مقابلة مع السيدة نجمة جماراني،عنصر إغاثة في فترة الدفاع المقدس

مذكرات من أيام حصار مدينة آبادان و فدائي الإسلام

فائزة ساساني خواه
ترجمة: حسين حيدري

2018-4-13


نجمة جماراني هي واحدة من الفتيات الشابات الناشطات طيلة 8 سنوات من الدفاع المقدس، إذ منذ بداية السنة الأولى من الحرب العراقية التي فرضت على إيران حتى نهايتها ، كانت إلى جانب الأنشطة الاجتماعية والثقافية الأخرى،قد تشارك في جهود الإغاثة في مناطق الحرب والمستشفيات في طهران. تواجدها أثناء الحصار الذي فُرض علي آبادان إبّان الحرب المفروضة و تعرفها علي مجموعة فدائي الإسلام آنذاك، كان السبب وراء تفقدها من قبل مراسل موقع تاريخ ايران الشفهي بإجراء مقابلة معها حول ذكرياتها عن تلك السنوات.

متى قررتي الذهاب إلى مدينة آبادان من طهران  للإغاثة؟

لقد مضت عدة أشهر من الحرب حيث قررت برفقة صديقتي تهمينة أردكاني ـ و التي تعرفت عليها من قبل في جهاد البناء ـ أن نذهب لمدينة آبادان لإعداد التقارير و القيام بعمل الإغاثة.

هل مانع والديك الذهاب إلي مدينة كانت ترزح تحت الحصار؟

لا، لأنهما كانا علي نهج الثورة و تقديم الخدمة لها ولاتوجد لديهما أي مشكلة. كما كان أخي مشاركاً في الجبهات أيضاً.

لماذا اخترتي مدينة آبادان من بين سائر مناطق الحرب الأخري؟

كانت مدينة آبادان تتعرض للحصار و سمعت أنها تعاني من قلّة المواد الغذائية و قوات الإغاثة و التمريض. ونظراً لأننا نعرف همل الإغاثة و متدربين علي السلاح، قررنا الذهاب إلي تلك المدينة.

بالنظر إلي أن مدينة آبادان كانت محاصرة،هل كان ذهابكم إلي هناك يتم بسهولة؟

لا، لايوافقون بالذهاب إلي هناك علي الإطلاق. كانوا يقولون:«إن المدينة محاصرة، إلي إين تريدون الذهاب؟» أخيراً تمكنّا من الذهاب عن طريق شقيق السيدة تهمينة. لقد حصلت علي شهادتي بداية عام 1359 عن طريق الجيش حيث يمكننا الذهاب إلي هناك بواسطة طائرة سي 130. ذهبنا عن طريق الطائرة إلي مدينة ماهشهر. أعطي لنا الجيش الكثير من اللافتات الإعلامية التي كتب عليها جُمل و أحاديث  الإمام الخميني (رحمة الله عليها) و أرفقناها معنا علي متن الطائرة. ركبنا طائرة هليكوبتر وذهبنا إلي قرية تسمّي چوئبدة و من ثم عن طريق سيارة تابعة للجيش إنتقلنا إلي مستشفي النفط.

كيف كان الوضع في مدينة آبادان؟

كانت المدينة هادئة جداً. كانت القوى الشعبية قليلة جداً أيضاً. تم تعزيز وتحصين بعض المنازل بالمخابئ. كانت السيارات العسكرية تجوب المدينة و ينظرون إليّ و لتهمينة بدهشة. كما كانت تقوم تهمينة بالتقاط الصور من المشاهد التي تراها هناك. لانسمع أي صوت سوي صوت الإنفجار و إطلاق النار. وصلنا إلي المستشفي و نزلنا من السيارة. كان العراقيون قد قصفوا المستشفي و استشهد علي إثرها الطبيب و المصابين في غرفة العمليات. كانت الأوضاع ليست علي مايرام. قالوا أنهم في تلك الحالة لايمكنهم قبول القوات. قال رجل كان واقفاً هنا:«تعالا كي اوصلكما إلي مستشفي طالقاني.» بعد دخولنا إلي المستشفي،ذهبنا لزيارة الدكتور شاه حسيني رئيس المستشفي. سئلنا الدكتور شاه حسيني عن عملنا حيث وضحنا له نشاطاتنا و فعالياتنا في الهلال الأحمر و قلنا له نعرف كل شيء،التعقيم و التضميد و إعطاء الدواء للمرضي. في الأشهر الأولي من الحرب كنا نذهب عن طريق القطارات الطوعية التابعة للهلال الأحمر إلي المناطق الجنوبية.لقد سافرنا كثيراً عن متن تلك القطارات حيث نعتبر من كوادرهم الدائمة هناك. فيما فرح الدكتور كثيراً و قال: "هل باستطاعتكما العمل في قسم الطوارئ؟" قلنا لا يهمنا أين ما دعت الحاجة.

كيف كانت ظروف المستشفي؟

كانوا يعملون هناك عدد من القوات الشعبية من أهالي آبادان  و الذين تطوعوا بمشاعرهم الشابة و لايعرفون عن العمل الكثير. كان المستشفي يعاني من قلّة وجود الدم. كنا نذهب أنا و السيدة تهمينة إلي الأماكن المخصصة في المدينة و نستقبل دماء المتطوعين. أهالي المدينة ليست لديهم معلومات كافية حول التبرع بالدم و يتبرعون بصعوبة و يقولون:«ليس لدي دم فكيف أتبرع بدم جسمي؟!»

هل كانت ظروف المستشفى مقبولة بالنسبة إليكم؟

كانت الظروف صعبة بعض الشيء. معظم الأطعمة التي يصنعونها كانت من العدس و ترش بالتوابل الحارة. لأن التوابل الحارة مضرة للمصاب الذي ينزف و الفلفل يجعل الدم رقيقاً و يزيد من الإستنزاف. كانت لدينا إجازة لساعتين في اليوم الواحد فقط.  طلبنا من شخص يسمي السيد محمد رضا همه وند من أهالي مدينة خرمشهر،و الذي كان شاباً جيداً و موقراً إلي حد كبير و يتردد علي المستشفي باستمرار، أن ينقلنا إلي جزيرة مينو لكي نستطيع أن نجري مقابلات مع المقاتلين المتواجدين في تلك المنطقة. هناك وجدنا الكثير من التمور التي تم إعدادها للبيع  و وضعت في الزوارق عن طريق اصحابها لكنهم لم يتمكنوا من بيعها بسبب ظروف الحرب. سألنا:«هل يمكن أن نأكل من هذه التمور؟» قالوا : «نعم. إذا بقت هنا ستفسد البضاعة ، أو إذا سقطت قذائف الهاون ، سيتم تدميرهم بالكامل.» كلما ذهبنا إلى هناك ، يمكننا نقل التمور للجرحى المتواجدين في المستشفى قدر استطاعتنا. في ذلك الوقت ، كانت المعنويات مختلفة ، ولم يكن لأحد أن يقول إن واجبي كان واضحًا. الجميع سوف يفعل كل ما يتطلبه الأمر.

وبصرف النظر عن العدو الأجنبي الذي حاربنا بشكل صريح ورسمي ، فإن الطابور الخامس كان أيضا في الداخل يعمل سراً.  وكان بعضهم يتسلل ويخل بعمل المستشفيات. هل شاهدت مثالاً على هؤلاء الناس خلال فترة وجودك في مستشفى طالقاني؟

نعم كانت هناك إمرأة مسؤولة لإحدي أقسام المستشفي و لم تعتني بحجابها. تتردد دون حجاب بين المصابين و تعاملهم بسلوكيات مسيئة. في إحدي المرات جاؤوا بشخص مصاب حيث كان ينزف بشكل كبير. يجب أن نضع رجله علي وسادة لكن لم تتوفر. كلما قلنا نحتاج لوسادة لهذا المصاب،تقول لايوجد لدينا. قلت لها:« قبل عدة أيام طلبت وسادة و كانت متوفرة لديكم، فكيف لا تتوفر في الوقت الحالي؟» قلنا ذلك للدكتور شاه حسيني : «نحن نشك في أمر هذه المرأة! يجب أن تتم مراقبتها !». لهذا وضعوها تحت المراقبة لعدة أيام حيث كان ظننا بها صواب و تم اعتقالها بعد ذلك. لقد تبيّن أنها تعمل مع مجموعات مناوئة للثورة. ربّما لا تصدقون أنها كانت تخزن حوالي مئة إلي مئة و خمسين بطانية و وسادة في المستودع تأبي إعطائها للقسم! في التحقيقات التالية ، أصبح من الواضح أن هؤلاء كانوا أربع أخوات مرتبطات مع مهندسين أمريكيين قبل الثورة! كما أن هنالك شخص آخر أرسل زوجته وأطفالها إلى مدينة ماهشهر لديه نفس المشكلة. في يوم من الأيام قال لي و لتهمينة:«أريد أن أذهب إلي المنزل،هل تأتيا معي إلي هناك؟» قلت له : «نعم» و ذهبنا معه. أخذنا معه إلي عتبة باب منزل ما. طرق الباب و دخل و عاد بعد بضعة دقائق. سلوكه لم يكن طبيعياً. كان هناك شيء مثل المذياع بيده حيث لم يكن مذياعاً.أخبرنا رئيس المستشفي بذلك. اكتشفنا لاحقاً أنه كان يتعاون مع العدو وينقل المعلومات لهم، وفي ذلك اليوم كان قد أخذنا معه غطاءً لأعماله. في تلك الحقبة كنّا نشكّ بأمر الكثيرين. في إحدي رحلاتنا إلي مدينة آبادان،في مدينة ماهشهر كانت تتبعنا شابة حيث نذهب أنا و تهمينة. كانت تنتمي إلي إحدي المجموعات السياسية. كما جاءت معنا إلي داخل المستشفي لكنها لا تعرف عن عمل الإغاثة شيئاً.  أبلغنا رئيس المستشفي بذلك حيث أن هذه الفتاة ليست معنا و لا نعرفها علي الإطلاق. بعد عدة أيام اختفت تماماً!

هل لديك مذكرات عن مصابي و شهداء مستشفي طالقاني؟

نعم لدي مذكرات كثيرة. ذات يوم جاء ضابط عسكري ينتمي للجيش إلى المستشفى بينما يرافقه عدد من الجنود. ألقي ذراعيه علي عنق إثنين من الجنود و يمشي رويداً رويداً. كانت ساقه متصلة بجلد رقيق ، لكنه لم يبك على الإطلاق ولم يتألم. عندما وضعناه علي سرير الطوارئ سئلته: كيف حالك؟ قال:«أفقدوني الوعي من فضلكم قبل أن أبدي ضعفاً». كان قواته مضطربين و قلقين جدا و يقولون أنه مثل والدنا. عندما أجريت العملية الجراحية عليه و استيقظ، ذهبت لأتفقد أحواله و سئلته:« لماذا لا تتألم رغم كل الجراح؟»أجابني قائلاً:« هناك عدد من القوات تحت امرتي ولا ينبغي إضعاف معنوياتهم». يبقي المصابين لعدة أيام في المستشفي و بعدها ينقلونهم إلي مدن أخري. لم يقبل بالأنتقال من هناك و قال:« لاترسلونني إلي طهران،أريد البقاء هنا و تقديم الخدمة».

هل كانوا الجرحى والشهداء من العسكريين فقط؟

كلّا. أتذكر أنه في يوم من الأيام جاؤوا بإمرأة للمستشفي فقدت رأسها و استشهدت. كان عمرها يناهز السابعة عشرة و عربية. كما كان لديها ثلاثة أطفال صغار السن حيث يبلغ عمر زوجها 70 عاماً. يقولون أن أعضاء الحرس الثوري ذهبوا لبستان النخيل الذي كان يسكن فيه و تحدثوا معه كي يترك ذلك المكان،لكنه لم يقبل أن يعيش في المدينة و في مكان آمن. لقد سعينا أنا و السيدة تهمينة بنقل الأطفال لمكان آمن لكن والدهم لم يقبل بذلك.كما جاؤوا في يوم من الأيام برجل في منتصف العمر نال الشهادة. كان عمره 42 أو 43 عاماً. قُطّع جسمه إلي نصفين و فقدت أمعائه أيضاً. كان عاملاً في البلدية. عندما وضعت يدي في جيبه وجدت راتبه الشهري و الذي يبلغ آنذاك 12 ألف توماناً مرفقاً بورقة قد وقع عليها بعد استلام راتبه. لقد حصل علي راتبه كي يرسله لعائلته في مدينة ماهشهر.

كم طالت فترة العمل في مستشفي طالقاني؟

حوالي ثلاثة أشهر. أحياناً كانوا يقصفون المستشفي مرتين أو ثلاثة مرات طيلة اليوم.

عدتم إلي طهران؟

كلا. التحقنا بمجموعة فدائي الإسلام.

كيف تعرفتم علي مجموعة فدائي الإسلام؟

تعرفنا عن طريق السيد همه وند علي هذه المجموعة. ذهبنا إلي مقرّ فدائي الإسلام و قلنا نريد الذهاب إلي الخط الأمامي للجبهات. قلنا لهم نعرف عمل الإغاثة و نريد إعداد الصور و الأفلام من هناك. أنا و السيدة تهمينة كنا طالبات في فرع السينما. لقد صادفت الجامعة الثورة الثقافية و أغلقت.

هل التقيتم بقائدهم السيد مجتبي هاشمي ؟

نعم. في تلك الليلة التي جاء الخبر بأن [ابوالحسن] بني صدر (رئيس الجمهورية آنذاك) ألقي خطبة نارية في جامعة طهران و حصلت بعدها صدامات بين مناصريه و مناصري الشهيد [آية الله سيد محمد الحسيني] بهشتي في تلك الجامعة. الجميع شعر بشعور غريب بعد سماع هذا الخبر. قال بعض الناس أننا سنضع أسلحتنا ، وسننهي بني صدر في طهران ، ثم نعود لمحاربة العراقيين. أتذكر جيداً أن الشهيد سيد مجتبي هاشمي والشهيد علي اصغر شعله ور تحدثا إلى الحشد وطلبا منهم أن يتحلوا بالصبر و الهدوء. حيث قال السيد هاشمي حينها:«إذا تركنا هذه المنطقة،سيأتي الجيش العراقي إلي هنا و يسيطر عليه و رويداً رويداً وسيحتل طهران أيضاً. يجب أن نتعامل بحكنة و نجعل طهران بيد القوي الثورية.»

علي أي جبهة مجموعة فدائي الإسلام كانت مستقرة؟

ذوالفقاري.

لماذا غادرتم مستشفي طالقاني الذي يتمع بأمن أكثر و الذهاب إلي جبهات ذوالفقاري؟

كان هناك الكثير من الطاقات في المستشفى. عناصر الإغاثة تعلموا واجباتهم بشكل تدريجي.  نود أن نكون قريبين من الخط الأمامي إذا كانت هناك عملية عسكرية. السيدة تهمينة كانت تقوم بإعداد التقارير إلي جانب عمل الإغاثة. قبلها ذهبنا إلي كوت الشيخ أيضاً. كوت الشيخ جزء من مدينة خرمشهر حيث في هذا الجانب كان الشط و لم يستطع العراقيين السيطرة عليه. وجدنا أن قواتنا قامت بفتح ممرات داخل البيوت كي يكونوا بعيدين عن أنظار العدو العراقي. ذهبنا إلي هنا و هناك حتي جاء السيد همه وند و عرفنا علي مجموعة فدائي الإسلام. كان محل استقرارهم في فندق برشين. كانوا يقومون بإعداد الطعام و يرسلونه إلي الجبهات. كما يتم توزيع و تحديد القوات التي تأتي من طهران في هذا المكان كذلك. بعد ما أنتهي عملنا في المستشفي نذهب بواسطة سيارة نحو ذوالفقاري.لقد ذهب بنا السائق من مكان تمر من جانبنا الإطلاقات النارية و الرصاص. أجبرنا علي الوقوف هناك. كانا شقيقين من الآذريين مختبئين تحت أنابيب النفط قالوا لنا: « اسرعوا بالنزول من السيارة!» نزلنا. دفعوا السيارة و ركنوها في زاوية. سئلونا:«ماذا تفعلون هنا؟» قلنا لهما:« نذهب ل ذوالفقاري» قالا:«جئتم بشكل خاطئ! ارفعوا رؤوسكم و ستجدون أنكم في مرمي العدو. لم تفصلنا عن العراقيين سوي مئتي متراً!».

ماذا كنتم تفعلون في ذوالفقاري؟

إغاثة و مراسلة و التقاط الصور و حتي نحفر المخابئ إلي جانب المقاتلين و نقوم بالحراسة ليلاً. قامت تهمينة بالتقاط صور و افلام كثير من تلك المنطقة.

كانت تلتقط تهمينة أردكاني هذه الصور لأي جريدة؟

لا أتذكر. لكن أخاها عباس كان يعمل في جهاد البناء  و يعرض الصور بشكل كبير عن طريق الجهاد في المعارض.

أنتما السيدتين الوحيدتين الذين كنتما في تلك المنطقة؟

نعم. كانت تأتي أحياناً إلي هناك سيدة من أهالي مدينة خرمشهر تسمي (خواهر دريا) حيث بعد ذلك تزوجت من أحد أعضاء مجموعة فدائي الإسلام.

أين كنتما تسكنا في ذوالفقاري؟

الكل كان هناك في المخابئ. أنا و السيدة تهمينة أيضاً كنا في مخبئ واحد.نقيم الصلاة و نأخذ قسطاً من الراحة. أحياناً عندما تهدأ الأمور و يتوقف إطلاق النار،كان السيد مجتبي هاشمي يقيم الصلاة جماعة و نحن نقتدي به.

كيف تصفين ذلك القائد؟

كان منظماً. و يرتدي الزي و يضع القعبة الملتوية. لديه أبهة كبيرة. يحظي بعلاقة جيدة مع قواته و لايترك المنطقة الحربية إلا عند الضرورة. إذا كان يذهب في الليل إلي مقر فدائي الإسلام ليعود بسرعة للمنطقة. ينادينا بالأخت  أنا و السيدة تهمينة.

كيف كان الوضع هناك؟

يعتقد بعض الناس أن الإمكانيات كانت متوفرة في الجبهات ولم تكن هناك أي مشكلة! في الخطوط الأمامية كانت الذخيرة مقنّنة. كما كنا نعاني من قلّة الأسلحة. في بعض الأحيان كانوا يقننون ثلاثة إلى أربعة أعيرة نارية (آر بي جي).كما أن العدو يطلق الأعيرة النارية من بين كل خمسين متراً. لم يوفر بني صدر الإمكانيات اللازمة. لم يعطِ الرصاص بما يكفي. عندما كان يطلق العدو إطلاقات نارية مكثفة ، لم يكن ممكناً بأي حال من الأحوال إحضار الطعام. كان يجب أن نحضر البسكويت الخاص بنا. هذه الكميّة من الطعام لم تكن كافية للمقاتلين الذين لديهم عمل مكثف و متعب حيث يجب عليهم حفر المخابئ. و يحصل كثيراً أنه لم يصل إلي الجبهة الأمامية أي طعام لخمسة أيام علي الإطلاق كما أكثر الطعام كان مما يرسله الناس كهدايا للمقاتلين. بعد عدّة أيام جاؤوا بوعاء من الأرز و مرق الخضروات. يمنح كل شخص ملعقتين من الطعام فقط، حيث كميتنا من الطعام أنا و السيدة تهمينة كان أكثر من الباقين. سالت عن السبب و قالوا أن عدد من المقاتلين قام بإهداء حصصهم و قالوا:« امنحوا طعامنا لإخواتنا لأنه لاطاقة لهنّ علي تحمل هذه الظروف». كما كنّا نعاني من عدم وجود مياه الشرب الصحيّة، في إحدي الأيام كنت أنا و السيدة تهمينة نعاني من العطش، أخذنا كمية من المياه الموجودة في وعاء وتناولناها أيضاً. طمعه مختلف. سئلنا الأخوة : لماذا المياه أصبحت هكذا؟ قالوا:« هذا ليس ماءً بل نفط الفانوس».لقد تغيرت رائحة النفط إثر حرارة الجو! ذهبوا حينها الأخوة و جاءوا بكمية قليلة من ماء الليمون لكي تزيل تأثير النفط. يجب علينا في تلك المنطقة أن نكون علي جهوزية و مسلحين كي ندافع عن أنفسنا أثناء هجوم العدو. تعلمت قبل الثورة العمل ببندقية الصيد.

ماذا تفعلون بشأن النظافة؟

 كان هناك حفرة كبيرة لقضاء الحاجة (المرحاض) يخشى المرء من السقوط فيها  و قاموا بتدويرها بقطع قليلة من الحديد المغطى. عندما نريد الذهاب لقضاء الحاجة نخشي من سقوط القذائف علي ذلك المكان. نذهب طيلة الأسبوع مرة واحدة للمدينة من أجل الإستحمام. كان في المدينة حمام بالقرب من سينما ريكس . كان الحمام مزدحماً في كثير من الأحيان. لكل شخص وقت محدود من أجل الإستحمام.

هل أتي بني صدر إلي مدينة آبادان أثناء تواجدكم هناك؟

وذات يوم قالوا عليكم بترتيب ونظافة أنفسكم و خنادقكم، ، يريد بني صدر أن يزور المنطقة. كانت بعض القوى منزعجة ومضطربة جداً.  قالوا: "كيف نقوم بترتيب أنفسنا، وليس لدينا سوي نفس الملابس. لم نأت لحفل زفاف، بل هنا ساحة حرب فقط». في نهاية المطاف لم يأت بني صدر إلي هناك للأبد!

كم من الوقت تعاونت مع مجموعة فدائي الإسلام؟

كنا معهم لمدة ستة أشهر كل فترة تنحصر علي شهرين.  في المرة الأولى التي ذهبنا فيها إلى عائلاتنا إلى طهران، منحنا السيد مجتبى هاشمي رسالة تمكننا من العودة إلي مدينة آبادان ثانية .في طهران أعلنا عن إحتياجات الجبهات إلي البطانيات و سائر الامور الأخري. هذا و تمكنا من جمع حوالي ثلاثة أو أربعة شاحنات من الأثاث و المواد اللازمة و ارسلناها إلي تلك المنطقة. الرجل الذي ذهب لإستلام الأثاث من حيّينا، قال لأهالي الحي أنكم جالسين هنا و الفتيات ذهبن لسوح القتال! المكان الذي ذهبن إليه خطر  جدا. هل تعتقدون أن إبنة السيد جماراني ذهبت إلي تلك المنطقة؟

من مجموعة فدائي الإسلام هل تتذكرين شخصاً آخراً سوي الشهيد السيد مجتبي هاشمي؟

كان هناك سيداً إستشهد في شهر اسفند لعام 1359. أخبرنا أنهم خمسة من الأبناء و بعد رحيل والدهم، ربتنا والدتنا من خلال عملها في البيوت. كنت ذاهبة للعمل ستة أشهر عندما بدأت الحرب. طلبت الرخصة من أمي وأتيت إلى الجبهة لكني وعدتها بأنه ستكون لدينا حياة جيدة بعد إنتها الحرب، لكن والدتي قالت حينها:«كما عملت من قبل و قمت بتوفير مصاريف الحياة سأستمر في توفيرها أيضاً». بالرغم من الفقر المهيمن علي حياتنا لكن كانت من حيث الإيديولوجيا غنية جداً. في إحدي الأيام قصفنا العدو و استشهد جرّاء ذلك السيد و أربعة من رفاقه هناك. و أقام السيد مجتبي مراسيم في الخنادق تكريماً لهم و لمواقفهم البطولية. كما قرأ دعاءً في البداية و بعد ذلك قام السيد مجتبي هاشمي بقراءة المديح  و الأشعاربصوته الشجي. كانت أصوات البكاء تتعالي بشكل كبير حيث أنا و السيدة تهمينة ظننا بوجود نساء غيرنا هناك. لكن عندما أضاءوا المصباح رأينا عدم وجود أي إمرأة في تلك المنطقة. مازالت أصوات البكاء أسمعها في أذني. في إحدي المرات كان لدينا عدد من المصابين، لكن لاتوجد أي أدوات إسعاف. نقلوهم عن طريق سيارة أخري. أنا و السيدة تهمينة قمنا بتضميد جراح المصابين. الشخص الذي كان ينقل المصابين إلي المستشفي اسمه السيد نصر اللهي. قال في ذلك اليوم أن ابن خالته أصبحت خطيبتي و أنتظر إنتهاء الحرب كي نتزوج. بعد ما نقل المصابين إلي المستشفي، ذهب إلي مكان آخر ليقوم بالواجب لكن في ذلك اليوم استهدف العدو سيارته و استشهد حينها. لايمكنني نسيان وجوه أعضاء مجموعة فدائي الإسلام علي الإطلاق. هؤلاء المقاتلين لايمتلكون خوذة لوضعها علي رؤوسهم أثناء القصف. يرتدون ملابس بسيطة جداً. البعض منهم يمتلك زيّاً واحداً فقط. ينتزعونها في الليل و يضعونها كوسادة و في الصباح يرتدونها ثانية . كما يقول البعض أن أعضاء مجموعة فدائي الإسلام فقراء و أمييّن.لكن ليس هذا صحيحاً. كان الشهيد علي أصغر شعله ور طالب في مرحلة الدكتوراة في أمريكا. نابغة ويتحدث قليلاً و تراه يقدم الكثير. أصيب بجروح في ذوالفقاري و نُقل إلي مستشفي مدينة ماهشهر. كما كان من المقرر أن إذهب برفقة تهمينة إلي طهران . قبل الذهاب قمنا بزيارة المستشفي و التقيناه هناك. أعطانا رقم هاتف منزلهم و قال :« يرجي الإتصال بعائلتي و طمئنتهم علي أحوالي».عندما اتصلنا علي هاتف منزلهم كان صوت القرآن يلوح في الأفق. قلنا لقد جئنا من المنطقة. الشخص الذي كانت بيده السماعة قال:« نعم،اليوم أخبرونا بنبأ استشهاده!». حينها شعرت بحزن كبير.

حتى متى استمر نشاطكِ مجموعة فداي الإسلام؟

كنت معهم حتي شهر مهر من عام 1360. عندما عدّت للمرة الأخيرة إلي طهران،  وفروا قواتنا الإستعدادات الأولي لفك الحصار عن مدينة آبادان. كما قاموا بحفر قناة لتحديد تواجد القوات العراقية في ذلك الجانب. من أجل فك الحصار عن مدينة آبادان ،إجتهدت القوات لستة أشهر ليل نهار و دون ضجيج. كانت هنالك مجموعة تدخل القناة و عندما تشعر بالتعب تعود و تستبدل بمجموعة أخري. عملوا ذلك بدون ادني صوت لأن سيارات الإستطلاع العراقية كانت تحوم هناك. إذا رفعنا رؤوسنا من الخنادق نري القوات العراقية. لقد تزوجنا أنا و السيدة تهمينة. و عُدنا إلي طهران قبل عدة أيام من فك الحصار عن مدينة آبادان.

نشكركم علي إتاحة الفرصة لموقع تاريخ إيران الشفهي علي إجراء هذه المقابلة.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3446


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة