ذكريات عزة شاهي، نموذج للشفهيين

محمد مهدي عبدالله زاده
ترجمة: حسن حيدري

2018-8-16


في السنوات الأخيرة، كان استخدام أسلوب التاريخ الشفهي كبيرا في تسجيل الأحداث المتعلقة بوقائع الثورة الإسلامية والحرب المفروضة في بلادنا .حيث خصصت  بطريقة و أخري العديد من المؤسسات ، والمنظمات والجامعات ، و ... جزءًا من ميزانيتها لقسم تاريخهم الشفهي. للأسف ، في بعض الحالات  وبسبب هذا الجهد الرائع وتكلفة القيام بذلك، يتم تأليف كتب مثيرة للإعجاب والتقدير ، ولكن من حيث المحتوى تفتقر لأسس علمية ولذلك، فإن هناك ضرورة ماسة يشعر بها لتدريس التاريخ الشفهي بشكل مبدئي أكثر فأكثر.

واحدة من أكثر الطرق فعالية وتأثيراً في التدريس والتعلم هي الطريقة النموذجية. في هذا النهج الشامل، باستخدام نمط السلوك النموذجي ، يحاول اكتساب سلوكيات جديدة والعمل بها كذلك. في كثير من الحالات، سيكون استخدام هذه الطريقة أقل تكلفة وفعالية وأكثر عملية من طرق التعلم الأخرى. وفقاً للمفاهيم الواردة أعلاه، يبدو أن تقديم الكتب التي تتمتع بمستويات مقبولة من التاريخ الشفهي مرحب بها من قبل الأشخاص الذين ينشطون في مجال التاريخ الشفهي. من ناحية أخرى، يمكن أن تكون الكتب التي يتم تقديمها، أن تصبح نموذجاً  يستند به عند توقيع العقود مع منفذي مشاريع التاريخ الشفهي.

في هذا المقال، نذهب إلى كتاب  شخص على دراية بالجوانب النظرية للتاريخ الشفهي و الذي يمتلك دراسات أكاديمية، ومن ناحية أخرى وفي إطار العمل، قام بانتاج العديد من الكتب في هذا المجال، حيث تم تجديد طبعها لعدة مرّات.

تم نشر كتاب «ذكريات عزة شاهي» في 865 صفحة من قبل مكتب آداب الثورة الإسلامية و دار سورة مهر لنشر. كما كان تحرير و دراسة هذا الكتاب علي عاتق السيد محسن كاظمي. يبدأ محتوى هذا العمل من طفولة الراوي ويستمر حتى بعد انتصار الثورة.  بالإضافة إلى تعرفه علي رواية الراوي و كيفية تعامله بشكل غير مباشر مع أحداث البلد الأخري وأنشطة الجماعات المختلفة التي تعارض نظام البهلوي آنذاك، مثل المجاهدين والشيوعيين. وفي الوقت نفسه ، فإن مذكراته من سنوات ما قبل الثورة في الكشف عن جرائم النظام البهلوي في السجون السياسية في البلاد هي مسألة ينبغي على القارئ أن يفكر فيها.  إن نتيجة الجهد التعاوني للراوي والباحث والباحث والفريق المشارك في إنشاء هذا العمل هو كتاب له بعض الأبعاد المثيرة للإعجاب في التاريخ الشفهي.

الراوي في لمحة

ولد عزة الله مطهري، المعروف باسم عزة شاهي، في خوانسار عام 1946م. بعد الانتهاء من تعليمه في الصف السادس الإبتدائي ، سافر إلى طهران وبدأ يعمل كمتدرب في السوق. بدأ شاهي نشاطه السياسي من خلال علاقته مع الدوائر الإسلامية.  بعد ذلك شارك في تأسيس جبهة التحرير الوطني لإيران وتعطيل كرة القدم الإيرانية الإسرائيلية في ملعب أمجدية ( 1966 ) .بعد ذلك اعتقل علي يد السافاك وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً، وبعد سنوات من التعذيب والأسر أطلق سراحه في عام 1979.

في سجن السافاك، كانت أبرز سمات  عزة شاهي ، مقاومته الفريدة من نوعها في كتمان أسرار النضال واستمرار السياسة التي كان يعلم أنها علي حق.كان رمزاً للمقاومة والنضال أمام جلّادي السافاك حيث يحظي بثقة و إحترام معظم المجموعات النضالية. في مذكراته، تم التعبير عن تاريخ عقدين من القتال ضد نظام الشاه وتاريخ التيارات السياسية والجماعات المسلحة.

وحصل كتاب «مذكرات عزة شاهي» في عام 2006 وبعد فترة وجيزة من النشر، علي المركز الثاني في مهرجان كلية  الإمام الخميني (رحمة الله عليه). كما تم تكريمه في السنة الخامسة والعشرين من كتاب السنة لجمهورية إيران الإسلامية.

وحسب ما قاله عزة الله مطهري، خلال لقائه مع آية الله الخامنئي، أشاد المرشد الأعلى بالكتاب وشبه الكتاب بالمدينة التي خرجت الآن من تحت الأنقاض لجعل الناس يدركون أنها كانت أيضا مدينة هنا. ومن النقاط الأخرى التي أشار إليها زعيم الثورة الإسلامية، هو النهج الصادق لعزة الله مطهري (شاهي) في التعبير عن مذكراته. وأكد أن هناك كتب مكتوبة بشكل جيد ، لكنها ليست ذات دلالة ، لكنني و علاوة علي قراءة هذا الكتاب بشكل كامل، قرأت بعض من أجزائه لعدة مرات.

يحتوي كتاب ذكريات عزة شاهي على العديد من الميزات المشار إليها أدناه:

آـ الميزة الأبرز في كتاب عزة شاهي، لغته. هذا النثر التدريجي والبسيط والواقعي و يرافق القارئ حتى نهاية الكتاب. هذا النثر يظهر صدق الراوي والمحرر في التعبير عن الموضوع. في نص الكتاب وفي المواقف المختلفة ، باستخدام المساحات المناسبة ، يستطيع القارئ أن يفهم الظروف التي حدثت فيها الذكريات والشخصيات المؤثرة في المشهد. على سبيل المثال:

1ـ في الغلاف الخلفي نقرأ: كانت الغرفة رقم 22 مائلة قليلاً وكانت الأرضية رطبة. لقد جرّدونني من جميع ملابسي و أجلسوني علي أرضية الغرفة و قالوا لي أكتب. جلست علي ركبتي وبيد سترت عورتي و في يدي الثانية امسكت القلم. كان البرد قارساً جداً و أسناني تضرب بعضها البعض. يتصاعد البخار من أنفي و فمي. كانت يداي و جميع أعضاء جسدي ترتجف من شدّة البرد. لم أتمكّن من كتابة أي شيء. لقد تسرب البرد إلي جسدي و وصل إلي نخاع العظم. قلت له و أنا أرتجف من البرد و بكلمات متقطعة : لم أستطع الكتابة....

في هذه السطور القليلة ومن خلال الجملات القصيرة ذات الكلمات الوجيزة ووصف للغرفة المذكورة، يمكن فهم الغطاء والظروف المادية للراوي من خلال شخصية أجندة السافاك، وطريقتهم في التعامل مع السجناء والصعوبات التي يتحملها الراوي.

2ـ لقد أزال حسيني الغطاء من علي رأسي. نظر إليّ و نظرت إليه: كان دراكولا! للذين لم يكونوا علي إستعداد، كان وجه حسيني بمثابة تعذيب لهم. كان جسده و عيونه و أسنانه مخيفة جداً. كان وحشياً بمعني الكلمة! تفاجأت بعد مشاهدة حسيني، أدركت أن الأوضاع ليس علي مايرام. قال حينها: السيد عزة خان! كيف حال صديقنا الودود؟! قلت :لابأس بحالي. امسك يدي و أخذني باحترام نحو الغرفة. أنامني علي السرير . كبّل قدماي و رفع يداي إلي الأعلي. ومن ثم قال: عليك أن لاتتكلم و لو حرفاً واحداً و لا يعلو لك صوتاً، إذا اردت التحدث عليك أن تعرف يدك. بعدها بدأ يجلدني ببرودة أعصاب حيث شعرت بالألم الشديد. كل سوط عبارة عن ضربة تقطع أنفاسي...

في هذا النص لإعطاء القارئ صورة ذهنية، شخصية حسيني،ا لجلاد الشهير للجنة المشتركة، تخبرنا ملاحظات الراوي ومحادثاته مع هذا الجلاد في بضع جمل عما يحدث في غياهب السافاك ونوع التعذيب في جملات قصيرة ، وهو أمر واضح تماماً.

ب ـ السرد المناسب للنص هو أحد خصائص هذا العمل. للأسف ، في الكتب التي تم إنتاجها باسم التاريخ الشفهي، هناك الكثير من التطرف في إدخال الأماكن والشخصيات والأحداث ، وغيرها من المواضيع. في بعض الكتب ، التفسير متعدد الصفحات للكلمات غير المطلوبة على الإطلاق ، قد تغلب على هامش النص، ومن ناحية أخرى، في بعض الكتب المذكورة، تم استبعاد حتى أكثر المتطلبات الأساسية لإدخالها في الهوامش.

تمكن المحرر من استخراج المئات من البودكاست واستخدامها في الإحالات ووضع العلامات مع بضع سنوات من البحث وعمليات البحث في المنشورات والمجلات والكتب ذات الصلة وغيرها من الموارد بطريقة مستهدفة ومبرمجة.

ج ـ استخدم محسن كاظمي الحوار مع أكثر من عشرين شخصاً تماشيا مع الراوي أو المعلومات التي تكمل المذكرات. مقابلتهم جعلت الراوي أن لا يذهب نحو القاضي فقط حيث يؤمن بمصداقية المواضيع. إن استخدام هذا النمط سيجعل كتب التاريخ الشفهي والمذكرات الشفوية تبدو أشبه بالكتب التاريخية.

دـ لقد كان محسن كاظمي ذات صبر و سعة صدر كبيرتين في إنجاز هذا العمل، كم جالس الراوي، عزة شاهي لفترة من الزمن. بالاجتماع مع أصحاب الذكريات ، سيفهم المحرر مزاجهم وشخصيتهم ، ويفهمون أسلوب ونمط خطابهم ، والأهم من ذلك ، أن يكون مع الراوي في بعض المواقف التي تتشكل فيها الذكريات الهامة ، يجعل الراوي أكثر صلة وهو الشخص الذي يريد أن يفهم الذكريات بلحمه وجلده وأن يمررها بشكل صحيح. في هذا الصدد ، ذكر كاظمي في مقدمة الكتاب: من أجل لمس والتعايش بعض المواضيع والأماكن ، طلبت أن نذهب معاً إلى المكان الذي اصطدم فيه مع أزلام السافاك  في زقاق رودابه، حيث يعيد تكرار وصف الوضع مرة أخرى، وفقاً لإحداثيات ما وقع هناك في تلك الحقبة. بعد عدة زيارات إلى اللجنة المشتركة لمكافحة التخريب، نظرنا بعناية في الزنزانات ، وأدوات التعذيب وصور المحققين والجلادين .في إحدي هذه المرات، طلبت من عزة أن يرتدي ملابس السجن ويرينا كيفية تعذيبه و أن يقع للحظات تحت الأبولو و أن يجلس للحظات داخل الزنزانة و عدة إقتراحات أخري!....لقد فعل ذلك، لكنه شعر بحالات غريبة وعجيبة وانقلب وجهه و باح بذكرياته لفترة ساعة دون انقطاع و دموعه تنهمر علي وجنتيه، كأنما كان يسير في عالم آخر، لم يرانا في تلك اللحظات، يقول ما يتذكره بسرعة فائقة، خشية أن ينسي ما ذاقه ثانية!

هـ ـ مقدمة من ثماني صفحات لهذا الكتاب هي مقالة كاملة. في هذه المقدمة، نوقشت باختصار مواضيع محتوى الكتاب و الراوي، مدة المقابلة، الحدود، الإمكانيات، مدى احترام نبرة الراوي، أسباب ودوافع خلق هذا العمل ، وكلمة شكر للذين لعبوا دوراً إيجابياً في نشر هذا الكتاب. تساعد هذه المقدمة القارئ في تحديد ما إذا كان مهتماً بموضوع الكتاب.

وـ أحد معايير تقييم النصوص هو عدد وتنوع ومصداقية المصادر التي استخدمها الباحث في عملية البحث. تتمتع ذكريات عزة شاهي من حيث استخدام المصادر والوثائق بإثراء كبير. استخدم الباحث أفضل مصادر محتملة ، مثل الوثائق والصحافة  والمقابلات، والكتب  والمنشورات، والنشرات، وحتى الأشياء المكتوبة علي لافتات القبور.

زـ كتاب عزة شاهي، تاريخ شفهي يتمحور حول «محورية شخصية».على الرغم من إزالة الأسئلة من النص، لكن يمكن إستنباط الأسئلة من خلال ما تم تحريره في الرواية. من ناحية ، عن طريق البحث بالمعنى الحقيقي للكلمة ، وضع محسن كاظمي هذا الموضوع الذي يركز على موضوع في قناة التاريخ الشفهي، وهذا هو مدى أهمية هذا الكتاب ليس فقط جزءاً من تاريخ الثورة الإسلامية فحسب، بل تسجيل تاريخ نضالات المجموعات السياسية المختلفة في عقدين من الزمن.

ح ـ من الروح العلمية للمحرر، يكفي تقديم الملاحظات من القراء بعد الطبعة الخامسة من المذكرة في نهاية الكتاب ، وتقرير وقائمة نقدية للكتاب.

 

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2885


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة