مع ذكريات سعيد حجازي

ليالي مناطق العمليات الغريبة

حوار: مهدي خانبان بور
إعداد: مريم رجبي
ترجمة: حسن حيدري

2019-1-17


كان الدكتور سعيد حجازي الطالب الثالث في مدرسة مفيد حيث قدّمه السيد أصغر كاظمي، مؤلف كتابي (بمو) و(دسته يك) لإجراء مقابلة معه. بعد المكالمة الهاتفية التي أجريتها معه، كان من المقرر أن أكون حاضراً بعد الظهر في عيادته لإجراء المقابلة. عندما دخلت عنده، لم يكن موجودا، قمت حينها بتجهيز ما أحتاجه وانتظرت قدومه.عندما دخل الدكتور، كأنما كنتُ أعرفه منذ فترة طويلة. أساساً لم يكن غريباً عليّ إطلاقاً. استقبلني بودّ كبير. عندما كان يتحدث عن ذكرياته، كانت الأسماء المطروقة معروفة ومألوفة لي، لاسيما الشهيد علي بلورجي. نأمل أن تحظي هذه المقابلة باهتمام قرّاء ومتابعي موقع تاريخ إيران الشفوي.

ما الذي حدث حتي تم إتخاذ قرار من قبل زملائك الطلاب في مدرسة مفيد للذهاب نحو جبهات الدفاع المقدس؟

أعتقد أنني أول شخص ذهب إلي مناطق الحرب من طلاب الدورة الرابعة لمرحلة الثانوية من مدرسة مفيد. لقد انتهي الصف الثاني من مرحلة الثانوية بالنسبة لي وحلّ صيف عام 1983م. كان عمري في حوالي السادسة عشر ونيّف حيث تم إرسالي إلي جبهات الحرب. أنتمي إلي مدينة كاشان. كان أبناء خالتي يعيشون في كاشان ويرغبون كثيراً بالذهاب إلي الجبهة. كان لديهم أصدقاء يعملون في الحرس الثوري في كاشان وقمت بالتسجيل عن طريقهم. لقد أرسلونا للتدريب من كاشان إلي معسكر الغدير في إصفهان. وذلك قبل عمليات رمضان. بعد نهاية فترة التدريب، أرسلونا إلي مدينة الأهواز حيث استقرينا في جامعة جندي شابور. بعد ذلك تم نقلنا من الجامعة نحو منطقة ما، ولأنني لأول مرة يتم ابتعاثي إلي هناك لم أعرف تلك المنطقة كما أني لا أتذكر إلي إين ذهبنا حينها.  لقد وصلنا قبيل الليل وكان الفجر قريباً جداً حيث لم تتكلل العمليات بنجاح وعدنا حينها. بعد ذلك عُدنا نحو الأهواز و بعد قضاء عدة أيام، عدنا إلي كاشان ثانية.

مع أي فيلق التحقت؟

لقد تم إرسالي من قبل فيلق النجف الأشرف. كان قائده الشهيد أحمد كاظمي.

في أول ابتعاثكم لم تشارك في أيٍّ من العمليات، من بعدها في أي وقت عدت للجبهة؟

مرّت فترة من الزمن. لقد تدربت من أجل الجبهة فقط وأردت العودة. ذهبت إلي كاشان ومن ثم تم ارسالي ثانية وفي نهاية المطاف استقريت في لشكر النجف الأشرف والكتيبة الـ 4 التابعة له.

لأيّ من العمليات أُرسلت؟

في اكتوبر عام 1982م تم إرسالنا للمشاركة في عمليات محرم. علي أية حال، كنت أول شخص من الدورة الرابعة للمرحلة الثانوية من مدرسة مفيد أذهب للجبهة. بالطبع قبل ذلك ذهب أفراد من الدورة 1و2و3و5 أيضاً وشاركوا في عمليات بيت المقدس. هندامي لم يتناغم مع الأفراد الذين يذهبون للجبهة.

لماذا؟ أنت تقرأ في مدرسة دينية.

كنت أسكن في حي أمير آباد في طهران وأذهب إلي الأمير (عليه السلام) وكان لديّ أصدقاء طيبون. (كان يمزح) حيث يذهبون إلي المسجد ولكنهم لايعرفون عن البندقية والرصاص شيئاً. بالطبع لقد ذهب عدد من هؤلاء الأفراد فيما بعد للجبهة للمشاركة في عمليتي والفجر 1ووالفجر التمهيدية واستشهد عدد منهم أيضاً. علي سبيل المثال، الحاج محمد حسن أكبري والد الشهيد غلام رضا أكبري كان من بين الشهداء. علي ما أظن أنّ سماحة الحاج استشهد في عام 1985م ورضا استشهد في عام 1986م. أعتقد أنّ جثمان رضا بقي في الشلمجة أثناء عمليات كربلاء 4.

تم ارسالكم ثانية للمشاركة في عمليات محرم، حدّثنا عن ما جري في هذه العمليات.

في ليلة العمليات استقرينا بجانب النهر. كانت الأمطار غزيرة حينها. قاموا بإنشاء سد ترابي في القرب من المكان. اجتمعت المياه خلف السد. انكسر السد ودخلت المياه إلي داخل القناة التي كان المقاتلون مجتمعين في داخلها. أعتقد أنّ هنالك 3 أو 4 من الكتائب استقرت في داخل تلك القناة. لقد جرفت المياه حوالي 90 مقاتلا. كان ذلك النهر موسمياً ويعاني من الجفاف ولم يتوقع أحد بأنّ الفيضان يدخل النهر بهذا الشكل. امتلأ المكان بالحرباء والسحالي. حدثت هذه القضية قبيل الغروب وجرفت المياه معظم معدات المقاتلين. كانت ليلة غريبة بالنسبة لي. كانت هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها في منطقة العمليات، وكانت تجربة صعبة للغاية. عندما اجتاحت المياه اماكننا، قام المقاتلون بالصراخ والهتافت بصوت عال. من تمكن الصعود من الجدار، قام بسحب من كان معه عن طريق اسلحته. لكن المياه كانت قوية وجارفة وأخذت معها حوالي 90 فردا. كانت جثتي صغيرة جداً وتمسكت بجدار حتي ينخفض ضغط المياه.عندما صعدنا إلي الأعلي واستقرينا إلي حد ما، أدركنا أن جميع معداتنا فُقدت. كانت لديّ ترمس وبندقية وجرفت المياه حقيبتي. بعض من الأفراد فقدوا أسلحتهم. كانت كتيبتنا تقع في نهاية النهر وعندما سُمع صراخ الأفراد، قمنا بلملمة أنفسنا حتي نخرج بأقل الأضرار. استغرق هذا الوضع ساعتين حتي استطعنا تنظيم أنفسنا ثانية. أتذكر أنّ المياه لم تجرف أيّ شخص من كتيبتنا وعلي أية حال انطلقنا إلي الأمام.

قامت عدة كتائب بإعداد نفسها وكان من المقرر أن نقوم بإعداد كتيبتنا بعد ذلك. عندما وصلنا إلي المنطقة الملغومة، استشهد عدداً من مقاتلي قسم تدمير الألغام. انفتح ممرّ وعبرنا من جانب جثامين الشهداء. بعد فترة قصيرة وصلنا إلي منطقة لايوجد فيها أي أثر للإشتباكات. كلما تقدمنا إلي الأمام، ينتابنا حسّ الفضول أكثر فأكثر، ونسأل انفسنا لماذا لا نصل منطقة الإشتباكات. كانت هناك عدة ثلاجات في داخلها مياه باردة. لقد شرب المقاتلون من هذه المياه وأخذوا منها معهم أيضاً. بعد ذلك وصلنا إلي طريق مبلّط ونمنا هناك. لقد نمت أنا أيضاً إلي جانب ذلك الطريق. كان قائنا الشهيد محمد رضا كوسفند شناس. كان من أهالي إحدي القري في مدينة إصفهان. كان عمره يبلغ حوالي 40 عاماً . كان برفقة حامل اللاسلكي يمران من مقابل المقاتلين و جلس إلي جانب ذلك الطريق. أعتقد أنه كان يتحدث مع احمد كاظمي عن طريق اللاسلكي. كان السيد كاظمي يناديه باسمه ويقول له: "إفعل ما تستطيع فعله لعودة المقاتلين إلي الخلف". كان قائدنا يقول: "عليك إطلاق رصاص الإنارة حتي نعلم أين نح الآن". للتو علمنا أننا تخطينا حدود العراق بحوالي 4 إلي 5 كيلومترات و أصبحنا خلفهم. كانت المخابئ في الحقيقة مخابئ عراقية. كانوا نائمين واستيقظوا ولم يصدقوا أننا وصلنا إليهم. أساساً لم يرونا ولهذا لم تحدث أي اشتباكات.

قاموا بإشعال الإضاءة حتي نحدد موقعنا. عانت الكتيبة من الفوضي وعدم النظام وعدنا إلي الخلف. أظن قمنا بالعدو لحوالي 20 دقيقة وعدنا إلي الخلف. كنا نسير نحو تلك الإضاءة لكنها تبعد عنّا بشكل كبير. كانوا وراء عدد من التلال ونحن نسير نحو مواقع مقاتلينا. بعد ذلك وصلنا إلي منطقة يتواجد فيها عدد من الأفراد المصابين. وضعوا أقدامهم علي الألغام المزروعة. قاموا بتضميدهم سطحيا وذهبوا.. قالوا خذونا معكم. وصلنا إلي طريق ورأينا اشتباكات. كنا نشاهد انفجار القذائف علي جانبي الطريق. كان الطريق يؤدّي إلي إحدي السهول. استقرينا في ذلك السهل. في حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة من صباح ذلك اليوم، رأيت ما يقرب 400 دبابة عراقية تتوغل في الجزء العلوي من السهل حيث كنا نتواجد. كانت مصابيحها مضيئة  وأصبح ليلنا نهاراً. كان مقرّنا في سهل زبيدات. ولأننا لم نمتلك الآليات والمعدات اللازمة لمواجهة الدبابات، جاءت الأوامر تدعونا إلي العودة للخلف. بعد ذلك عدنا ثانية للخطوط الأمامية. في الطريق نفدت مياه الشرب. المقاتلون الذين الديهم تجارب وخبرات كافية ويعرفون المنطقة بشكل جيد، ساعدوني كثيراً لأشارك في الجبهات لأول مرة. ركضنا في الطريق كثيراً وتعبنا وشعرنا بالعطش الشديد. كل من أراد ماءاً أعطيته من كمية المياه التي كانت بحوزتي، حيث نفد كل ما امتلكه. كنت شاباً وصغير الجثة لكن العطش ضغط عليّ بشكل كبير. كانت جميع الترامس فارغة من المياه ولم يمتلك أي مقاتل كمية من الماء. وصلنا إلي جانب الطريق. كانت هناك مخابئ يوجد فيها ماء بارد. أعتقد طيلة عمري لم أشرب مثل هذه المياه اللذيذة. قُبيل غروب الشمس وصلنا إلي عدد من المخابئ. حينها قام العراق بشن هجوم علينا. قصفنا بالهاون بشكل كثيف واشتبكنا معهم. استقرينا لحوالي ثلاثة أسابيع في تلك المنطقة. كنا نتموضع في المرتفعات ونشرف علي السهول. بعد مضييّ ثلاثة أسابيع عُدنا إلي الخطوط الخلفية وذهبنا إلي منطقة بالقرب من دهلران. من ثم عُدنا إلي طهران. هذا الإبتعاث استغرق حوالي شهرين.

متى رجعت إلى منطقة الحرب مرة أخرى؟

كنت في طهران لفترة من الوقت. أتذكر أن أحد رفاقي، وهو رضا ميرقاسمي، ذهب للمشاركة في عمليات والفجر التمهدية وأصيب بجروح في يده. لم أذهب إلى هذه العملية، إذ كانت لديّ بعض المواد الدراسية التي لم استطع المشاركة في اختباراتها من قبل، ومن جانب آخر، كانت ثانوية مفيد شديدة الصرامة. لن يشفع ذهابك إلى الجبهة في الافلات من الدراسة، لهذا رسبت في المواد الدراسية وأجبرت علي الإهتمام بالدراسة أكثر حتي أستطيع النجاح في الإمتحانات. في ثانوية مفيد من كان يحصل علي درجة 12 يُعدّ راسباً وعليه المشاركة في تلك المادة الدراسية ثانية. أعتقد أنني حصلت في مادة الفيزياء علي درجة 5/11 ورسبت فيها. شاركت لفترة من الزمن في الصفوف لكن ذهبت للجبهات ثانية للمشاركة في عمليات والفجر 2. لأني كنتُ علة معرفة بالجبهة، قمت بتشكيل ملف هذه المرة في طهران وذهبت حينها إلي فيلق محمد رسول الله (ص) الـ 27. كان فيلق 27 يستقر في قلاجة.  لم أُقبل وتم نقلي إلي لواء سيد الشهداء (ع). كان في ذلك الوقت علي مستوي لواء فقط ولم يصبح فيلقاً بعد. ذهبت نحو الشهيد عليرضا موحد و شخص اصفهاني يسمي السيد سعيدي. أعتقد أنّ السيد سعيدي أصبح برتبة لواء في الوقت الحالي.  لقد ذهبت إلي كتيبة قمر بني هاشم والذي كان قائده الشهيد أحمد ساربان نجاد. كان قائد كتيبتنا علي هاشمي من أبناء مدينة چيذر. أحد مقاتلي كتيبتنا كان شخص يسمي سيد شهاب الدين بصام تبار.السيد شهاب كان من أبناء مدينة كرج وشديد الطول.هو الآن معوق حرب في النخاع الشوكي بنسبة 70 بالمئة. لقد استقرينا في منطقة تقع بين كوهدشت وبل دختر. كنت في مجموعة يرأسها محمد جيذري من أبناء مدينة چيذر. لقد تكوّن لواء سيد الشهداء (عليه السلام) من أبناء كرج وشميرانات وساوجبلاغ من توابع مدينة طهران. بعد فترة من الزمن، ذهبنا للمشاركة في عمليات والفجر 2 في منطقة الحاج عمران.

في ليلة العمليات كانت مجموعة المقاتلين تتحرك إلي الأمام. كان يسير أمامي شاب يبلغ من العمر 16 عاماً ويعد من القناصين. بعدها علمت أنه الإبن الوحيد للأسرة. عندما كانت الكتيبة تقف وتجلس، تنهار المسافة فيما بيننا ونقترب من بعضنا أكثر فأكثر. حدث هذا الأمر لمرة أو مرتين وسمعته يردد بعض الأذكار وسمعته يقول: "اللهم ارزقني توفيق الشهادة في سبيل الله". لقد أصبحت صديقاً حميماً للسيد محمد چيذري. كان محمد يسير نحو الكتيبة. ناديته وقلت له: " محمد قم بتغيير مكاني مع عدد من الأفراد". سألني لماذا ؟ قلت له: " يقول اللهم ارزقني توفيق الشهادة. لا اتحمل هذا الأمر. .أخشي أن نصاب بقاذفة هاون ويستشهد هذا الشخص". قال لي محمد بعض الكلمات وضحكت ومضينا قدماً في مسيرنا  حتي وصلنا إلي السهل الأحمر واشتبكنا مع قوات العدو. كان قبيل الصبح وقالوا ادوا فريضة الصلاة في أماكنكم. لقد أصيب هذا الشاب برصاصة في جبينه أثناء تأديت فريضة الصلاة ونال درجة الشهادة. كنا في منطقة مفتوحة وفي مرمي نيران العدو حيث يتم استهداف المقاتلين بشكل مستمر.  أتذكر أنّ قذيفة هاون وقعت علي حقيبة مساعد حامل الآربي جي وانفجرت وقتل علي أثرها إثنين أو ثلاثة من المقاتلين وموج الإنفجار كان من نصيبي. لقد تدهورت حالتي الصحية. قاموا بنقلي إلي الخطوط الخلفية وتحسنت إلي حدّ ما. لم يكن موقع المنطقة مناسب ولهذا أمرونا بالعودة إلي منطقة نقدة واستقرينا في إحدي المدارس. بعد يومين أو ثلاثة أيام، سألونا من يريد الذهاب إلي منطقة العمليات ومن يرغب بالعودة إلي طهران؟  أكثر المقاتلين كانوا يرغبون بالعودة إلي طهران (قال ضاحكاً) وبعد ذلك قالوا علينا الذهاب نحو المنطقة. ركبنا علي متن السيارات ووصلنا المنطقة في حوالي الساعة 10 ليلاً حيث لايمكننا التقدم بالسيارات. اختبئ شخصان بين الأشجار وهما يقومان بتوزيع المقاتلين في المخابئ. أنا وبرفقتي ثلاثة من الأشخاص وصلنا إلي مكان بين الأشجار فيه عدد من المقاتلين. ذهبنا خلفهم ووصلنا إلي مكان وسمعنا أفرادا يتبادلون الحديث. عندما استمعنا إليه، عرفنا أنهم يتحدثون العربية. ولأنّ الأجواء كانت مظلمة جداً وتفصلنا مسافة عنهم، لم يرونا حينها. توّاً علمت أننا ضائعون. الشخص الذي كان يعرف تلك المنطقة وكنّا نسير معه، قال: هؤلاء عراقيون. صبرنا حتي ابتعدوا من بشكل كامل. مرة أخري عُدنا وتحركنا من داخل الشجيرات حتي استطاع أن يحدد المنطقة التي نتواجد فيها. قام جنود الجيش بإنشاء المخابئ واستقر فيها. لقد سمعوا أنّ العراقيين من المحتمل أن يهاجموا المنطقة، لهذا استقطبوا قوات جديدة لكي يكونوا إلي جانبهم وأن يدافعوا أمام الهجمة العراقية. دخلنا علي مخبئ ما. كان في داخل المخبئ إثنين من جنود الجيش واعتقد أنهم كانا من إصفهان. كان المقاتلون ينامون متناوبين حتي هاجمنا العراق في حوالي الساعة الواحدة واشتبك الجميع معهم. قام المقاتلون بمهاجمة العدو عن طريق القنابل اليدوية بشكل مكثّف وقتلوا العديد منهم وهرب عدد آخر.

جاء محمد جيذري في تمام الساعة 12 ظهراً وناداني وقال: تعال يا سعيد معي لنذهب إلي هناك لكي نجمع أسلحة العراقيين. قمنا بجمعها معاً. قال لي محمد: لنذهب إلي الأسفل ورفضت ذلك. قلت له: هناك العديد من الثقوب وستتم مهاجمتنا من قبل العراقيين. قال لمجيد حيدري تعال أنت رافقني. كان مجيد أنيقاً جداً ومن أهالي مدينة كرج. يكبرني بـ 4 أو 5 سنوات. ذهب مجيد ومحمد وابتعدا عنّا بحوالي 100 متر فقط حيث ظهر جندياً عراقياً وفتح عليهما النار. استشهد مجيد في ذلك المكان وأصيب محمد بطلقة في كتفه وخرجت من الخلف. كان العراقي من قوات المغاوير وأمسك بملابس محمد وهو يجرّه علي الأرض لكي يأخذه أسيراً. لم نستطيع اطلاق النار عليه، لأن محمد كان إلي جانبه. قام محمد بعض يد العراقي وعندما تركه قام المقاتلون بإطلاق النار عليه وهو سارع إلي الفرار. انقذوا المقاتلون محمد وسحبوه إلي الأعلي. كانت حالته غير مستقرة وينزف بشكل كبير. ظننت أنه سيموت. سألته : هل أديت فريضة الصلاة؟ قال :لاتخف، أنا لم استشهد وهذا ما حصل. أخذوا محمد إلي الخطوط الخلفية وقاموا بتضميده وعاد بعد فترة من الزمن.

ماذا فعلت بشأن الإمتحانات؟

منحونا إجازة لفترة خمسة أيام قبل العمليات. جئت إلي طهران وشاركت في الإمتحانات في هذه الفترة الزمنية. أعتقد حصلت علي درجات بين 15 أو 16 وعدت للمنطقة ثانية.

هل تدرسون في الجبهة أيضاً؟

لم أخذ معي دفتر وكتاب إلي الجبهة. كان طلاب مدرسة مفيد يقومون بعمل جماعي وعلي أية حال استطعنا أن نوصل أنفسنا بشكل من الأشكال. نجحت في السنة الرابعة للثانوية ويجب عليّ أن أشارك في إمتحان الدخول إلي الجامعة. لأنني كنت منهمكاً في الجبهة وقضية الحرب، تدهورت دراستي ونجحت في فرع البيطرة بجامعة ارومية. لا أحب ذلك الفرع ولم أذهب للمشاركة فيه. أنا من مواليد عام 1965م و غالبية زملائي كانوا من مواليد عام 1966م. ولأنني من مواليد النصف الثاني من العام،  قمت بمرافقتهم. لم يكن لدي الوقت الكافي ويجب أن أذهب للخدمة العسكرية. ذهبت إلي الخدمة العسكرية ولأنني كنت من أهل الجبهات، ذهبت إلي فيلق 27 وكتيبة مالك الأشتر. أصبحت جندياً في الحرس الثوري. قمت بجمع كتبي الدراسية و أخذتها معي إلي منطقة الحرب. في عام 1985م، كان زمن تواجدي في عمليات مهران الدفاعية. في تلك الأيام كان وقت المشاركة في امتحان دخول الجامعات. في كتيبتنا كان أحد المقاتلين والذي يسمي الشهيد مسعود سخايي، مشاركاً في هذا الإمتحان. لقد نجحنا معاً في الإمتحان، لكن مسعود لم يبدأ علي الإطلاق.

لماذا؟

لقد استشهد مسعود. قمنا أنا ومسعود بالتسجيل في الجامعة. أصبحت طالباً في جامعة إيران للعلوم الطبية ومسعود سجل في جامعة الشهيد بهشتي. بالطبع كانت درجتي أعلي منه ولأن اختياري الأول كان هناك، تم قبولي في جامعة إيران للعلوم الطبية. بعد التسجيل وعند عدوتنا للمنطقة، استشهد في عمليات مهران الدفاعية.

لأيّ عمليات عدتم إلي الجبهة ثانية ؟

رجعت للمشاركة في عمليات والفجر 8 لكنني تأخرت. استقر المقاتلون في منطقة تسمّي خسروآباد. فعلت كل شيء لكنهم رفضوا. قالوا: هنالك العديد من المناطق التي تحتاج لقوات، إذهب إلي مكان آخر. كنا 4 أو 5 أشخاص. أتذكر كان معي فقيه ميرزائي والراحل حميد دادگسترنيا وحميد وعدد من أبناء مدينة شيراز. ذهبنا إلي مستشفيً بالقرب من اروند كنار وبقينا لفترة هناك. فيما يتم اعادة القوات إلي الخلف عن طريق القوارب وأول مكان يأتون إليه هو ذلك المستشفي. في إحدي الليالي عندما أصيب علي بلورجي وتمت إعادته إلي الخلف ليرقد في قسم حالة الطوارئ. بقي ليلتين هناك وذهب ثانية. بعد فترة من الزمن ذهبت إلي طهران وشاركت في صفوف الجامعة. بعد ذلك لم استلم ورقة الإبتعاث لكن بين الحين والآخر كنت أذهب إلي المنطقة لأتفقد أصدقائي.

كيف؟

ذهبت برفقة أحد أصدقائي والذي يسمي سيد أصغر مسعود نيا عام 1986 لعمليات كربلاء 5. كان سيد أصغر أحد مقاتلي لواء 110 خاتم. كان الشهيد احمد غلامي قائداً للواء آنذاك. كما كان السيد حسين توكلي مسؤول قسم الموظفين. في الوقت الراهن يتواجد في الدروات التي كنا برفقة الأصدقاء مشاركين فيها. ذهبت برفقة سيد أصغر وسيد فريبرز يوسفي آذر وسيد أصغر ميرعمادي من أبناء حي أوين، إلي معسكر الشهيد بروجردي في منطقة تقع بين مياندوآب ومهاباد تسمّي كك تبه. استقرينا هناك حتي انطلاق عمليات كربلاء 5 حيث تم نقل القوات إلي مكان يشبه المصفاة بالقرب من دائرة الجمارك في خرمشهر. لقد أصبحت عضواً في وحدة استخبارات العمليات. ذهبنا لعدة مرات للإستطلاع. كان العراق يقصف المنطقة بشدّة. كنا نشاهد الجنود العراقيين عن كثب ونشتبك معهم. سقط الشهداء علي الأرض ونري حينها مشاهد مخيفة. الآن منهمك في العمل والحياة اليومية وأفكرّ مليّاً بتلك الأيام، أفكر أين كنت فيما مضي. عدد  من أبناء رواية الفتح جاءوا للتصوير. كان الصراع شديداً. أعتقد أنّ اثنين من هؤلاء الشبان قد استشهدوا.

هل لديك ذكريات ممتعة من المقاتلين في الجبهة؟

أبناء الجبهات كلهم ذكريات لكن لم أنسَ أحد مقاتلي وحدتنا أبداً. لا أذكر اسمه جيداً لكن ملامحه طيبة للغاية. كان فارع الطول وشعره طويل ومجعّد. كان ينام بعد صلاة الفجر، يستيقظ بعد عشرة دقائق وينام ثانية. سألته: "لماذا تنام كثيراً؟" أجابني قائلاً: " أنا في حالة القيلولة". قلت له: "إلي هذا الحد من القيلولة؟" قال : "أؤدّي قضاء قيلولة والدي!" حيث أثار ضحكنا. أتذكر كان لديه سيف ساموراي. قلت له في إحدي المرات: ما قصة هذا السيف؟ قال: أريد عندما يظهر الإمام الحجة (عج)، أكون جاهزاً معه لخوض الحرب. كان لدي المقاتلين معتقدات خاصة في الجبهة.

قمت بتوقيع خطاب ديني حول الشفاعة،هل يمكنك أن توضح حوله قليلاً؟

 نعم أنا من كتب هذه الورقة. إنه خطي وكان من أجل عمليات والفجر 8. كتبت أنه في حين استشهادي، أتعهد بشفاعة أصدقائي. ووقع عليها الأصدقاء. أعتقد يوجد في الورقة توقيع كل من علي بلورجي وحميد دادكسترنيا ومنصور كاظمي وسيد حسين كريميان ورضا أكبري. لقد احتفظت بهذه الورقة وقلت في يوم الحساب يجب علي الأصدقاء الإيفاء بوعودهم.

حدّثنا عن العملية التي استشهد فيها 5 من أصدقائك؟

ذهبت للجبهة وللمشاركة في عمليات كربلاء 5 كقوة حرّة. ذهبت لكي التقي طلاب مدرسة مفيد هناك. جلست معهم من الليل حتي الصباح لنذهب سوية نحو العمليات. في تلك الليلة كان إلي جانب علي بلورجي شاب يبلغ من العمر 15 سنة ويبكي بكاءاً شديداً. أدوا صلاة الليل في تمام الساعة 3. علي وذلك الشاب قاما بالدعاء حتي صلاة الفجر. كانت ليلة غريبة. لم أنم حتي الصباح. في الصباح ركبنا علي متن حافلة. جئت بهدوء لكي أرافق المقاتلين في العمليات. جلست إلي جانب منصور كاظمي. أثناء الطريق أخرج كاظمي ورقة من جيبه. إذا ما شاهدتم وصية منصور كاظمي، سترون أنّ الخطين الآخرين كتبا بعجل ودون تركيز، لأنه أكملها داخل الحافلة. سألته :"هل تكتب وصيتك يا منصور؟" قال :"نعم".عندما انتهي من كتابتها وضعها في جيبه وقال لي :"خُذ هذه الورقة ولا تفتحها إلّا بعد استشهادي."قلت له: "لا تقل هذا". قال ثانية :"أقول لك خُذ هذه الوصية وضعها في جيبك". أخذتها منه ووضعتها في جيبي. أوقفوا الحافلة بعد مضييّ عدة كيلومترات. صعد شخص داخل الحافلة ونزل ثانية وذهب داخل حافلة أخري. عندما وصل إلي حافلتنا وصعد في داخلها قال: سعيد حجازي! نظرت إليه. قال: انزل. سألته لماذا؟ اللوحة الخاصة بك تتعلق بلواء خاتم ولايمكنك الذهاب، نتحمل مسؤولية ذلك. مهما حاولتُ استرضائه ورفض. أجبرت علي مغادرة الحافلة. ودعت المقاتلين. إذا لم أخطئ، كان في داخل الحافلة كل من حميد صالحي، علي بلورجي، مجيد مرادي، سيد حسين كريميان ومنصور كاظمي. ودعتهم وغادرت الحافلة. عدت وذهب المقاتلون إلي الجبهة وأنا بقيت في تلك المنطقة. لقد استشهد 5 من أفضل أصدقائي في تلك العملية. بعدها علمت أنّ ذلك الشاب الذي كان منهمكاً بالدعاء مع علي بلورجي حتي الصباح، هو ايضاً نال درجة الشهادة الرفيعة في تلك العملية.

سعادة الدكتور حجازي، نشكرك علي إتاحة الفرصة لنا لإجراء هذه المقابلة بالرغم من المشاكل التي كانت لديك.

أشكركم علي التواجد هنا. أتمني أن خلدت ذكري أصدقائي الشهداء من خلال هذه المقابلة.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2963


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة