشهر؟

نعم. ومع ذلك، بعد أيام قليلة من سقوط خرمشهر، كانت القوات العراقية تنوي الإستيلاء علي  ذو الفقاري للعبور نحو آبادان وإحتلالها  مثل خرمشهر، بمقاومة قواتنا، لم تنجح، لذلك في تلك الأيام كنا نغطّي تلك المنطقة، كما دافعنا عن آبادان نفسها. ذهبنا أيضا إلى جبهات الفياضية. بعد سقوط خرمشهر، غطينا أيضاً القوي البحرية في خرمشهر وكوت الشيخ إلى جسر خرمشهر، والذي كان في أيدي قواتنا. القوات المساعدة جاءت أيضا. لقد أصبح الأهالي علي علم بالموضوع تماماً. أعطى البعض سياراته مثل سيارة جيب الغزلان التي استخدمناها كسيارة إسعاف. على سبيل المثال، من وزارة الصحة في طهران، أرسلوا سيارات نيسان باترول وشاحنات صغيرة. بالطبع، كان من الصعب على سائقيهم التعامل مع ظروف الحرب وغادروا فوراً. لكن الناس كانوا يأتون على أي حال ويساهمون، ويقدمون  السيارات الأخرى كهدايا أو طلبنا منهم أن يقدموها لنا. كانت الجيب أكثر السيارات إسعافاً من معظم السيارات الأخري، حتى بعد أربعة أو خمسة أشهر أرسلت وزارة الصحة عددا من دوريات نيسان، ولكن ليس كسيارة إسعاف ولكن كخدمة للإسعاف. لكن المعدات كانت هي نفسها وفقيرة للغاية. لاسيما الآليات الطبية.

قمنا بتقسيم القوات الجديدة في حي بريم عبادان وكلفنا قائدا لإدارتهم. توسعت منشأة الإصلاح لدينا مع زيادة سيارات الإسعاف كان هناك عدد من الجنود لدعمنا، مع الإمدادات الغذائية والإغاثية. إذ لا أحد كان يزودنا، كان علينا تزويد الأجزاء بأنفسنا. في بعض الأحيان قد نحصل على مساعدة من جهاد البناء والحرس الثوري، لكن لديهم شؤونهم الخاصة. في تلك المرحلة، لم يكن لدى الحرس الثوري  أي قوة إغاثية تذكر، وإذا كان الأمر كذلك، فقد كانت قليلة جداً. كان الجيش علي هذا المنوال أيضاً. كان لديهم سيارة إسعاف واحدة أو اثنتين فقط، لكن عدد سيارات الإسعاف في مقرنا زادت بشكل كبير. وعلى هذا النحو، كان لدينا 150 سيارة إسعاف باستثناء سيارات الإسعاف الأخري. انتقلت جمعية هلال الأحمر إلى حضانة الصم لفترة من الوقت، لكننا غيرنا الموقع مرة أخرى واستخدمنا ذلك المكان كمتجر لإصلاح السيارات. ثم ، بناءً على اقتراح الأصدقاء، ولأنني تعرفت علي العديد من مناطق الحرب، أصبحت مسؤولاً عن تقسيم القوات وتفقدهم. كنا نقسم القوات التي ستأتي ونقسم سيارات الإسعاف التابعة لنا، ثم كقوة إغاثة على الجبهة، سنكون متواجدين في المنطقة. كنا نذهب من خرمشهر إلى آبادان وبقينا كقوة مساعدة أينما نشعر أنّ هناك حاجة أو صراع محتدم. أخي كامران، الذي أصبح شهيدًا، كان على جبهة الفياضية.

 

هل كان من بين القوات التطوعية للهلال الأحمر؟

نعم. كل هؤلاء كانوا يعرفون باسم قوات الباسيج، وقد أرسلتهم إلى جبهة الفياضية. كان عدد مواقعنا مرتفعاً للغاية ولم نتمكن من استبدال جميع مواقعنا أو قواتنا في يوم واحد. هذا على سبيل المثال، أي خلال الأسبوع قد نقوم بزيارة كل موقع مرتين فقط. ثم كان هناك الكثير من الوقت الذي نقضيه في تلك المناطق. كان الذهاب والإياب يستغرق منّا وقتاً طويلاً. إحدى الذكريات التي أتذكرها هي أننا ذهبنا إلى تلال التعدين على جانب آبادان. أرادت القوات، التي كانت تحت أمرة الشهيد سيد مجتبى هاشمي وخبير حرب الشوارع، القيام بعملية. قيل لنا كان هناك صراع دائر بين القوات. كنا هناك في الليلة السابقة للعملية. في نهاية المطاف، ذهب المقاتلون للمشاركة في الإشتبكات ، لكنه لم يحدث شئ. عدنا إلى المقر مرة أخرى، حيث شعرنا بحاجة للقوات الإغاثية، عدنا، لكن هذه المرة كان معي طبيبان. أحدهم هو الدكتور نصر الذي كان من إصفهان، والآخر هو الدكتور قاسمي، الذي أعتقد أنه جاء من كجساران أو بالقرب منها. كان الدكتور نصر طبيباً متدينا ونشطا. ذهبنا إلى تلال التعدين وبقي حتى الظهر. الشهيد الهاشمي نفسه جاء ايضاً معنا. كانت هناك نيران شديدة ، لكن لم يتم القيام بأي عملية عدوانية. خلال العودة، كنت أقود سيارة جيب. قبل الوصول إلي الطريق الترابي، الذي كان ينحصر من جانب بنهر بهمنشير ومن جهة أخري بالجبهة، ومن جهة أخري بآبادان و نحو تلال التعدين من جهة ثانية، كانت قوات خراسان تتواجد في تلك المنطقة. كان قائدهم العقيد كهتري. في الطريق، رأينا جريحين يسقطان على الأرض. نزلنا بسرعة. رأيت الدكتور نصر يذهب بسرعة كبيرة ووضع الحذاء في سيارة الإسعاف. قلت له : "دكتور، لماذا أحضرت هذا الحذاء؟! اعتني بالجرحى! "قال لي: "إيرج، قدم أحدهم داخل هذا البصطال!" ، نظرت ورأيت أنه على صواب، عندما ذهبت إلى الشخص المصاب، رأيت ساقه قد قطعت وشخصاً آخر قد استشهد. وضعناهما في سيارة الإسعاف. جلس الدكتور نصر والدكتور قاسمي في القسم الخلفي للسيارة. السيد القاضي شريف كان سريعا في الجلوس بالأمام. قال أحد هؤلاء السادة، والذي أعتقد أنه كان الدكتور قاسمي، أنّ هذا الشخص حي ويتنفس. بدأ الطبيبان بفحصه. قالا: "سقطت قذيفة هاون خلفه وقسمت رئتيه" قلت: "كل الأشياء المناسبة موجودة في حقيبتي، افتحها واستخدمها". قالوا: " أحضرنا إلى جانب العقيد كهتري "اتصلوا بالجرحى وأخبروني، "كما يمكنك أن تقودوا سيارتكم بشكل أسرع". كنا في مرمي نيران العدو، وتحركنا بسرعة كبيرة وذهبنا إلى مستشفى طالقاني، لحسن الحظ وصلنا وبدأ الجريح بالتحدث وقال إن إسمه كامران.

 

تقول عن خرمشهر أنّ مركز شرطة الطرق كانت من بين أسوأ مناطق الصراع وكانت في متناول العدو. أين رأيت أكثر المصابين في آبادان؟

في آبادان هناك مناطق مثل بريم وبوارده، كانت أكثر عرضة لنيران العدو العراقي. في إحدي الليالي تعرضت منطقة بريم إلي قصف شديد  من جانب الشط أو من خرمشهر. ذهبنا حينها إلي هناك ونقلنا جثامين كثيرة من الشهداء نحو المشرحة.

هذه القضية، هل كانت بعد سقوط خرمشهر؟

كلا، كانت قبل سقوط خرمشهر. بينما كنت أقوم بالتقاط صور للقسم الثقافي التابع للحرس الثوري، ذهبت إلى المشرحة في الصباح. عندما فتحت الباب، رأيت ما يقارب 400 شهيدا من مختلف أنحاء عبادان. كانوا يستهدفون مناطق مثل ذوالفقاري الشريط الحدودي والأماكن التي يشعرون بتواجد قواتنا فيها. على سبيل المثال، وقبل سقوط خرمشهر، كانت مصافي النفط قد تعرضت للقصف وأُحرقت الدبابات. في اليوم الذي قصفوا فيه الدبابات، ذهبنا إلى أروندكنار. كانت هناك عيادة وفيها طبيب هندي وكان لا يزال متواجداً في المنطقة. كما كانت قوات الدرك مستقرة هناك. لقد استقرينا في ذلك المستوصف ولديهم سيارة 106 ذهبنا علي متنها. حتى اقتربنا من الفاو. كان القتال قد بدأ لتوه، واكتشفت أنه الفاو وفي النهاية كان هناك عدد من الإصابات. كنا متمركزين لمدة يومين أو ثلاثة أيام. في اليوم الذي عدنا فيه ضربوا المصفاة وكانت الدبابات تحترق في النار.  في ذلك الوقت التقطت صوراً من الحرائق المشتعلة.  كانت لدي كاميرا داخل الحقيبة التي كان فيها قنبلتان.

هل لاتزال تحتفظ بالصور أم قمت بتسليمها؟

لدي النكاتيو، لأنني سلمت بعض الصور إلى الحرس الثوري، أو إذا كان هناك معرض، كنت أسلم لهم الصور وأسلمها ولن يعيدونها ثانية.

هل شاركت في عملية ثامن الأئمة، أي تحرير مدينة آبادان في عام 1981م؟

كلا. لم أكن في وقت تحرير آبادان. لماذا لم أكن؟ لأنّ أخي كامران استشهد في تلك السنة. أخذناه إلى مسجد سليمان لتشييع جثمانه. كان من الصعب جداً على والدتي أن تتحمل تلك المعاناة ولم يسمحوا لي بالذهاب إلي الجبهة. بعد حوالي ستة أو سبعة أشهر من الإقامة معهم والحصول على بعض الراحة، جئت إلى طهران وشكلنا وحدة الإغاثة هناك.

 

ما هو عملك في طهران؟

ذهب عدد من الأصدقاء الذين كانوا في آبادان، بمن فيهم السيد صلحشور والسيد مهربان، إلى طهران بناءً على اقتراح الشهيد شيرمحمدي. في أعقاب التغييرات التي أُجريت على جمعية هلال الأحمر، وتحت رعاية السيد صلحشور، وبمساعدة العديد من الأصدقاء، شكلوا مقراً لإغاثة كل جبهات البلاد. وانضممت إليهم. كنا خمسة أو ستة من الأصدقاء في آبادان والذين شكلوا وحدة الإغاثة لكل جبهات البلاد. كنت مسؤولا عن العلاقات العامة. كنا نستقطب ونقسم القوات.

هل كانت هذه القوات تبعث من طهران إلي الجبهات؟

كلا. يتم إرسالهم من جميع أنحاء البلاد. وهذا يعني أنه يمكننا تجنيد قوات من أي مكان، ثم تقسيمهم إلى مناطق حرب مختلفة. كنا نحاول تعليمهم. من بين الأماكن التي استطعنا التواصل فيها بشكل جيد وتدريب القوات في مجال المعونة الطبية، كان مستشفى الإمام الخميني (رحمه الله) في نهاية شارع كشاورز. كما كنت أذهب ليلاً إلي هناك. كنا شباباً وكانت لدينا الكثير من الطاقة. كنت في وحدة الإغاثة في الخطوط الأمامية من الصباح حتى الظهر، وأقضي ما يقرب من ثلاث إلى أربع ساعات في كل ليلة هناك وأقوم بتدريب القوات. سجلنا أيضا العديد من الأخوات في مناطق الحرب. بدون استثناء، نقسّم القوات إلى جميع المناطق الحدودية في مناطق الحرب، من الجنوب إلى غرب البلاد وحيثما دعت الحاجة. تم إرسال جميع النساء اللائي تم تدريبهن إلى المستشفيات في مناطق الحرب، وخاصة في كردستان. حتى أننا كنا نقدم المساعدة للجيش والحرس الثوري. كانت لديهم قوة إغاثية أيضاً، لكننا قسمنا قواتنا و أعطيناهم من حصتنا. مهمتنا التالية كانت في الهلال الأحمر بطهران، وكانت العملية اللوجستية أكثر إكتمالاً. كان هناك أيضا الكثير من المساعدات من قبل الناس. تحسنت ظروف سيارات الإسعاف. لقد شكلنا مقراً في كل جزء من منطقة الحرب، وفي آبادان كان المقر السابق أكثر اكتمالاً. أينما كان لدينا مقر، كانت لدينا أيضا قوات إغاثية في الخطوط الأمامية. في الأهواز، على سبيل المثال، تم تقديم الإغاثة من قبل جبهة الدهلاوية والفكة ودهلران وغيرها من المناطق. في كردستان أيضاً كانت لدينا إغاثة للجبهة وبصفة عامة كنا ندعم الخطوط الأمامية للبلد بأسره.

إلي أي وقت بقي مقر الإغاثة نشطاً؟

بقي حتي أواخر الحرب نشطاً.

 

هل عملت هناك حتى نهاية الحرب؟

كنت هناك حتي أواخر عام 1982م. لكن بعد خروجي من هناك، بقيت علي تواصل مع أصدقائي.

نشكركم علي إتاحتكم الفرصة لموقع تاريخ إيران الشفوي.

في أمان الله.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2745


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة