نوروز في ذكريات السجناء السياسيين

محمود فاضلي
ترجمة: هادي سالمي

2015-10-18


تلميح: تاريخ إيران زاخر بتضحيات و مثابرة و مقاومة رجال و نساء ضحوا بالغالي و النفيس من أجل إرساء الحرية و العدالة و الإستقلال، حيث تم تعذيبهم و زجّهم بالسجون. أولئك الرجال و النساء الذين قضوا أفضل أوقات حياتهم طوال نظام الشاه البهلوي في زوايا الزنزانات الإنفرادية، كما قضوا العديد من أعياد النوروز بعيدين عن أسرهم و مع عناصرالسافاك. بالرغم من أنه لايوجد في السجن «العشب الأخضر و الثوم و التفاح و السماق و الخل و الصفير و المصكوكات، ولكن ذكريات كلّ هذه السينات تدل علي ولادة و حياة جديدة و حبّ و جمال و سلامة و لون شروق الشمس و الصبر و الحكمة و مجيء الربيع و الجمال».

سجناء فترة النظام البهلوي كانوا يقيمون مجئ الربيع بأبسط ما يتملكون، حتي يظهروا أن الشتاء قد إنتهي. كلّ من ذكريات هؤلاء السجناء و التي حدثت في ظروفها خاصة، تم تأليفها و كتابتها بعد إنتصار الثورة الإسلامية، حيث تُذكّرنا بأيّام مرّة و حلوة من تلك الفترات.

 

كـان نوروزاً الحقيقي يدلّ علي يوم جديد...

كان محمد علي عمويي (1) من سجناء حزب التوده القدامي الذين يسرد ذكرياته من نوروز العام 1961 كما يلي: «سمح حراس السجن للأطفال الصغار بتمضية الوقت مع أبائهم في مراسيم عيد النوروز. حيث شهدت أجنحة السجن الأربعة حيوية كبيرة غير مسبوقة. كانت أجواء مراسم تلك السنة تختلف بشكل كبير عن السنوات الماضية. تواجد و حضور الأطفال في أجنحة السجن، غيّرت كافة البرامج التقليدية. كما يجب علينا أن ننظم برامج إحتفالية للأطفال وفقاً لذوقهم. شهدت أجواء السجن حالة فرح و سرور و حيوية. الأطفال و بشكل منفر و جماعي يتم إرشادهم داخل السجن. يذهب الآباء إلي إستقبالهم، و بعد معانقتهم و تقبيلهم، يذهبون لمعايدة الآخرين الموجودين، حيث لم يقلّ حنان و مشاعر هؤلاء بالنسبة لآبائهم، و يتعاطفون معهم عندما يشاهدون أن الأطفال يحدّقون بالأبواب و الجدران و الحديد و الخرسانة و المبني. كـان نوروز في الحقيقة يدلّ علي يوم جديد، كما كانت ساحة السجن مظهراً لأجمل و أبقي ذكريات و لحظات الإنسان و حبّه. مرة أخري تذوّق السجناء طعم محبة الأطفال الجميلة بعد إنقطاع إمتدّ لسنوات عديدة». (2)

يكتب السيد همو عن نوروز العام 1967: «إقامة أعياد النوروز، كانت حديث اليوم. طبيعة الساحة الجميلة و الطقس الربيعي الهادئ و الممتع، و أهم من كل ذلك، دعم و تعزيز التركيبة المتجانسة و علاقات سجناء الجناح الرابع الودية و فكرة إقامة المراسم بشكل مشترك داخل السجن. كما كان بعض أصدقاء الحركة يتابعون هذه الفكرة. موافقة السيد طالقاني تنهي الأمر بشكل كامل. كما جلبت الأسر فواكه و حلويات أكثر مما نحتاجه. أوّل غداء في السنة الجديدة نتناوله بشكل جماعي و يتم احضاره من خارج السجن. حيث نطلب من رئيس السجن أن يوفر إجازة دخول الأطفال الصغار إلي داخل السجن و مشاركتهم في إحتفاليات و أفراح الكبار. نبأ موافقة رئيس سجن القصر، يتم إستقباله من قبل السجناء السياسيين، شريطة الحفاظ علي الهدوء و تجنّب المظاهرات السياسية. كما تقام المراسم الرسمية و التقليدية للعيد في ساحة السجن. حيث مائدة السينات السبع و الفواكه و الحلويات في وسط الساحة . كما يبارك السيد طالقاني و بعدة جملات حلول العام الجديد و بعدها تقدم التحايا و التبريكات من قبل السجناء لبعضهم البعض.» (3)

لدي السيد عمويي تجربة مختلفة من نوروز العام 1975: (حين نقلنا في خريف العام 72 إلي سجن عادل آباد، شهدنا مرة واحدة حلول عيد النوروز. في بعض الغرف بدأت بعض النشاطات و الفعاليات المختصرة، كما يمكن مشاهدت وجود أطباق العدس و براعم القمح. لازالت أبواب الغرف مغلقة. و رغماً عناّ، يجب أن نقيم مراسم السنة الجديدة و إعداد الخضار و مائدة السينات السبع بشكل منفصل. ولكن في هذا العام و بالرغم خروج الوضع عن الحالة الإعتيادية في الجناح و إغلاق الأبواب، توجد إمكانيات كثيرة و الضباط يتعاملون معنا بود . علاوة علي وجودنا في السجن، هنالك العديد من الغرف الأخري تنتظر حلول عيد النوروز و أعدّوا العشب الأخضر   في غرفهم. من المدهش ألا نري الأبواب مقفّلة. كما لا توجد أقفال في الغرف الأخري. حيث يأتي عدد من الأصدقاء إلي غرفتنا. كسرت الحواجز بعد سنتين، و تري الغرف تشهد تردد السجناء علي بعضهم البعض. فيما لا يوصف حب و إشتياق زوار الربيع في تلك الأيام. فتح الأبواب و إمكانية تردد السجناء علي بعضهم البعض بحرية و دون قيود، يعتبر نجاحاً و إنجازاً قيما و ثمينا). (4)

 

نحن من إحتفلنا...

سيد محمد مهدي جعفري، الكاتب و المترجم و الباحث في النصوص الدينية و السجين السياسي في الفترة البهلوية، و صدر حكم بحبسه أربع سنوات في عامي 1963 و 1964 برفقة عدد من قادة و أعضاء حركة الحرية الإيرانية في المحاكم الإبتدائية و الإستئناف، يروي ذكرياته من نوروز العام 1967 كالتالي: «نظراً لوفاة الدكتور مصدق في الرابع من شهر إسفند عام 45، كانت أوقاتنا مريرة، لهذا أقيمت مراسم النوروز في غياب أب الشعب الإيراني. علاوة علي ذلك، إشتبكنا مع بعض مسؤولي السجن حول موضوع الزيارة، لهذا قمنا بالإضراب و أعلنا عن عدم الذهاب لزيارة أقاربنا في هذا العام. كان نوروز العام 1967، حيث أعلن مسؤولي السجن، أنه و علي العكس من الأعوام الماضية و التي تتم الزيارة بشكل حضوري مع عوائلكم و في الهواء الطلق، يجب هذا العام أن تتم الزيارة من خلف غضبان السجن. نحن قمنا بالإضراب و لن نذهب لزيارة أقربائنا. بدلاً عن ذلك، أقمنا إحتفاليات العيد. كما قام المهندس بازركان و السيد محمد جواد حجتي كرماني بإلقاء الخطب في هذه المراسم. فيما قرأت أنا أشعاراً من فرخي سيستاني في ذلك الإجتماع. » (5)

 

كل منّا يأخذ كعكة واحدة ...

مهين محتاج (6) تروي ذكرياتها من نوروز العام 1976 في السجن كما يلي: «كان حلول العيد في يوم الجمعة و بعد الغداء. لم تكن الزنزانة مضيئة كما يجب و يبدو الطقس غائماً. عندما تناولنا الغداء جاء الحارس بعد قليل و فتح الباب و كان بيديه وعاء و تقدم للأمام و قال: تقدموا و ليأخذ كل واحد منكم كعكعة واحدة فقط، حلّ العيد و أعطوا كل واحد منّا كعكعة جافة ... كان اليوم الأول من شهر فروردين العام 76.  إن إنشغالاتي الفكرية بحياتي الخارجية كانت تراودني بشكل كبير. في عيد السنة الماضية، كنّا يوم العيد في طهران و بعدها ذهبت مع طهران إلي همدان... كانت الطبيعة هناك طازجة و خصبة و خلابة. في كلّ مكان تنبعث روائح العشب و الزهور. يجب إستنشاق عطر الطبيعة في مدينة همدان. هبّت نسائم باردة و أحدثت موجة في مزارع القمح . كنت أصنع باقة ورد من البراعم المتفتحة و الملونة.»(7)

 

مرة أخري تزامن النوروز مع الفرح و السرور ...

السيد مهدي غني أحد المقاتلين قبل الثورة، يسرد ذكرياته عن عيد النوروز كالتالي: « كان نوروز 78 الأكثرتميّزاً في فترة نظام الشاه. لم يعلم أحدا أن هذا هو نوروز الأخير لحكم نظام الشاه علي إيران، ولكن توترت الأوضاع بين الشعب و النظام منذ السنة الماضية و كل يوم تدخل في مرحلة جديدة. في هذه الأثناء، إضراب السجناء عن الطعام و الذي إستمر إلي 29 يوم في سجن القصر، حظي بأهمية كبيرة. لقد أعلن السجناء عن مطالبهم المشروعة في شهر إسفند عام 1977، مثل الزيارة بشكل حضوري و الجرائد و المذياع و...  إلخ، و قاموا بالإضراب عن الطعام حينها. حيث إستمر هذا الإعتصاب حتي عيد النوروز، بعد مرور 22 يوم من الإضراب عن الطعام، بدأ الإعتصاب الجاف و هو الإمساك عن أي شيء. في هذه الأيام إضطربت عناصر الشرطة و السافاك حاول استغلال أي خطة لكسر هذا الإضراب. ولكن الأهم من مقاومة و صمود السجناء، كانت جهود أمهاتهم  خارج السجن. حرّمن عيد النوروز علي أنفسهنّ أو يترددن بشكل جماعي علي المنازل، أو يتجمعنّ في وسط الشارع و يطلبن مساعدة الناس و يقلنّ لهم أن فلذات أكبادنا يُمارسون الموت البطيء بحق. إنهنّ تناسينّ العيد و النوروز و السينات السبع، و يفكّرن بشيء واحد فقط، و هو في أي لحظة قد يتلقن نبأ وفات أحد أبنائهنّ من داخل السجن. أولئك الأمهات و في عشية رأس السنة الجديدة لعام 78 و عن طريق البريد، إتصلن بالشاه عن طريق برقية هاتفية و حذرنه في حال تعرض أبنائهن لأي مكروه، سيحرمنه من نومته الهادئة. كما قام العديد منهنّ بالتجمهر مقابل سجن القصر. في النهاية، مقاومة و صمود السجناء من جهة و متابعة الأمهات في خارج السجن من جهة أخري، أرغمت السافاك، و بعد إجراء مفاوضات مع السجناء، بقبول مطالبهم و إنتهي الإضراب بعد 29 يوماً. الأمهات اللواتي حرّمن عيد النوروز علي أنفسهن، قمن بتوزيع الحلويات بين الناس بعد سماع خبر كسر الإضراب من قبل السجناء، كما إحتفلن أمام سجن القصر. لهذا و لمرة أخري، تزامن النوروز مع الفرح و السرور».

 

أريد اعطائك عيدية. . .

قام آية الله هاشمي رفسنجاني بسرد ذكرياته عن العيد: «جاء السيد عضدي في إحدي المرات و قال: أريد أن أعطيك عيدية، و أنت في المقابل أعطني عيدية أيضاً. العيدية التي أقدمها   لك هي إطلاق سراحك، و العيدية التي نريدها منك أن تعطينا معلومات عن هؤلاء الإرهابيين لإستئصالهم و القضاء عليهم. أنا و لأننيسمعت عن تدخل السيد حكيم، و كان من المقرر أن يتم إطلاق سراحي، إلي حد ما، كان لدي أمل بالإفراج عني، لهذا صمدت و قلت لهم: أنتم جلادون، ما هذه المعاملة التي تعاملونني بها؟عاد و قال ثانية: هل تتصور أننا نخشي من السيد حكيم أو الآخرين؟ مرة أخري إتخذوا برنامجاً جديداً ضدي و قاموا بتعذيبي و ضربي بشكل مبرح». (8)

 

الشعور بالتجدد و الربيع أحياها في وجودي مرة أخرى...

تحدثت السيدة طاهرة سجادي (9) عن ذكرياتها في نوروز: «أنا و في المجموع، سُجنت ثلاث أو أربع مرات، الأولي كنت في اللجنة المشتركة و بقية فترة سجني كنت في سجن ايفين. الأذي و التعذيب اللذان تلقيتهما كانا في اللجنة المشتركة أكثر من أي مكان آخر. في أيام العيد كانت اللجنة المشتركة تشهد المزيد من الهدوء، كما الأصوات التي تنبعث إثر التعذيب تقل و بشكل كبير عن باقي الأيام، لأن أكثر المحققين يذهبون لإجازة العيد. و الذين يبقون لا يؤذوننا كثيراً. كان عيدنا الوحيد في اللجنة المشتركة هو السماح لنا بالزيارة فقط. أي كانت أجواء العيد تختلف تماماً في كل من سجن إيفين و القصر و اللجنة المشتركة . علي سبيل المثال، في اللجنة المشتركة كانت المساحة مغلقة تماماً و لا يمكن أن نطّلع علي أي شيء في الخارج، ولكن في سجن إيفين يمكن مشاهدة شجرة أو طير ينبأ بحلول الربيع. بمساعدة عجينة الخبز و اللعاب، نصنع طائرات صغيرة و مزهريات. أتذكر أنني صنعت غصناً متفتحاً ألهمني و أحيا في وجودي مشاعر الربيع و الأمل. حيث لم يبق شيء مما صنعته في ذلك الوقت».

كما أجابت علي هذا السؤوال، و هو هل تقدمون الهدايا لبعضكم البعض في العيد ؟ أجابت قائلة: «عادة، عندما يأتون بالأطفال لزيارتنا، نقدم لهم الطائرات الورقية الصغيرة و الرسوم التي نرسمها في إيفين كعيدية و هدية بمناسبة العيد. و من أجل تلوين الأشياء التي أصنعها من العجينة، أستخدم الحبوب التي أخذوها من مركز الصحة في السجن. في سجن إيفين و الذي كنت أتمتع بحرية أكثرفيه، أقوم بالرسم. بالطبع كانت رسوم بدائية و ساذجة، حيث قام البعض بالإحتفاظ بها للذكري. حتي أتذكر أنني عندما كنت في إيفين، لاسيما في عام 78، أقوم بالتطريز، كما أهديت واحدة منها إلي بنت أختي. قالوا لنا و لأول مرة في عام 77: «بإمكانكم أن تكتبوا الرسائل إلي أطفالكم!».

لفترة ما و بسبب إبتعادي عن قراءة الكتب، كانت الكلمات تهرب مني، رويداً رويداً سمحوا لنا بقراءة الكتب، حيث بدأت أتذكر الكلمات و بإستطاعتي أن أكتب ما يريده قلبي في الرسائل التي كنت أرسلها لأطفالي. كما أحتفظ بتلك الرسائل إلي يومنا هذا. عندما أقرئها بين الحين و الآخر، أنتبه إلي أنه و من خلال الإشارة إلي الأشياء التي كنت أراها في السجن، هنالك علامات من الربيع و العيد، أتحدث إليهم عن العيد حينها. لازلت أتذكر ضلال إضاءة ذكريات تلك الحمامة التي كانت قد أنشأت عشاً لها بجانب نافذة السجن و صوت دجاج السيريوس و حتي الضوء الذي يدخل من النوافذ داخل السجن، هذه أيضاً منحتني الأمل و الفرح. في تلك اللحظة التي كنت فيها داخل السجن، كنت أستوعب و أدرك جمال و حلاوة تلك الأحداث الصغيرة و الممتعة، و أطير من الفرح و الأمل.»(10)

 

يجب أن يذهب حتي يصل إلي سنته الجديدة...

محسن جيني فروشان، أحد السجناء السياسيين قبل الثورة، يسرد ذكرياته من أول يوم في السنة الجديدة كالتالي: «كنت داخل الزنزانة أنتظر العام الجديد. لم يتبق إلا أربع ساعات علي بداية العام 1975، حيث إنفتح باب الزنزانة فجأة. كان الحارس واقفاً عند عتبة الباب و يتطلع في وجهي.  قال بعد برهة: إنهض و تعال لأن لديك إستجواب! لم أتوقع الإستجواب في تلك اللحظات أبداً. حين سرت مع الحارس نحو غرفة الإستجواب، كنت أفكر في غرارة نفسي، ما هي القضية المهمة التي حدثت، حيث لم أنته بعد من إستجواباتهم في ليلة العيد. عندما دخلت إلي الغرفة، رأيت أخي جالساً علي الكرسي. كان المحقق يمشي في الغرفة، حدّق في عيني و قال: هل تري! أخوك هذا سيذهب إلي المنزل نعم نريد الإفراج عنه. لأنه إستمع و عمل بما قلناه له . أظنّ أنه و لساعة أخري سيجلس الي جانب أمك و أبيك و باقي أعضاء أسرتكم الى جانب مائدة السينات السبع. ولكن أنت البائس الفقير، ستكون إلي فترة ضيفنا في هذا المكان!كان يتهجم عليّ بألفاظ وضيعة جدا و يحقّرني أمام أخي. في تلك اللحظات، أجواء عاطفية غريبة إكتضت بها غرفة الإستجواب، حيث تأثرت بشكل كبير. إتخذ المحقق آخر أساليبه و آلياته لإقناعي بمقترحاته . كان ينوي أن يدمر نفسيا في أصعب و أحلك اللحظات. بعد بضع دقائق من الكلام، اقترب مني و قال: يمكنك الآن أن تودعه إذا ما أردت ذلك. أسرع لأنه يريد أن يصل إلي موعد السنة الجديدة! قمت من الكرسي و عانقت أخي حينها.»(11)

 

إقرأ القرآن الكريم يا مجيد!

السيد مسعود ستودة أحد مقاتلي قبل الثورة يروي أول يوم من عيد نوروزالعام 1974 في السجن كما يلي:

حلت ليلة العيد . نحن الذين برمجنا من قبل لهذه المراسم. جهزنا كمية من الفواكه و وضعناها في وسط الزنزانة علي الأرض. هذه الفواكه جاء بها الزوار قبل فترة، و  إحتفظنا بها لهذه الليلة . تزامناً مع حلول السنة الجديدة، تم بث خطبة الشاه عن طريق مكبرات الصوت داخل السجن. عَمد رؤساء السجن علي هذا الأمر بهدف محاربتنا نفسياً . يجب أن نفعل شيئاً لإثبات وجودنا و حضورنا بشكل مستمر. نظرت إلي مجيد و قلت له: « إقرأ القرآن الكريم يا مجيد!» كأنما كان ينتظر الطلب، قال: «أي سورة؟» قلت له و بشكل متعمد إقرأ سورة «ألم تر كيف . . . »، و هو قام بقرائتها بصوته الشجي و الجميل. قرأتها بشكل جميل حيث تأثر الجميع بقرائتها. فجأة دخل عنصران لمنع هذه القراءة، ولكننا إستمرينا دون الإلتفات لهم . كما أن هذين العنصرين تأثرا بشكل كبير باالبرنامج و الحالات المعنوية و النفسية المتجلية في السجناء، و لم يخالفا هذا الأمر علي الإطلاق. بعد إتمام قراءة القرآن الكريم و وفقاً للتقاليد القديمة، ذهبنا لمعايدة بقية السجناء و عانقناهم و باركنا لهم العيد.»(12)

 

لقد جائت الأسر حاملين معهم كميات من الطعام في أول يوم من أيام العيد...

السيدة عاطفة جعفري (13) إحدي سجينات ما قبل الثوره تروي لنا ذكرياتها من نوروز العام 76 كما يلي:

«سمعت من العوائل، أنه و باقتراب العيد، طلب السجناء من الرجال زيارات حضورية. قررنا أيضاً و بعد محادثات بيننا أن نرسل السيدة رقية بالنيابة عنا و أن نطالب بزيارة حضورية. إذا لم يوافقوا علي طلبنا سنقوم بالإضراب عن الطعام. في ذلك الوقت، لم يصعبوا الأمور في السجن بشكل كبير. أخيراً وافقوا علي زيارات حضورية لفترة خمسة أيام في نوروز عام 76 أيضاً. جائت الأسر حاملين معهم كميات من الطعام في أول يوم من أيام العيد. ناهيك عن حضور الأسرة المقربة، جاء عدد من الأفراد الآخرين.»(14)

 

تجمدت عيناي على خضرة الربيع ...

السيدة فريدة لاشايي (15) و التي اعتقلت في العام 73 و أفرج عنها العام 76، تروي لنا ذكرياتها عن حبسها في أيام العيد: « قبل بضعة أسابيع من حلول العيد و فيي الإجتماع العام كان الحديث عن إحتفالية العيد و عدم الموافقة علي إقامة مراسم النوروز في السجن. كان عدة أشخاص يقولون علينا عدم مناصرة الإحتفالات التقليدية. كما يقول الآخر أن جمشيد شاه هو من أسس إحتفال العيد في إيران و يعتبر إحتفالا ملوكيا. برأيي هذه الكلمات كانت علي غرار الثورة الثقافية في الصين، حيث كانت لها نفوذاً كبيراً في الحركات اليسارية الإيرانية. كل ما قدمنا دلالات علي عدم وجود جمشيد شاه، و أنه جاء في الأساطير و أن إحتفال النوروز هو تقليد شعبي، لم يجدينا ذلك نفعاً. كما أن الحديث حول جلب أي نوع من الطعام في الأسبوع المقبل من قبل الزوار إستغرق وقتاً طويلا. تعتبر الحلويات و الفواكه الطازجة جزء من الأطعمة الفاخرة و البرجوازية. ولكن لم تقام مراسم العيد في جناحنا علي الإطلاق. قبل بضعة أيام من حلول العيد، قمت بوضع البذور التي جمعتها من خلال تنظيف الجناح بواسطة المكنسة داخل قارورة بلاستيكية، حيث نمت و أصبحت خضراء و تم وضعها علي نافذة الممر. في ذلك الفضاء الرمادي كنت أقف الي جانب النافذة لساعات مديدة و أحدق بخضرة الربيع. ولكن إختفت الأعشاب الخضراء بشكل مفاجئ بعد يومين أو ثلاث»(16).

 

الهـوامـش:

1ـ يعتبر السيد محمد علي عمويي، من قدامي السجناء السياسيين في إيران، حيث قضي 25 عاماً من عمره في السجن قبل الثورة في إيران. في العام 1978، قامت الجلسة السادسة عشرالعامة لحزب التودة بإختيار السيد عمويي و خمسة آخرين من أعضاء منظمة ضباط الحزب الذين كانوا في سجون النظام البهلوي آنذاك بشكل غيابي بعضوية اللجنة المركزية . كما قامت اللجنة السياسية في الحزب في العام 1979 بإختيار عمويي في عضوية مجلس الأمناء (و بعدها ضمن اللجنة السياسية). و قررت الجلسة العامة و التي عقدت عام 1981 بإبقاء عضويته في مجلس الأمناء و إختياره كمسؤول للعلاقات العامة و العلاقات الدولية.

2ـ ألم الدهر، ذكريات محمد علي عمويي، دار إشاره للنشر، الطبعة الخامسة، 1387، ص 201.

3ـ ألم الدهر، نفس المصدر، ص 287.

4ـ ألم الدهر، نفس المصدر، 483.

5ـ تمشيّاً مع الحرية ذكريات الدكتور مهدي جعفري الشفوية، حوار السيد قاسم ياحسيني، صحيفة خرداد، عام 1389، ص 252 ـ 253.

6ـ معصومة (مهين) محتاج، تم إعتقالها لمرتين في عهد النظام الشاهنشاهي و تعرضت لأنواع التعذيب، كما تم سجنها في عدة سجون. قامت بكتابة ذكرياتها بشكل سردي. مهين محتاج، الباحثة و المترجمة و محررة مركز التنمية الفكرية، شرعت بالكتابة في الساعة الرابعة من ذلك اليوم منذ العام 83 و إنتهت من كتابته العام 87، ولكنه نُشر في العام 99. قامت الكاتبة بسرد الحوادث بشكل مفصل و بدقة خاصة،  تفاصيل المحادثات و الذهاب لغرفة الإستجواب ما يقارب 63 مرّة.

7ـ الساعة الرابعة من ذلك اليوم، مهين محتاج، شاعرة، 1381، ص 185 ـ 186.

8ـ سوف تكون لليل نهاية، بجهود السيد يعقوب لطفي، موقع متحف عبرت، عام 1391، ذكريات آية الله هاشمي رفسنجاني.

9ـ السيدة طاهرة سجادي، أحد المقاتلات المسلمات الي جانب زوجها السيد مهدي غيور، بدأت فعاليتها و نضالها السياسي في الخمسينيات. تم القبض عليهما و تعذيبهما فيما بعد هي و زوجها، و ذلك بسبب علاقتهما الواسعة مع منظمة مجاهدي خلق و وضع منزلهما و حياتهما فيإختيار المنظمة، لاسيما إتهامهما بملف إغتيال الأمريكيين من قبل السافاك.

10ـ موقع متحف عبرت، العيد من نافذة السجن 28 من شهر إسفند لعام 1390.

11ـ ذكريات السجن، سعيد غيائيان، (سوره مهر)، 1388، ص 250 ـ 249.

12ـ ذكريات السجن، نفس المصدر، 255 ـ 256.

13ـ تم القبض علي السيدة عاطفة جعفري في عام 1971. كما تعتبر أول إمرأة سياسية سجينة في زمن الشاه. تم إعتقالها بعد إشتباك مع عناصر السافاك، ولكن قتلوا ثلاثه أشخاص كانوا معها في تلك الحادثة. حُكم عليها بالسجن لخمس سنوات، ولكن تم الإفراج عنها بعد مرور 6 سنوات و نيف قبل إنتصار الثوره الإسلامية.

14ـ (داد بيداد)، ويدا حاجبي تبريزي، (بازتاب نكار)، الطبعة الثالثه عام 1384، ص 143.

15ـ وُلدت فريدة لاشايي في عام 1323 في مدينة رشت. كما قضّت فترة طفولتها في شمال إيران. كان أبوها قائم مقام مدينة لنكرود، كما صوّرت رواية ( شال با مو) متأثّرة بثورة ميرزا كوجك خان جنكلي . تركت أعمالا الفنية كرسامة متميزة و كاتبة بارعة. كما يشار إليها كأحد الرسامات المتميزات في العقود الثلاث الأخيرة. فارقت الحياة في السادس من شهر إسفند لعام 1391.

16ـ (داد بي داد)، نفس المصدر، ص 273 ـ 272.

 

المصدرالفارسي

 

 

المصدرالفارسي



 
عدد الزوار: 4161


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة