الرحلة المطرية ـ 5

محمد حسين قدمي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2019-6-28


مع وجود الكثير من الشباب الذين يشيرون إلى نهاية الزقاق المسدود، نقترب منهم، من خلال  تحركات البانتوميم يجب علينا أن نقترب بهدوء. حيث دخلنا دون ضجّة إلي داخل ذلك المنزل المدمّر.

انظروا... لقد جاءت خطّافة إذ شيّدت عشّاً تحت السقف! جميل جدا، التقطوا صوراً منها. مع كل تلك الدقة والإحتياط الذي اتخذناه عند دخول البيت، عندما وضعنا أقدامنا في الداخل، فرّ الطائر من عشّه. لا توجد أيِ مشكلة، ستعود ثانية لطالما لديها بيض. انظروا إلي عشها الجميل الذي شيدته.

نعم، ولكن من أين نعلم أنها شيدته حديثاً؟

نعم لم تمر عدة أيام من ذلك.. انظر! لازال الطين طريّاً وطازجاً.

من خلال تقديم الإستدلالات المحكمة والقوية، لم يبق أيّ شك بأنّ العش شيده الطائر حديثا.

علي ما يبدو كانت عائلة تسكن هنا وليس هذا الطائر قبل اجتاح الفيضانات!

لقد ذهبوا ونحن بقينا لنلتقط صوراً تذكارية لذلك الطائر.

كان السيد ضرابي ينظر إلي عقارب الساعة ويتمتم مع نفسه قائلاً: لا تتعبوا أنفسكم دون جدوى، لطالما انتم هنا فالطائر لن يعود ثانية إلي عشّه.

لم ينته من كلامه وإذا بالطائر يعود لعشه ويسكن بهدوء تام ، ينظر بعينه للكاميرا لكي نلتقط منه صوراً و أفلاماً ومقابلة  تذكارية! كما قمنا برجائه لكي يطير حتي نلتقط منه صوراً وهو محلقاً في السماء.

لقد انتهت مهمة سامان. أوصلنا إلي المحطة. كان يرغب ألا يتركنا في منتصف الطريق، لكن يجب عليه أن يسلّم سيارته للدائرة المعنيّة. عاد بإكراه وتذمر كبيرين. يجب القول هنا: كان الصخر يبكي حين ودعنا سامان.

ركبنا السيارة، ينبغي علينا دفع أجرة تقدّر بـ خمسة عشر ألف تومانا لكي نسير في طريق انديمشك مدينة الذكريات. كانت فرصة ثمينة لنحث كيوان ليخرج ما لديه من ذكريات. لحسن الحظ، تحدث عن ذكرياته دون سؤال.

يالها من ذكريات رائعة، لقد طوينا هذا الطريق لمرات عديدة برفقة أبناء رواية الفتح. بمجرد أن نستشعر بأجواء العمليات، كان السيد مرتضي آويني يدعو الجميع لكي نصطف في خطّ واحد.

حدثنا عن ذكريات أخري من تلك الأيام.

في أحد الأيام جلسنا في القلعة الأولى وغمرتنا الأمطار حينها.

عن أيّ قلعة تتحدث؟

ـ عمليات كربلاء الخامسة، بحيرة الأسماك.

ـ بالقرب من مفترق طريق الشهادة.

ـ نعم. كنا جالسين في القلعة وغمرتنا الأمطار. بعد لحظة سمعت صوتاً فظيعاً. رفعت رأسي .رأيت نارا تنزل من السماء! لم أر ناراً مثل هذه من قبل علي الإطلاق. قلت: يا ابالفضل: ما هذا؟ عندما دققت بالنظر إلي السماء، رأيت طائرة قد تحطمت بنيران مدفعيتنا. أردت أن أخرج من ساترنا بسرعة، لكنها باغتتنا بالإنفجار! بعدها لم أفهم ما جري. دخلت في عالم الغيبوبة. شعرت بأنني أصبحت خفيف الوزن وأحلق نحو السماء. بداية قاومت ما حدث من حولي. كان معي لفاف تضميد، أردت أن أضمّد يدي حيث رأيت أن معصمي أصيب بجروح بالغة!

أين كانت إصابتك؟

أصبت في مكان سيء جدا! الورك والفخذ. بداية كنت أظن أنّ إصابتي كانت في ظهري، قلت يا حسين يا حسين. قلت إذا جازفت سأفتقد كلما بقي من دم في جسدي. وقعت في حفرة ثعلب.[1] كان المقاتلين يصرخون : اسحب نفسك إلي الأعلي، تعال إلي الأعلي. من خارج تلك الحفرة كانوا يطلبون مني أن أسحب نفسي إلي الأعلي! قلت: لا استطيع، يجب أن يقدم أحد لي يد العون. هذه القضية حدثت ووابل من اطلاق النار كان يستهدفنا حيث لايمكن أن ترفع رأسك إلي الأعلي. جاء مقاتلان جزاهما الله خيراً، وأنقذاني من تلك الحفرة ووضعاني علي حافّة الطريق حتي تقلني سيارة إلي الخلف.

تحديداً في أيّ نقطة من البحيرة؟

هل تتذكر محل انفجار سيارة الحاج بخشي؟ بالقرب من مفترق طريق الشهادة. كان الوضع خطير جداً. كل شيء كان يحترق. عدد من الدراجات النارية و... قلت: إلهي، النار الذي فعلت بالحديد هكذا، فما بالك إذ بقيت هناك وأنا من دم ولحم؟! إذا لم يصل هؤلاء المقاتلين لإنقاذي، لما كنتُ الآن بينكم. في الحقيقة كانوا أشخاص أفذاذ.

ماذا جري بعد ذلك؟

لحسن الحظ وصلت سيارة إسعاف. كان إثنين من قوات التعبئة علي متنها. كما كنت مصاباً. وضعونا علي بعضنا البعض وانطلقوا إلي خلف المعركة. كانت المطبات مؤذية جداً. كانت شظايا القاذفة كامنة بالقرب من قلبي ولا يمكنني أن أتنفس! كان صياح من معي داخل سيارة الإسعاف قد ارتفع بشكل كبير والسائق يسير بسرعة فائقة. كنا نقول له: يا أخي تحرك بهدوء. كان يقول: أنا خادم الجميع، لكن لا يمكن فعل ذلك. إذا سرتُ ببطئ سيتم استهدافنا! كان العدو يستهدف الطريق باطلاق نار كثيف جداً.

نعم. لقد تراكم الشهداء في طريق مفترق الشهادة.

ماذا حدث بعد ذلك؟

فجأة رأيت سيارة الإسعاف تعود ثانية! قلت: يا الهي لم يروني وسارعوا بالذهاب. لكن لا، قدموا خدمة لن أنساها أبداً. جاؤوا ووضعوني علي الجرحي المحتضنين بعضهم البعض حتي لايسقطوا من السيارة! علي أية حال، وصلنا بشق الأنفس إلي القلعة الأولي. بعد ذلك وصلنا عن طريق قريب من مستشفي الإمام الحسين (عليه السلام) البرّي.

ذكريات كيوان أوقدتني من جديد.

أنا الذي أصبت في تلك المنطقة، لا توجد سيارة إسعاف لتقلنا. قاموا بقصف وتدمير عدد من السيارات في الطريق. قال المقاتلون ألا أنتظر طويلاً و يجب عليّ أن أصل إلي قسم الطوارئ المتواجد بمحاذاة الخط الأمامي. وضعت حبل الكاميرا علي رقبتي وسرت مشياً علي الأقدام. كان طريق مفترق الشهادة مليء بالجثامين الهامدة حيث كان عدداً كبيراً من المصابين والاطباء الملطّخين بالدماء وهم يحاولون إنقاذ الجرحي. الأطباء الشرفاء الذين يضمدون جراح العراقيين والإيرانيين في آن واحد! باختصار، عندما وصلنا رأينا سيارة إسعاف مُحمّلة بالجرحي وتريد العودة إلي الخلف. كنا شخصين ووضعونا بشق الأنفس داخل تلك السيارة. عندما أرادت السيارة أن تنطلق، وصل جريحان كانت حالتهما حرجة جداً، حينها قالوا إنزلوا أنتما الإثنين وتعالا مع السيارة الثانية. ندعو الله أن لايريكم تلك الأحداث الدامية ولايمسسكم بالسوء، في تلك اللحظات التي انطلقت سيارة الإسعاف فيها، ظهرت طائرات العدو في السماء وقصفت حالة الطوارئ بشكل لا يوصف ودمرت كل شيء. بقيت قطعة حديد من تلك الإسعاف فقط ولايوجد أيّ أثر للمصابين! قصة وصول الإسعاف التالية ووصولها إلي المستشفي البري طويلة، سنتحدث عنها فيما بعد.

حدثنا الآن عما حدث بعدها.

أين كنّا؟

في المستشفي.

نعم. عندما وصلنا إلي المستشفي، قالوا يجب أن يرغد علي السرير، ضخوا في شرائيني كميات من الدم وبعد ذلك مادة المورفين! حينها لم استطع التحدث أو التحرك. بعدها استيقظت ووجدت نفسي داخل غرفة في مستشفي الشهيد بقائي بالأهواز. كان المكان مكتظ بالجرحي. نمت داخل فناء المستشفي.

هل كانت الكاميرا معك؟

نعم وكنت أحياناً التقط بعض الصور. حملتها معي لطالما كان رمقاً في حياتي. بعد ذلك سلمتها لتعاونية الفيلق.

ماذا حدث بعد ذلك؟

بعد ذلك، نمت علي أرضية الممر. أشعر بألم شديد. كنت أدخل في غيبوبة واستيقظ منها ثانية. لم أروِ هذه الأحداث لأي شخص من قبل هذه هي المرة الأولي التي أحدثكم عما جري في تلك المنطقة بالنسبة لي لبقية المقاتلين.علي أية حال، قاموا بخلع ملابسي. كانت أوضاع عجيبة وغريبة. عندما كنت استيقظ، أري الممرضات منشغلات بتنظيف جروحي بمواد معقّمة! حينها شعرت بالخجل الشديد. لم اتمكن من قول شيء حينها. كل الأعمال كان تقوم بها القوي الشعبية والممرضات. كان بين هؤلاء الناس، شخص مغرور يصرخ بصوت عال علي الممرضات.

ماذا يقول لهم؟

يقول من الذي سمح لكم بالدخول، أصبحتم تعيقون عملنا! إذا كنت أمتلك ذرة من القوة الجسدية لصفعته! لقد اشمأزت نفسي منه. لم يحرك ساكناً ويمنعهم من القيام بمهامهم! كانت الفتيات يبكين ويقلن له، هؤلاء هم أخوتنا ونريد مساعدتهم. مرت هذه القضية جاء يوم أردوا أن يبعثوا الجرحي نحو ديارهم. كانوا يفعلون ذلك وفقاً لنسبة جراحات المقاتلين ويرسلونهم عن طريق أي آلية مناسبة، حافلة،إسعاف أو طائرة. كُتب علي صدري عنوان ساحة بروجردي في طهران. كان هناك طبيب نسي أن يذكر عنوان المريض بشكل صحيح و أنه من أبناء بروجرد ويجب أن يذهب إلي هناك. قلت له: سعادة الدكتور أنا أسكن في بروجرد وليس ساحة بروجرد بطهران. ضحك الطبيب حينها. في ذلك اليوم، كان عداد الجرحي والشهداء لا يوصف حيث واجه الأطباء مشاكل عديدة وهذا يعتبر شيئاً إعتيادياً.

أخيراً كيف أرسلوك إلي بروجرد؟عن طريق دراجة نارية أو سيارة؟

لا، كنّا نتمتع بمكانة رفيعة. ذهبنا عن طريق طائرة إلي طهران. بداية ذهبنا بطائرة c130، كحالة غسيل الأموات وضعونا علي بعضنا البعض. لا أريد أن اتحدث عما جري لنا في الطريق أتذكر أن بعض الجرحي كان يئنّ من شدة الألم. قال لهم أحد الأفراد: ما بالكم؟ ألا تخجلون وأنتم مصابون بشظايا بسيطة فقط؟ كان يشير لي ويقول: انظروا لهذا الشخص الذي أصبح نصفين ولم نسمع له صوتاً!

لا أريد أن أطيل عليكم، وصلنا إلي طهران. حملوني داخل سيارة الإسعاف وذهب بي السائق بسرعة فائقة نحو مستشفي شفاء يحياييان. كانت نهاية عام 1986م هي ذروة الضربات الجوية العراقية. كان السائق يراقب الجو من جهة وعين أخرى لمتابعة المستشفى. لكن لم نجد المستشفي. كانت الساعة تشير إلي الثالثة ليلاً. لم يكن هناك أحد في الشارع لنسأله عن عنوان المستشفي. شعرت بأنه غير مستقر ويدور حوله! رفعت رأسي قليلاً ونظرت إلي خارج الإسعاف وعلمت أنه يسير بالخطأ. قلت له: أنك تسير في طريق خاطئة، غيّر اتجاهه نحو بهارستان. وصلنا إلي المستشفي. مكثت لعدة أيام. حان وقت اقتلاع لفافات التضميد، كان وجعها أشد من شظايا القاذفات!

نعم. جرّبت ذلك. في المرحلة الأولي من العلاج الطارئ، يضع الطبيب قفازات بيده ويقتلع الشظايا بملقط وأصابعه من تحت الجلد.

دون أي تخدير؟!

نعم. لقد اصطف الشباب خلف الباب وينادوننا بأسمائنا بشكل متسلسل. البعض كان يعض علي المخدّة من شدّة الألم.

جيد ماذا حدث بعد ذلك؟

بعد ذلك أخذوني إلي غرفة ثلاثية الأسرّة وإلي جانب نافذة فيها أعمدة طويلة. ربطوني بأثقال لطيلة ثلاثة أشهر بالكامل. شعرت بألم لا يمكن وصفه. أنا الذي كنت دائماً أتحرك ونشط، يجب أن أمكث هنا دون حركة لفترة طويلة ويجب أن أنام بشكل أفقي. كانت الأسرّة الأخري تمتلئ وتفرغ وأنا باقي. مرت هذه الأيام وفي ليلة من الليالي وقع قصف شديد. يبحث الجميع عن مكان آمن من شدّة الخوف، لكنني كنت مكبلا بالأغلال في تلك الغرفة! وبدلاً من يمنحنا الممرضون الجرأة علي مقاومة مثل هذه الظروف، كنت أقول لهم: لاتخافوا لا شيء مقلق! كان أحد الأشخاص الذي لديه كرسي متحرك، يأتي ويذهب باستمرار ويتحدث لنا عما يجري في خارج المستشفي. ذهب في إحدي المرات وعاد ليقول: هل تعلم ماذا حدث؟ أصيب السيد مصطفي مولوي، مساعد الفيلق بجروح بالغة وجاؤوا به إلي المستشفي! يريدون أن يأتوا به إلي غرفتنا. كنت أظن أنّ هذا القائد لديه هيبة رستم.عندما وصل، رأيته شابا حوزويا في ريعان شبابه! وأصيب في كتفه. أدي السلام والتحية وسرعان ما أصبحنا أصدقاء حميميون. لفترة من الزمن، كان مساعد الشهيد مهدي باكري. تذكروا أن تدعوه إلي مراسيم ليالي الذكريات.

ماذا قال، وماذا كان يعمل؟

كان من قوات مخابرات العمليات. وضعوا علي عاتقه مهام صعبة للغاية.  يجب عليه أن يراقب الخطوط الأمامية والخلفية باستمرار. مثلهم لا يتمتعون بالراحة ولا بتناول وجبة الطعام. كان يقول: طيلة ثمان ليال نستعمل الحبوب كي لاننام في الطريق! أحياناً يستجول وحيدا حاملا قنينة ماء  وبوصلة. كما أنه ذهب لكربلاء في ظل أجواء الحرب الساخنة. كان مع الشهداء منذ بداية الحرب. لديه الكثير مما لم يقله عن أحداث الخط الأمامي. كان يذهب داخل مخابئ العراقيين ويأتي بمياههم ومعلباتهم وفواكههم. في عمليات كربلاء خمسة، أصيب بيده اليمني وشلت بعد ذلك، كأنما أوحي له قبل ذلك.

كيف؟

كان يقول أنه تدرب علي الكتابة والتخطيط علي لافتة العمليات بيده اليسري قبل أن يصيب بجروح بيده اليمني. بعد ذلك، جاءت الشظايا واقتلعت كتفه الأيمن! السيد مصطفي يعد من قوات الباسيج المهذبين والمخلصين والرائعين.

هل تتواصل معه الآن؟

أحياناً أتصل به.

عندما وصلنا إلي معسكر الجبلين (دو كوهه) تتجه الذكريات كيوان نحوه.

يا لها من ذكريات. قمنا بإعداد وإخراج وثائقي "الباسيج، ميقات الحفاة" في هذا المكان.

متي؟

في نهاية الحرب، كانت لا تزال هناك قوات للأمم المتحدة بين إيران والعراق. كنت أنا ومصطفى دالايي ومحمد صدري ورضا يزدي و ... الحاج حسن محقق مع ألفي من القوي العاملة.

هل هو ذلك الفيلم المكون من ثماني حلقات و الذي قام السيد شاه حسيني بكتابة نصه والسيد دالايي بإعداده؟

نعم هل تتذكر تم عرضه في التلفزيون، لكن بعد ذلك اختفي تماماً! في أحد الأيام كنا نأتي لإعداد الفيلم إلي هذه المنطقة، نسقنا مع رئيس القطار إذا وصلنا إلي معسكر الجبلين (دو كوهه)، أن يسحب الفرامل حتي ينزل فريق العمل من القطار، لكنه لم يفعلها وقاموا الشباب بسحب فرامل القطار الطارئة وحينها توقف القطار ونزل الفريق. حينها ضرب رئيس القطار بيديه علي رأسه!

كأنما ذكريات معسكر الجبلين حدثت بالأمس ولا زالت تراودني. قبل أن نذهب إلي عمليات كربلاء الخامسة، كنا نقف في صف مراسيم الصباح وأردت أن التقط صورة من السيد جان محمدي، قائد الكتيبة. وضع يده أمام وجهه وقال: سماحة الحاج، تُذهب صورك هباء، دعها للخط الأمامي وللمشاهد الجميلة!

كانت صورتي الأولى والموضوع هو نفس القائد الذي حلق كالزرهة في السماء فيما بعد! قائد رحيم ولطيف كان له صوت دافئ وبعد كل جولة جبلية، يقرأ الحديث ويحاول أن يعدّ المقاتلين للعمليات والشهادة. لم يهدأ ولو للحظة واحدة. عندما تتعرف عليه تجده من نوع آخر، مثل الأمواج متلاطم وملتهب ومنقلب. في آخر مرة أصبنا فيها بالشظايا في منطقة قلاويزان وجئنا بشكل أفقي إلي طهران، قال لي: إذا لم يتم السماح لي بالخروج من المستشفي في هذا الأسبوع، حينها سأهرب!

لم يمر أسبوع واحد، حيث أنه اتصل من ورامين قائلاً: نستنشق رائحة العمليات يا سيد قدمي، أريد الذهاب غداً إلي هناك، إذا تنوي السفر معي فتوكل علي الله.

كان موعدنا في محطة سكك الحديد .بمجرد وصولنا ذهبنا مباشرة إلى الحافلة التي نقلت المقاتلين إلى الخط الأمامي. قلت: "إذا لم ترسل بطاقة الإجازة إلى طاقم الفيلق، ستواجه مشكلة في العودة. ابتسم وقال: وهل تتوقع العودة ثانية؟!

ذهب ولم يعد ثانية!

السائق الأنديمشكي كان يتحدث مع السيد ضرابي في الجزء الأمامي من الحافلة. كان سائقاً محتاطاً وصبوراً. أقول: هل تقود السيارة دائماً بهذا الورع والصبر الكبيرين؟

نعم إذا أصبحت سرعتنا أكثر من ثمانين كيلومتر في الساعة، سنغرّم. قبل فترة من الزمن، دهس أحد أقاربنا شخصا وقتله ولا يزال لديه مشكلة وذلك بسبب سرعته الفائقة. كان جشعا. إذا ارتكب الإنسان مخالفة قانونية في حياته، سيندم عليها فيما بعد وحينها سيدفع الثمن غالياً. أعرف أشخاصا أصبحوا أغنياء من خلال عمليات التهريب، لكنهم دفعوا ثمنها غالياً.

كانت سيارة تمر من جانبنا بسرعة كبيرة. وكان السائق يشير إليها.

هل رأيتم هذه السيارة؟ كانت من الخلف مرتفعة إلي حد ما، يضعون بعض الأدوات من أجل التهريب.

ماذا يضعون فيها؟

كل شيء، جورب وملابس نسائية و...

من أين يأتون بها؟

من ميناء غناوة نحو طهران.

ألا توقفهم الشرطة؟

نعم، إذا شك في أمرهم سيوقفهم بالتاكيد، لكنهم يعملون بشكل دقيق.الآن شاهدوا هذه السيارة. يقول له المراقب قبل وصوله  بمئة كيلومتر ، إنّ الطريق لا أحد فيه وتقدموا نحونا. كذلك يسير بسرعة فائقة. لا تقلّ سرعته عن 150 كيلومتر في الساعة.

وصلنا بالقرب من دزفول وانديمشك وبعدها الفيضانات. كانت قوات الشرطة قد اغلقت الطرق وترشد الناس علي الطرق الفرعية.

أين وصلنا؟

سيد عباس. هذه المنطقة غمرتها الفيضانات، في أراضيها ملح ولم تترسخ المياه إلي داخلها.

عندما تقع عيني كيوان علي المياه، يتذكر ذكريات من المطر.

كانت عمليات خيبر. عندما ركبنا علي متن السيارة، هطلت أمطار شديدة. كلما تحركنا إلى الخط الأمامي، تزداد شدة، حتي وصلت المياه إلي أظهرنا. عندما تمر القوارب، نبتل بالمياه والطين. تيممت لأقيم صلاة الفجر علي الكرسي. بالقرب من العراقيين كان المطر شديداً. وضعنا البطانيات علي رؤوسنا. كانت الأضواء مطفاة ونحن واقفين. أصبح الأمر كالأفلام الكوميدية الكلاسيكية للحرب العالمية، عندما تنفجر قنبلة بالقرب منّا، نتحمل عبأ الطين والمياه الآسنة. وصلت المياه حتي الركبة. بعدها قالوا اركبوا علي متن السيارات. يجب أن نمر بسرعة ودون وجود مصابيح من قرب القوات العراقية. وقعنا داخل الطين. كانت القبعات لها أصوات بسبب تلك الأجواء، كسوق النحاسين! في ظل كل هذه الأصوات، لم ينتبه العدو لما يحدث حوله. في تلك الليلة غمرت المياه مخبئنا. لكن أقمنا في تلك الليلة في ذلك الخندق حتي الصبح. في اليوم التالي حفرنا خنادق جديدة لنستقر بها.

----------------------------

[1]حفر صغيرة كبيت الثعلب.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2645


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة